السياسة والاقتصاد أيقظا غرينلاند من سباتها الشتوي الطويل

غرينلاند التي تحوّلت إلى مادة جدل بين الدنمارك والولايات المتحدة بعد إبداء الرئيس الأميركي دونالد ترمب رغبته بشرائها، تعد - بعد قارة أستراليا - أكبر جزيرة في العالم. ومع أنها جغرافياً أقرب إلى كندا والقارة الأميركية الشمالية، فإنها تابعة للدنمارك البعيدة عنهما في أوروبا.
تحظى غرينلاند باستقلال ذاتي منذ عام 1979، ولا ترتبط بالدنمارك إلا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع. أما رئيس وزرائها فهو كيم كيلسن الذي يحكم الجزيرة منذ عام 2014.
من ناحية أخرى، في حين تزيد مساحة غرينلاند (التي تحمل اسم كالاليت بلغة الإينويت المحلية) على مليوني كلم مربع - أي 6 أضعاف مساحة ألمانيا - لا يزيد عدد سكان الجزيرة على نحو 56 ألف نسمة، 88 في المائة منهم من الإينويت (الإسكيمو) الأصليين والبقية من أصول دنماركية. إذ يغطي الجليد أكثر من 80 في المائة من مساحة هذه الجزيرة العملاقة، ما يعني أن المناطق الآهلة بالسكان محصورة بمساحة قليلة. ويعيش ربع السكان تقريباً في العاصمة نوك (غودثاب باللغة الدنماركية).
ورغم أن سكان الجزيرة يفضّلون أن يكونوا مستقلين تماماً، فإن ارتباطهم اقتصاديا بالدنمارك يجعل من الصعب عليهم الحصول على الاستقلال التام. ويلعب القطاع العام دوراً طاغياً في اقتصاد غرينلاند، ونصف مدخول الجزيرة يأتي على شكل منح ومساعدات من الحكومة الدنماركية. ثم إن هذه الجزيرة الشاسعة تواجه مشاكل اجتماعية كبيرة، فنسبة البطالة فيها مرتفعة مقارنة بنسبة البطالة في الدنمارك، ونسبة الانتحار فيها هي من الأعلى في العالم، حسب دراسة نشرت عام 2010.
حالياً، تعد غرينلاند من أكثر مناطق العالم استخداماً للطاقة المتجددة، ذلك أن 70 في المائة من الطاقة فيها مصدرها من الطاقة الكهرومائية. وفي المقابل، مع أن أكبر مصدر للدخل في غرينلاند هو الصيد والثورة الحيوانية، فإن الجزيرة غنية بالمعادن. وفي الفترة الأخيرة أبدت الصين اهتماماً متزايداً بمشاريع استكشاف معادن أرضية نادرة فيها. ولقد لفت هذا الاهتمام الصيني انتباه الاتحاد الأوروبي الذي دعا غرينلاند للحد من مشاريع الصين لديه، إلا أن الرد جاء من سلطات نوك بأنه لا نية لديها بوضع قيود ضد الصين.
ولا يتوقف اهتمام الصين بغرينلاند هنا، بل لقد أدخلت الجزيرة ضمن مشاريعها الطموحة التي تريد تنفيذها ضمن «خط الحرير» الجديد، والاستفادة من الممرّات المائية الجديدة التي تفتح مع ذوبان الجليد هناك. وهنا تجدر الإشارة، إلى أن آثار التغير المناخي تبدو كارثية على غرينلاند، حيث الجليد يذوب تدريجياً فيها منذ منتصف الخمسينات لكنه في السنوات الأخيرة تسارعت نسبة ذوبانه بنسبة كبيرة. غير أن ذوبان الجليد هذا ساعد على خلق خطوط نقل بحرية جديدة. وفي العام الماضي نجحت أول باخرة ترفع علم الدنمارك بعبور المحيط المتجمد الشمالي بعدما أبحرت من ميناء فلاديفوستوك في شرق روسيا إلى بطرسبرغ في غربها محملة بأسماك مجمدة. واستمرار ذوبان الجليد يعني أن طريق تجارة بحرية جديدة بين أوروبا وآسيا قد يفتح قريباً ويصبح بديلا عن خط السويس أو باناما.
هذا الواقع يعزز الأهمية الاستراتيجية لغرينلاند، ولعله ما يدفع بالرئيس ترمب إلى عرض شراء الجزيرة التي تستضيف أصلاً قواعد عسكرية أميركية كجزء من العمليات من حلف شمال الأطلسي «ناتو». ويذكر أنه إبان الحرب الباردة حاولت الولايات المتحدة إنشاء قاعدة نووية سرية تحت الغطاء الجليدي من دون معرفة الدنمارك، إلا أنها قالت لاحقاً أنها أوقفت المشروع لتعذر تحقيقه.
ومما يستحق الإشارة، في هذا السياق، أن فكرة شراء غرينلاند من قبل الولايات المتحدة سبق ترمب إليها الرئيس هاري ترومان الذي قدم عرضاً للدنمارك أيام الحرب الباردة عام 1946، واعتبرت إدارة ترومان حينها أن الموقع الاستراتيجي لغرينلاند وقربها من الاتحاد السوفياتي يمكن أن يساعدا الولايات المتحدة في أي حرب محتملة ضد السوفيات. ووفق أرشيف حصلت عليه وكالة «أسوشييتد برس»، عرضت الولايات المتحدة على الدنمارك مبلغ 100 مليون دولار بالذهب، إضافة إلى حق بالحصول على جزء من نفط ألاسكا، مقابل غرينلاند. وبقيت هذه المفاوضات، التي فشلت، سرّية حتى الكشف عنها مؤخراً.