راديو «روزنة إف إم»... إذاعة سورية مجتمعية

استمرارية التمويل وتقلب الوضع الميداني زادا من التحديات

بث مباشر من داخل الاستوديو
بث مباشر من داخل الاستوديو
TT

راديو «روزنة إف إم»... إذاعة سورية مجتمعية

بث مباشر من داخل الاستوديو
بث مباشر من داخل الاستوديو

سوريا بلد الإعلام الموجه بامتياز. الدولة وحزب البعث سيطروا على كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية؛ لكن بعد 2011 ظهرت العشرات من الإذاعات والقنوات التلفزيونية والصحف والدوريات الخاصة في سوريا، لتؤسس إعلاماً محلياً موجهاً للجمهور السوري في الداخل ودول اللجوء والشتات.
«إذاعة حرة... مهنية عالية»، تحت هذا الشعار انطلقت إذاعة «روزنة إف إم» منتصف عام 2012 لتبث أثيرها عبر موقعها الإلكتروني بالعام نفسه، وفي يونيو (حزيران) 2013 افتتحت استوديو في العاصمة الفرنسية باريس، وفرعاً ثانياً في مدينة غازي عنتاب التركية في الأول من يناير (كانون الثاني) 2014.
وتقول الإعلامية لينا الشواف المديرة التنفيذية لـ«روزنة»، إنهم يواكبون تحديثات النشر الحديثة على منصات التواصل الاجتماعي، «كما تبث (روزنة) في جنوب تركيا على موجات (إف إم) تصل ترددها إلى الشمال السوري، ولدينا قناة (يوتيوب)، بالإضافة إلى موقع الإذاعة ولدينا نحو مليون متابع شهرياً على الأونلاين»، فالكادر الإذاعي يسعى إلى مواكبة الإعلام الجديد وتغيير قوالب الإذاعة وصقلها بالوسائل التي أخذت شهرتها مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم.
لدى الإعلامية لينا الشواف تجربة قبل 2011 حيث أسست مع مجموعة من السوريين إذاعة أرابيسك في دمشق، وكانت آنذاك مديرة البرامج وتحدثت قائلة: «وقتئذ كان ترخيص الإذاعة راديو ترفيهي، لم يكن مسموحاً لنا تناول المواضيع السياسية والأخبار».
أما اليوم تدير مؤسسة وسيلة إعلام مجتمعية وتابعت كلامها لتقول: «فالظرف الزمني الذي ظهرت فيه (روزنة) مختلف، نقدم صحافة بكل ما تعنيه الكلمة، تتناول الشؤون السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وتحديداً نحن وسيلة إعلام مجتمعية».
واليوم يعمل في رادو «روزنة» نحو مائة إعلامية وإعلامي بين موظف وعامل فري لانسر، من بينهم 40 مراسلاً يعملون في داخل سوريا موزعين في معظم المحافظات، و10 في مكتب باريس، و14 يعملون من مكتب غازي عنتاب.
وأضافت لينا الشواف أنّ استوديو باريس مختص بنشرات الأخبار ومتابعة القضايا الساخنة، بينما تبث معظم البرامج من مطبخ استوديو غازي عنتاب، مثل فترة البث الصباحي والبرامج الخدمية والمجتمعية، وقالت: «مستمعو (روزنة) 85 في المائة عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولديها مليون مستمع شهرياً أونلاين، وحتى نهاية 2018 كان هناك 7 ملايين متابع على موقعها منهم مليونان ونصف فقط من تركيا».
حيث تعمل أكثر من عشر إذاعات سورية تبث أثيرها عَبر موجات الـ(FM) أو مواقع الإنترنت إلى جانب منصات التواصل الاجتماعي ويستمع إليها جمهور ينتشر غالباً في أرياف مدينة حلب شمالاً، وصولاً إلى الحسكة شمال شرقي وإدلب غرباً ويصل أثيرها إلى مدينة حماة وسط سوريا، في محاولة إيصال رسائل تحدي وكسر احتكار الحكومة السورية لوسائل الإعلام السمعية والبصرية.
