مهمة البنوك المركزية تتعقد في ظل «ساسة يبحثون عن المتاعب»

صار عليها مواجهة تبعات القرارات السياسية بدلاً من مجرد ضبط الاقتصادات

جيروم باول رئيس «الفيدرالي الأميركي» ومارك كارني رئيس «بنك انجلترا» خلال اجتماعات البنوك المركزية في جاكسون هول بولاية وايومينغ الأميركية (رويترز)
جيروم باول رئيس «الفيدرالي الأميركي» ومارك كارني رئيس «بنك انجلترا» خلال اجتماعات البنوك المركزية في جاكسون هول بولاية وايومينغ الأميركية (رويترز)
TT

مهمة البنوك المركزية تتعقد في ظل «ساسة يبحثون عن المتاعب»

جيروم باول رئيس «الفيدرالي الأميركي» ومارك كارني رئيس «بنك انجلترا» خلال اجتماعات البنوك المركزية في جاكسون هول بولاية وايومينغ الأميركية (رويترز)
جيروم باول رئيس «الفيدرالي الأميركي» ومارك كارني رئيس «بنك انجلترا» خلال اجتماعات البنوك المركزية في جاكسون هول بولاية وايومينغ الأميركية (رويترز)

يعرف رؤساء البنوك المركزية العالمية أن مهمتهم هي إبعاد الاقتصاد عن الركود... لكن ما أصبح واضحاً في «مؤتمر البنوك المركزية» في جاكسون هول بولاية وايومينغ الأميركية، خلال اليومين الماضيين، هو أن «الآخرين (من الساسة) لا يمسكون عجلة القيادة فحسب؛ بل يبدو البعض عازماً على التوجه نحو المتاعب».
وقال فيليب لوي، محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي، أول من أمس السبت: «إننا نشهد سلسلة من الصدمات السياسية الكبرى؛ لقد رأينا مثالاً آخر على ذلك (أمس)»، بعد يوم من فرض الصين والولايات المتحدة مزيداً من التعريفات كلتيهما على سلع الأخرى، ودعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشركات الأميركية إلى وقف عملياتها في الصين.
وقال لوي في حلقة نقاش إن هذه الصدمات السياسية تبطئ النمو؛ «هناك وجهة نظر راسخة مفادها بأنه ينبغي للبنك المركزي حل المشكلة فقط... الواقع أكثر تعقيداً»، وليس هناك شيء يمكن أن تفعله السياسات المالية للإصلاح، بحسب «رويترز».
هذه التعليقات تشير إلى حقيقة مزعجة حلقت فوق ندوة سنوية كانت غالباً تبدو نقاشاتها التقنية بعيدة عن عالم السياسة الواقعية. وحتى عندما أشار محافظو البنوك المركزية والاقتصاديون إلى الروابط العميقة التي تربط الآن اقتصادات العالم بعضها ببعض، يبدو أن الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة كانت تشق الصف وتثير شبح حدوث انكماش عالمي واسع النطاق.
والأسوأ من ذلك أنه تباطؤ لا يبدو أن أياً من محافظي البنوك المركزية واثق من كيفية مواجهته؛ إذ إنه ليس ناتجاً عن انهيار الأعمال أو الدورة المالية، وهي الأمور التي تعودوا على مواجهتها؛ ولكنه ناجم عن الخيارات السياسية التي تهدد بقتل ثقة الأعمال التجارية.
ويرى لوي وآخرون أنه «إذا كانت هذه هي المشكلة، فإن انخفاض أسعار الفائدة - وهو أمر يطالب به ترمب للحصول على اليد العليا في الحرب التجارية مع الصين - لن يساعد كثيراً».
وقال ستانلي فيشر، نائب رئيس «مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي) الأميركي» السابق، في حفل غداء يوم الجمعة الماضي: «المشكلة تكمن في رئيس الولايات المتحدة... كيف سيتغلب النظام على بعض الأفعال التي تم القيام بها مؤخراً، بما في ذلك محاولة تدمير النظام التجاري العالمي؟ إنه أمر غير واضح للغاية. ليس لدي أي فكرة عن كيفية التعامل مع هذا».
كان هذا ذِكْراً نادراً لترمب، رغم أن ذِكْره أوجد ملاحظات أخرى. فقد أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي اختاره ترمب لإدارة البنك المركزي لكنه الآن موضع غضب الرئيس، في خطابه الافتتاحي، إلى أن «الاحتياطي الفيدرالي» ليس لديه رسم تخطيطي لبناء نظام تجاري عالمي جديد.
