حارات منطقة الأزهر العتيقة تجتذب الباحثين عن البضائع والتراث

المتاجر الصغيرة تلاصق المساجد والمباني الأثرية

محلات العطارة تتميز بألوانها المتنوعة
محلات العطارة تتميز بألوانها المتنوعة
TT

حارات منطقة الأزهر العتيقة تجتذب الباحثين عن البضائع والتراث

محلات العطارة تتميز بألوانها المتنوعة
محلات العطارة تتميز بألوانها المتنوعة

يعد الإمساك بكاميرات التصوير الفوتوغرافية، والسير المتأني، والتحليق في البضائع والمواد الغذائية على جانبي الطريق، من الأمور غير المألوفة وقد تكون غير محبوبة أحياناً بالشوارع التجارية المصرية، لكن ثمة حارات وشوارع ضيقة بمنطقة الأزهر العتيقة بـ«القاهرة الفاطمية» تعد هذه الأمور عادية ومن خصائصها اليومية، إذ تجتذب عشرات السائحين من مختلف الجنسيات يومياً جنباً إلى جنب مع آلاف المواطنين المصريين الباحثين عن الأعشاب والتوابل والعطور والملابس التقليدية.
وفيما يقابل بعض هواة التصوير المحليين في القاهرة بمعاملة خشنة في بعض الأحيان، بالأسواق التقليدية الشهيرة بالعاصمة المصرية المكتظة بالسكان والسيارات والمتاجر، فإن أصحاب وعمال المحال التجارية بمنطقة الأزهر يرحبون بهم في أغلب الأوقات، ويبادلونهم ابتسامات رائقة على أنغام أصوات المطربين المصريين المشاهير الصادرة من أجهزة الراديو.
محمود عبد الرحمن، شاب مصري عمره 27 سنة، يهوى تصوير المناطق والمباني الأثرية العتيقة، أمسك بعدسته وحاول على استحياء تصوير البضائع الملونة بحارة «شمس الدين الدولة» التي يطلق عليها سكان المنطقة كذلك «حارة الحمزاوي الصغير»، وتمتد من شارع الأزهر وحتى شارع المعز لدين الله الفاطمي، وأشار عبد الرحمن إلى صاحب أحد المتاجر ليستأذنه للتصوير، فرحب به.
وبتمكن عبد الرحمن من كسر هذا الحاجز النفسي، تمكن من التقاط عشرات الصور للحارة والحارات المجاورة. يقول عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»: «في بعض الأحيان أخشى من التقاط صور للعمال والبضائع خوفاً من رد فعل أصحاب المتاجر والأهالي بمناطق مزدحمة بالقاهرة، فبعضهم لا يحب الظهور في الصور، والبعض الآخر يرفض تصوير بضائعه ومحله، لكن في منطقة الأزهر وحواريها يرحب الجميع بالتقاط الصور، نظراً لعملهم وسط منطقة تزدحم بالسائحين والزوار المصريين والعرب».
ويبلغ عدد محلات العطارة في القاهرة الكبرى أكثر من 5 آلاف محل، يقصدها السكان للتزود بما يحتاجون إليه من مكملات غذائية وأعشاب طبية، بحسب شعبة العطارة في الغرفة التجارية المصرية. وقال محمد صلاح (50 سنة) صاحب متجر عطارة بمنطقة الأزهر لـ«الشرق الأوسط»: «حارة الحمزاوي الصغير تعد مركزاً مهماً لتجارة وبيع مواد العطارة بالقاهرة الكبرى رغم صغرها، لذلك يأتيها المواطنون والتجار من جميع أحياء القاهرة». ولفت إلى أن السائحين يبدون إعجابهم الشديد بشكل ومباني الحارة الأثرية وروائح هذه المواد المميزة والغريبة بالنسبة إليهم، «لذلك يحرصون على التقاط الصور لها، وصور الأجولة أمام المحال، والصناديق الخشبية دائرية الشكل؛ على اعتبار أن هذه المواد تعد جزءاً من التراث المصري الشرقي».
وفيما تجتذب روائح البهارات والفلفل الأسود وورق اللوري والكركدية الأسواني والكمون، والعدس والفول، الزائرين لمحلات العطارة بحارة «الحمزاوي»، فإن المشغولات الذهبية والفضية والنحاسية والقطع «الفرعونية» التذكارية بشارع المعز لدين الله الفاطمي، تسر الأعين، كما تساهم الأقمشة والملابس والمفروشات بشارع الغورية والحواري المتفرعة منه، في حركة الزحام الدائمة بالمنطقة بشكل لافت، بسبب الإقبال الكبير على شرائها، وخصوصاً من الفتيات المقبلات على الزواج وعائلاتهم.
وفي الاتجاه المعاكس لشارع المعز، يختفي السائحون وسط المواطنين المصريين بشارع الغورية شديد الازدحام، فبينما يبحث السائحون عن الأسبلة والمساجد الأثرية وباب زويلة الشهير، يفحص المصريون الملابس والأقمشة التي يرغبون في شرائها جيداً، ومن خلفهم يصيح أحد «الشيّالين» الذين يجرون عربات البضائع بسرعة إفساح الطريق، في مشهد يومي متكرر لا يخلو من تعليقات البائعين الساخرة لاجتذاب الزبائن.
ويحرص عدد كبير من المصريين على زيارة شارع المعز لدين الله الفاطمي الشهير، الذي يعد متحفاً مفتوحاً لكثرة المباني الأثرية على جانبيه، لالتقاط الصور التذكارية به، بجوار متحف النسيج المصري. بجوار بعض المحال العتيقة التي يبدع فيها بعض الفنانين النقش على المقتنيات النحاسية أمام أعين الزائرين، فيما تهتم بعض الفتيات بارتداء الأزياء الفلكلورية المصرية القديمة للظهور بها في الصور الفوتوغرافية.
ورصدت «الشرق الأوسط» خلال جولتها بالمنطقة سير الكثير من السيارات بداخل الشارع رغم قرار منع سير السيارات به منعاً للتلوث وحفاظاً على هيئته السياحية، وهو ما اشتكى منه بعض الزائرين بسبب عوادم السيارات والدراجات النارية التي لا تكف عن الدوران بالمنطقة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».