وأخبرت لينا أن التمويل يأتي من منظمة سيدا السويدية عن طريق مركز الإعلام الدولي بالدنمارك (ıms) ومنظمة أميركية (OSF)، ومن بين أبرز التحديات التي تواجه عمل الإذاعة، استمرارية التمويل وتقلب الوضع الميداني بالداخل السوري، وتضيف: «شهرياً هناك اجتماع لتقيم أبرز التحديات والمخاطر التي تواجه عملنا، لأن القضية السورية بعد تداولها إقليمياً ودولياً ليست كما كانت قبل أعوام»، ونوهت بأنّ كل هذه المشاريع تنتهي في عام 2020. «لا أحد يعلم بعدها كيف ستكون السياسيات الجديدة لهذه الجهات المانحة»، بحسب لينا الشواف.
فقرة «بدنا خدمة تحرز»...
يعكس إطلاق هذه الإذاعات تطوراً نوعياً في قدرة السوريين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا وثورة المعلومات، وتختلف وسائل وأدوات العمل الصحافي لدى الوسائل الإعلامية التي تنشر موادها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، عن مثيلاتها في الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع، واختار كادر «روزنة» العمل في مجال الصحافة الرقمية والاعتماد على منصات السوشيال ميديا للإطلالة على الجمهور ومتابعي صفحاتها.
«فالصباحات الباكرة في استوديو غازي عنتاب أشبه بخلية نحل، يحاول الفريق خلالها تقديم خلاصات الأعمال الفنية والثقافية والخدمية بنكهة سورية جلية وواضحة لهجة ومضموناً»، والكلام للإعلامي منير الأيوبي مدير البرامج في إذاعة «روزنة»، حيث يبدأ بث البرنامج الصباحي الساعة 9 صباحاً ويستمر حتى الـ12 ظهراً يتخلله مواجز الأخبار على رأس كل ساعة.
ويتابع الأيوبي كلامه ليقول: «فقرة (بدنا خدمة تحرز) مثلاً تستضيف محامين وحقوقيين وخبراء للحديث عن أبرز القضايا الملحة التي تؤرق السوريين في الشتات، كالقرار التركي الأخير بترحيل كل المخالفين في مدينة إسطنبول».
وأصدرت تركيا مؤخراً قراراً يقضي بإعادة تنظيم وجود اللاجئين السوريين عبر البلاد وإعادة المخالفين للقانون إلى الأراضي السورية، ويشمل القرار حاملي إذن الحماية مؤقتة أو ما يعرف محلياً بـ«الكيمليك»، وقامت بترحيل أكثر من 6 آلاف سوري إلى بلادهم خلال شهر يوليو (تموز) الماضي فقط.
وأشار منير الأيوبي خلال حديثه: «البرنامج تفاعلي، إذ نتلقى الأسئلة من المستمعين عبر الاتصال المباشر أو من خلال الأسئلة المكتوبة على وسائل التواصل الاجتماعي، ونحولها بدورنا للمختصين لتوفير الإجابات على أغلب الاستفسارات»، حيث تبث هذه الفقرات الخدمية والتي تعنى بالشأن السوري على منصة «فيسبوك»، بالصوت والصورة كي يتاح لأكبر عدد ممكن من السوريين الاستفادة من المعلومات المقدمة.
ويتميز راديو «روزنة» بتقديم القصص الإنسانية والاجتماعية، التي تأتي من مراسلين من داخل سوريا، إذ تصنف كإذاعة مجتمعية، وعن فقرات وبرامج الإذاعة يزيد الأيوبي: «برامج (روزنة) متنوعة حيث يوجد برنامج خاص بالأطفال يستضيف اختصاصيين نفسيين لتقديم الدعم للأسرة والطفل، أيضاً برامج خاصة بالمرأة تناقش الحقوق والواجبات، وبرامج خاصة بسوق العمل».
«نخاطب الجمهور بلغة بسيطة وعناوين هادفة عبر أسئلة عميقة لإعطاء فرصة حقيقية للمستمعين لمشاركة آرائهم وتجاربهم وإيصال أصواتهم، وفترة البث الصباحي الأكثر استماعاً بمثابة مجلة الإذاعة الأكثر استماعاً»، بحسب الإعلامية نيلوفر المتحدرة من مدينة حمص وسط سوريا، وتعمل مذيعة في فترة البرنامج الصباحي «روزنامة روزنة»، وتقدم برنامج «أنتِ قدها» الموجه للنساء السوريات وبرنامج صدى الشارع الأسبوعي حول أهم وأبرز القضايا اليومية التي تواجه السوريين على مدار ساعة كاملة.
أثناء الحديث معها من داخل الاستوديو كانت تستمع إلى متصل من داخل سوريا، تحاول الإجابة على أسئلته واستفساراته ونقلت بأن أهمية البرنامج الصباحي توقيته بداية يوم جديد، وقالت: «فالمستمعون ينتظرون فسحة أمل ورغم وجودنا بغازي عنتاب لكن نحاول ملامسة السوريين بالداخل وبالخارج، نفتح الشباك للإطلالة على الحياة بكل ما تحمله من أفراح ومأسٍ وأخبار ميدانية».
ومن بين فقرات الفترة الصباحية، أحوال الطقس، فقرة خدمية وأخرى طبية، ومدرج الجامعة، والأبراج، وعناوين الصحافة العربية والعالمية وغيرها، كما يقوم كادر العمل بإرسال رسائل نصية على أرقام الإذاعة قبل بدء البرنامج ومشاركتها على منصات التواصل، وتحديد سؤال حلقة الفترة الصباحية لمشاركة أكبر قدر من جمهور المستمعين وتفاعلهم معها.
وتتابع نيلوفر تابعت كلامها: «لا أعلم كيف أصف لك مشاعري عندها يردني اتصال من داخل سوريا، فأنا وكل الزملاء ننتظر ما يقوله لنا، حقيقة نتعلم من أهلنا بسوريا ونتلقى طاقة إيجابية وأمل ببكرة أحلى».
غير أنّ تجارب كثيرة نجحت بالعمل الإذاعي واحتلّت حيّزاً من الاهتمام، وراكمت خبرة وتجربة خلال عملها وانطلاقها، وأسست أرضية يمكن البناء عليها والإفادة منها، بحسب إيمان حمراوي والتي تعمل محرّرة في «روزنة» منذ بداية 2018.
حيث اكتسبت خبرات عديدة خلال عملها مع الراديو وتعلمت الكتابة الإذاعية، وتقول إيمان: «العمل ممتع وتندمج خلاله في الحياة اليومية، فمن خلال كتابة مواد خدمية ومواد اجتماعية وغيرها من التقارير المنوعة التي تقدم الفائدة وإضافة جديدة لقراء ورواد الراديو»، وعن مشاعرها بالعمل في إذاعة سورية وكادر من أبناء بلدها عبرت أماني قائلة: «إن تعمل دفاعاً عن قضية أو مبادئ تؤمن بها هو شيء يمنحك الرضا، أشعر بالحزن بعد تغطية معاناة السوريين وكتابة أوجاعهم كما أحاول نقل غضبهم ومطالبهم».
منذ انزلقت سوريا إلى الحرب الأهلية قبل ثماني سنوات، تسببت بسقوط مئات الآلاف من القتلى وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية، الأمر الذي دفع نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها حيث تسببت في أسوأ أزمة لاجئين في العالم.
ويقدم المذيع عروة قنواتي الفقرة الرياضية الأسبوعية: «سمعني سبور»، تتضمن الأخبار الرياضية المحلية والعالمية، ويخاطب مشجعي الفرق الدولية والعربية والسورية، وينقل معاناة السوريين ليقول: «الحرب السورية تسببت بمقتل 515 ضحية من الرياضيين من بينهم 111 لاعب كرة قدم مسجلين باللوائح السورية والعربية، واختتم حديثه قائلاً: «كما لا تزال لاعبة الشطرنج الدكتورة رانيا العباسي معتقلة مع 6 من أطفالها ولا يعلم أحد عن مصيرهم شيء، فالرياضة مثلها مثل باقي قطاعات الحياة تأثرت بالحرب الدائرة منذ سنوات».



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام