الموضة تخرج الرجال من ملل الألوان الحيادية

المبالغة فيها مرفوضة وتحتاج إلى تنسيق يهدئ من جرأتها

من عرض «أكني ستوديوز» لربيع وصيف 2019........ من عرض «هيرميس» لربيع وصيف 2019....... من عرض «فالنتينو» لهذا الموسم
من عرض «أكني ستوديوز» لربيع وصيف 2019........ من عرض «هيرميس» لربيع وصيف 2019....... من عرض «فالنتينو» لهذا الموسم
TT

الموضة تخرج الرجال من ملل الألوان الحيادية

من عرض «أكني ستوديوز» لربيع وصيف 2019........ من عرض «هيرميس» لربيع وصيف 2019....... من عرض «فالنتينو» لهذا الموسم
من عرض «أكني ستوديوز» لربيع وصيف 2019........ من عرض «هيرميس» لربيع وصيف 2019....... من عرض «فالنتينو» لهذا الموسم

الموضة ليست كلمة تتردد بين النساء وحدهن، فقد أصبح الرجال أكثر اهتماماً بمظهرهم وبمواكبة أحدث الأساليب. لهذا ليس غريباً أن تصبح الأزياء الرجالية تعتمد الألوان والأنماط الجديدة بشكل صريح، وربما جريء، مقارنة بالماضي، إلى حد إحداث الصدمة.
لم يعد الرجل يبحث عن أزياء تناسب دوام عمل من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً، بعد أن نشأت آلاف الشركات الصغيرة التي تُدار من خلال الحاسوب من على مقهى وسط شارع نابض بالحياة. ومن ثم، فإن رجل 2019 بحاجة إلى أزياء مرنة، تخلق حلقة وصل بين الراحة والأناقة.
ويبدو أن عاملاً آخر عزز اتجاه الأزياء الجديدة والألوان المبتكرة للرجال، إذ ظهرت فكرة الأزياء التي تناسب الجنسين على ممشى العروض خلال أسابيع الموضة في 2019. وقدمت دور أزياء راقية مثل «غوتشي» اقتراحات كثيرة منها، في دعوة إلى إزالة الحواجز بين الجنسين.
وفي حين قدمت بيوت الأزياء بدلات رسمية وقمصان غريبة على النساء، قدمت للرجل وجبة دسمة من الألوان والنقوش تدعوه لأن يخرج من شرنقة الألوان الحيادية.
ورغم الألوان الفاتحة الكثيرة التي باتت تتوجه إليه، فإن الوردي برز كلون أجمعت عليه معظم دور الأزياء: «كريج جرين» قدمته في تشكيلة خريف وشتاء 2019 ساطعاً، يغطي إطلالته من الرأس حتى أخمص القدمين، بالإضافة إلى اللعب بأقمشة غير معتاد تقديمها ضمن أزياء الرجال، مثل الخامات المفرغة والساتان. أما دار «ديور» فذهبت إلى أسلوب هادئ، من خلال بدلات رجالية مفصلة باللون الوردي الباستيل، ظهر بها في وقت لاحق الممثل الإنجليزي نيكولاس هولت.
كما قدم المصمم راف سيمونز، في أول عرض له منذ أن ترك دار «كالفن كلاين»، معطفاً واقياً من المطر «ترانش»، بتصميم يميل إلى الاتساع مجرداً من التفاصيل.
ويعتقد منسق الأزياء العارض المصري مصطفى وحيد أن «عدداً متزايداً من مصممي الأزياء الرجالية تعمدوا التخلي عن الأساليب التقليدية، بتقديم قطع مثل البدلات بسترات السبور بألوان ساطعة لكن حققت الأناقة لرجل شاب يريد مواكبة الموضة».
ويضيف وحيد: «ظهرت أيضاً درجات النيون المضيئة، بما فيها الوردي بجميع ظلاله والبرتقالي، كخيار للأزياء الكلاسيكية المفصلة. كان ضروريا مخاطبة كل الأذواق والمتطلبات، لهذا فهي تناسب أماكن العمل، كما تناسب النزهات اليومية، بعد أن كانت في السابق تقتصر على الملابس الرياضية، لكن يبدو أن الرجل العصري أصبح لا يواجه مشكلة في اعتماد هذه الألوان في القمصان والمعاطف والسترات الرسمية».
ألوان النيون كانت أيضاً حاضرة، لكن موجهة لرجل شاب جريء في المقام الأول، وهو ما أكدته تشكيلة «فيرساتشي» لربيع وصيف 2019، من خلال بدلات بأخضر بخياطة عصرية فضفاضة. كذلك دار «فالنتينو» قدمت معاطف باللون نفسه، أما دار «لويس فويتون» فذهبت إلى إضافة النيون من خلال كنزات عصرية نسقتها مع بدلة رسمية بيج.
ويعلق منسق الأزياء مصطفى وحيد على هذا الأسلوب بأن «ظهور البدلات النيون من الرأس إلى أخمص القدمين على ممشى العروض ربما يحمل مبالغة غرضها الإبهار، فهذه الخشبة مخصصة لعرض الصيحات والأفكار بجرأة، أما انتقال الصيحة إلى الأزياء اليومية، لا سيما بالنسبة للرجل العربي، فيتطلب تنسيقاً أكثر هدوءاً، كما هو في عرض لويس فويتون».
أما بالنسبة للألوان النارية، مثل البرتقالي والأحمر والأصفر الخردلي، فجميعها ألوان ظهرت على منصات العروض، وحولتها إلى مسارح تضج بالحياة والدفء، كما أنها مقبولة لدى الرجال، مقارنة بالوردي أو النيون. دار «هيرمس» قدمت ضمن تشكيلة خريف وشتاء 2019 بنطلونات رجالية بالأصفر الخردلي مع كنزة زرقاء، عبر مزيج عصري يكسر قواعد الأزياء التقليدية.
وكذلك شوهدت بنطلونات بالأحمر التوتي ضمن تشكيلة «بوس»، فيما قدم المدير الإبداعي لدار «إي توتز»، باتريك غرانت، مجموعة بالأحمر والمرجاني والأخضر والبرتقالي، ليفتح المجال لمزيد من الاختيارات الرجالية العصرية.
وكما قُدمت الألوان الساطعة، ظهرت في الوقت نفسه الظلال الهادئة والداكنة، لترضي الرجل الكلاسيكي المتحفظ. ففي مقابل الأخضر النيون، مثلاً، ظهر الأخضر الداكن ليوازن المشهد، كذلك الأخضر الكاكي الذي لا يختفي من اتجاهات الأزياء الرجالية.
ويرى مصطفى وحيد أن أفضل أسلوب لمسايرة الموضة بنمط غير صادم هو تنسيق الألوان القوية والساطعة مع بعض، ويشرح: «قد يكون مظهراً صادماً أن يعتمد الرجل بدلة وردية ساطعة، لكن تنسيق سترة بدرجة من الوردي الباستيل مع سروال وقميص باللون الأبيض مظهر أنيق متوقع رؤيته في حفلات الزفاف الصباحية على سبيل المثال»، ويضيف أن «جميع الألوان الساطعة تناسب الإطلالات الرجالية، بشرط مزجها بطريقة تخفف جرأة المظهر، وتمنحه بعض الرسمية».



دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
TT

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

في مجموعته من خط «الريزورت لعام 2020» أثار مصمم دار «كارولينا هيريرا» ويس غوردن موجة من الاستياء والغضب في المكسيك. اتُهم حينها بالسرقة الفنية والثقافية، لأنه استلهم من تطريزات تراثية مكسيكية بشكل شبه حرفي من دون أن يطلب الإذن من أصحابها ولا أشار إليهم. وصل الأمر إلى تدخل حكومي، جاء على لسان وزيرة الثقافة المكسيكية آليخاندرا فراوستو التي وجَهت رسالة تتهم فيها دار «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي وتطالبها بتفسير علني لاستخدامها رسوماً منسوخة من تراث الشعوب الأصلية المكسيكية، وما إذا كان هؤلاء سيستفيدون بأي شكل من الأشكال.

جاءت كل إطلالة وكأنها لوحة مرسومة بالأزهار والورود (كارولينا هيريرا)

كان رد المصمم سريعاً وهو أن فكرة الانتحال لم تكن تخطر بباله، وأن ما قصده كان تكريم الثقافة المكسيكية والاحتفال بها، مُعترفاً أنه لا ينفي أن «المكسيك بالفعل حاضرة بقوة في هذه المجموعة. لكن حرصي على إبراز هذا التراث هو دليل على المحبة التي أكنّها لهذا البلد ولإبداعاته الحرفية التي طالما أعجبت بها وكانت من أهم مصادر إلهامي».

