حوارات نجيب محفوظ

تامر فايز جمعها من المجلات الأدبية على مدى نصف قرن

حوارات نجيب محفوظ
TT

حوارات نجيب محفوظ

حوارات نجيب محفوظ

على مدى أكثر من نصف قرن، وتحديداً في الفترة من 1957 حتى عام 2005، جمع الدكتور تامر فايز حوارات نجيب محفوظ المتناثرة في الصحف والمجلات الأدبية، وسعى من خلالها لكشف جانب مهم في مسيرة محفوظ الإبداعية لم يشر إليه نقاده، وهو الخاص بوعيه النقدي، وفي سبيله لذلك ركز فايز على الشذرات التي جاءت على لسان محفوظ بوصفه سارداً ناقداً لذاته، ومنظّراً ومؤرخاً للأدب.
قسّم تامر فايز كتابه «نجيب محفوظ ناقداً... مقاربة تأويلية لحواراته في المجلات الأدبية» الصادر حديثاً عن هيئة الكتاب المصرية إلى قسمين، الأول أفرده لدراسته التي تكونت من خمسة فصول وخاتمة، فضلاً عن ثلاثة مقدمات كتب المؤلف اثنتين منها، في حين كانت الأخيرة للدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، أما القسم الثاني فتضمن الحوارات التي عثر عليها فايز في عدد من المجلات الأدبية المتخصصة، وكان عددها تسعاً وعشرين حواراً، أوردها كاملة مشفوعة بتواريخ نشرها والمطبوعة التي ظهرت فيها، فضلاً عن أسماء النقاد والكتّاب الذين قاموا بإجرائها، ومنهم الدكتور غالي شكري، وفاروق شوشة، ومحمد برادة ومحمد صدقي، وعبد الرحمن أبو عوف، ومصطفى عبد الغني، وسلوى النعيمي، ونزار نجار وآخرون.
وفي الفصل الأول من كتابه يحاول المؤلف كشف صور ودلالات النقد النظري والتطبيقي والثقافي في حوارات محفوظ، الذي استفاد من نصيحة الناقد الدكتور إبراهيم عبد القادر المازني، ودعوته إلى أن يخفي السارد ذاته، وهو يكتب أدبه الواقعي، من هنا كانت أهمية استقصاء العناصر التي امتلأت بها حوارات صاحب نوبل حول ذاته، من أجل فهم دلالة سردها، والتي تتبلور في جوانب يمكن رصدها في مجموعة من السمات الخاصة بالشخصية وردود أفعالها، فهو مثلاً يعترف في حوار مع سلوى النعيمي بأنه لم يكتب شيئاً في عام 1988 لأنه ببساطة لم يجد ما يكتبه، وأنه ينتقد ذاته لأنه لا يحب السفر. وفي حوار آخر يعترف بأن عدم إعلان أمر زواجه لم يكن رغبة في التخفي والابتعاد عن المجتمع، بقدر ما كان تجنباً لسخافات الصحافة والإذاعة، كما تحدث محفوظ عن امتناعه عن تدخين الحشيش وشرب الخمر، بسبب مشاكل صحية. وظهرت بين ثنايا حواراته ملكته في الرد على النكات، وبدا لماحاً يقظاً سريع البديهة، مثل الكثيرين من أبناء جيله، حين رد على سؤال وجهه له وهو يتحدث مع الكاتب عبد التواب يوسف حول الحشاشين ورواياته «ثرثرة فوق النيل»، و«زقاق المدق»، و«خان الخليلي» وفي الكتاب يشير فايز إلى أن محفوظ بدا في الحوارات مثقفاً عاماً ملماً بجوانب حضارته كافة، والحضارات الأخرى، يجمع في خلفياته الثقافية بين التوجهين، العربي والغربي؛ وهو ما أسهم في تخليق صوره النقدية التي ظهر عليها، فتمكن عبر هذه الخلفيات من نقد الثقافة والفنون والآداب، وقد أضفى بوجهات نظره وآرائه النقدية المتنوعة مجموعة من التأثيرات التي يصعب حصرها، لكنها تبدت على كل من كتب عنه من النقاد ودارسي أدبه.
وفي الكتاب يتحدث فايز عن محفوظ بوصفه مؤرخاً للأدب، ويقسم دلالات نقده التأريخية للأدب إلى ثلاثة أنواع أساسية، هي سيطرة نوع أدبي دون آخر، وهو ما اتضح في نظرته لسيطرة الأقصوصة خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، واتجاهه لكتابتها، كما عبّر عن رأيه في القص الشعبي، وعلاقته بألف ليلة وليلة والموقف منها، الذي انحصر في شق أخلاقي، حيث لم يكن هناك من يستطيع أن يذكرها في حديثه، «لم يكونوا قادرين على التصريح في بيوتهم أنهم يقرأون ألف ليلة»، وربط ذلك التعامل الخفي معها بمستوى تلقيها عبر مراحل عمر الفرد، بخاصة فترة المراهقة، وذكر محفوظ أنها تحتاج إلى أكثر من قراءة؛ لأن مطالعتها في تلك الفترة العمرية لا يمكن من فهمها، فهي تحتاج إلى الكثير من النضج والوعي.
وحول تأثيرات النقد المحفوظي في النقد الأدبي العربي، وهو عنوان القسم الثاني أشار فايز إلى دراستين مهمتين استفادتا من آراء محفوظ التي تناثرت في حواراته، الأولى للناقد الدكتور غالي شكري في كتابه «المنتمي» الذي تصدّر فصوله تصريح محفوظ بأنه هو كمال عبد الجواد في الثلاثية، وقد ظهرت تأثيراته واضحة في كل أطروحات الكتاب وأفكاره، ومنها اعتماد غالي على وجهة نظر محفوظ في تقييم الجيل الأدبي السابق عليه، ومدى تأثيره في إبداعه، مشيراً إلى أن شخصيتي أحمد شوكت وعدلي كريم اللتين ظهرتا في نهاية الثلاثية ما هما إلا لقاء فريد دار بين نجيب محفوظ وسلامة موسى.
أما الدراسة الثانية فكانت لنبيل فرج، وقد اعتمد فيها بشكل شبه كامل على ما ورد في حوارات محفوظ حول قضايا مثل الحب والموت والثورات المصرية التي عاشها، وموقفه من العدالة الاجتماعية والحرية الفردية وموقفه من تحويل أعماله الأدبية إلى أفلام سينمائية.
وأشار المؤلف إلى أن تأثيرات آراء محفوظ لم تتوقف عند هاتين الدراستين الكبيرتين فقط، لكنها امتدت إلى كثير من الدراسات المنشورة في الدوريات العلمية التي جعلت من مضامين حواراته فرضيات أساسية قامت عليها، ومنها ما كتبه الأديب إدوار الخراط، والناقد محمد بدوي، فالأول وصف في دراسة نشرها في مجلة «نزوى» عام 1994، كتابة محفوظ وهو يتحدث عن رواياته الأولى التاريخية بأنها جاحظية، كان يمكن له أن يتخلص من كثير من التأثيرات الأسلوبية القديمة، أما بدوي فأشار في دراسته إلى أن الواقعية لدى صاحب نوبل لا تعني تقليداً صرفاً للواقع، وأن كمال عبد الجواد في الثلاثية ما هو إلا محفوظ نفسه في شكله المتحور والورقي.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.