تساؤلات حول «إنجاز» الدبلوماسية الفرنسية في بياريتز بشأن الملف النووي الإيراني

مصادر أوروبية: ماكرون «ذهب أبعد مما يلزم» بإشارته إلى توافر شروط قمة ترمب ـ روحاني

TT

تساؤلات حول «إنجاز» الدبلوماسية الفرنسية في بياريتز بشأن الملف النووي الإيراني

هل استعجل الرئيس الفرنسي، بعد ظهر الاثنين الماضي، في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الأميركي، في الإعلان أن «الشروط للّقاء (بين الرئيسين الأميركي والإيراني)، وبالتالي لاتفاق، قد توافرت»؟ وهل استعجل دونالد ترمب، من جانبه، في الرد بالإيجاب على سؤال عما إذا كان التوصل لاتفاق ممكناً؟ وقد ذهب إيمانويل ماكرون أبعد من ذلك، بإعلانه أن لقاء القمة قد «ينعقد في الأسابيع المقبلة» (ربما في إشارة منه إلى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) التي سيحضرها ترمب وروحاني)، وأنه سيكون حاضراً في مثل هذا اللقاء.
السؤال أخذ يطرح في الصحافة الفرنسية. فبعد الإشادة، يوم الثلاثاء، بـ«النجاح الدبلوماسي» للرئيس إيمانويل ماكرون في إحداث «اختراق» في الملف النووي الإيراني، من خلال استدعاء وزير الخارجية الإيراني إلى بياريتز، بعد أقل من 48 ساعة من مغادرته باريس، وبحسن إدارته لـ«قمة السبع» طيلة يومين في المنتجع الراقي، بل «تطويع» الرئيس الأميركي، انقلبت الأمور رأساً على عقب، وتغيرت مقاربتها لهذا الإنجاز.
ومرد ذلك إلى ما صدر عن روحاني، بعد 24 ساعة فقط، حيث عاد إلى فرض «الشروط» التي يريد توافرها لقبول الالتقاء بترمب، مطالباً إياه بـ«الاعتذار» إلى إيران والقيام بـ«الخطوة الأولى» التي هي «رفع العقوبات الجائرة كافة» بحقّها.
وبعد أن كان تركيز التقارير الإعلامية على قبول ترمب الالتقاء، عاد المحللون للتذكير بأنه ربطه بـ«توافر الشروط»، لذلك عاد البحث ينصب على مدى توافرها، وعما إذا كانت الجهود الدبلوماسية التي بذلها الرئيس ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لو دريان قد نجحت حقيقة في توفيرها.
في خطابه المطول أمام السفراء الفرنسيين ظهر الثلاثاء، طرح ماكرون نجاح قمة بياريتز، وتحديداً التطورات الخاصة بالملف النووي الإيراني كمثال على «نجاح» الدبلوماسية الفرنسية، وحثّ سفراءه عبر العالم على التحلي بـ«الجرأة» و«روح المبادرة».
تعترف مصادر دبلوماسية أوروبية بـ«المهارة» التي أظهرها الرئيس الفرنسي في هذا الملف، لجهة استباق اللقاءات الجماعية باجتماع مطول، وعلى انفراد مع ترمب، الذي أشاد به علانية وبـ«تحضير الأرضية» لما أعلنه بعد ظهر الاثنين. كذلك استفاد من رغبة الرئيس الأميركي، التي رددها كثيراً من المرات، في لقاء قمة مع روحاني، على غرار ما فعل مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. إلا أن هذه المصادر تأخذ عليه «ذهابه أبعد مما يلزم» من خلال تأكيده على «توافر شروط اللقاء»، بل التوصل إلى اتفاق. وتضيف هذه المصادر أن ماكرون «لم يكن حذراً بما فيه الكفاية»؛ لأن الطرف الإيراني «يلجأ غالباً إلى ازدواجية الكلام حيث يقولون شيئاً في الخارج وكلاماً آخر في الداخل».
فضلاً عن ذلك، تعتبر هذه المصادر أنه «كان من الأجدى الإبقاء على هذا التطور بعيداً عن الأضواء»، خصوصاً أن باريس التي انخرطت أكثر من أي طرف آخر في الملف الإيراني، ومحاولتها المحافظة على الاتفاق النووي، «تعي الصراعات الداخلية في طهران وتأهب المتشددين على التصويب» على روحاني وظريف. وتتساءل هذه المصادر: «هل حمل ظريف في جعبته الضمانات الكافية، التي مكّنت الجانب الفرنسي من الحديث عن اللقاء، وعن الاتفاق المفترض أن يليه»، خصوصاً أن المفاوضات بشأن اتفاق العام 2015 دامت أكثر من 10 سنوات؟ وثمة قناعة مترسخة بأن الاتفاق الذي يريده الرئيس الأميركي سيكون «أكثر تعقيداً» لأنه يفترض به أن يكون أبعد مدى زمنياً وأكثر تشدداً، إضافة إلى أنه يتعين أن «يحجّم» البرنامج الباليستي الإيراني، وأن «يحتوي» سياسة طهران الإقليمية، وكلها مسائل تحتاج إلى مثابرة وجهود وضغوط لإقناع إيران بالسير بها.
عند حديثه، الاثنين، عن احتمال انعقاد الاجتماع، قال ماكرون إن هناك أموراً «لا يستطيع الخوض بها» من أجل سلامة المسار. لكن الجانب الفرنسي يعتبر أن موافقة ترمب على استمرار الوساطة الفرنسية، بعد أن كان ندد بها في تغريدة شهيرة وإبراز «الليونة» في التعاطي مع المقترحات الفرنسية، أمور تعد بذاتها «نجاحاً».
وفي السياق عينه، تعتبر باريس أن تمكنها من المحافظة على جبهة أوروبية موحدة إزاء ترمب، رغم توجهات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، يمكن اعتباره أحد العوامل التي ساهمت في إقناع الرئيس الأميركي للتجاوب مع المقترحات الفرنسية. لكن السؤال الذي لم يجد رداً عليه يتناول معرفة ما إذا كان ترمب مستعداً للتجاوب مع المطلب الإيراني الأول الخاص بتسهيل تصدير النفط الإيراني جزئياً أو كلياً، وهو الأمر الذي يتناقض تماماً مع الخط الذي سلكه منذ نقضه الاتفاق، وسياسة «الضغوط القصوى» التي يمارسها. وكما في طهران، فإن تجاذبات قائمة في محيط ترمب، وقد بدأت تُسمع أصوات تدعوه إلى الرفض والاستمرار في سياسة التشدد، وهو ما يدعو إليه جون بولتون، مستشاره لشؤون الأمن القومي، ومايك بومبيو وزير خارجيته. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الأول قوله في حديث لـراديو أوروبا الحرة قوله إن «الفكرة القائلة بأن إيران يمكن أن تحقق فوائد اقتصادية ملموسة فقط من خلال التوقف عن القيام بما كان يفترض ألا تقوم به مستبعدة تماماً».
يبدو واضحاً أن الوساطة الفرنسية، رغم التقدم الذي حصل في بياريتز، محاصرة إيرانياً وأميركياً من الفريق نفسه الرافض لتقديم تنازلات متبادلة. وبالتالي، فإن السؤال المطروح هو... هل يكفي الرهان على ترمب وروحاني، القادمين كليهما على انتخابات حاسمة، للوصول بهذه الوساطة إلى خواتيمها؟