ريزورت 2025

مرت أربع سنوات وأشهر عديدة، وها هو يؤكد أن قوله لم يكن لمجرد التبرير للخروج من ورطة غير محسوبة. هو فعلاً يحب الثقافة المكسيكية، وإلا ما عاد إليها في عرضه الجديد من خط «الريزورت لعام 2025». الاختلاف هذه المرة أنه اتخذ كل التدابير التي تقيه أي جدل أو هجوم. فالعرض كما تشرح الدار «رحلة من الاستكشاف تُعززها العلاقة الممتدة على مدى عقود طويلة بينها وبين المكسيك».

استلهم المصمم ألوانه من غروب الشمس في مكسيكو سيتي والطبيعة المحيطة (كارولينا هيريرا)

عُرضت التشكيلة في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي. اختار لها المصمم غروب الشمس توقيتاً، ومتحف أناهواكالي، مكاناً.

اختيار متحف «اناكاهوالي» مسرحاً للعرض له دلالته. فهو يحتوي على قطع أثرية تعود إلى ما قبل كولومبوس وتحيطه مناظر خلابة تشكلها النباتات المحلية مما جعله مثالياً لعرض يزخر بالتاريخ والفن والجمال. يُعلَق المصمم غوردن «إن مكسيكو سيتي لها مكانة رائدة كمركز عالمي للفنون والإبداعات المعمارية وتجارب الطهو والثقافة، فضلاً عن المهارة العالية التي يتمتع بها الحرفيون المحليون».

اختار المصمم مزيجاً من الألوان التي تتناغم مع بعضها رغم تناقضها (كارولينا هيريرا)

كان واضحاً أنه اتبع هنا مبدأ «ابعد عن الشر وغني له». اكتفى بألوان الطبيعة المستلهمة تحديداً من غروب الشمس والصخور الركانية في مكسيكو سيتي والمناطق المجاورة لها، و تعاون مع أربع فنانات مكسيكيات، ليُرسِخ احتفاءه بالمهارة الفنية والثقافة المكسيكي من دون أن يتعرَض لأي هجوم أو انتقاد.

وهكذا على طول الفناء الأمامي للمتحف الذي تم بناؤه على حجر بركاني منحوت، تهادت العارضات وهن يتألق في تصاميم تراقصت فيها الألوان الزاهية مثل الأزرق والأخضر العشبي، والعنابي، والأصفر الساطع، إلى جانب قطع بالأبيض والأسود. لم يخف المصمم ويس غوردن أنها لوحة رسمها وطرَزها بالتعاون مع فنانات مكسيكيات لهن باع وشغف في مجالات متنوعة، ساهمت كل منهن بضخها بالألوان والديناميكية الجريئة التي تتميز بها الفنون المكسيكية، وهن:

الفنانة ناهنو Nähñu

فنانات برعن في التطريز لهن يد في تشكيل مجموعة من التصاميم (كارولينا هيريرا)

وهي خبيرة تطريز تعود أصولها إلى نانت في تينانجو دي دوريا في ولاية هيدالغو. تفنّنت في ابتكار ثماني قطع قطنية مطرزة مع تدرجات لونية متباينة ظهرت في قمصان وفساتين وسراويل. وتعليقاً على هذا الموضوع، علَقت الفنانة: «تمنحني الأقمشة مساحة للتعبير عن أسلوبي الإبداعي وحالتي المزاجية في مختلف الأوقات. فعندما أشعر بالسعادة أستخدم ألواناً حيوية، بينما أعتمد الألوان الداكنة للتعبير عن شعوري بالحزن». وأضافت ابنتها بيبيانا هيرنانديز، التي ساهمت هي الأخرى في هذه الإبداعات: «نجحنا في هذا المشروع بالتعبير عن أسلوبنا المميز في عالم التطريز. فهو الذي يفسح لنا المجال لإبراز مواهبنا والتعبير عن مشاعرنا المختلفة في الوقت ذاته».

