الحراك المدني في لبنان يحذّر الحكومة من معالجة النفايات بالمحارق

نائب معارض: أين نخوة الشعب اللبناني؟

مشهد تراكم النفايات على شاطئ الجية في محافظة جبل لبنان عام 2018 (أرشيف - رويترز)
مشهد تراكم النفايات على شاطئ الجية في محافظة جبل لبنان عام 2018 (أرشيف - رويترز)
TT

الحراك المدني في لبنان يحذّر الحكومة من معالجة النفايات بالمحارق

مشهد تراكم النفايات على شاطئ الجية في محافظة جبل لبنان عام 2018 (أرشيف - رويترز)
مشهد تراكم النفايات على شاطئ الجية في محافظة جبل لبنان عام 2018 (أرشيف - رويترز)

لامس عمر أزمة النفايات التي تعصف بلبنان الأربع سنوات. وبعد طول انتظار، لجأت وزارة البيئة إلى خطة تقضي في شقّ منها بإقامة محارق، وهو اقتراح يلقى اعتراضاً واسعاً خوفاً من الأضرار المحتملة لهذه الوسيلة على البيئة والصحة. والكل في لبنان يتذكر التظاهرات الشعبية التي انطلقت في أغسطس (آب) 2015 احتجاجاً على تكوّم أطنان الزبالة على الطرق، والتي كادت تتحوّل حراكاً سياسياً حقيقياً قبل تراجع الزَّخم الشعبي.
يقول عضو الهيئة التأسيسية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد هادي منلا، إن «قرار النزول إلى الشارع مرهون بقرار الدولة اللبنانية، فإذا أعاد مجلس الوزراء وضع المحارق على جدول أعماله سننزل بقوة إلى الشارع، ونحن له بالمرصاد»، كاشفاً أن «90 في المائة من النفايات التي يتم تفريغها في مطمري كوستا برافا وبرج حمود تُرمى في البحر بعد وصول المطمرين إلى ذروة قدرتهما الاستيعابية، هذا عدا عن الروائح الكريهة المنبثقة من عصارة النفايات خلال نقلها في الشاحنات».
ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «متابعة الحراك المدني لمسار هذه القضية لم تتوقّف، لكن تغيّرت طريقتنا في التعامل معها، إذ لجأنا إلى مواجهة علمية مع القضية من خلال تأسيس (ائتلاف إدارة النفايات) يضم مجموعة من الخبراء في مجالات البيئة والصحة والاقتصاد وناشطين حقوقيين وبيئيين وجمعيات مختلفة وذلك بغية تشكيل مجموعة ضغط».
ووضع هذا الائتلاف استراتيجية شاملة وخطة تنفيذية فعالة ومستدامة لإدارة النفايات الصلبة في لبنان عموماً وبيروت خصوصاً، بعيداً عن خيار اعتماد المحارق، مقترحاً «البدء بخفض إنتاج النفايات وتشجيع إعادة الاستخدام، فرض الفرز من المصدر، ضرورة اعتماد دقيق لتطبيق السلم الهرمي لإدارة النفايات، طمر العوادم فقط في مطامر صحية نظامية خاضعة لدراسات تقييم أثر بيئي».
ويتابع الائتلاف اجتماعات لجنة البيئة النيابية في البرلمان اللبناني، وهو مستعد لأي خطوة تصعيدية إذا تم اللجوء إلى المحارق القاتلة وتكرار نسخة الحراك الشهير الذي شهده لبنان عام 2015.
وكان مجلس بلدية بيروت أرجأ البحث في إقامة محرقة في بداية الشهر الماضي لأسباب عدة، أهمها الضغط الشعبي واعتراضات الأهالي ورفض مرجعيات عدة لها.
وتسارعت التطورات في الملف الثلاثاء، بين اجتماعي لجنة البيئة النيابية برئاسة النائب مروان حمادة واللجنة الوزارية المكلفة متابعة هذا الملف برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري. واللافت أنه، للمرة الأولى، تم الخروج باقتناعات عملية تتجاوز الخطط الطارئة (التي لطالما اعتمدتها الحكومة بزيادة المطامر أو بتوسعتها) إلى ضرورة تبني خيارات التخفيف والفرز من المصدر، وجرى توافق على عرض مرسوم الفرز الذي أعده وزير البيئة فادي جريصاتي، في جلسة مجلس الوزراء اليوم من خارج جدول الأعمال، على أن تخصص الحكومة جلسة للنفايات الثلاثاء المقبل.
هذا الموقف المستجد أكده لـ«الشرق الأوسط» رئيس «الائتلاف الوطني لإدارة النفايات» حبيب معلوف، الذي شارك في الاجتماع وأبدى ملاحظاته على ما ورد في مرسوم الفرز لناحية تمويل معالجة النفايات.
