العراق يتأنى في فرضية العامل الخارجي بمسألة قصف معسكرات «الحشد»

الصدر يدعو إلى تحقيق بإشراف دولي

TT

العراق يتأنى في فرضية العامل الخارجي بمسألة قصف معسكرات «الحشد»

أكدت قيادات سياسية عليا في العراق على أهمية متابعة إجراءات الحكومة بصدد المؤشرات المتوفرة حول تورط خارجي في الاعتداء على مخازن ومعسكرات «الحشد الشعبي» خلال الشهرين الماضيين.
وقال بيان لرئاسة الجمهورية تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن «رئيس الجمهورية برهم صالح ترأس مساء أول من أمس (اجتماعاً للقيادات السياسية العليا في البلاد بمشاركة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعماء القوى والأحزاب السياسية، حيث اطلع الحاضرون على تقرير قدمه رئيس مجلس الوزراء؛ القائد العام للقوات المسلحة، بخصوص التفجيرات التي تعرضت لها مخازن للأسلحة والأعتدة خلال الأيام القليلة الماضية». وأضاف البيان أنه «تم التأكيد على دعم الحكومة في إجراءاتها لحماية السيادة وتعزيز قدراتها الدفاعية واتخاذ كافة الإجراءات عبر جميع القنوات الفاعلة والمنظمات الدولية والإقليمية كافة، والتي من شأنها ردع المعتدين والدفاع عن العراق وأمنه وسيادته». وتابع البيان أنه «جرى التأكيد على احترام مرجعية الدولة والتقيد بها في مختلف الظروف، والالتزام بالسياق المؤسساتي الدستوري، ومراعاة سيادة القانون واعتبار أي تجاوز على الدولة ومؤسساتها خروجاً عن المصلحة الوطنية وخرقاً للقانون ويعامل وفق ذلك وبموجب ما تقتضيه قوانين الدولة العراقية». كما جرى التأكيد على «الالتزام بوثيقة (السياسة الوطنية الموحدة) المتفق عليها في اجتماع القادة وعدم الانجرار إلى سياسة المحاور ورفض تحول العراق إلى ساحة حرب، والامتناع أيضاً عن أن يكون العراق منطلقاً لأي اعتداء على جواره».
وعلى صعيد متصل، وفيما شكك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في إمكانية أن تقوم إسرائيل في هذا الوقت بقصف معسكرات «الحشد»، فقد نفت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، أمس، أي دور للولايات المتحدة في تفجيرات مستودعات «الحشد الشعبي» في العراق. وقالت الوزارة في بيان: «لم تقم القوات الأميركية بقصف أو أي هجمات أخرى أدت إلى تفجير مستودعات ذخيرة في العراق، والحديث هنا على العكس، خاطئ ومضلل ومثير للاشمئزاز»، مؤكدة على أن واشنطن تدعم سيادة العراق.
يأتي ذلك في وقت اتهمت فيه قيادات في «الحشد الشعبي» الولايات المتحدة إما بالضلوع في القصف أو تأمين غطاء لإسرائيل للقيام بذلك.
من جهته، شكك زعيم التيار الصدري في إمكانية أن تقوم إسرائيل بضرب معسكرات «الحشد الشعبي». وقال الصدر في تغريدة له مساء أول من أمس: «إنني لا أبرئ (العدو الصهيوني) من أفعاله الإرهابية في العراق، بيد أنني على يقين من أنه لا يقدم على مثل هذه الخطوة أو الخطوات، فهو يعلم أن الرد سيكون مزلزلاً لأمنه ونفوذه». ودعا الصدر الحكومة العراقية إلى «الإسراع بالتحقق من الأمر ولو بإشراف دولي، فإن ثبت جرمهم وإرهابهم فعلى الجميع التحلي بالصبر وعدم التفرد بالقرار». وأوضح الصدر أنه في حال ثبوت القصف الإسرائيلي «فإنني أدعو جميع الأطراف إلى الاجتماع بطاولة مستديرة لا يتحكم فيها الفاسدون ولا يتحكم فيها من وقّع على الاتفاقية الأمنية مع أميركا ولا يتحكم بها من أقر تجريم استهداف الأميركي وما شاكل ذلك». ودعا الصدر إلى «تجنيب المقدسات الخطر المحدق، كما ويجب أن يحصر السلاح بيد الدولة، وأن تغلق كل المقرات وتسلم كل المخازن للدولة، وإلا فإن المخالف سوف يعرض العراق والعراقيين إلى خطر شديد وسيكون هو المسبب لخرابه». كما دعا إلى «حماية الحدود العراقية من جميع الأطراف، وبالخصوص حدوده مع سوريا، وانسحاب كافة الفصائل من (سوريا الحبيبة)، فالعراق أحق بدماء شعبه مع ما يتعرض له من خطر».
من جهته، عدّ الدكتور حسين علاوي، رئيس «مركز أكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التطورات التي جرت العراق باتجاه موقف سياسي موحد كانت عاملاً إيجابياً رغم خسارة العراق حزمة من الأسلحة والقيادات الوسطية في (الحشد الشعبي)، لكن رغم كل ذلك، فإن القوى السياسية أصبحت أكثر تماسكاً وحزماً في قرار الحرب أو السلم»، مبيناً أن «بيان الرئاسات الثلاث كان واضحاً، حيث عبّر عن منظور الدولة تجاه التحديات، وأغلق الأبواب الأساسية لمنع انجرار العراق إلى صراع إقليمي دولي ليس للعراق مصلحة فيه». وأضاف علاوي أن «الكيان الإسرائيلي أراد الحصول على موقف سياسي يدفعه لاستخدام الأراضي العراقية من أجل إرسال رسائل إلى القيادة الإيرانية، لكن تماسك الموقفين السياسي والعسكري في العراق فكّك الضبابية وفتح الأبواب أمام حوار عراقي - أميركي عبر التحالف الدولي لحماية الأجواء العراقية خلال المرحلة المقبلة، وهذا الخيار غير مكلف للدولة العراقية، ومفيد للجانب الأمني، ويحمي العراق من الصراعات الإقليمية والدولية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.