محمد ناصر السنعوسي الفنّان المُستوزِر

محمد ناصر السنعوسي الفنّان المُستوزِر
TT

محمد ناصر السنعوسي الفنّان المُستوزِر

محمد ناصر السنعوسي الفنّان المُستوزِر

«الشرق الأوسط» تستكمل السلسلة التي كتبها الرّاحل قبل وفاته من «ذاكرة الإعلام».

إذا ذكر الجيل الثاني المعاصر من روّاد التراث الموسيقي والغنائي والمسرحي الكويتي، يبرز أعلام لهم فضل كبير في تقدّمه بين دول الخليج، خصوصاً منذ نشأة إذاعة الكويت (1951) والتلفزيون (1961) وافتتاح المسارح الرئيسيّة الاحترافيّة الأهليّة تباعاً بعد ذلك التاريخ.
من بين هؤلاء النجوم، الفنّان الموهوب شادي الخليج (عبد العزيز المفرّج)، وحسين عبد الرضا، وخالد النفيسي، وعبد العزيز النمش (أم عليوي)، ومريم الغضبان، ومريم الصّالح، وسعاد العبد الله، وحياة الفهد، وزملاؤهم، وكان محمد السنعوسي إعلاميّاً ومخرجاً ومقدّماً موهوباً يجري الفن في عروقه. وظّف عدسات التلفزيون لخدمة المهرجانات، وهو ما صدر عنه عدد من المقالات في الصحف الكويتيّة، ووثّقه السنعوسي نفسه في كتابه «تلفزيون الكويت: تاريخ وحكايات 2016»، الذي لخّص فيه سيرته الذاتيّة، ومشواره الذّهبي مع التلفزيون بين عامي 1961 و1985.
وعندما تشاهد قناة «القرين» المتخصّصة في عرض برامج الزّمن الجميل من إنتاج المسرح والتلفزيون في الكويت، تشعر ببصمات أبي طارق وجيله واضحة فيها، كما تؤكّد مدى تعلّق الخليجيين بروائع الإنتاج الكويتي منذ ذلك الزمن، كمسلسلات «نوادر أبو عليوي»، و«درب الزلق»، و«العتاويّة»، وثنائيّات (دويتّو) حسين عبد الرضا وسعاد عبد الله، وغيرها.
كان تعيينه وزيراً للإعلام (2006) لفتة تقدير رمزيّة من أمير الكويت الحالي لموهبته، وتعبيراً لا يماثله سوى توزير بعض الدّول التي تقدّر المواهب، لرمز من رموز الفنّ على اختلاف أنواعه، كاختيار الفنّان التشكيلي (الوزير الفنّان كما يُطلق عليه في مصر) فاروق حسني للثقافة (وهو بالمناسبة من مواليد 1938 كحال السنعوسي).
قابلته في يونيو (حزيران) 1965، قُبيل افتتاح التلفزيون السعودي في أول صور التعاون بين الجهازين، وكان جابر العلي السالم الصباح وزير الإرشاد والأنباء، ومحمد السنعوسي مراقباً عامّاً للبرامج، وشعلة حيويّة لا تخبو من الإبداع رغم وجود التلفزيون في منشآت مؤقّتة. وبعد لقاء ثانٍ أثناء ابتعاثه في أميركا، تشاركنا في اجتماعات خليجية أسفرت عن قيام أولى المؤسّسات التلفزيونيّة المشتركة، ثم كان لقاء آخر في الرياض بعد مشاركته مع المخرج مصطفى العقاد في إنتاج فيلم «الرسالة» في محاولة لتخفيف اعتراض المؤسسة الدينيّة على عرضه.
الشّواهد كثيرة على نجاحاته، ومن أرباب المهنة في العالم العربي ومن النقّاد، بما يضعه من أوائل المبدعين النادرين في عالم الفنون والإعلام، يضيف المقال ثلاثة تعليقات إليها:
1 - أن مروره باستراحة مارس فيها العمل الخاص، لم يكن النجاح فيها بحجم نجاحاته الإعلاميّة، تُؤكّد حقيقة معروفة بأنّ الإعلام والتجارة لا يجتمعان.
2 - كانت عقود الستّينيات والسبعينيات التي أعقبت حضور الأب الروحي للمسرح الكويتي زكي طليمات، وأنجبت في الوقت نفسه نخبة من الإعلاميين من جيل محمد السنعوسي ورضا الفيلي وزملائهما، من أبرز الفترات تألّقاً في المشهد الثّقافي الكويتي، ما يطرح التساؤل: كيف؟ ولماذا اختفت أو كادت؟ وهل ستكون دار الأوبرا التي افتتحت عام 2016 عاملاً مساعداً في إحياء البديل؟
3 - خليجيّاً، كان المسرح الكويتي ومدارس التربية نجحا في إنتاج أقوى المهرجانات الغنائيّة في المنطقة؛ صوّرت الهيئة الخليجيّة من عُمان إلى الكويت، والحياة البحريّة والغوص وتجارة الغوص، وكان محمد السنعوسي محرّكاً فاعلاً في إيجادها وتصويرها، ووثّقها الدارسون ومنهم د. يعقوب يوسف الحجّي، وقد فات على دول الخليج مجتمعة استثمار وجود السنعوسي والحجّي وأمثالهما في كل قُطر من أقطاره الستّة، لخلق منظومة متكاملة من الحركة الفنية الخليجيّة، نظراً لتقارب ثقافتها وتراثها الغنائي، وكان السنعوسي عام 1974، وإبراهيم اليوسف، أول من أدارا مؤسسة الإنتاج الخليجي المشترك، وهي فكرة تُهدى لوزارة الثّقافة السعودية حديثة النشأة كبيرة الطّموح.
ختاماً، تحيّة لرفيقة دربه أم طارق، الإعلاميّة الكويتيّة الرائدة باسمة سليمان، التي شاركته نجاحاته منذ طلائعها الأولى، وكانت أحد مصادر إلهاماته فيها، ورحم الله فقيدهما طارق، الذي طرق رحيله دارهم السعيدة بالكآبة وآلام الحزن.
- إعلامي وباحث سعودي



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».