صحافيو تركيا ضحايا تهمة «إهانة الرئيس»

انتقادات دولية واسعة... وتزايد الاتجاه الرسمي نحو التضييق

صورة أرشيفية لمظاهرة احتجاجية في إسطنبول عام 2016 للمطالبة بفك القيود عن حرية الصحافة
صورة أرشيفية لمظاهرة احتجاجية في إسطنبول عام 2016 للمطالبة بفك القيود عن حرية الصحافة
TT

صحافيو تركيا ضحايا تهمة «إهانة الرئيس»

صورة أرشيفية لمظاهرة احتجاجية في إسطنبول عام 2016 للمطالبة بفك القيود عن حرية الصحافة
صورة أرشيفية لمظاهرة احتجاجية في إسطنبول عام 2016 للمطالبة بفك القيود عن حرية الصحافة

أصبحت جريمة «إهانة الرئيس» من أكثر الجرائم التي يواجهها الصحافيون في تركيا والتي بسببها صدر كثير من أحكام الحبس لتزيد هذه الجريمة من حجم الضغوط الواقعة عليهم في ظل بيئة عمل غير مواتية، حسبما تؤكد تقارير المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة والتعبير وحقوق الإنسان.
وواجه العشرات من الصحافيين والكتاب والفنانين والأكاديميين وغيرهم من الفئات، بينهم مواطنون بسطاء وأحد طلاب المرحلة الثانوية، أحكاما بالسجن في دعاوى قضائية بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، بسبب تغريدات على «تويتر» أو تدوينات على «فيسبوك» أو مقالات رأي بالصحف.
وقبل أسبوعين، ألقت قوات الأمن التركية على الصحافي علي أفجو، رئيس تحرير صحيفة «يورت» المعارضة، بتهمة «إهانة إردوغان»، واعتقل الصحافي أثناء توجهه إلى مدينة بولو (غرب) من أجل حضور أحد الاجتماعات، واقتيد إلى النيابة العامة للتحقيق بتهمة إهانة الرئيس.
وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي، قضت محكمة تركية بحبس الصحافي ياووز سليم دميراغ، كاتب العمود في صحيفة «يني تشاغ» بالحبس لمدة 11 شهرا و20 يوما بتهمة إهانة إردوغان، وذلك بعد أن تعرض الصحافي ذاته، في مايو (أيار) الماضي، لضرب مبرح من قبل مجهولين بمضارب البيسبول، وأصيب بجروح بليغة في وجهه وأنحاء جسمه لدى خروجه من قناة تلفزيونية يعمل بها في إسطنبول وانتقادات وجهت للحكومة في برنامجه بسبب قرار إعادة الانتخابات المحلية في مدينة إسطنبول.
وبالتهمة نفسها؛ «إهانة إردوغان»، وبالعقوبة ذاتها، حكم على الصحافي مصطفى يايلا، في واقعة تعود إلى 3 سنوات مضت، عندما كان يعمل في صحيفة «آيدن» المحلية في ولاية «آيدن» جنوب البلاد، وكتب عبر حسابه في «فيسبوك» عبارات انتقد فيها مناخ حرية التعبير والإعلام، استفزت أحد المحامين الموالين لإردوغان، فقدم ضده بلاغا يتهمه فيه بإهانة الرئيس.
وصدر الحكم عن المحكمة الابتدائية بمدينة آيدن، ورغم طعن الصحافي يايلا عليه، فإن طلب الطعن رفض من قبل المحكمة، ولم يتم إبلاغه بالرفض، وقامت قوات الشرطة باعتقاله بعد أيام من حفل زفافه وأودع السجن لقضاء فترة عقوبته.
وفي واحدة من هذه القضايا أيضا، قضت محكمة تركية العام الماضي بالحبس 14 شهرا على الكاتبة الصحافية نازلي إيليجاك بتهمة إهانة إردوغان، استنادا إلى تغريدة على «تويتر» نشرتها في 23 فبراير (شباط) عام 2016 انتقدت فيها الرئيس التركي.
وفي دفاعها أمام المحكمة أفادت إيليجاك، التي تحاكم في الوقت ذاته بتهمة دعم محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 والمسجونة لهذا السبب، بأنها نشرت التغريدة المشار إليها بسبب سجن إردوغان لصلاح الدين ديمرتاش الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.
