مع موسم العودة إلى المدارس، وانشغال الآباء والأمهات بتوفير مستلزماتها، يتجدد الجدل في فرنسا حول التنميط السائد في تمييز بضائع التلاميذ عن تلك المخصصة للتلميذات. وجرت العادة أن تتوجه المصانع إلى إنتاج حقائب وكراسات وحافظات للأقلام ذوات لون أزرق للأولاد ولون وردي للبنات. وهو أمر ملحوظ أيضاً في المتاجر التي تبيع ثياب الأطفال، وكذلك في متاجر الألعاب المناسبة لهذا الجنس أو ذاك.
مرة أخرى ترتفع أصوات تعترض على هذه النظرة التي تتضمن توجيهاً مسبقاً للطفل وتمييزاً مبطناً. فكثير من الأولاد يرفضون ارتداء قميص وردي باعتباره يخص الإناث ويتنافى مع «الذكورية». ويبرز الأمر بصورة أوضح في اختيار اللعب التي يقتنيها الوالدان لأبنائهم وبناتهم. وعادة ما تكون الدمية هي الهدية الشائعة للبنت، والقطار هو هدية الولد.
وكانت جهة رسمية قد كلفت اثنين من النواب الفرنسيين بدراسة ما هو موجود في السوق، وتقديم تقرير إلى مجلس الشيوخ. وهو التقرير الذي صدر تحت عنوان: «أهمية لعب الأطفال في بناء المساواة بين الأولاد والبنات»، واشتمل على عشر توصيات تساعد على أن يعيش المجتمع متوازناً. هل وصل الأمر إلى حد الحاجة لسن قانون يحدد أشكال ألعاب الأطفال؟
الجماعات المناهضة للتمييز الجنسي ترى أن القيم تتشكل في نفوس الأفراد منذ الطفولة. وهو ما نسميه التربية المنزلية. وتذهب خبيرات التربية في فرنسا أبعد من ذلك، حين يطالبن بالتخلي عن قيم معينة وعادات كانت متبعة في تنشئة الولد والبنت. لقد مضى العهد الذي كانت الأُم توصي فيه ابنتها بأن تسمع كلام أخيها وتلبي أوامره وطلباته، حتى لو كان أصغر منها. أما إذا أراد الولد أن يشرب قدح ماء، فليس من العدل أن تقوم شقيقته لتحضره له؛ بل عليه أن يقوم بنفسه إلى المطبخ ويشرب ما يريد.
مقابل ذلك، نجد من يعترض على اللياقات الاجتماعية السائدة، ويطالب بأن يتعامل الرجال مع النساء معاملة الند للند. ويندر أن تجد في باريس، اليوم، رجلاً يقف في عربة المترو أو حافلة النقل العام لكي يمنح مكانه لامرأة. فالمساواة تفرض أن تتحمل المرأة مشقة الوقوف في الزحام مثل غيرها من الرجال. أما الحوامل والمسنون، من الجنسين، فيحملون بطاقات خاصة تسمح لهم بأفضلية الجلوس في مقاعد مخصصة لهم في وسائط النقل العام.
يتجدد الجدل حول محاربة مظاهر التمييز بين الجنسين في مواسم معينة، مثل الأعياد وبدء السنة الدراسية. وترى نصيرات حقوق المرأة أن من الضروري تغيير أنماط التفكير السائدة منذ عقود بعيدة. فمن حق البنت أن تلعب بقطار كهربائي أو سيارة إطفاء أو حتى بندقية من البلاستيك، مثلما أن من الممكن للولد أن يلعب بدمية يمشط لها شعرها الطويل، أو بطاقم مصغر من أواني المطبخ.
ولم يخرج الجدل عن إطاره ويتحول إلى «أزمة وطنية» إلا مع بادرة وزارة التربية بتوزيع كراس مبسط للأطفال في المدارس الابتدائية حول الجندر، أو النوع البشري. وكان الهدف محاربة الأفكار التي تجعل من الفوارق الجسدية سبباً للتمييز في المعاملة. فإذا أطال الولد شعره أو ارتدى فستاناً، فليس في الأمر ما يدعو للضحك أو الاستهزاء.
في التقرير المقدم إلى مجلس الشيوخ يرد شعار: «المساواة تبدأ من اللعبة». وهو يشدد على أن سوق الألعاب تسير بعكس مسيرة المجتمع، وتبالغ في تقديم منتجات تراعي جنس الطفل. وهي تقود إلى انفصال أو عزل متصاعد بين الأولاد والبنات. وحتى الهدايا التي يهواها الجنسان، مثل الحاسبة أو الهواتف البلاستيكية، فإنها تأتي بلونين في الغالب، الأزرق للأولاد والوردي للبنات.
