«التوب» السوداني... من رمز ثقافي وحضاري إلى رمز سياسي

الأبيض ينافس الألوان الزاهية رواجاً

من عرض أزياء سوداني
من عرض أزياء سوداني
TT

«التوب» السوداني... من رمز ثقافي وحضاري إلى رمز سياسي

من عرض أزياء سوداني
من عرض أزياء سوداني

52363738 سواء في القرى أو المدن يعد «التوب» الزي الرسمي للمرأة السودانية
لا تزال تلك الصورة الأيقونية التي تظهر فيها فتاة سودانية بلباسها التقليدي وهي تقود مظاهرة، محفورة في الأذهان وتثير الكثير من الإعجاب. فقد أصبحت رمزاً للثورة وأيقونة موضة أيضاً بالنظر إلى الاهتمام المتزايد بدورها كامرأة في المجتمع، وأيضاً بزيها التقليدي، الذي تمسكت به ولم تتخلَّ عنه باسم الحداثة رغم أنها شابة في مقتبل العمر. والحقيقة أنها ليست وحدها في هذا، فـ«التوب»، وينطقه السودانيون هكذا بالتاء وليس الثاء، ليس مجرد زي خاص بمناسبات معينة، وإنما زي كل مناسبة وكل يوم، إلى حد القول إنه أصبح رمزاً يعكس هويتهن وطابعاً حضارياً وموروثاً ثقافياً يكشف عن حشمة لا تتعارض مع متطلبات العصر والأناقة والجمال. الرجل السوداني أيضاً يحمل لهذا الزي مكانة خاصة في قلبه، يتغزل فيه ولا يبخل بشرائه لزوجته أو أمه وأخواته مهما غلا ثمنه، مع العلم أن أسعاره تُلهب الجيوب.