وفي مارس (آذار) 2015 قضت محكمة في إسطنبول، بالسجن 11 شهرا على رسامَي كاريكاتير في صحيفة «بينغوين» الساخرة، أدينا بإهانة الرئيس رجب طيب إردوغان. ولاحقا خفف القضاة عقوبة الرسامين بهادير باروتر، وأوزر أيدوغان، إلى غرامة تبلغ 7 آلاف ليرة تركية.
وتعليقا على قضايا إهانة إردوغان التي يواجهها الصحافيون والكتاب في تركيا بشكل لافت للنظر، قالت الصحافية بيلين أونكر، التي نجت بالكاد من حكم لمدة سنة في السجن بعد أن أعلنت المحكمة براءتها من تهم تشهير جاءت نتيجة تغطيتها أخبارا عن شركات خارجية مرتبطة بالسياسيين الأتراك وعائلاتهم، منهم عائلة رئيس الوزراء والبرلمان السابق بن علي يلدريم،: «لا يريد إردوغان وحزبه الحاكم أن يكون هناك صحافة حقيقية في البلاد ولا يريدون أن يكونوا موضوعا لقصة خبرية إذا لم يكن الهدف هو الإشادة بهم».
من جانبها، قالت إيما سنكلير ويب من منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن «تركيا تملك ماضيا مثقلا في الملاحقات بتهمة التشهير، لكن سجن أشخاص بتهمة الإهانة يشكل توجها جديدا مثيرا للقلق لا سابق له في السنوات العشر الأخيرة».
وبلغ عدد القضايا التي رفعت من قبل النيابة العامة في تركيا بتهمة «إهانة إردوغان» في عام 2017 وحده، نحو 20 ألفا و539 قضية، نظرت محاكم الجنايات التركية منها 6 آلاف و33 قضية، ونفذت الأحكام في ألفين و99 قضية منها.
وأكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في تقريرها السنوي الصادر مطلع العام الحالي أن الإعلام التركي يفتقر لأدنى درجات الاستقلالية والحرية، وأن أغلب الصحف والقنوات تحولت لمساندة الحكومة حفاظا على بقائها.
وذكر التقرير أن الأحكام القضائية الصادرة بحق صحافيين، جميعها بدوافع سياسية، فيما لا تعدو أن تكون أدلة الإدانة سوى مجرد تقارير مهنية لم ترق لإردوغان وحكومته.
وشنت حكومة إردوغان حملة قاسية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، تسببت في تزايد أعداد الصحافيين القابعين في السجون في تركيا إلى أكثر من 130 صحافيا، إضافة إلى إغلاق أكثر من 140 منفذا إعلاميا.
واعتبر نائب رئيس لجنة حماية الصحافيين في تركيا إمره كيزيل كايا، أنه إذا كان هناك صحافي واحد قابعا في السجن، أو يخشى قول الحقيقة أو تعرض للطرد من عمله لأنه قالها، فإن هذا مشكلة كبيرة لأي ديمقراطية.
وتحتل تركيا حاليا المرتبة 157 من بين 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة التابع لمنظمة «مراسلون بلا حدود». وقال مدير برامج «حرية الصحافة» في المعهد الدولي للصحافة سكوت غريفن، إن المعهد يراقب ما يصنفه أنه انهيار لحكم القانون والإجراءات القانونية للصحافيين في تركيا، لافتا إلى أن الصحافيين اليساريين، والعلمانيين والأكراد جميعهم مستهدفون بشكل خاص.
وفي تقريرها الدولي لعام 2019، قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن تركيا ما زالت الأولى عالميا في سجن الصحافيين، حيث يبقي النظام الحاكم على 175 منهم رهن الحبس والسجن بتهم مختلفة ومزاعم عن علاقات بتنظيمات إرهابية أو دعم الإرهاب.
وأكد التقرير أن مناخ الإعلام في تركيا يفتقر لأدنى درجات الاستقلالية والحرية، وأن أغلب الصحف والقنوات تحولت لمساندة الحكومة حفاظا على بقائها، فيما تصدر الأحكام القضائية بحق صحافيين بدوافع سياسية، ولا تكون أدلة الإدانة سوى تقارير مهنية لا تدعو للعنف لكنها لا توافق هوى السلطة. ورصد التقرير حجب المواقع الإلكترونية، وتعرض الآلاف لتحقيقات جنائية ومحاكمات بسبب تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن استمرار حجب موقع «ويكيبيديا».