درس النائبان 1580 صفحة من المنشورات الدعائية و«الكتالوغات»، ووجدا أن 27 في المائة منها تتوجه للأولاد، و25 في المائة منها للبنات، و15 في المائة تعرض لعباً تصلح للجنسين؛ لكنها مصنوعة بلونين، بينما لا تشكل الألعاب المشتركة أو المختلطة سوى نسبة 33 في المائة. والغريب أن هذه النسبة الحديثة للألعاب المختلطة هي أقل بكثير عما كانت عليه سوق اللعب في ستينات القرن الماضي، أي قبل 50 سنة. ففي تلك السنوات، مثلاً، انتشرت لعبة اسمها «تصميم الأزياء»، تحمل على غلافها صورة بنتين وولد يلعبون لعبة قص القماش وخياطة ثياب للعرائس. إنها صورة لا يمكن أن نراها اليوم؛ بل قد تثير السخرية، فكل ألعاب الخياطة تباع اليوم في علب كرتونية ذات لون زهري فاقع، مما يعني أنها مخصصة للبنات، رغم أن كل مصممي الأزياء والخياطين المشهورين في فرنسا هم من الرجال.
يشير التقرير إلى أن الدمى والألعاب كانت أحادية الجنس، في الغالب، بين عامي 1970 و1980. واستمرت كذلك حتى بداية التسعينات، حين بدأ خبراء التسويق و«الماركتينغ» يمارسون لعبتهم لبيع أكثر ما يمكن من الألعاب الجذابة للأولاد من جهة وللبنات من جهة أُخرى. وهي صناعة تدور فيها مليارات الدولارات، وتصدر منتوجاتها إلى كل بلاد الدنيا. وهنا فإن الطفل الأميركي مستهدف بإغرائها وخاضع لسحر الفنون «العنيفة» للتسويق؛ حاله حال الطفل الكوري أو الروسي أو الخليجي. لقد بدأ منذ تلك المرحلة عصر عولمة اللعب، في كامل الكرة الأرضية.
استمع صاحبا التقرير إلى ملاحظات خبراء نفسيين واجتماعيين، منهم عالمة الاجتماع منى زغائي، المتخصصة في دراسة ظواهر ألعاب الأطفال. وهي تؤكد أن هذا التنميط المتعمد بين ألعاب كل جنس على حدة يؤدي إلى نشوء التمييز بين الرجال النساء، لاحقاً. وتقول الباحثة إن ألعاب البنات تدور في فلك الأمومة وأشغال البيت، والاهتمام بالمظهر الخارجي، وتعلم العلاقات الاجتماعية، أما عوالم ألعاب الذكور فتدور حول التقنيات والصراع والسلاح، وكيفية تجاوز القدرات الخاصة، أي أن على الولد أن يتعلم كيف يدمر غيره لكي ينقذ العالم، والأهم من كل شيء كيف يثبت أنه رجل. وتعرب الخبيرة عن أسفها وهي تلاحظ أن عالم الألعاب أكثر تمييزاً بين الجنسين من العالم الحقيقي. فشركات إنتاج الألعاب تشجع على الفصل بين الجنسين، من خلال ابتكار دمى تتبع أوهام منتجيها الذين يؤمنون بالتكامل بين أدوار الرجال والنساء، وليس بالتساوي بينها، وهذا يعني الخضوع لتراتبية فوقية تتعارض مع مبدأ العدالة بين الجنسين.
لمحاربة التنميط في ألعاب الأطفال، بادرت لجنة «العدالة في الفرص بين الجنسين» إلى تقديم 10 توصيات للحد من المشكلة. وأنيطت رئاسة اللجنة إلى وزيرة الرياضة السابقة شانتال جوانو. ولعل جوانو تصلح تماماً لهذه المهمة؛ لأنها مارست رياضات قتالية، وكانت بطلة سابقة في الجودو.
ومن التوصيات: وضع «شرعة للتصرفات الحميدة» توضع تحت تصرف منتجي الألعاب ومستلزمات الناشئة، وكذلك إطلاق علامة مميزة تلصق على صناديق الألعاب تشهد بأنها غير تمييزية، الأمر الذي يرفع من القيمة المعنوية للشركة المنتجة. وفي المقابل، إعطاء «بطاقة حمراء» للشركات التي تتعمد التمييز بين ألعاب الجنسين على سبيل التشهير بها بشكل ناعم.
جمعيات فرنسية تحتج على التمييز الجنسي في الألعاب والحقائب المدرسية
هل ما زال الأزرق صالحاً للأولاد والوردي للبنات؟
جمعيات فرنسية تحتج على التمييز الجنسي في الألعاب والحقائب المدرسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة