«شارع السمسم» في عامه الـ50... ما زال يجذب الصغار والكبار

بعد 4526 حلقة ما زال يحقق ملايين المشاهدات على يوتيوب

شخصية «إلمو» من أحب شخصيات «شارع السمسم» (نيويورك تايمز)
شخصية «إلمو» من أحب شخصيات «شارع السمسم» (نيويورك تايمز)
TT

«شارع السمسم» في عامه الـ50... ما زال يجذب الصغار والكبار

شخصية «إلمو» من أحب شخصيات «شارع السمسم» (نيويورك تايمز)
شخصية «إلمو» من أحب شخصيات «شارع السمسم» (نيويورك تايمز)

كم من طرق يمكنك الغناء بها لحرف B؟ في «شارع السمسم»، حتماً ستجد كثيراً من الإجابات. منذ انطلاقه عام 1969، أعاد البرنامج التلفزيوني تعريف معنى تعليم الأطفال من خلال التلفزيون. قبل «شارع السمسم» لم يكن ذلك ممكناً، فبمجرد بدء المسلسل كتجربة جذرية ربطت بين البحث التربوي والمثالية الاجتماعية وجنون الدمى والترويج بالأناشيد، بات من الواضح أن الأطفال من الممكن أن يتقبلوا درساً نحوياً على هيئة أغنية.
اصطف النجوم ذات الأسماء الكبيرة كضيوف شرف ليصبحوا أساطير فيما بعد، «مثل ستيفي وندر وغروفر؛ ولوريتا لين والكونت؛ وسموكي روبنسون». وقبل فترة طويلة من تبني البرنامج للمناهج الدراسية، كان «شارع السمسم» يقدم عروضاً من إيقاعات الأفرو الكاريبي الموسيقية وعروضاً من الأوبرا والإيقاعات اللاتينية، وعروض برودواي.
أفاد لين مانويل ميراندا: «إن شارع السمسم هو أحد أقدم الأمثلة التربوية الموسيقية التي سمعتها». أضاف في رسالة بالبريد الإلكتروني: «لقد تعلمت من (شارع السمسم) أن الموسيقى ليست ممتعة للغاية فحسب، بل هي أيضاً أداة سرد وتدريس فعالة للغاية. علاوة على ذلك، فإن أغنياتهم هي الأقرب إلى كتب الأغاني التي عهدناها في الطفولة».
بدأ ميراندا التلحين لـ«شارع السمسم» بعد فترة قصيرة من فوزه للمرة الأولى بجائزة «توني» عام 2008، وأصبح صديقه بيل شيرمان، وهو الآخر فاز بالجائزة نفسها، مديراً لموسيقى «شارع السمسم» العام التالي. واليوم، مع تحقيق مئات الملايين من المشاهدات عبر الإنترنت، لا تزال هذه السلسلة تستضيف نجوم موسيقى البوب، مثل جانيل موناي، وروميو سانتوس، وإد شيران، وكيتي بيري، وبرونو مارس؛ ليغنوا في نفس الديكور الذي شهد المغنية الشهيرة نينا سيمون عام 1972 وهي تؤدي أغنية «أن تكون شاباً أسود موهوباً».
الآن ومع احتفالها بمرور 50 عاماً على انطلاقها وبعد 4526 حلقة، ناهيك عن العروض الخاصة والأفلام والألبومات وغيرها، أصبح إرث «شارع السمسم» واضحاً، وهو أن البرنامج أثّر على عالم الموسيقى بقدر ما شكّل تاريخ التلفزيون، وألهم عدداً لا يحصى من المعجبين وأجيال الفنانين، ما زال العرض مبتكراً، ولا يزال قادراً على إيجاد مزيد من الطرق للغناء بصوت عالٍ.
في أواخر الستينات، عندما بدأ المنتج التلفزيوني جوان جانز كوني، والخبير النفسي ومدير أعماله الخيرية، لويد موريسيت، تطوير حلقات «شارع السمسم»، كان هدفهما تمرين الأطفال على الاستعداد للمدرسة وتضييق الفجوة التعليمية بين المستويين الأدنى والأعلى. ولتحقيق ذلك الهدف، استعان البرنامج بأستاذ بجامعة هارفارد لاستشارته في الناحية التربوية، واستعاروا شخصيات من التلفزيون التجاري لعمل شخصيات لا تنسى، بما في ذلك شخصيات «مابيت» للمخرج ومحرك العرائس جيم هينسون.
أظهرت الأبحاث أيضاً أن الأطفال كانوا أكثر انفتاحاً عند مشاهدتهم للبرنامج رفقة الكبار، وهكذا جاءت استضافة المشاهير (في الحلقة الثانية، الممثل جيمس إيرل جونز ينطق الأحرف الأبجدية بطريقة مسرحية بطيئة جداً) والمحاكاة الساخرة للأغاني التي يعرفها الآباء والأمهات.
لكن الشخص الأكثر ارتباطاً بالأسلوب الموسيقي للبرنامج كان المخرج الموسيقي جو رابوزر، وهو مؤلف موسيقي كلاسيكي وخريج هارفارد وعازف الجاز أيضاً.
في السنوات الأولى، عندما قام «شارع السمسم» بإنتاج 130 حلقة (مدة كل حلقة ساعة) خلال عام واحد (كانت تبث أحياناً 5 مرات في اليوم)، كان إنتاج رابوزو مذهلاً حيث كتب أكثر من 3000 قطعة جاهزة للعرض، كانت مؤلفات أصلية يتراوح زمن الواحدة ما بين بضع ثوانٍ إلى عدة دقائق.
كان استخدام الموسيقى في «شارع السمسم» يجري بـ3 طرق؛ خلفيات لدعم الرسوم المتحركة ومقاطع أفلام، وعروض حية لفنانين مشهورين، وأيضاً كأغنيات تؤديها الشخصيات. كتب رابوزو أغنية «C for Cookies» وكذلك أغنية «Bein ‹Green» التي حققت نجاحاً كبيراً عندما قدّمتها لينا هورن، ثم المغني راي تشارلز.
كان من بين الإنجازات التي حققتها «شارع السمسم» الاعتقاد بأن الموسيقى يجب أن تكون متعددة الثقافات، بحيث تتضمن شخصيات من أجناس مختلفة تعيش في منطقة حضرية متناغمة. وفي هذا المعنى، قال كريستوفر سيرف، الذي انضم إلى «شارع السمسم» عام 1970: «لقد دافع جو (مؤلف الكلمات) بالفعل عن ذلك»، وواصل كتابة مئات الأغاني على مدار 45 عاماً.