وعلى الرغم من هذه التقارير والانتقادات، منحت الحكومة التركية هيئة الرقابة على الإذاعة والتلفزيون، سلطات واسعة للإشراف على محتوى الإنترنت، في خطوة تهدف، بحسب مراقبين، إلى إرساء مبادئ تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني.
وبحسب قانون نشر في الجريدة الرسمية التركية، فإنه يتوجب على جميع مقدمي خدمات المحتوى عبر الإنترنت الحصول على تراخيص البث من هيئة الرقابة على الإذاعة والتلفزيون، والتي ستقوم بعد ذلك بالإشراف على المحتوى المقدم من هذه الشركات. ويسعى القانون إلى إرساء أساليب ومبادئ تنظيم خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني... ومنح تراخيص البث لمقدمي الخدمات الإعلامية، ومنح سلطة البث لمديري المنصات والإشراف على البث المعني.
وبموجب القانون، ستخضع منصات البث المباشر مثل «نتفليكس» والمواقع الإخبارية، ومنصات أخرى مثل موقعي البث المحليين «بوهو تي في» و«بلو تي في»، التي أنتجت في السنوات الأخيرة برامج حظيت بشعبية واسعة، للإشراف واحتمال توقيع غرامات عليها أو سحب تراخيصها.
ويخضع القانون المواقع الإخبارية المجانية، التي تعتمد على الإعلانات لتحقيق إيرادات، للإجراءات نفسها، ويمنح الشركات التي لا تمتثل للقانون ولتوجيهات هيئة الإذاعة والتلفزيون مهلة 30 يوما لتعديل محتواها بما يتفق مع المعايير المطلوبة، وإلا فستواجه احتمال تعليق ترخيصها لمدة ثلاثة أشهر قبل سحبه لاحقا.
يذكر أن تركيا تواجه انتقادات لتدني حرية الصحافة في البلاد في السنوات الأخيرة. ففي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2018، وجَّه حلف شمال الأطلسي (ناتو) انتقادات للتطورات التي شهدتها تركيا في الفترة الماضية على صعيد الديمقراطية وحقوق التعبير. وذكر تقرير أعدته الجمعية البرلمانية لحلف الناتو، أن تركيا هي الدولة الوحيدة ضمن دول الحلف المصنفة «بلداً غير حر». وقالت أورسولا شميت، العضو في البوندستاغ الألماني، إن تركيا مرَّت بتحول مقلق بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها في منتصف يوليو (تموز) عام 2016. ولفت التقرير إلى أن حلفاء تركيا الغربيين وجماعات حقوق الإنسان رأوا أن تصرفات حكومة أنقرة في أعقاب محاولة الانقلاب كانت غير ملائمة. وتم التعبير عن هذا الرأي بشكل متكرر من قبل أعضاء حلف الناتو خلال الدورة السنوية للجمعية في إسطنبول في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
ﻭﺃﻓﺎﺩ التقرير بأن 50 ألف ﺷﺨﺺ ﺍﺣﺘُﺠﺰﻭﺍ (إضافة إلى من ﺃﻓﺮﺝ عنهم بعد التحقيق معهم)، ﻭﺃﻥ أكثر من 150 ألف موظف مدني ﻭﺃﻛﺎﺩيميين ﻓﻘﺪﻭا ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﻢ، فضلاً عن إغلاق 1500 ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ المجتمع ﺍلمدني ﻭ19 اتحاداً عمالياً ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 2000 مدرسة و170 مؤسسة ومنصة إعلامية.
وتوالت الانتقادات الموجهة إلى سياسة الحكومة التركية في التعامل مع ملف حرية الإعلام، وأصدرت مفوضة حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، دونغا مياتوفيتش، تقريراً حول حرية التعبير في تركيا، ناقشت فيه إساءة استخدام القوانين من قبل السلطات التركية ودورها السلبي على حرية التعبير.