- الكنداكات
تشير دراسات تاريخية إلى ظهور «التوب» في السودان قبل أكثر من 10 ألف عام، إبان الحضارة البجراوية. بدورها تشير مصادر إلى أن الملكات الحاكمات في حضارة كوش الأفريقية القديمة «الحضارة النوبية» كن يُلقّبن بالكنداكات وكنّ يتزيّنّ بزي يشبه «التوب» في تصميمه، وربما هذا هو السبب في عودة تداول لقب كنداكة وإطلاقه على نساء الثورة تقديراً لهن ولدورهن.
توسع انتشار «التوب» مع دخول الإسلام للسودان كغطاء محتشم يغطي جسد المرأة من رأسها لأخمص قدميها. وكانت التقاليد قديماً تجبر على تغطية الوجه أيضاً لكن تغير الأمر بعد حصول المرأة على مكاسب كانت من ضمنها الكشف عن وجهها. ومع احتفاظ «التوب» بدوره الأساسي كغطاء إسلامي وخيار شخصي، لعب المزاج والدم السوداني الأفريقي دوراً كبيراً في ألوانه وتصاميمه، بالإضافة إلى عوامل أخرى أثرت عليه ودفعته إلى التطور وتغير «موضاته» وبالتالي طريقة لبسه. لكن في كل الحالات، ظل محافظاً على طوله: أربعة أمتار ونصف، بينما لحق بعض التغييرات بعرضه.
كان عموماً يتكون من قطعتين بعرض 90 سنتيمتراً، تتم حياكتهما مع بعض ليتحولا إلى قطعة واحدة بعرض 180 سنتيمتراً، وهو ما يوصف بـ«التوب الكامل». لاحقا صار مكوناً من قطعة واحدة بعرض أقل قد لا يتجاوز 120 سنتميتراً. وفي هكذا حال يسمى «توب ربط».
تختلف طريقة ارتداء ولف كل منهما، رغم أن الفرق قد لا يبدو واضحاً للعين غير الخبيرة. في حال «التوب» الربط: يعقد طرف حول الخصر ومن ثم يُلف في دوران ليكسو أعضاء الجسم كافة.
أما في حال «التوب» الكامل العريض فيوضع جزء صغير من طرفه الشمالي على الكتف الشمالي، ومن ثم يُلف يميناً ليكسو الجسد. ومن الأهمية بمكان التحكم في تغطية الرأس، إذ يسقط أحياناً فيبادرن لرفعه مرة أخرى في رشاقة تامة وسرعة مطلوبة.
قديماً كانت الأقمشة بسيطة. هذه البساطة انعكست على التصاميم والأشكال والرسمات والألوان، على العكس منها اليوم بفضل ظهور عدة مصانع في صنع أقمشته ومحلات موجودة في العديد من مدن العالم، مثل لندن ودبي وشنغهاي وجدة وميلانو وباريس وحتى في قرى صغيرة تقع على الحدود النمساوية السويسرية حيث تتوفر خيارات واسعة لا كأقمشة تُباع بالمتر وإنما كـ«تياب» جاهزة مغلفة ومعنونة «تياب سودانية».
الثراء في تنوع الأقمشة، مع العلم أنه ليس كل قماش ينفع «توباً»، وإمكانية الحصول على «تياب» في الأسواق المحلية والعالمية على حد سواء، ساعد في تنوع خاماته وألوانه مجاراةً للموضة العالمية. من جانب آخر زاد التفرد بصورة ملحوظة مع ظهور مصممات سودانيات منهن مَن فضّلت مهنة التصميم على عملها الرسمي كطبيبة أو مهندسة أو قانونية. معظمهن تعملن من بيوتهن، يرسمن بالألوان ويشكّلن بالخرز والحجارة والكريستال والتطريز، تركيبات جميلة على التول والدانتيل. وطبعاً لكل «توب» ثمنه وفق كثافة ودقة العمل وأيضاً نوعية قماشه.
لكن بحكم أن الطقس السوداني حار، يبقى القطن الخامة الأكثر رواجاً، فضلاً عن أنه يجعل «التوب» أقل انزلاقاً مما يزيد من ثباته، وهو ما تفضله المرأة عموماً.
ويصلح «التوب» القطني للعمل وللزيارات والمناسبات النهارية أو المسائية، إن كانت حميمة، فيما يتفوق الشيفون والحرائر في الأعراس والمناسبات المهمة.
وتعكس المهارة في اختيار خامة «التوب» وشكل تصميمه وتناسق ألوانه مع لون البشرة ومع المناسبة مدى ذوق ورقي صاحبته.
ويعد خرقاً للعرف الاجتماعي وللذوق ولـ«ثقافة التوب»، عدم الأخذ بعين الاعتبار المناسبة التي يُلبس فيها، كاختيار توب بلون صارخ لأداء واجب عزاء مثلاً عوض توب أبيض تزيّنه تفاصيل سوداء بسيطة. والعزاء في السودان مناسبة بالغة الأهمية تطول وتتمدد وتستلزم المجاملة والمعاودة. هذا وتلتزم الأرامل طيلة شهور العدة وفترات الحداد بـ«توب» أبيض.
وكنّ في قديم الزمان يخترن خامات خشنة، لكن تغير الأمر ولم يعد جارياً العمل به إلا في حالات نادرة. ولا تميل السودانيات عموماً إلى اللون الأسود حتى في «تياب» الحداد، وإن كان بعضهن يعتمدنه حالياً في مناسبات السهرة والمساء، لكن خفيفاً ومذهباً مع إكسسوارات تُضفي عليه البهجة.
لكن في أماكن العمل فإن الأبيض هو الزي الرسمي الذي تحرص عليه المؤسسات الحكومية بل وتفرضه فرضاً. لكن تتفنن الموظفات في كسر هذا البياض بارتداء فساتين أو تنورات وإكسسوارات ملونة تحت «التوب». لكن مع قيام الثورة في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي ومع الإحساس العميق بالوطنية وعشق كل ما هو سوداني، عاد الأبيض للصدارة، لا سيما بعد أن تبنته الكنداكات في المواكب والمظاهرات ليتحول إلى رمز ثقافي وسياسي أيضاً.
لكن عموماً تفضل السودانية الألوان الزاهية والأقمشة الخفيفة في النهار، ولا تُمانع أبداً إذا كانت من نوعية «التوتال» السويسري و«الراتي» الإيطالي، وهما نوعان من الخامات القطنية عالية الجودة.
أما للأعراس فتُفضل الشيفون الطبيعي والحرير. ولأن للسن أحكامه، فإنه كلما تقدم بها العمر، زادت سماكته وقلت زركشته وتطريزاته كما تهدأ الألوان.
وحتى الشابات يفضلن حالياً الألوان السادة، حتى يتسنى لهن تنسيقها مع حذاء مفتوح له كعب عالٍ وحقيبة بلون مختلف بسهولة. فـ«التوب» لا يكتمل حالياً من دون إكسسوارات ومجوهرات تضفي عليه المزيد من الأناقة والفخامة، قد تكون قلادة أو أقراط أذن أو حقيبة يد.
وإذا كانت السودانية لا تتهاون أو تتنازل عند اختيار «التوب»، فإنها لا تعاني عموماً من هوس الماركات العالمية فيما يتعلق بالإكسسوارات ولا تجري وراء الأسماء العالمية. المهم أن يكون «التوب» هو الأساس، والحقيبة أو الحذاء مجرد مكملين له.



5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.