المرشحون «الحداثيون» لرئاسة تونس يخشون تشتت أصوات ناخبيهم

TT

المرشحون «الحداثيون» لرئاسة تونس يخشون تشتت أصوات ناخبيهم

أبدت قيادات سياسية محسوبة على التيار «الديمقراطي الحداثي» في تونس، تخوفها من تشتت أصوات الناخبين لمرشحي هذا التيار لانتخابات الرئاسة، المقررة في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وقال الصحبي بن فرج القيادي في حركة «تحيا تونس» التي يتزعمها رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إن على المرشحين للرئاسة «تحكيم العقل ونكران الذات وتغليب المصلحة الوطنية» للتوافق حول مرشح أو مرشحين على أقصى تقدير قبل يوم 31 أغسطس (آب) الحالي، تاريخ الإعلان النهائي عن قائمة المرشحين لخوض السباق الرئاسي. ودعا إلى التوافق خشية تشتت أصوات الناخبين، وهو ما سينعكس على نتائج مختلف المرشحين للرئاسة.
بدورها، دعت بشرى بلحاج حميدة القيادية السابقة في «حزب النداء»، المرشحين لانتخابات الرئاسة المنتمين للعائلة الديمقراطية والحداثية (أبرزهم يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي) إلى التوافق حول مرشح أو مرشحين على أقصى تقدير، وجمع أصوات ما سمتها «العائلة السياسية والفكرية والمجتمعية الحداثية»، في إشارة إلى ضرورة التصدي لمرشح حركة «النهضة» عبد الفتاح مورو، الذي يحظى بقاعدة انتخابية شبه ثابتة.
ونتيجة لكثرة الترشيحات الرئاسية (30 مرشحاً بصفة أولية غالبيتهم ينتمون إلى التيار السياسي نفسه)، دعا الناشط والمحلل السياسي منير الشرفي، ثمانية مرشحين، هم عبد الكريم الزبيدي، ومهدي جمعة، وسلمى اللومي، ومحمد عبو، وسعيد العايدي، وإلياس الفخفاخ، ومحسن مرزوق، والمنجي الرحوي، إلى تنظيم انتخابات أولية فيما بينهم، والإبقاء على مرشح واحد. وفسر الشرفي هذا الاقتراح بإمكانية تشتت أصوات الناخبين، وتسليم رئاسة الجمهورية لأطراف أخرى متهمة بـ«الرجعية والفساد وقلة الكفاءة»، على حد تعبيره.
من ناحية أخرى، قال محمد عبو الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي والمترشح للانتخابات الرئاسية، إن محمد العربي الجلاصي عضو المكتب السياسي للحزب هو مدير حملته للانتخابات الرئاسية. ومحمد العربي الجلاصي (33 عاماً) هو رئيس قسم الشؤون القانونية والنفاذ إلى الأسواق في إحدى شركات الأدوية، ساهم في تأسيس حزب التيار الديمقراطي المعارض، والتحق بمكتبيه السياسي والتنفيذي. وتحتفظ ذاكرة التونسيين للمحامي محمد عبو (53 سنة)، باتخاذه قرار الاستقالة من منصبه على رأس وزارة الإصلاح الإداري في حكومة حمادي الجبالي، على خلفية ما سماه «صلاحياته المحدودة التي لا تسمح له بمقاومة الفساد». ويعد عبو إلى جانب زوجته سامية عبو النائبة البرلمانية عن حزب التيار الديمقراطي، من أشرس المنتقدين لسياسة الحكومات المتتالية منذ ثورة 2011، ويحظى بنصيب مهم من ثقة الناخبين التونسيين وفق نتائج سبر الآراء السابقة.
وتبقى فرضية مرور عدد كبير من المرشحين إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، بينهم محمد عبو، صعبة، وفق مراقبين، في ظل وجود منافسين تدعمهم أحزاب سياسية قوية ومنظمات ذات ثقل اجتماعي. وسيواجه كثير منهم منافسة حادة مع المترشحين الأبرز لرئاسة تونس، على غرار عبد الكريم الزبيدي الذي يدعمه «حزب النداء» بقيادة حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي السابق، وحزب آفاق تونس الليبرالي الذي يتزعمه ياسين إبراهيم، علاوة على الدعم الذي يلقاه من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، وعبد الفتاح مورو مرشح حركة «النهضة» ذات الامتداد الشعبي الكبير، ويوسف الشاهد الذي استفاد سياسياً من إشرافه على الحكومة طوال الثلاث سنوات الماضية.
على صعيد آخر، دعا أحمد عظوم وزير الشؤون الدينية التونسية، إلى تحييد كل المساجد عن الحملات الانتخابية والتوظيف السياسي قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وحذرت الوزارة من إيقاف كل متورط وفصله عن العمل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.