جاذب للمواهب الموسيقية
ومع توسع «شارع السمسم»، جذب البرنامج مزيداً من المواهب الموسيقية الرئيسية إلى مداره، حيث قام عازف الجاز توتس ثيليمانز، الذي قدّم أداءً مع بيني غودمان وإيلا فيتزجيرالد وتشارلي باركر، بعزف آلة الهارمونيكا مع الأغنية، فيما قدّمت غريس سليك غناء لتسلسل الأرقام.
كان كارلوس ألمور عازف الجيتار في أول فرقة «شارع السمسم»، وقام بجولة مع جيمس براون، قبل أن يكتب أغنية «فيم» للمغني البريطاني ديفيد بوي.

ليس هناك أي شخص كبير على المشاركة في «شارع السمسم»
حددت السنة الأولى من العرض مهمتها، المتمثلة في الارتقاء الاجتماعي والعاطفي بذوق المشاهد، باستضافتها ضيوفاً رائعين، مثل بيتي سيغر وأوديتا. عام 1973 وصل المغني ستيفي وندر ضيفاً على مدى حلقة كاملة. ومع مجموعته الكاملة، قام وندر بأداء أغنية «سوبر ستيشن» على الهواء مباشرة لجمهور من الأطفال - وليس لممثلين محترفين – وسرعان ما أصبحت إحدى اللحظات الموسيقية المميزة للتلفزيون.
في ذلك الوقت، بات من الممكن «فعلياً إحضار أي شخص تقريباً للبرنامج»، بحسب سيرف، كاتب الأغاني منذ فترة طويلة، مضيفاً: «وبدأ الناس في الاتصال بنا، وخاصة المشاهير ممن لديهم أطفال».
وفي أول ظهور له، في عام 1973، أحضر جوني كاش ابنه الصغير لحضور التسجيل، وفي التسعينات عاد مع حفيدته وابنته روزان كاش. وطيلة أواخر سبعينات وثمانينات القرن الماضي، انضم مشاهير، مثل كارلي سيمون، وليندا رونستادت، وديانا روس، وبول سيمون، وبيلي جويل. وفي التسعينات من القرن الماضي، وبعد الألفين، انضمت سيلين ديون، وديكسي تشيكس.
لأجيال من الأطفال الذين شاهدوا الحلقات من المنزل أو المدرسة، كانت الرسالة أنه حتى النجوم المشهورة عالمياً بات من السهل الوصول إليهم؛ حيث «لم يكن هناك أي شخص كبير بالنسبة لـ(شارع السمسم)».
ظل العرض ملتزماً بتسليط الضوء على الفنانين الذين قد لا يكونون على دراية بالجمهور السائد. وكان هناك دائماً مجال للنجوم الكلاسيكيين، وغالباً ما كان يتكرر ظهور الزوار، فمثلاً ظهر عازف الكمان إسحق بيرلمان عدة مرات في الثمانينات، ولا يزال الناس يعرفونه من خلالها. ولأن العرض خلط الموسيقى بسلاسة مع عناصر فنية أخرى، فقد بات أشبه «بحبة من السهل جداً بلعها»، على حد قول بيرلمان. (بيرلمان الذي استخدم العكازات منذ أن أصيب بشلل الأطفال، شارك أيضاً في جزء 1981 المؤثر الذي تناول الاختلاف الجسدي له.)
كان من الممتع لأي شخصية مشهورة أن توجد في «شارع السمسم» السريالي، والمريح في الوقت نفسه. إذا نشأت وسط هذا العالم فإنك حتماً ستشعر أنك في غرفة نومك في فترة الطفولة، لكن مع مجموعة من البالغين يركضون حولك داخل دمى مبطنة يتحدثون بأصوات عالية النبرة بأسلوب محبب للأطفال.
ومع ذلك، ينسى الفنانون الضيوف على الفور أن هناك أي شخص ما داخل دمية «إرني» أو «آبي كادابي». قالت نورا جونز، الفائزة بجائزة «غرامي» عام 2004 عن أغنيتها «Don›t know why»: «كنت أعرف، بالطبع إنها دمية بداخلها شخص. لكنني كنت أشعر كأنها شخصية حقيقية».
كيف تصبح أغنية «السمسم»؟ لقد بدأ الأمر من خلال إعداد مقرر دراسي، فكل عام يحدد الخبراء الخارجيون القضايا الأكاديمية والاجتماعية الملحة، وبناءً عليه، وبالتعاون مع روزميري تزرغيلو، نائبة رئيس البرنامج لقضايا المحتوى التعليمي، يبدأ العمل على تصميم موضوع تعليمي لذلك الموسم من البرنامج. ويمكن أن تكون للحلقات أهداف فردية أيضاً، كما أن أساسيات ما قبل المدرسة، مثل الأرقام والحروف والاستعداد للقراءة، تعد عناصر دائمة.
بعد ذلك، يعمد كتّاب السيناريو إلى كتابة الأغاني، فبحسب كريستين فيرارو، كاتبة «شارع السمسم»، فإن «الأطفال الصغار لديهم انتباه قصير المدى. فإذا كانت الحلقة مجرد كلام فسينصرف اهتمامهم عنك».
بعد تسجيل كلمات الأغنية، يقوم شيرمان وفريقه بأدائها. لكن الإيجاز والتكرار هما المفتاح، فأغاني «شارع السمسم» تعتمد في معظمها على عبارات قصيرة محكمة ذات جاذبية. قال شيرمان: «أنت تحاول أن تجعلها بسيطة مع عروض توضيحية، قبل أن تذهب بها إلى المنتجين والفنانين لسؤالهم عن مقترحاتهم. لكن يجب عليهم اجتياز الاختبار النهائي، عبر عرضها على ابنتيه (6 و8 سنوات)».
حتى بالنسبة للمخضرمين، فإن أهداف المناهج الدراسية في الموسم الـ50 الذي يحمل عنوان «قوة الاحتمالات» والذي يعتمد على التسلية والتعليم. ومن ناحية أخرى، حسب سيرف: «أنت تعلم أنه إذا لم تتمكن من تحديد أهدافك، فلن تتمكن من إقناع المشاهد الصغير».
تأليف الأغاني لتؤديها شخصية حيوان ذي فرو في البرنامج أمر له طابع خاص، فـ«ليس هناك ما هو أكثر سريالية من الحصول على بريد إلكتروني، مرفق به pdf، مع النطاقات الصوتية لشخصيات (شارع السمسم)، فهو يشبه تلقي موجز الأمن القومي».
استمرت الحلقات فترة طويلة بما فيه الكفاية حتى إن الأطفال الذين تربوا على أغنياته أصبحوا هم الآن من يكتبونها. عندما جرّب مات فوغل عزف أغنية «بيج بيرد»، واستعد للاستماع إلى ألبوم بيغ بيرد الكلاسيكي، لكنه استند في الغناء على ذكرياته الخاصة للشخصية والعرض في أوائل الثمانينات، وهو ما فسره بقوله: «ما زلت أسمع المؤثرات الصوتية والأدوات في رأسي».
إن ما يوحد طاقم العمل والطاقم هو تفانيهم الشديد في مهمة «شارع السمسم». تذكرت كارمن أوسبهر، التي ترعرعت في المكسيك، والتي تعلمت الإنجليزية من أغاني البرنامج. فمنذ طفولتها تفتحت عيناها على «بلازا سيسامو»، النسخة المكسيكية من الحلقات ذاتها. عملت كارمن مع طاقمها للمساعدة في البرنامج لاحقاً، وعلقت قائلة: «نفس السعادة والحزن، كل المشاعر التي تجلبها الموسيقى، وكل ما يجب على عالم شارع السمسم أن يعطيه، أصبحت أشعر به مجدداً، لكن بعد أن صرت جزءاً منه، وأصبحت قادرة على نقله».
يدرك شيرمان ثقل الإرث، ويستخدمه كشرارة محفزة له، وهو ما عبر عنه بقوله: «يبدو الأمر وكأنني في سباق مراحل، وها قد تلقيت العصا».
أضاف: «لقد كتبت مئات الأغاني عن الحرف A، وأنا أحاول دائماً أن أتحسن، وأفكر دوماً كيف يمكنني عمل أغنية عندما يسمعها الطفل لا يفكر في شيء سوى حرف A».

- خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».