بعد عشرة أيام من قيام مسلح بفتح النار على عشرات المصلين بمسجدي كرايستشيرش، ليرديهم قتلى، وعدت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن بالرد، وقالت إن حكومتها ستأمر بإجراء تحقيق لدراسة المخاوف التي تتملك كل مواطن نيوزيلندي، خصوصاً المسلمين في البلاد، لكن هل كان بالإمكان منع ذلك الاعتداء الإرهابي؟
قالت أرديرن إن التحقيق سيضع أولوية للتشاور مع الجالية المسلمة التي تعرضت للتهميش، لفترة طويلة، وباتت الآن يائسة من الحصول على تأكيدات بشأن سلامة أفرادها.
لكن في منتصف طريق التحقيقات المفترض أن يستغرق ثمانية أشهر، أفاد أعضاء لجنة من المسلمين المؤثرين، الذين جرى تعيينهم لتقديم المشورة لجهات التحقيق، بأنهم تعرضوا للتهميش من قبل المسؤولين القائمين عن تلك التحقيقات.
وأشار أعضاء اللجنة إلى أن عملية التحقيق كانت معيبة من البداية، إذ إن معايير التحقيق قد جرى تحديدها من قبل المسؤولين الحكوميين دون أي مشاركة من المسلمين، وأنهم لا يملكون مطالبة جهات التحقيق النظر في أمور محددة، مثل طريقة معاملتهم من قبل أجهزة إنفاذ القانون في السنوات التي سبقت الهجمات.
وأفاد العديد من المسلمين أعضاء اللجنة بأن التحقيق أعطى الأولوية للأدلة المقدمة من المسؤولين الحكوميين، حسب المسلمين أعضاء اللجنة، الذين أهملوا في أداء واجباتهم في الفترة التي سبقت المذبحة، وأنهم أعطوها أولوية على شهادات المسلمين. وكشفوا أن المحققين استمروا في ممارسة عملهم لأكثر من شهرين قبل أن يعقدوا الاجتماع الأول للجنة الاستشارية الإسلامية التي ضمت 35 عضواً. وقال المشاركون إن الاجتماع كان خالياً من المضمون، وتركهم غير مدركين لطبيعة المساهمة المطلوبة منهم.
تلك الخطوات الخاطئة، إلى جانب الاندفاع لإنهاء التحقيق بحلول نهاية العام في عملية سرية بالكامل تقريباً، جعلت المسلمين في اللجنة، وفي المجتمع بصفة عامة، يخشون الحرمان من العدالة ومن التزام الحكومة الدقة والشفافية.
وفي هذا الصدد، قالت سهرة أحمد، عضو اللجنة الاستشارية والممرضة بالعيادة الملحقة بمسجد كرايستشيرش: «لم يقتصر الأمر على قيام هذا الرجل بمهاجمتنا وقتلنا، بل جعلنا أيضاً نشعر بأننا لا نملك سلطة ولا سيطرة على نتائج التحقيقات».
وقالت سندس قرآن، عضو اللجنة الاستشارية الإسلامية المرتبطة بالتحقيق في مذبحة 15 مارس (آذار)، «إنهم يواصلون إخبارنا بأن هذا الأمر في صالحنا، لكنني لم أر ذلك بعد».
ورأت شيماء عارف، محامية معنية باللاجئين وعضو اللجنة، أن اللجنة ينقصها الثقة، مضيفة أنها «ليست شفافة للغاية، والناس لا يعرفون ما إذا كانوا يستطيعون الوثوق بالنظام، ولا يعرفون ما إذا كانوا يستطيعون الوثوق في العملية. تبدو وكأنها أداء واجب ورمزية للغاية».
يبلغ عدد المسلمين في نيوزيلندا 46 ألف نسمة، ويشكلون نسبة واحد في المائة من تعداد السكان، لكنهم لم يحظوا بتمثيل تقليدي في السياسة أو في الحياة العامة. وجاء هذا التحقيق المهم، ليجعل الأمر أكثر صعوبة، حيث يحاول المسؤولون التوصل إلى كيفية التواصل مع الأشخاص الذين يتحدثون أكثر من نصف دزينة من اللغات ومن أصحاب الخلفيات الثقافية المتنوعة.
في بيان رسمي، قالت المتحدثة باسم لجنة التحقيق، سيا أستون، إن القائمين على التحقيق يتطلعون إلى سماع إفادات ومشاورات أعضاء الجالية المسلمة، ورحبت «بأهالي الضحايا وعائلاتهم وفق شروطهم وفي المكان والزمان الذي يناسبهم».
تعتبر المجموعة الاستشارية الإسلامية مجرد سبيل للتشاور بين اللجنة والمجتمع. تظهر المذكرات الصادرة عن اللجنة أن التحقيق قد استمع إلى عدد قليل من المنظمات الإسلامية، أما قائمة الأشخاص الذين جرت مقابلتهم، فإن جميع أعضائها تقريباً من المسؤولين الحكوميين والشخصيات الأمنية والأكاديميين.
وقالت سندس قرآن، طالبة قانون وعضو في المجموعة الاستشارية، إنه كان من الواجب على اللجنة أن تتوجه إلى المجتمع الإسلامي الأوسع أولاً.
وأضافت: «إنهم يواصلون إبلاغنا بأن ما يجري الآن في صالحنا، لكنني لم أرَ ذلك بعد. نحن نفعل هذا كأشخاص ولأننا نعرف ما يجري ولأن لدينا أسئلة يجب طرحها على الجهات الحكومية».
كانت السيدة قرآن من بين 35 مسلماً اجتمعوا للمرة الأولى في أواخر يوليو (تموز) في مركز اجتماعات تقليدي بمسجد كرايستشيرش. وبعد الترحيب المعتاد، طلب أعضاء اللجنة المسلمون من المسؤولين الذين يعقدون الاجتماع مغادرة القاعة حتى يتمكنوا من التحدث على انفراد.
بعد عودة المسؤولين، أصر المشاركون المسلمون على أن لديهم الكثير من الأسئلة حول الدور الذي طلب منهم القيام به في التحقيق. لكن العديد من المسلمين الذين حضروا أفادوا بأنهم لم يحصلوا على أي معلومات حصرية غير متاحة لغيرهم في المجال العام، وأنهم لم يسمح لهم معرفة المزيد من المعلومات منذ مشاركتهم في اللجنة، وقالوا إن أسئلتهم حول الغرض من مشاركتهم في اللجنة لم تحظَ بإجابات وافية.
وقالت سهرة أحمد، عضو اللجنة الاستشارية، «لم يقتصر الأمر على مهاجمة هذا الرجل لنا وقتلنا، بل جعلنا نشعر أننا لا نملك سلطة، ولا سيطرة على نتائج التحقيقات».
أضافت سهرة: «ذهبت إلى اجتماعات الحي التي كانت منظمة بشكل أفضل. كان يوماً مخجلاً». وقالت: «الأشخاص الوحيدون الذين تحدثت إليهم بصورة رسمية هم الوكالات الحكومية المسؤولة عن الإهمال الذي أدى إلى وقوع اعتداءات 15 مارس (آذار)». هذا الإهمال، بحسب بعض النقاد، تضمن تقاعساً واضحاً من جانب وكالات الاستخبارات بعد أن حذر قادة مسلمون من موجة متصاعدة من التهديدات التي وجهها المتعصبون البيض.
ومن المعلوم أنه يجب الحفاظ على سرية بعض المعلومات المتعلقة بمسائل الأمن القومي، وضمان محاكمة عادلة للمشتبه به في المذبحة. .
* «نيويورك تايمز»