«مدن الحجاج»... ذكريات 7 عقود في أول لبنات إيواء ضيوف الرحمن بجدة

وقف «العين العزيزية» شاهد على تعزيز الأوقاف في خدمة الناس

صورة حديثة لمدينة حجاج المطار (تصوير: غازي مهدي)
صورة حديثة لمدينة حجاج المطار (تصوير: غازي مهدي)
TT
20

«مدن الحجاج»... ذكريات 7 عقود في أول لبنات إيواء ضيوف الرحمن بجدة

صورة حديثة لمدينة حجاج المطار (تصوير: غازي مهدي)
صورة حديثة لمدينة حجاج المطار (تصوير: غازي مهدي)

في المنطقة التاريخية ضمن سور جدة القديم تبرز الذكريات التي تقف على جانب من التاريخ شيئا من الحكاية الأولى لاهتمام الدّولة السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بالحجاج وراحتهم، عندما أنشأ عام 1950 أول مدينة متكاملة لرعاية الحجاج بالقرب من الميناء وأطلق عليها «مدينة حجاج البحر».
الحكاية وصورها الخالدة في ذاكرة سكان جدة والقادمين إليها من مختلف الجنسيات، حيث يفد الحجاج للأراضي المقدسة عن طريق البحر من خلال ما كان يطلق عليها «البواخر» التي كانت تستغرق وقتا أطول مما هو عليه الآن للوصول إلى وجهتها «ميناء جدة» وهذه الرحلات كانت تنقل في مواسم الحج أكثر من 70 في المائة من إجمالي القادمين لأداء مناسك الحج والعمرة.
تقول إدارة «وقف العين العزيزية» الجهة المخوّلة بتنفيذ مدن الحجاج والإشراف عليها في جدة، إنّ الملك عبد العزيز، لمس الحاجة لإنشاء مكان يحقّق الرّاحة لضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين، لذا عمدت العين العزيزية إلى العمل على جمع هذا التوافد من الحجاج والمعتمرين وإسكانهم في مدن خاصة ملائمة وكانت البداية قبل 70 سنة.

مدينة حجاج البحر
تعد المدينة النواة الأولى، وذلك يعود لتدفّق الحجاج عبر البحر بأعداد كبيرة، ما جعل إدارة العين العزيزية تنشئ أول مدينة بالقرب من الميناء في جدة 1950 بأمر من الملك عبد العزيز، وهذه المدينة شيدت فيها مباني مؤلّفة من دور واحد مسقوف بألواح «الإسبستوس» مع تزويده بالمرافق الضرورية وبعد مرحلة التأسيس بـ10 أعوام استبدلت بالمباني أخرى من دورين وخُصصت في التصميم مبان للجهات الحكومية، كما دعمت المدينة بأسواق تجارية ومنافذ للصرافة.
ويتذكر المدينة، حسب ما تناقله سكان جدة القديمة، المهندس سامي نوار (أحد أبرز مؤرخي جدة)، الذي يقول إنّ المدينة كانت البداية الحقيقية في إيواء الحجاج وتقديم الرعاية لهم كما ينبغي، وهذا ما كانت تبحث عنه الحكومة من خلال مشاريعها منذ الملك المؤسس، وكانت هذه المدينة تفي بمتطلبات هذه المرحلة وتتوافق مع عدد الحجاج أو المعتمرين القادمين للأراضي السعودية. ومع تزايد أعداد القادمين من البحر، شرعت إدارة «العين العزيزة» بعد التوسعة الأولى 1969، في إضافة مبان جديدة مع تطوير الخدمات والمرافق، وزادت الطّاقة الاستيعابية مرة أخرى بعد عامين من التوسعة الثانية لتصبح مدينة حجاج البحر تضمّ 27 مبنى.

مدينة حجاج أفريقيا
في أقل من ثلاثة أعوام، بعد إنشاء أوّل مدينة للحجاج، باشرت إدارة العين العزيزية في تشييد مدينة خاصة بالحجاج القادمين من أفريقيا عام 1953، وتتّسع لألفي حاج. وفي السبعينات، رُفع سور المدينة وتم بناء مسجد ومديرية لتعليم أبناء الحجاج القرآن، وأصول الدين واللغة العربية، مع تزويد الحجاج بكل ما يلزم من خدمات أساسية.

نقله نوعية
وسارعت السعودية ممثلة في إدارة العين العزيزية عام 1958، على إنشاء المدينة الثالثة، وأُطلق عليها مدينة «حجاج المطار القديم»، وهي في الجهة الشرقية من المدينة التاريخية لجدة، كانت تحتضن خمس بنايات تتكوّن من ثلاثة طوابق على مساحة تقدر بنحو 9652 مترا مربعا، وتستوعب في تلك الفترة 2000 حاج.
بعد ذلك التاريخ بنحو 15 عاما، أدركت العين العزيزية تزايد الأعداد، فسارعت بإنشاء ثمانية مبانٍ جديدة على مساحة 65935 مترا مربعا، تستوعب 10 آلاف حاج دفعة واحدة، إضافة إلى إنشاء صالة «ترانزيت»، وبعد ستة أعوام جرى توسعة المدينة ليصل إجمالي ما تستوعب مدينة «حجاج المطار القديم» قرابة 30 ألف حاج، ويعدّ هذا نقلة نوعية في تقديم الخدمات وتسريع الإجراءات لكل الوافدين للبلاد. تقول «إدارة العين العزيزية» إنّ إقامة مدن الحجاج الثلاث، لها مزايا عدة، من أبرزها إقامة الحجاج وتجمعهم في مدينة سكنية مستكملة الخدمات، مع سهولة ترتيبات حجهم وسفرهم، كذلك تأمين وسائل المواصلات وتسهيلها، وعمل مكاتب وكلاء المطوفين في أعمال ترحيل الحجاج، كما أنّ تلك المدن أسهمت في تسهيل عمل شركات الملاحة البحرية والطيران في ترتيب وتنظيم أوقات سفر الحجاج إلى دولهم.
وبعد انقضاء المنفعة وتغير الأسباب لإقامة المدن الثلاث التي كان لها وقع كبير في نفوس حجاج وزوار مدينة جدة، عمدت إدارة العين العزيزية للاستفادة من هذه المقومات الضّخمة التي تحتضنها «مدن الحجاج» بشكل أو بآخر، من خلال إدارتها وصيانتها في المرحلة الأولى، ثمّ الاستفادة منها في مشاريع مختلفة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT
20

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».