مقالات ذات صلة

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

بيئة تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات؛ مما يجعل الأعاصير أكثر قوة. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك المزيد من الأعاصير.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم حريق غابات في قرية فيغا بأغويدا في البرتغال - 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي: الفيضانات وحرائق الغابات تظهر أن الانهيار المناخي بات القاعدة

حذّر الاتحاد الأوروبي من الفيضانات المدمّرة وحرائق الغابات التي تظهر أن الانهيار المناخي بات سريعاً القاعدة، مؤثراً على الحياة اليومية للأوروبيين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
بيئة عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة في كاليفورنيا (رويترز)

صيف 2024 الأعلى حرارة على الإطلاق

أعلنت خدمة مراقبة تغير المناخ، التابعة للاتحاد الأوروبي، (الجمعة)، أن العالم مرّ بأشد فصول الصيف سخونة في نصف الكرة الأرضية الشمالي منذ بدء تسجيل درجات الحرارة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
يوميات الشرق الثلج متنفَّس أيضاً (أ.ف.ب)

مدريد تتيح التزلُّج على وَقْع الصيف الحارق

فيما تتجاوز الحرارة في مدريد 30 درجة، يرتدي عدد من رواد منتجع التزلّج الداخلي «سنوزون» بزات التزلّج وينتعلون الأحذية الخاصة ويضعون القفازات، متجاهلين قيظ الصيف.

«الشرق الأوسط» (أرويومولينوس إسبانيا)
بيئة يشهد البحر الأبيض المتوسط في المرحلة الراهنة خللاً في درجات الحرارة (أ.ف.ب)

بلوغ حرارة البحر الأبيض المتوسط 30 درجة «خلل» قد يكون خطراً

يشهد البحر الأبيض المتوسط في المرحلة الراهنة «خللاً» في درجات الحرارة، يشكل مؤشراً إلى التغير المناخي وما قد ينجم عنه من عواقب خطرة.

«الشرق الأوسط» (باريس)

احتجاجات على إقالة وزير الدفاع في أنحاء إسرائيل

إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب (رويترز)
إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب (رويترز)
TT

احتجاجات على إقالة وزير الدفاع في أنحاء إسرائيل

إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب (رويترز)
إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب (رويترز)

احتج عشرات الآلاف من الأشخاص، مساء اليوم (الثلاثاء)، في مناطق مختلفة في جميع أنحاء إسرائيل على إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت.

وترددت تقارير عن احتجاجات في حيفا ونتانيا وبئر السبع، وعند تقاطعات الطرق في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى مظاهرات كبرى في تل أبيب والقدس، حسب صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

ويحتج العشرات أيضاً في نهاريا وبلدات أخرى في شمال إسرائيل على الرغم من تعليمات قيادة الجبهة الداخلية بالحد من التجمعات العامة وسط استمرار إطلاق الصواريخ من لبنان، وفق وكالة الأنباء الألمانية.

إسرائيليون خارج مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس بعد إقالة وزير الدفاع (أ.ف.ب)

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أقال غالانت في وقت سابق اليوم، وعيّن يسرائيل كاتس خلفاً له.

وأغلق آلاف الأشخاص طريق أيالون السريع في تل أبيب، وهو الشريان الرئيسي لحركة المرور في وسط إسرائيل، في مظاهرة عفوية اندلعت بعد إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، حسب «تايمز أوف إسرائيل»، إذ أوقف المتظاهرون حركة المرور في كلا الاتجاهين، وأشعلوا العديد من النيران وأقاموا حواجز طرق مؤقتة بما يبدو أنه لافتات طرق مقلوعة ومواد بناء مهجورة. مع وجود عدد قليل من ضباط الشرطة في الموقع.

إسرائيليون يتظاهرون بعد أن أقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير دفاعه يوآف غالانت، في تل أبيب (رويترز)

وتجاوز عدد المتظاهرين ألفي شخص بسهولة، وهو الحد الأقصى المسموح به للمشاركة بمناسبات عامة في تل أبيب بسبب القيود التي يفرضها الجيش الإسرائيلي على الجبهة الداخلية وسط إطلاق الصواريخ من لبنان.

وامتلأت ساحة أيالون بالأعلام الإسرائيلية، فضلاً عن صور الرهائن والأعلام الصفراء التي تدل على التضامن مع الرهائن. ويرفع أحد المحتجين أعلام إسرائيل وكوريا الشمالية، متهماً الحكومة على ما يبدو بالانحدار إلى الدكتاتورية، وفق «تايمز أوف إسرائيل».

إسرائيليون يطلقون هتافات ضد نتنياهو في تل أبيب (رويترز)

وفي إشارة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يهتف محتجون: «إنه خائن! كم من الدماء سوف تهدر حتى يرحل المتهم (بالفساد)؟»، كما يردد المحتجون شعار الاحتجاجات الحاشدة في عام 2023 ضد الإصلاح القضائي الذي اقترحته الحكومة الإسرائيلية هاتفين: «الديمقراطية أو الثورة!».

وتجاوز المتظاهرون عدة حواجز واقتربوا من منزل نتنياهو قبل أن تمنعهم الشرطة، وتوجد خراطيم المياه مع الشرطة في الموقع، لكن لم يتم استخدامها بعد.