رودولف سعادة... قطب إعلامي جديد في فرنسا

صورة لشعار القناة التلفزيونية «بي إف إم تي في» التي اشتراها سعادة (أ.ف.ب)
صورة لشعار القناة التلفزيونية «بي إف إم تي في» التي اشتراها سعادة (أ.ف.ب)
TT

رودولف سعادة... قطب إعلامي جديد في فرنسا

صورة لشعار القناة التلفزيونية «بي إف إم تي في» التي اشتراها سعادة (أ.ف.ب)
صورة لشعار القناة التلفزيونية «بي إف إم تي في» التي اشتراها سعادة (أ.ف.ب)

حتى أسابيع قليلة، لم يكن رودولف سعادة شخصية معروفة على الصعيد الشعبي في فرنسا. بيد أنه، في الأيام الأخيرة، تحول إلى شخصية مركزية تحتل صوره أغلفة المجلات والجرائد، وتلهج باسمه قنوات التلفزيون والإذاعات. والسبب ليس لأن رودولف سعادة، اللبناني ـ الفرنسي، صاحب ثروة كبيرة أو أنه مقرب من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي اصطحبه أكثر من مرة في زياراته للبنان، أو لأن الرجل بارع في عالم الأعمال، وخصوصاً في قطاع النقل البحري والجوي وكل الأذرع اللوجيستية؛ إذ إن شركته «سي جي إم ــ سي إم آي» تحتل المركز الثالث عالمياً وحققت في الأعوام الأخيرة أرباحاً خيالية... السبب هو أن رودولف سعادة توصل إلى اتفاق مع باتريك دراهي، صاحب شركة «ألتيس ميديا» التي تمتلك مجموعة إعلامية ضخمة، لتملكها بالكامل مقابل مبلغ يصل إلى 1.55 مليار يورو. وستتوزع ملكية «ألتيس ميديا» على شركة النقل البحرية بنسبة 80 بالمائة، ونسبة 20 بالمائة الباقية على شركة «ميريت فرنس»، العائدة لعائلة سعادة والتي تدير القسم الإعلامي للمجموعة.

رودولف سعادة المدير العام التنفيذي لمجموعة «سي إم آي ــ سي جي إم» في 5 سبتمبر 2019 (أ.ف.ب)

«قنبلة إعلامية»

كان للخبر وقع القنبلة على المشهد الإعلامي، وخاصة التلفزيوني في فرنسا؛ إذ إن الصفقة، عندما تتم بشأنها المعاملات الإدارية الصيف المقبل، ستحول رودولف سعادة، البالغ من العمر 54 عاماً، إلى قطب إعلامي رئيسي في فرنسا، وإلى شخصية مؤثرة في عالم السياسة لما هناك من تداخل بين الإعلام والسياسة.

وعقب باتريك دراهي، الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية، على إتمام الصفقة ببيان أعرب فيه عن «ثقته الكاملة برودولف سعادة الذي تربطه به علاقات وثيقة وودية منذ سنوات (...) لمواصلة الاستثمار وتطوير (ألتيس ميديا)». بالمقابل، شددت شركة النقل البحري على «التزامها بالحفاظ على التعددية والاستقلالية والأخلاقيات المهنية في قنواتها».

وبموجب الصفقة، سيستحوذ رودولف سعادة على القناة الإخبارية العامة «بي إف إم تي في»، وعلى شقيقتها المتخصصة في عالم الأعمال «بي إف إم بيزنس»، والقنوات المناطقية لهذه الشبكة، فضلاً عن تملّك راديو «آر إم سي»، وخمس من القنوات التلفزيونية المتخصصة التابعة للمجموعة التي تحمل الاسم نفسه (رياضة، تاريخ، اكتشافات...).

بذلك، سيحقق رودولف سعادة قفزة نوعية استثنائية في عالم الإعلام، وسيوسع دائرة نفوذه؛ إذ إن «ألتيس ميديا» تعد ثالث قطب إعلامي خاص في فرنسا، الذي سينضم إلى مجموعة «واي نت» الإعلامية التي بناها رجل الأعمال سابقاً، والتي تضم ثلاث جرائد؛ «لا تريبون» الاقتصادية، و«لا بروفانس» واسعة الانتشار في جنوب فرنسا، و«كورس ماتان» الصحيفة الرئيسية في جزيرة كورسيكا، فضلاً عن حصة في قناة «إم 6»، وفي منصة الفيديو «بروت». وتدير القطب الإعلامي لمجموعة رودولف سعادة زوجته فيرونيك.

فرصة نادرة

قبل عشر سنوات، اشترى باتريك دراهي، الناشط في حقل الاتصالات في فرنسا مجموعة «بي إف إم» والقنوات المرتبطة بها بمبلغ يزيد قليلاً على 700 مليون يورو، وهو يبيعها بمليار ونصف. وبذلك يكون قد حقق أرباحاً استثنائية.

لكن يبدو أن رودولف سعادة، الذي تتمتع شركته الملاحية بملاءة مالية استثنائية، كان مستعداً لدفع ثمن مرتفع للتوسع في الفضاء التلفزيوني؛ إذ إن الفرص المتاحة نادرة جداً. وما كان باتريك دراهي ليبيع «درة» ممتلكاته لو لم يكن يعاني من مشاكل كبرى في مواجهة تسديد الديون وفوائدها المترتبة عليها، والبالغة 66 مليار يورو.

ويمتلك دراهي القناة التلفزيونية الإخبارية «إي 24»؛ أي «إسرائيل 24»، بالعديد من اللغات ومنها الفرنسية. وقناة «بي إف إم» تحتل المرتبة الأولى بين القنوات الإخبارية في فرنسا؛ إذ تؤكد أن عديداً من مشاهديها يومياً يصل إلى 12 مليون شخص، في حين أن منافستها الأولى «سي نيوز» تحصد 8 ملايين مشاهد.

كذلك، فإنها الوحيدة التي تحقق أرباحاً من بين كافة القنوات الخاصة الشبيهة؛ إذ إن نسبة ربحيتها تصل إلى 30 في المائة قياساً لعائداتها السنوية. وقبل عامين، سعى رودولف سعادة إلى السيطرة على القناة التلفزيونية «إم 6» بالتعاون مع رجل الأعمال مارك لادريت، والإعلامي ستيفان كوربيت، إلا أن المحاولة فشلت، وجل ما نجح فيه هو الدخول إلى رأس مال القناة بحصة ضعيفة.

مع إتمام هذه الصفقة، لن تتغير تركيبة المشهد التلفزيوني الفرنسي؛ إذ تهيمن عليه ثلاثة أسماء قادمة إليه من عالم الأعمال. فإضافة إلى رودولف سعادة، الوافد الجديد، فإن الاسمين الآخرين هما مارتين بويغ، الناشط في قطاع الإنشاءات والعقارات والاتصالات. وتملك مجموعته القناة الأولى «تي إف 1» والقناة الإخبارية «إل سي إي»، إلى جانب عدة قنوات ترفيهية. والاسم الآخر هو فانسان بولوريه، الفاعل في العديد من القطاعات، منها النقل البحري والنشر والموسيقى والاتصالات وألعاب الفيديو والصحافة المكتوبة. ويملك بولوريه، المنتمي سياسياً إلى اليمين المتشدد، قناتين تلفزيونيتين إحداهما إخبارية وهي «سي نيوز» التي تروج لليمين المتطرف وتراهن على دمجه مع اليمين التقليدي.

خامس ثروة في فرنسا

لا يمكن لزائر مدينة مرسيليا الفرنسية المطلة على المتوسط، حيث مقرّ شركة «سي إم آي ــ سي جي إم»، إلا أن يلفت نظره مبناها الشاهق بطوابقه الثلاثين والمتفرد بلون زجاجه الأزرق الداكن، الذي رسمته المهندسة العراقية «زها حديد»، وأن يشدّ انتباهه البواخر الكبيرة التابعة للمجموعة والراسية قريباً من الشاطئ.

ومن الطابق الذي يحتله في المبنى المذكور، يُطلّ رودولف سعادة على العديد من بواخره الراسية في مياه مرسيليا، والبالغ عددها الإجمالي 600 باخرة من فئة ناقلة الحاويات التي ترسو في 520 مرفأ عبر العالم. وتوظف شركة رودولف سعادة، وأخيه جاك جونويور، وأخته تانيا، 155 ألف موظف عبر العالم.

وكادت الشركة تختفي في عام 2009 بسبب أعباء ديونها، إلا أن الدولة الفرنسية مدّت لها يد المساعدة. ومنذ وباء «كوفيد-19»، وبفضل زيادة تكلفة الشحن، حققت المجموعة أرباحاً هائلة؛ نحو 50 مليار يورو ما بين الأعوام 2020 و2023، إلى درجة أن رودولف سعادة يوسع إمبراطوريته في كافة الاتجاهات، وليس فقط في عالم الإعلام. وبين عامي 2020 و2027، ستعمد المجموعة لشراء 120 ناقلة حاويات تعمل بالغاز الطبيعي المسال والميتانول، بحيث تكون أقل إفرازاً لثاني أكسيد الكربون.

تقدر ثروة رودولف سعادة، الذي تدرب على يدي والده جاك سعادة المتوفى في عام 2018، بتسعة مليارات يورو، وفق مجلة «فوربس»، بحيث يتأرجح بين خامس وثامن أكبر ثروة في فرنسا. ولكن مع استحواذه على مجموعة «بي إف إم» وما يرتبط بها، تحول إلى رجل نفوذ وإلى فاعل في الميدان السياسي في فرنسا، والذي يبحث كبار السياسيين عن صداقته.

فالإعلام، وخصوصاً التلفزيون، في فرنسا هو صانع للرأي العام وإحدى أكثر الوسائل تأثيراً في الانتخابات، وفي دفع هذا السياسي أو ذاك إلى الواجهة أو التعتيم عليه. من هنا، فإن رودولف سعادة، اللبناني - الفرنسي، سيكون، إلى جانب الأقطاب الإعلامية الأخرى، أحد صانعي الملوك في فرنسا. من هنا، أهمية متابعة التوجهات السياسية للقنوات التي سيستحوذ عليها في الأشهر المقبلة، علماً أن الاستحقاق السياسي الأول سيكون الانتخابات الأوروبية في يونيو (حزيران) المقبل.


هل يُعزز اتجاه «إكس» إلى الفيديوهات الطويلة المنافسة مع «يوتيوب»؟

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)
شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)
TT

هل يُعزز اتجاه «إكس» إلى الفيديوهات الطويلة المنافسة مع «يوتيوب»؟

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)
شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

أثار إعلان رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك عزمه تزويد منصة «إكس» (تويتر سابقاً) بخدمات مقاطع الفيديو الطويلة، مستهدفاً أجهزة التلفاز الذكية، تساؤلات حول منافسة «إكس» لـ«يوتيوب» وتأثير ذلك على مستقبل صيغة التواصل مع الجمهور. وعدّ بعض الخبراء هذه الخطوة «تحولاً للمنصة التي تسعى إلى توسيع نطاق وصولها إلى ما هو أبعد من التواصل عبر التغريدات».

وفق ما نقلته مجلة «فورتشن» عن منصة «إكس»، فإن الشركة تخطط لإطلاق تطبيق تلفزيوني لأجهزة التلفزيون الذكية من «أمازون» و«سامسونغ» خلال الأسبوع الحالي، وبحسب ما نقلت المجلة، عن مصدر – لم تسمه - فإن ماسك يهدف إلى تشجيع المستخدمين على مشاهدة مقاطع الفيديو الطويلة على شاشة أكبر، وأنه مستعد «للتنافس مع يوتيوب». وأضاف أن التطبيق الجديد يبدو «مطابقاً» لنسخة «يوتيوب» المخصصة للتلفزيون.

يعمل «إكس» من خلال مقاطع الفيديو الطويلة لاجتذاب جمهور جديد اعتاد استخدام أجهزة التلفزيون الذكية، وقد يكون هذا الجمهور خارج نطاق المستخدمين التقليديين للمنصة. ويرى مراقبون أن هذا الاتجاه من شأنه «إنشاء شبكة إعلانية جديدة داخل التطبيق، ما ينعكس على الإيرادات التي كانت قد شهدت تراجعاً ملحوظاً على مدار العام الماضي». فخلال أغسطس (آب) الماضي، كشف موقع «تك كرانش» عن أن الأداء المالي لمنصة «إكس» يتراجع منذ استحواذ ماسك على المنصة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

ويرى مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، أنه من خلال إطلاق الفيديوهات الطويلة على منصة «إكس»، «يتطلع ماسك إلى أمور عدة؛ من بينها زيادة الوقت الذي يمضيه الجمهور على المنصة، ومن البديهي أن يمضي الجمهور وقتاً أطول في مشاهدة الفيديوهات الطويلة مقارنة بالقصيرة». ويتوقع كيالي أن يكون لدى ماسك «مخططات» للدخول في عالم «فيديوهات مدفوعة» لينافس منصات الترفيه مثل «نتفليكس» و«أمازون» و«أبل تي في».

