مَن يحكم تونس بعد استقالة الشاهد؟

فسيفساء سياسية وانقسامات جديدة عشية الانتخابات الرئاسية

مَن يحكم تونس بعد استقالة الشاهد؟
TT

مَن يحكم تونس بعد استقالة الشاهد؟

مَن يحكم تونس بعد استقالة الشاهد؟

أربك تخلّي رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد عن منصبه، وإعلانه التفرغ لحملته الانتخابية الرئاسية، السباق نحو قصر قرطاج، والمتابعين لتطوّرات المشهد السياسي في تونس. وما زاد الإرباك أن هذا القرار تزامن مع الجدل حول توظيف بعض الأطراف السياسية والحزبية لمؤسسات الدولة «التي يفترض أن تلتزم الحياد الكامل بين المرشحين».
ومن ناحية ثانية، أحدث خبر الانسحاب، و«تفويض» صلاحيات رئيس الحكومة إلى كمال مرجان، وزير الوظيفة العمومية الحالي ووزير الدفاع والخارجية السابق، مفاجأة لأن الشاهد والمقربين منه - في الدولة وفي حزبه «تحيا تونس» - نفَوا مراراً خلال الأيام الماضية حدوثه، ورفضوا مطالب المعارضة بالتنحي «حتى لا يوظف مؤسسات الدولة لصالح مشروعه الانتخابي والسياسي». ومن ثم، أصبح السؤال الكبير اليوم: مَن يحكم تونس بعد مغادرة الشاهد قصر الحكومة الذي كان قد رفض مغادرته طوال العامين الماضيين، رغم ضغوط الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي؟ ومن سيقود الفريق الوزاري بعد هذا التغيير على رأس رئاسة الحكومة التي يعطيها الدستور صلاحيات تفوق بكثير تلك التي منحها لرئاسة الجمهورية؟
وهل سيستفيد الشاهد من قرار الانسحاب «المؤقت» لفائدة مرجان... أم يحصل العكس وتتزايد حظوظ منافسيه الرئيسيين في الانتخابات وزير الدفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي ورئيس البرلمان بالنيابة عبد الفتاح مورو والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي ورجل الأعمال والإعلام المثير للجدل نبيل القروي؟

برّر يوسف الشاهد قراره التنحي «المؤقت» عن رئاسة الحكومة التونسية، في كلمة توجه بها إلى الشعب، بفقرة في الفصل 92 من الدستور التونسي تسمح له بذلك، من دون اللجوء إلى البرلمان أو إلى إقالة الحكومة كاملة «عند الضرورة» التي تعني شغوراً مؤقتاً في المنصب، أو تفرغاً لإجازة أو ظروف طارئة.

ضغط من المعارضة
ولقد أسال الجدل حول هذا الفصل حبراً كثيراً خلال الأسابيع والأشهر الماضية، بين المطالبين بتطبيقه والمعارضين له، وبالأخص بعدما انخرط فيه نجل الرئيس السابق الأمين العام لحزب «نداء تونس» حافظ قائد السبسي، والمقرّبون منه، كالوزير رضا بالحاج، وحذّروا من توظيف الشاهد ووزرائه لمواقعهم في الدولة في الحملة الانتخابية. وكان الشاهد، والوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني، والأمين العام لحزب «تحيا تونس» سليم العزابي، وعدد من الخبراء الدستوريين الكبار، قد عارضوا فكرة الاستقالة، وإن كانت مؤقتة.
ورغم ضغوط المعارضة، أدلى الشاهد وأنصاره بتصريحات كثيرة تواصلت حتى الأيام الماضية، أكدوا فيها أن التنحي غير وارد. وبرّروا موقفهم بكون تغيير رئيس الحكومة الآن قد يؤدي إلى «أزمة سياسية جديدة»، وإلى مطالبات بإقالة كل أعضائها. وحذّر الوزير الدهماني قبل أيام من «إحداث فراغ سياسي لا تسمح به الظروف الانتقالية للبلاد»، في مرحلة يرأس فيها الدولة والبرلمان رئيسان بالنيابة بسبب وفاة الرئيس قائد السبسي.
أيضاً، عارض هيكل محفوظ، الخبير الأكاديمي في الدراسات الدستورية والقانونية رئيس وحدة الأبحاث العلمية في كلية الحقوق السياسية بتونس، المطالبات باستقالة رئيس الحكومة اعتماداً على الفصل 92 من الدستور. واستدل محفوظ بالتجارب السابقة في تونس وفي العالم التي تسمح لرئيسي الجمهورية والحكومة المباشرين بالترشح، وتنظيم حملتهما الانتخابية «دون توظيف مؤسسات الدولة لصالحهما». وكان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي قد ترشح للانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 في دورتيها من دون أن يستقيل من منصبه. وتنافس مع زعيم المعارضة وقتها الباجي قائد السبسي، ولم يفز إلا بـ45 في المائة من الأصوات، ولم يتهمه أحد بتوظيف مؤسسات الحكم في السباق الانتخابي.