ولسنوات طويلة، طلبت البنوك المركزية من السياسيين أن يستخدموا السياسات المالية بطريقة بناءة، ومعالجة المشكلات الهيكلية التي تعاني منها الاقتصادات. ما حصلوا عليه بدلاً من ذلك هو مجموعة من المخاطر المتضاعفة بسرعة، مع اندلاع الحرب التجارية الأميركية - الصينية بوصفها مركزاً للزلزال الاقتصادي العالمي، ولكن أيضاً مع إضافات تشمل إمكانية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتباطؤ الاقتصادي في ألمانيا، والانهيار السياسي في إيطاليا، وتصاعد التوترات السياسية في هونغ كونغ، والضغوط الكبرى التي تواجهها المؤسسات والاتفاقيات الدولية القائمة منذ فترة طويلة.
وصف رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك قمة قادة «مجموعة السبع» في نهاية الأسبوع بمنتجع بياريتز الساحلي الفرنسي بأنها «اللحظة الأخيرة» لأعضائها (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان وفرنسا وإيطاليا وكندا) لاستعادة الوحدة.
وفي خضم كل هذه الاضطرابات، ومع انخفاض أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم بالفعل عما كانت عليه في الماضي، فإن السياسات النقدية قد لا تكون متطابقة.
وقال مارك كارني محافظ «بنك إنجلترا» يوم الجمعة الماضي: «لا توجد مساحة كبيرة للسياسة المالية، وهناك مخاطر مادية في الوقت الحالي نحاول جميعنا إدارتها».
وتكافح البلدان الصغيرة، مثل السويد وتركيا، التي تعاني من تدفقات رأس المال المتقلبة مع خفض البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسعار الفائدة، الآن للتعامل مع احتمال أن يتغير نظام التجارة العالمي إلى الأبد. وفي هذه الأثناء، تشعر الدول الكبيرة بالقلق من أن تنزلق إلى طريق قد يصعب الهروب منها.
وبالنسبة للبنك المركزي الأميركي، إذا أدى عدم اليقين التجاري إلى انخفاض الاستثمار في الأعمال التجارية وبدأ في الإضرار بإنفاق المستهلكين، فقد يجد نفسه يخفض أسعار الفائدة إلى الصفر مع استمرار الاقتصاد في التباطؤ، مما يجبر باول وزملاءه من صانعي السياسات المالية على التفكير فيما إذا كان ينبغي عليهم العودة إلى آليات «عصر الأزمة»، حتى وإن لم تكن هناك أزمة فعلية أو ركود.
وقالت لوريتا ميستر، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفيلاند، لـ«رويترز» على هامش المؤتمر أول من أمس السبت: «لا يوجد سوى قدر ضئيل لما يمكن أن تفعله السياسة... عليك أن تدرك أن الاقتصاد الأميركي يتأثر بما يجري في بقية العالم... أنا قلقة بشأن هذا التقويض الكامل للمؤسسات على مستوى العالم».
وفي تطور شجع بعض صانعي السياسات المالية، أشارت ألمانيا إلى أنها قد تقدم بعض الحوافز المالية لتعويض الركود التصنيعي. ولكن مع إشارة البنك المركزي الأوروبي إلى أنه مستعد أيضاً لمحاربة تباطؤ النمو من خلال تخفيف السياسة بشكل أكبر، قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى التحرك رغم رغبته في البقاء بعيداً عن الخلاف اليومي لتغيير السياسة التجارية.
وقال ريتشارد كلاريدا، نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الجمعة الماضي: «عليك أن تحترم أننا جزء من الاقتصاد العالمي؛ فالاقتصاد العالمي يتباطأ، والبنوك المركزية الأخرى تتراجع، وتستجيب لتباطؤ عالمي مشترك... ما يمكن للسياسة النقدية القيام به هو استخدام أدواتها لبذل قصارى جهدها للحفاظ على الاقتصاد بالقرب من العمالة الكاملة والتضخم المستقر؛ اعتماداً على الصدمة التي أصابت الاقتصاد واعتماداً على الاستجابة لتلك الصدمة، فإن العزلة قد لا تكون مثالية».



العالم على موعد مع أطول ناطحة سحاب في السعودية

42 شهراً تفصل جدة عن أطول برج
42 شهراً تفصل جدة عن أطول برج
TT

العالم على موعد مع أطول ناطحة سحاب في السعودية

42 شهراً تفصل جدة عن أطول برج
42 شهراً تفصل جدة عن أطول برج

تتسارع الخطى نحو تشييد «برج جدة» بالمدينة الساحلية (غرب السعودية) والذي سيكسر حاجز الكيلومتر في الارتفاع ليصبح أطول برج في العالم عند اكتماله بعد مضي 42 شهراً، أي في عام 2028، ليجسّد الابتكار الهندسي والتقدم التكنولوجي ويصبح علامة فارقة على خريطة المباني الإيقونية العالمية.