كيالي يعتقد أيضاً أن مستقبل المقاطع المصورة الطويلة راسخ، وذكر أنه «في عالم التسويق هناك نظرية تقول إن مقاطع الفيديو القصيرة يصعب من خلالها بناء علاقة حقيقية مع جمهورك، لكن مقاطع الفيديو الطويلة تساعدك على تطوير شخصيتك وبناء تواصل مع جمهورك». وتابع: «إنها توفر المساحة والوقت لصياغة قصة مقنعة، وتكمن قوة سرد القصص في التسويق وبناء العلاقات في جعل الجمهور يرغب في مشاهدة المزيد... ومن ثم فإن الفيديوهات الطويلة تُحسن محركات البحث الـ(SEO) مقارنة بالمحتوى القصير».

الخبير نفسه أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «سوق الفيديوهات الطويلة تختلف عن سوق الفيديوهات القصيرة، فلكل جمهوره ونوع المحتوى المناسب له... وسوق الفيديوهات الطويلة واعدة، وربما تشهد ازدهاراً في المستقبل القريب بسبب اعتماد صانعي المحتوى ومنصات الفيديو عليها بشكل أكبر لما يحقق لهما من أرباح أعلى».

وبالمناسبة، منذ استحواذ ماسك على «إكس» تعرّض لانتقادات عديدة بسبب سياسته التي عدّها الخبراء سبباً لتراجع إيرادات المنصة. ففي يونيو (حزيران) الماضي، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في تقرير لها، إلى تراجع إيرادات إعلانات المنصة في الولايات المتحدة خلال الفترة من أبريل (نيسان) الماضي، حتى الأسبوع الأول من مايو (أيار) الماضي، بنسبة قدرت بـ59 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وكان إنريكي باراغان، المهندس في شركة «إكس»، قد أعلن في فبراير (شباط) الماضي عن طرح المنصة خدمة المكالمات بالصوت والفيديو للمستخدمين الذين لا يدفعون رسوم الاشتراك المميّز، وقال إن المستخدمين سيتمكنون الآن أيضاً من تلقي المكالمات من جميع الأشخاص الموجودين على التطبيق إذا أرادوا ذلك.

وعن اتجاه ماسك نحو تطبيق شامل، قال كيالي إن ماسك كان واضحاً منذ بداية استحواذه على «تويتر»، إذ صرح وقتها بأنه سيجعل التطبيق «شاملاً للعديد من المميّزات منها الفيديوهات ومنها المدفوعات والمكالمات الصوتية». وعدّ كيالي أن الاتجاه نحو أجهزة التلفزيون الذكية يهدف إلى جذب المعلنين الذين عزفوا عن التطبيق أخيراً، وأردف: «صحيح أن الفيديوهات الطويلة، لا سيما تلك المخصصة للعرض عبر شاشات التلفزيون، هي أفضل خيار للمعلنين... لأن هذا النوع من الفيديوهات يعد قادراً على مشاركة الكثير من المعلومات مع المشاهدين وجذب اهتمامهم، ما يضمن للمعلنين تذكر علامتهم التجارية وعدها مصدراً موثوقاً».

من جهة ثانية، وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين بالإمارات، إنه «على الرغم من صعوبة التكهن بالخطوات التي يتخذها ماسك، في تقديري أن ماسك يراهن على الفيديوهات الطويلة؛ لأن الأبحاث ذهبت إلى أنها تحظى بمعدلات مشاهدة أعلى مقارنة بالفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل يوتيوب وحتى تيك توك». وأضاف أن «الفيديوهات الطويلة تسمح بتقديم محتوى أكثر تنوّعاً، مثل الأفلام الوثائقية والبرامج التعليمية والبودكاست، ومن ثم فرصة أكبر للإعلانات، وبالتالي زيادة عائدات المنصة، خاصة أنها تميل لجذب مشاهدة أكثر تركيزاً واهتماماً بالمحتوى، ما يخلق قاعدة جماهيرية مخلصة للمنصة».

وحقاً، حسب بيانات نشرتها شركة «ألفابيت»، مالكة «غوغل» و«يوتيوب»، في مطلع فبراير الماضي، بلغت إيرادات إعلانات «يوتيوب» 9.2 مليار دولار في الربع الأخير من عام 2023. وهنا رجّح سعد أن ماسك يسعى لمنافسة «يوتيوب» مراهناً على ميول المعلنين. وتابع شارحاً: «يميل المعلنون إلى تفضيل الفيديوهات الطويلة على التلفزيون الذكي لأسباب متعددة؛ أهمها زيادة فرص الإعلانات والمرونة التي توفرها الفيديوهات الطويلة، وبالتالي، زيادة فرص الوصول إلى الجمهور المستهدف... أضف إلى ذلك التأثير على القرارات الشرائية، فقد أثبتت الدراسات أن للفيديوهات الطويلة تأثيراً أكبر في قرارات الشراء، ربما لأنها تتيح معلومات أكثر، ومن ثم فرص إقناع أرجح».