التنافس مع وزير الدفاع
بعض المراقبين، مثل مُنية العرفاوي، المحلّلة السياسية في صحيفة «الصباح» اليومية، فسّروا توقيت مبادرة الشاهد بحرصه على «التشويش» على منافسه الرئيسي في السباق نحو قصر قرطاج، وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، وذلك عندما خاطب الشعب قبل أقل من ساعة من أول حوار تلفزيوني للزبيدي مبرمج معه قبل مدة. كما فسّروا اختيار كمال مرجان، رئيس المجلس الوطني لحزب الشاهد ووزير الدفاع والخارجية السابق، رئيساً للحكومة بالنيابة بأنه محاولة من الشاهد لإضعاف منافسه الزبيدي، من خلال الإيحاء بأنه من بين المقرّبين منه رموز المؤسسة العسكرية والسياسية، ومنهم مرجان الذي كان وزيراً للدفاع قبل الزبيدي، وفي رصيده نحو 30 سنة من المسؤوليات السياسية والدبلوماسية الأخرى، الوطنية والأممية.
ورغم الصبغة المؤقتة لرئيس الحكومة الجديد، فإن وراء اختيار كمرجان - وهو من أصهار عائلة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي - رسالة سياسية إيجابية لرموز الدولة والحزب الحاكم قبل ثورة 2011، تعني استعداداً للمصالحة معهم دون استثناء، أو طي صفحة الماضي. وجاءت هذه الخطوة بعد انتقادات شديدة اللهجة وُجِّهت إلى الشاهد من قبل منظمات المتقاعدين وعدد من كبار الموظفين السابقين بسبب تصريحات أدلى بها أخيراً، أعلن فيها أنه يريد «القطيعة مع المنظومة القديمة» و«العجائز والشيوخ»، وأن يعتمد أكثر على الشباب. وعد الإعلامي محمد البرقاوي أن نحو مليون متقاعد ومتقاعدة سيصوتون ضد الشاهد وحزبه «بسبب تدهور أوضاعهم المادية، واضطراب مواعيد حصولهم على رواتبهم في عهد حكومته».

معركة إعلامية واتصالية
الأكاديمي المحلل السياسي الدولي عماد عبد الجواد يعد أن انسحاب الشاهد من رئاسة الحكومة لصالح مرجان «سلاحاً ذا حدين قد يستفيد منه لأنه يفند من خلاله تهمة توظيف موقعه في الحكومة في حملته الانتخابية، وقد يضعفه لأن غالبية كوادر حزبه وأنصاره في عالم المال والأعمال قد يتخلون عنه بسبب خروجه من الحكم».
لكن الوزير محمد الغرياني، الأمين العام لحزب «المبادرة الدستورية» وللحزب الحاكم في عهد بن علي، رحّب بمبادرة الشاهد، ورأى أنها ستزيد شعبيته، وتضاعف حظوظه الانتخابية، وتؤكد نزاهته «لأنه انسحب من تلقاء نفسه، ولم يُعزَل من قبل البرلمان».
ووصف الغرياني، في تصريح لـ«لشرق الأوسط»، ما يجري في كواليس السباق نحو قصر قرطاج بـ«المعركة الاتصالية والإعلامية»، وعد أن الشاهد سجل نقاطاً مهمة في هذا السياق، خلال مداخلاته التلفزيونية بمناسبة إعلانه «المفاجئ» الانسحاب من رئاسة الحكومة، و«تفويض» الوزير، وتنازله على جنسيته الفرنسية، مع مطالبة بقية المرشحين حاملي جنسيات مزدوجة بأن ينحو نحوه.

المنافسون الكبار
من جهة أخرى، وفي انتظار غلق باب الانسحابات من قائمة المرشحين للرئاسة يوم 31 أغسطس (آب) الحالي، تتضاعف حظوظ 4 أو 5 مرشحين، يتقدّمهم يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي وعبد الفتاح مورو، ثم المنصف المرزوقي أو محمد عبو، حسب تصريحات الوزير السابق المحامي العروبي مبروك كورشيد لـ«الشرق الأوسط».
كورشيد الذي يترأس القائمة الانتخابية لحزب «تحيا تونس» في محافظة مدنين، بالجنوب الشرقي التونسي، يعد أن الغالبية الساحقة من الكوادر السابقة في حزب الرئيس الراحل قائد السبسي «نداء تونس» انحازت للشاهد، ما يضاعف حظوظه الانتخابية، بينما يفتقر عدد من منافسيه، وبينهم وزير الدفاع الزبيدي، إلى حزب قوي لديه فروع في كل المدن والقرى لمساندته.
إلا أن أنصار الزبيدي يرفضون هذا التقييم، ويرجّحون فوز مرشحهم بفارق كبير «لأنه يجمع بين الخبرة في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والنزاهة ونظافة اليدين». ويستدلون بالفريق الذي عيّنه للإشراف على حملته الانتخابية، برئاسة وزير التشغيل السابق القيادي في حزب «آفاق تونس» الحقوقي فوزي عبد الرحمن، والنقابي الوزير السابق للطاقة خالد بن قدور.

مرشح المعارضة؟
وفي هذه الأثناء، يتنافس عدد آخر من المرشحين، بينهم الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وزعيم حزب «التيار الديمقراطي» الوزير السابق محمد عبو، ورجل الأعمال والإعلام رئيس حزب «قلب تونس» نبيل القروي، ورئيسة الحزب الدستوري عبير موسي، على الفوز بأصوات المعارضين للمنظومة الحاكمة الحالية، وللساسة الذين سيطروا على المشهد السياسي طوال السنوات الخمس الماضية ورموزها، بمن فيهم الشاهد والزبيدي ومورو. ونوّه الناشط السياسي والحقوقي زهير مخلوف باستطلاعات الرأي التي رجّحت أن يفوز نبيل القروي بأصوات «غالبية المتمردين على الأحزاب التقليدية»، وأن يستفيد من انتقاداته لكل مرشّحيها، ومن الشعبية التي اكتسبها طوال العامين الماضيين بفضل المشاريع الاجتماعية والخيرية التي نظّمها لفائدة آلاف العائلات الفقيرة في كل جهات البلاد. وللعلم، تسببت تلك المشاريع الخيرية في حملات شنتها ضده «الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري»، والغالبية البرلمانية الحالية التي استصدرت في يونيو (حزيران) الماضي قانوناً لمنعه من الترشّح، بتهمة توظيف الأموال المهرّبة من الضرائب في مشاريع «دعائية»، لكن وفاة الرئيس قائد السبسي قبل التوقيع على القانون أجّل تنفيذه إلى الدورة البرلمانية المقبلة.
في المقابل، يشكّك الكاتب المحلّل السياسي علي بن عبد اللطيف في قدرة مرشّحي الأحزاب الوسطية والصغيرة على منافسة مرشحي الأحزاب الكبرى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بمن فيهم المرزوقي وعبو ومرشح حزب «التكتل الديمقراطي للحرّيات والعمل» وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ.

فسيفساء حزبية وانقسامات
ولعل أكبر تحدٍّ، حسب علي عبد اللطيف، أن التحضيرات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية كشفت استفحال التناقضات داخل الطبقة السياسية، وغياب زعامات قادرة على استقطاب غالبية المواطنين، خلافاً لما حصل عام 2014، عندما تجمّع أكثر من نصف الناخبين حول الباجي قائد السبسي وحزبه، بينما احتشدت البقية حول المرزوقي وحزب «حركة النهضة» وحلفائهما.
وهكذا، فالسؤال الذي يفرض نفسه على الجميع اليوم، وفق المحامي سمير بن عمر: هل ستكون هذه الحملة فرصة لبناء تحالفات قوية تساهم في إعادة توزيع الأوراق بين المرشحين الذين يرفعون شعار تغيير كامل المنظومة الحالية... ومنافسيهم الذين يدافعون عن خيار الاستقرار والبراغماتية، أم يحصل العكس؟
الوزير السابق سليم بن حميدان القيادي في حزب «الحراك» (بزعامة المرزوقي)، عد أن «المرشحين الأوفياء لمبادئ ثورة 2011 يمكن أن ينتصروا على مرشحي النظام القديم، في حال توحيدهم جهودهم، وانسحابهم لصالح مرشح وحيد، لكن المشكلة أن جلّ هؤلاء يرفضون الانسحاب من السباق ضمن الآجال القانونية، أي قبل آخر يوم في الشهر الحالي، مثل غالبية المرشحين المحسوبين على المنظومة القديمة».

تنافس العاصمة والساحل والجنوب
وفي أي حال، فإن من بين مُستجدّات الانتخابات الحالية، حسب الأكاديمي الحقوقي جوهر بن مبارك، أن الترشحات للانتخابات السابقة لأوانها «تشهد عودة التنافس بين ممثلي تونس العاصمة ومحافظات الساحل»، التي انحدر منها الرئيسان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وحكما البلاد ما بين 1955 و2011، اعتماداً على غالبية من كوادرها ورجال أعمالها. وفي المقابل، يسعى عدد من المرشحين، بينهم وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ، والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، وزعيم حزب «التيار الديمقراطي» محمد عبو، إلى كسب أصوات الجهات المُهمّشة في الشمال والوسط والجنوب.
وينتقد بن مبارك ترشح «ساسة شعبويين متهمين من قبل القضاء بالفساد والتهرّب من الضرائب»، لكنه يسجل أنه بعد نحو 9 سنوات من تحكمّ ساسة بارزين من «أصيلي العاصمة» تونس، بزعامة الرئيس الراحل قائد السبسي، في اللعبة السياسية داخل مؤسسات الحكم والمعارضة، انخرط في السباق بقوة ممثلون عن جهة «الساحل»، بينهم وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ورئيس الحكومة الأسبق رئيس حزب «البديل» المهدي جمعة. وفي المقابل، يبدو يوسف الشاهد وعبد الفتاح مورو من بين أبرز مرشحي «لوبيات» السياسة والمال في العاصمة تونس. ويتنافس الشاهد ومورو على كسب أصوات العائلات المحافظة وأبناء الطبقات الوسطى.

المقاطعة والتصويت العقابي
وفي انتظار اليوم المقرّر للاقتراع العام، 15 سبتمبر (أيلول) المقبل، حذّر نشطاء من المجتمع المدني، مثل معز بولوحية، رئيس جمعية «عتيد» لمراقبة الانتخابات، من «سيناريو» مقاطعة عالية في صفوف الناخبين للتصويت بسبب تعمّق أزمة الثقة بمعظم السياسيين، على اختلاف ألوانهم، وتدهور الأوضاع المعيشية للطبقات الشعبية والوسطى.
كذلك، يرجّح الناشط السياسي الحقوقي زهير مخلوف، والكاتب الصحافي اليساري توفيق بن بريك، أن تشهد الانتخابات المقبلة «تصويتاً عقابياً» ضد الطبقة السياسية الحالية، ولا سيما ضد مرشحي الأحزاب الحاكمة التي شاركت في الحكومات الائتلافية خلال السنوات الخمس الماضية، برئاسة الحبيب الصيد والشاهد، وبالأخص أحزاب «نداء تونس» و«تحيا تونس» و«حركة النهضة» و«مشروع تونس» و«المسار». وفي هذه الحالة، يتوقع أن تختلط الأمور أكثر، وقد يجد التونسيون أنفسهم يوم الاقتراع العام مُخيَّرين بين حلّين أحلاهما مُرّ: إما الانحياز إلى المرشحين «الشعبويين»، وفي ذلك مغامرة... أو اختيار «مرشح جدّي» من المنظومة القديمة، مع ما قد يعنيه ذلك من دوران في حلقة مُفرّغة.

