«المقاتلون الأجانب... وتبعات العودة

ما بين المحاكمة وسحب الجنسية

مجموعة من الأجانب تم أسرهم في أثناء مرورهم إلى سوريا من الحدود مع تركيا قبل ترحيلهم منها مرة أخرى بداية الشهر الجاري (غيتي)
مجموعة من الأجانب تم أسرهم في أثناء مرورهم إلى سوريا من الحدود مع تركيا قبل ترحيلهم منها مرة أخرى بداية الشهر الجاري (غيتي)
TT

«المقاتلون الأجانب... وتبعات العودة

مجموعة من الأجانب تم أسرهم في أثناء مرورهم إلى سوريا من الحدود مع تركيا قبل ترحيلهم منها مرة أخرى بداية الشهر الجاري (غيتي)
مجموعة من الأجانب تم أسرهم في أثناء مرورهم إلى سوريا من الحدود مع تركيا قبل ترحيلهم منها مرة أخرى بداية الشهر الجاري (غيتي)

لا تزال أوروبا والولايات المتحدة ترزح تحت تبعات التخلص من تنظيم «داعش» في العراق وسوريا وإشكالية كيفية التعامل مع «المقاتلين الأجانب»، على نسق ما حدث مع جاك لتس الملقب بـ«المتطرف جاك» مؤخراً. إذ سُحبت من جاك الجنسية البريطانية، وهو الذي كان يحمل الجنسيتين البريطانية والكندية، نتيجة سفره إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم «داعش» منذ عام 2014، الأمر الذي أدى إلى استياء كندا، حيث أُحيلت المسؤولية إليها، حيث تظهر الإشكالية القانونية إذ لا يُسمح للحكومات بترك مواطنين من دون جنسية.
وهي ليست بالقضية الأولى، حيث قامت السلطات البريطانية بسحب الجنسية ممن انخرط في القتال مع تنظيم «داعش» من مزدوجي الجنسية، على شاكلة شميمة بيغوم الملقبة بـ«عروس داعش» والتي انضمت إلى التنظيم منذ سن الخامسة عشرة، وتم تجريدها من جنسيتها وعدم السماح لها بالعودة إلى بريطانيا. وأكدت من جهتها رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا أنغريت كرامب، خليفة أنجيلا ميركل في رئاسة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا، ضرورة تمرير قرار سحب الجنسية الألمانية ممن قاتل مع تنظيم «داعش» من ذوي الجنسيات المزدوجة. وهو أمر لا بد من مواجهته وتحديد سياسات في التعامل معه بالأخص بعد انخراط ما يزيد على 40 ألف مقاتل أجنبي، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، قَدِموا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى تنظيمات إرهابية. وإلى جانب المقاتلين الأجانب تأتي تبعات النساء والأطفال المنتمين إلى تلك التنظيمات. مخيم الهول في سوريا كشف عن أعداد هائلة من النساء والأطفال المنتمين إلى تنظيم «داعش» ممن قطنوا إقليم باغوز قبل نزوحهم إلى المخيم، وتجلت معاناتهم من أوضاع صحية سيئة إضافة إلى تأثرهم بالفكر الداعشي المتطرف، وتهديدهم للآخرين بالقتل والانتقام، وتأكيدهم استمرار تنظيم «داعش». مثل هذه السلوكيات من قِبل النساء والأطفال «الدواعش» أدت إلى فصلهم عن بقية قاطني المخيم. كما تعكس مدى التأثير السلبي على المحيط نتيجة التأثر بالفكر المتطرف والسلوكيات العنيفة. وعلى الرغم من ذلك فإنه يظهر توجه من قِبل الحكومات إلى استقبال الأطفال الذين رزحوا تحت وطأة قسوة وسلوكيات آبائهم نتيجة تطرفهم. وقد سمحت ألمانيا لأول مرة في أغسطس (آب) الحالي لأطفال يُشتبه في انتماء آبائهم إلى تنظيم «داعش» بالعودة إلى أراضيها. وصرح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، بسعي بلاده لإعادة أطفال لآباء منتمين لـ«داعش» من سوريا إلى ألمانيا، وعدم تحميلهم مسؤولية ما فعله آباؤهم.

المحاكمة عبر السلطات
وتظهر ثلاثة توجهات نحو التعامل مع المقاتلين الأجانب: أولها أن تتم محاكمتهم من خلال السلطات المحلية، وهو أمر يصعب تحقيقه مثل ما حدث في العراق، حيث يتم فرض عقوبة الإعدام التي ترفضها السلطات الأوروبية. من جهته، أصدر القضاء العراقي حكم الإعدام بحق ما يصل إلى 11 فرنسياً ممن ينتمون إلى تنظيم «داعش». وذلك على الرغم من رفض السلطات الفرنسية تنفيذ حكم الإعدام بحق مواطنين من الجنسية الفرنسية، حيث إن الرئيس العراقي برهم صالح، أكد للسلطات الفرنسية أن الدواعش الأجانب سيحاكَمون وفق القانون العراقي.

محكمة دولية
التوجه الثاني جاء نتيجة مطالب أوروبية عراقية، ويتمحور حول إنشاء محكمة دولية مختصة بقضايا الإرهاب والمقاتلين الأجانب في العراق بمن فيهم المقاتلون الأجانب القادمون من دول أوروبية. وقد ناقشت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه، في مطلع يونيو (حزيران) 2019 مقترحاً مع عدد من الدول الأوروبية من ضمنها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا يقضي بتشكيل محكمة دولية تُعنى بمحاكمة «الإرهابيين» الأجانب الذين التحقوا بتنظيم «داعش». ويرى القانوني الألماني روبرت شولتس، أنه من الممكن إقامة مثل هذه المحكمة المستقلة على شاكلة نموج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بشرط أن يتم اتفاق قانوني بين العراق ودول الاتحاد الأوروبي يستبعد عقوبة الإعدام. وقد تم إجراء دراسة احتمال وضع مسؤولية محاكمة المقاتلين الأجانب، الذين انضموا إلى تنظيم «داعش» من ِبل المحكمة الجنائية الدولية، كما أكدت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، أمام مجلس الأمن الدولي، أن أجهزة المحكمة لديها الصلاحية للنظر في الجرائم التي يُتهم تنظيم «داعش» في ليبيا بارتكابها، حيث إن ذلك يعد من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل مثل هذه الجرائم المفترضة. لكنها أكدت أن المسؤولية تقع في الدرجة الأولى على عاتق الدول في محاكمة رعاياها الذين التحقوا بصفوف التنظيم.

إعادة المقاتلين
فيما يتمثل الخيار الثالث في إعادة المقاتلين الأجانب، إلى أوطانهم، وهو الخيار الذي دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إليه ليتم توزيع أعباء وتبعات الخلافة الداعشية التي اندثرت على الدول المختلفة. في فبراير (شباط) 2019 قام ترمب بدعوة الدول الأوروبية إلى استعادة مقاتليها الذين يتجاوز عددهم 800 مقاتل وتم اعتقالهم في سوريا وتقديمهم إلى المحاكمة. فيما توعد الرئيس الأميركي في 21 أغسطس الدول الأوروبية بتسليمها مقاتلي «داعش» الأسرى الذين يحملون جنسياتها قسرياً في حال لم يرغب بعض الدول في استعادتهم مثل ألمانيا وفرنسا. ويأتي ذلك في ظل مساعي الولايات المتحدة لتقليص دورها في مواجهة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وتزايد احتمال معاودة التنظيم لملمة شتاته والقيام بضربات إرهابية جديدة. وقد صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في 20 أغسطس بأن تنظيم «داعش» لا يزال يمثل تهديداً وأنه «أقوى اليوم مما كان عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات» وذلك في «بعض المناطق» في العراق وسوريا. هذا العبء لا يقتصر على الأوروبيين فحسب، إذ ظهرت قضايا لمن يحمل الجنسية الأميركية ممن سافر إلى العراق وسوريا وشارك في تنظيم «داعش». مثل ما حدث مع هدى مثنى وكيمبرلي بولمان الأميركيتين الكنديتين، وهما موجودتان في مخيم اللاجئين شمال شرقي سوريا، وعلى الرغم من أنهما أعربتا عن أسفهما العميق والرغبة في العودة إلى الولايات المتحدة فإنه لا يظهر استعداد لاستقبالهما مرة أخرى، وذلك إثر التشكيك في صحة حصول مثنى على الجنسية الأميركية وازدواجية جنسية بولمان. وهو ما يؤكد مدى تخوف الدول المختلفة من مخاطر عودتهم إلى دولهم.

العودة إلى الأوطان
لا تعد تبعات عودة المقاتلين الأجانب بالأمر السهل إن لم تتم معالجتها، بدءاً بوجود أعداد من المتطرفين ممن ليست لديهم قابلية لإعادة التأهيل بعد اعتيادهم على الممارسات المتطرفة، بالأخص مَن تقلد مناصب قيادية في التنظيم أو حمل قناعات دينية متشددة يصعب تغييرها. مثل هؤلاء يمكن تأثيرهم على المجتمع على اعتبار حيازتهم خبرة في ساحات القتال تضخم من قدراتهم وتسبغ عليهم قدرة على التأثير في المجتمعات بالأخص لدى مَن يشكّلون أقليات ولديهم قابلية للتطرف نتيجة شعورهم بالتهميش والانعزال عن بقية المجتمع لاختلافهم عنه. من جهة أخرى فإن الإعراب عن الندم على ما اقترفه المتطرف ورغبته في العودة إلى وطنه قد يكون نتيجة تضييق الحصار على التنظيم في كلٍّ من العراق وسوريا، وتغيير التنظيم لاستراتيجيته ورغبته في التغلغل في المجتمعات التي جاء منها المقاتلون الأجانب سواء عبر إيقاظ «خلايا نائمة» أو التأثير على الآخرين من خلال الرسائل الإعلامية إلكترونياً أو تحويل الأفراد إلى ذئاب منفردة بإمكانهم القيام بهجمات إرهابية.
أشارت الباحثة سيلفين سي، في المركز الدولي للعنف السياسي والإرهاب في سنغافورة، إلى مدى خطورة عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم، إذ سيحصلون على هوية خاصة لمقاتلين مسلحين مخضرمين مما يسبغ عليهم كاريزما مميزة تعطيهم قابلية لأن يصبحوا قادة متطرفين بإمكانهم التواصل مع من يعرفونهم من أعضاء التنظيم، الأمر الذي يعطيهم دافعاً لاستمرار انتمائهم لـ«داعش» والتواصل مع الآخرين إلكترونياً من أجل التجنيد أو نشر الحملات الدعائية لهم أو حتى التخطيط لعمليات إرهابية. فيما تطرق الباحث الزميل توماس هيغهامر في مركز أبحاث الدفاع النرويجي إلى عدد من العوامل التي تعزز ما وصفه بـ«الأزمة الجهادية في أوروبا»، وذكر أربعة أساسية منها وهي: زيادة عدد المسلمين الشباب ذوي الدخل الاقتصادي المحدود، الأمر الذي له صلة غير مباشرة بالتطرف أو الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة، وزيادة عدد الناشطين ذوي الخبرة، أو بمعنى أوضح المقاتلين الأجانب العائدين من القتال المسلح إلى أوطانهم، إضافة إلى استمرار الأزمات المسلحة في عدد من دول العالم الإسلامي واستمرار أنشطة التنظيمات المتطرفة عبر الإنترنت واستغلالهم وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من إشكالية عودة المقاتلين الأجانب فإنه بالإمكان أن تتم مناصحة المتطرفين وإعادة تأهيلهم، لا سيما أولئك الذين لم ينخرطوا في قتال فعلي وإنما تم التغرير بهم، وذلك من خلال إعادة دمجهم في المجتمع. حيث إن ذلك أفضل لا محالة من بقاء المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».