وطالب معلوف بـ«ضرورة استبدال العبارات الواردة في مشروع القانون مثل (استرداد كلفة تمويل إدارة النفايات)؛ لأنها عبارات موضوعة لصالح المستثمرين الذين يستثمرون في المعالجة ويريدون ضمان حقهم في تحقيق الأرباح من إدارة النفايات، بينما المطلوب من وظيفة الضريبة أن تخفف من إنتاج النفايات لا تمويل كلفة معالجتها»، مقترحاً أن «تكون الضريبة على حجم النفايات ووزنها وليس على مساحات العقارات (كما ورد في اقتراح الوزارة) تطبيقاً لمبدأ من ينتج أكثر نفايات يدفع أكثر ومن لا ينتج لا يدفع». وأكد أنه تم البحث بجدية في خفض عدد المطامر العشوائية المنتشرة على الأراضي اللبنانية من 1000 مطمر إلى 25 مطمراً.
أما النائب عن كتلة «الكتائب اللبنانية» إلياس حنكش، فقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لسوء الحظ ما زلنا في جدل بيزنطي. والقصة اليوم أكثر من تقنيات، هي قصة عجز لحكومة تعالج ملفاً يمس بمصلحة اللبنانيين، لا بالنفايات ولا بالبيئة ولا بالكهرباء أو الاقتصاد. هناك عجز وهناك مسؤولية تتحملها هذه الحكومة».
ولفت إلى أنه «من الممكن أن تبحث الحكومة في خيارات التخفيف والفرز من المصدر، فهذا حل مستدام ولا نختلف عليه، لكن المشكلة تكمن في الخطط الطارئة التي تعتمدها الحكومة بتوسعة المطامر».
وشكك بـ«استبعادها فكرة إقامة المطامر». وقال: «في النهاية لدي توقعات بأن تقوم الدولة بالحل الأسهل». وسأل: «أين نخوة الشعب اللبناني؟ لما لا يتحرّك؟». ورأى أن «لضغط الناس تأثيراً كبيراً في منع مشروع المحارق في بيروت».
وطالب حنكش المسؤولين «بعدم وضع الناس أمام الأمر الواقع مرة ثانية»، مشدداً على أنه «يمكننا نقل النفايات إلى مناطق نائية كالسلسلة الشرقية أو منطقة سرار، تكون بعيدة عن المياه الجوفية. إنما لا يجوز المضيّ بهذا الضرر في أكثر منطقة مكتظة سكانياً». وسأل: «هل نخيّر الناس من جديد بين توسيع المطامر أو طمر الشوارع بالنفايات أو المحارق؟».
وأشار إلى «أننا كحزب الكتائب استقلنا منذ 2015 من الحكومة بسبب ملف النفايات، وما زلنا منذ 4 سنوات نتحدث عن مخاطر المطامر والمحارق».
وبعد أن أشار إلى وجود «مكامن فساد في لبنان تموّل أحزابا كبيرة» أردف قائلاً: «المسؤولون يتكلمون عن الموضوع وكأنهم عاجزون وهم غير عاجزين إنما يتذاكون على الناس، فلنذهب إلى خطط مستدامة ولنبدأ بالفرز من المصدر». وأشار إلى أن «هناك رؤوساً كبيرة أبرمت صفقات وسمسرات بمئات ملايين الدولارات»؛ ما يعني من وجهة نظر حنكش، أن المعركة الإصلاحية كبيرة.
من جهتها، تعمل مجموعة عمل البيئة في «لحقّي» التي تضم ناشطات وناشطين من البيئيين على إطلاق مبادرة فردية، للفرز من المصدر وستبدأ المبادرة في منطقة الشوف في موعد يحدد لاحقاً من خلال تأمين تجميع نفايات مفروزة من المصدر من الأحياء وتوزيعها على الشركات لإعادة تدويرها.
وتؤكد منسقة لجنة البيئة في المجموعة ماري روز رحمة لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه المبادرة تؤسس لثقافة بيئية جديدة في المناطق، يديرها الناس أنفسهم، بجهودهم وتجاوبهم. وهي تُعتبر مقدمة للتشجيع على الفرز من المصدر».

ماذا حدث قبل 4 سنوات؟

في 22 أغسطس عام 2015، جاب ناشطو «الحراك المدني» في لبنان، بالزي الأبيض والكمامات الطبية، شوارع بيروت وصولاً إلى منزل رئيس الحكومة آنذاك تمام سلام، لإيقاظه من نومه ودعوته إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء، تحمل بنداً واحداً، هو «ملفّ النفايات»، لإقرار المراسيم المطلوبة لحل الأزمة. وحملت المظاهرة عنوان «الكوليرا جايي، صار بدها جلسة».
ومن بوابة ذلك المشهد، شهدت السنوات الماضية حملات واعتصامات وصدامات مع قوى الأمن في شوارع المدينة ومربّعاتها، توزّعت بين الثابت منها والمعلن وبين المفاجئ، أمام مؤسّسات الرقابة والقضاء، والوزارات الدولة والإدارات الرسمية احتجاجاً على التمديد للمجلس النيابي وعلى تراكم النفايات في الشوارع، إلى جانب المطالبة بوضع نظام صحّي واستشفائي متكامل.



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.