فئات المرشحين لانتخابات سبتمبر المقبل

> يقُدَّر عدد الناخبين التونسيين بنحو 8 ملايين ناخب، بينهم أكثر من مليون وربع المليون من المُرسَّمين (الناخبين المسجلين) الجدد - غالبيتهم من الشباب - لكن الأطراف السياسية ترجح ألا تتجاوز نسب الإقبال على التصويت في الانتخابات الرئاسية ثلث الناخبين.
وحسب المؤشرات الحالية، سيكون التنافس الفعلي في هذه الانتخابات بين 5 أو 6 مرشحين يتنافسون جدّياً على منصب رئيس الجمهورية، ويسعون للفوز به. ومع هؤلاء، هناك نحو 20 مرشحاً أعلنوا أن حظوظهم ضعيفة جداً، لكنهم شاركوا في اللعبة الانتخابية كي يدخلوا أو ليكونوا في المشهد السياسي، إيماناً منهم بكون المشاركة في الرئاسيات تؤثر لاحقاً في الانتخابات البرلمانية.
وعموما ثمة 3 فئات من المرشحين للانتخابات التونسية المقررة في الشهر المقبل:
1- مرشحون تدعمهم الأحزاب الكبرى: وهنا حزب «تحيا تونس» يدعم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وحزب «حركة النهضة» يدعم رئيس البرلمان بالنيابة النائب الأول لرئيس الحركة عبد الفتاح مورو، وحزب «قلب تونس» بزعامة نبيل القروي يدعم رئيسه.
2- مرشحون مستقلون تدعمهم شخصيات مستقلة أو أحزاب أخرى: من بين أبرز هؤلاء المرشحين عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الذي يحظى بدعم حزب «نداء تونس» (وهو حزب نجل الرئيس السابق قائد السبسي)، وحزب «آفاق» بزعامة الوزير السابق رجل الأعمال ياسين إبراهيم، وكان الزبيدي قد اختار قياديين منه في هيئة حملته الانتخابية. كذلك حصل الزبيدي على دعم شخصيات يسارية، وأخرى ليبرالية مستقلة، بينها رئيس الحكومة الأسبق رشيد صفر، وعدد من كبار المسؤولين في الدولة والحزب الحاكم قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، مثل الوزير أحمد عياض الودرني مستشار الرئيس الأسبق بن علي ومدير مكتبه طوال 20 سنة. ويتردّد أن عدداً من كبار الضباط العسكريين والأمنيين المتقاعدين وكوادر الدولة أكدوا دعمهم للزبيدي، وانخرط بعضهم في هيئة حملته الانتخابية، مباشرة وغير مباشرة، لكن عامل الوقت قد لا يسمح له بتشكيل لجان مساندة محلية، ومراقبين ينتشرون في آلاف القرى والأحياء الشعبية في كل المدن.
3- مرشحون مستقلون أو زعماء لأحزاب سياسية صغيرة: ترجح استطلاعات الرأي أن هؤلاء لن يفوزوا بأكثر من 1 في المائة من الأصوات، لكنهم ترشحوا للرئاسة ليستفيدوا من التمويلات التي توفرها الدولة للمترشحين، ومن فرص البروز في وسائل الإعلام للتعريف بأحزابهم ومشاريعهم السياسية، وبمرشحيهم في الانتخابات البرلمانية.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.