«برج جدة» تحت الإنشاء والعمل على قدم وساق للانتهاء في الوقت المحدد

وأُعلن الاثنين، رسمياً استئناف أعمال بناء البرج وصبّ الخرسانة في الرمز العالمي للطموح والتقدم، بحضور الأمير الوليد بن طلال، رئيس مجلس إدارة شركة «المملكة القابضة»، والمهندس طلال الميمان، الرئيس التنفيذي لشركة «المملكة القابضة»، والشيخ يسلم بن لادن (مجموعة بن لادن)، والمهندس حسن شربتلي شركة (قلاع جدة للاستثمار العقاري المحدودة)، ومحمد القطري شركة (أبرار العالمية المحدودة).

وأشار الأمير الوليد بن طلال إلى الدعم الذي حظي به «مشروع برج جدة» من الحكومة في سياق رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، عن أهمية الشراكات في المشروع، حيث قال: «الحكومة، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، قدّمت دعماً كبيراً لـ(شركة بن لادن) المسؤولة عن تنفيذ المشروع. تم تسديد معظم قروض الشركة؛ ما عزز قدرتها على إدارة وإنجاز المشروع بكفاءة»، لافتاً إلى أن هذا الدعم عكس حرص الدولة على دعم المشاريع الوطنية العملاقة.

وأضاف: «اليوم نعلن رسمياً عن بدء المشروع الخاص باستكمال بناء (برج جدة)، الذي سيصبح الأطول في العالم. وقد تم اليوم البدء في صبّ الخرسانة للدور الـ64، وخلال فترة قصيرة سيتم الانتهاء من بناء دور واحد كل 4 أيام، وذلك حسب الخطة المتفق عليها. إذا سارت الأمور كما هو مخطط»، مشيراً إلى أن المشروع سيكتمل خلال 42 شهراً.

وأوضح أن المشروع يتماشى مع «رؤية 2030» التي أعلن عنها ولي العهد السعودي، مبيناً أن البرج هو جزء من منظومة متكاملة تبلغ مساحتها الإجمالية 5.3 مليون متر مربع، لافتاً إلى أن الجزء الأول الذي يضم البرج يغطي مساحة 1.3 مليون متر مربع. وعند اكتمال المشروع، ستتجاوز استثمارات المشروع حاجز 100 مليار ريال، ومتوقعاً أن يستوعب البرج بين 75 ألفاً و100 ألف نسمة عند اكتماله.

وبيّن أنّ تمويل المشروع يأتي من مصادر متنوعة تشمل التمويل البنكي والمبيعات المقدمة، سواء على المخططات أو على الواقع، وكذلك عبر تمويل المشروع جزئياً من قِبل المالكين أنفسهم. وقال: «لا يوجد أي قلق حول موضوع التمويل، حيث نتعامل مع بنوك عالمية معروفة ولدينا سجل طويل معها».

وعن المزايا والتكنولوجيا المستخدمة، قال الأمير الوليد: «البرج يعتمد على تقنيات متقدمة جداً، بعضها قيد التطوير خصيصاً لهذا المشروع. على سبيل المثال، سيتم استخدام تقنيات جديدة لنقل الخرسانة إلى ارتفاعات تصل إلى 1000 متر. والتصميم النهائي للبرج سيجعل منه تحفة معمارية متميزة على مستوى العالم. والنقطة الأعلى في البرج ستكون أكثر من 1000 متر، لكن الرقم النهائي سيتم الكشف عنه لاحقاً».

جانب من المؤتمر الصحافي (تصوير: غازي مهدي)

وأكد الأمير الوليد بن طلال أن التأثير المتوقع للمشروع يحدث حالياً، حيث ينعكس إيجابياً بشكل هائل على المناطق المحيطة به، مشيراً إلى ارتفاع أسعار الأراضي المحيطة به بشكل ملحوظ، مؤكداً أن المشروع سيكون مركزاً عالمياً يجذب المستثمرين المحليين والإقليميين والدوليين.

وقال: «نحن بصفتنا مالكين، ممثلين في شركة (المنطقة الثابتة)، و(مجموعة بخش)، و(مجموعة شربتلي)، نهدي هذا المشروع العظيم إلى القيادة السعودية وشعبها. وهذا البرج ليس مجرد بناء، بل هو رمز للنهضة والتطور الذي تعيشه المملكة، وفخر جديد يُضاف إلى إنجازاتها».

من جهته، قال المهندس طلال الميمان، الرئيس التنفيذي لـ«شركة المملكة القابضة» خلال حفل استئناف أعمال بناء البرج: «يمثل حفل اليوم تجسيداً لرؤية تطلبت سنوات من العمل. وسيكون (برج جدة) منارة للابتكار ومحفزاً للنمو».

ومن المتوقع أن يوفر المشروع فرص عمل كبيرة خلال مراحل البناء وما بعدها.