فيرجينيا فيرونيكا آرسي آرسي

من الطبيعة والثقافة المحلية استلهمت الفنانات المتعاونات تطريزاتهن (كارولينا هيريرا)

هي أيضاً فنانة متخصصة في التطريز. أبدعت للدار تطريزات مستوحاة من جمال الطبيعة المحيطة بمدينتها، سان إيسيدرو بوين سوسيسو، بولاية تلاكسالا، التي تشتهر بامتداد منحدرات جبلها البركاني المعروف باسم لا مالينشي.

اكتسبت فيرجينا مهارة التطريز من والدها وهي في سن الـ15، وتعهدت منذ ذلك الحين أن تحافظ على هذه الحرفة وتعمل على تطويرها كلغة فنية لما تُشكله من جزء هام من هوية المجتمع. وتبرز أعمالها في ثلاثة فساتين من الدانتيل المطرز.

جاكلين إسبانا

خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض كان حاضراً في هذه التشكيلة (كارولينا هيريرا)

مساهمتها تجلّت في تخصصها في خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض، والذي يشكل جزءاً رئيسياً من النسيج الثقافي في سان بابلو ديل مونتي بولاية تلاكسالا.

عشقت جاكلين هذا النوع من الخزف منذ طفولتها، فعملت على استكشاف مزاياه الإبداعية بعد إنهاء دراستها في مجال الهندسة الكيميائية. وقالت في هذا الصدد أن خزف تالافيرا «يشكل في منطقتنا إرثاً عريقاً نحرص باستمرار على الحفاظ عليه واستخدامه كزينة في المناسبات الخاصة فقط. ولذا، وقع عليه اختياري لاستخدامه في أعمالي الفنية عموماً، وفي هذه التشكيلة خصوصاً».

استلهمت الفنانة من الخزف ألوانه ومن الطبيعة المكسيكية أشكالها (كارولينا هيريرا)

كان دورها أن تبتكر تفاصيل ومجوهرات من الخزف المرسوم يدوياً لتزين بها قطع أزياء وأقراط، كما تشرح: «بصفتي متخصصة بخزف تالافيرا، ألتزم بالحفاظ على إرث هذا الخزف المتوارث عبر الأجيال، والاحتفاء بجوهره والعمل على تطويره من خلال وضعه في أروع الإبداعات».

ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»

تعاونت الدار مع ورشات مكسيكية لإبداع إكسسوارات لافتة بألوانها (كارولينا هيريرا)

تعاونت الدار أيضاً مع ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»، التي تتخذ من أواكساكا دي خواريز بمدينة أواكساكا مقراً لها. وتعتبر مركز الأعمال الحرفية في المكسيك، إذ تتعاون الورشة مع أبرز الفنانين لإعادة ابتكار بعض القطع التقليدية برؤية عصرية. لهذا المشروع عملت الورشة مع حدادين متخصصين في النحاس ومطرزين ورسامين لتزيين الخيكارا، وهي أوعية تقليدية مصممة من قشور القرع المجففة، تُستخدم فيها الألوان وفن التطريز وأنماط المقرمة وغيرها من المواد.

تقول مؤسسة الورشة نيبرا: «أستمد إلهامي من الطبيعة من حولي، بما تحمله من نباتات وأزهار حسب المواسم التي تظهر فيها، إضافة إلى ألوان غروب الشمس». لهذه التشكيلة، نجحت نيبرا وفريقها في ابتكار مجموعة من المجوهرات الملونة يدوياً تشبه أعمالها فن الخيكارا.

لمسات كارولينا هيريرا

حافظت التشكيلة على أسلوبها الراقص على نغمات من الفلامينكو (كارولينا هيريرا)

لم تكتف «كارولينا هيريرا» بهذه التعاونات. عرضت أيضاً مجموعة مصغرة من ألبسة الجينز بالتعاون مع شركة «فرايم دينم»، إلا أن مصممها وبالرغم من شغفه بالثقافة المكسيكية، لم يتجاهل جينات الدار الأساسية، التي ظهرت في أزياء المساء والسهرة. فهذه حافظت على أسلوبها المعروف بأناقتها الكلاسيكية الراقصة على نغمات من الفلامنكو، إضافة إلى تلك الفخامة التي تعتمد فيها دائماً على الأقمشة المترفة والأحجام السخية، والورود المتفتحة.