وفي حين شدّد سعد على أن «الفيديو الطويل يمنح المشاهد تجربة مشاهدة أكثر تفاعلية وجاذبية، ما يزيد من فرص تذكر الإعلانات»، أشار إلى أن تجربة ماسك تتسم بـ«السياسات المتقلبة... إذ يرى البعض أن ماسك يركّز على زيادة أرباح المنصة على حساب جودة المحتوى وتجربة المستخدم، وهذا هو الاتهام الذي يواجهه ماسك من منافسيه والعاملين معه بتغيير سياسات المنصة بشكل متكرر، مما يخلق حالة من الارتباك بين المستخدمين».

أيضاً يؤخذ على ماسك - وفق الدكتور سعد - «تغاضيه عن انتشار المعلومات المضللة على المنصة». غير أن سعد لا يقلل من أهمية تجربة «إكس»، قائلاً إن «ماسك أدخل تغييرات جوهرية على (تويتر) كتحسين خوارزمية عرض المحتوى، الأمر الذي أدى إلى زيادة تنوّع المحتوى المعروض على المستخدمين، فضلاً عن إتاحة ميزات جديدة مثل: ميزة التعديل على التغريدات بعد نشرها، وميزة (سبيسيس) للنقاشات الصوتية، ومحاربة البريد العشوائي والحسابات المزيفة، وساعد ذلك على تحسين تجربة المستخدم وجعل المنصة أكثر أماناً».


ترمب يعد الانتخابات المقبلة «أهم موعد» في تاريخ الولايات المتحدة

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال تجمّع حزبي في فانداليا بولاية أوهايو (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال تجمّع حزبي في فانداليا بولاية أوهايو (أ.ف.ب)
TT

ترمب يعد الانتخابات المقبلة «أهم موعد» في تاريخ الولايات المتحدة

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال تجمّع حزبي في فانداليا بولاية أوهايو (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال تجمّع حزبي في فانداليا بولاية أوهايو (أ.ف.ب)

صرّح دونالد ترمب أمام حشد من أنصاره، في تجمع انتخابي بأوهايو السبت، بأن الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) ستكون «أهم موعد» في تاريخ الولايات المتحدة، معداً أن حملته للوصول إلى البيت الأبيض نقطة تحوّل للبلاد.

وبعد أربعة أيّام على ضمان فوزه بترشيح الحزب الجمهوري، حذر ترمب أيضاً من «حمام دم» إذا لم ينتخب لكن في إطار تعليقات له عن قطاع صناعة السيارات الأميركي، كما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية».

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال تجمّع حزبي في فانداليا بولاية أوهايو (أ.ب)

وقال ترمب في تجمع في فانداليا بولاية أوهايو، إن «موعد - تذكروا ذلك، الخامس من نوفمبر - أعتقد أنه سيكون الأهم في تاريخ بلدنا»، مؤكداً من جديد أن خصمه الديمقراطي جو بايدن هو «أسوأ» رئيس للبلاد. وانتقد ترمب ما وصفه بأنه خطط صينية لإنتاج سيارات في المكسيك، وبيعها للأميركيين. وقال: «سنفرض رسماً نسبته مائة في المائة على كل سيارة تعبر الخط، ولن تتمكنوا من بيع هذه السيارات إذا انتخبت» رئيساً. وأضاف: «إذا لم يتم انتخابي، فسيكون ذلك حمام دم للجميع... سيكون هذا أقل ما في الأمر، سيكون حمام دم للبلاد. لكنهم لن يتمكنوا من بيع هذه السيارات».

«عنف سياسي»

وبينما لقيت تعليقات ترمب رواجاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفت حملة الرئيس جو بايدن، في بيان، الرئيس الجمهوري السابق بأنه «خاسر» في اقتراع 2020، و«يضاعف تهديداته بالعنف السياسي».

الرئيس الأميركي جو بايدن في ميشيغان، يوم 14 مارس (رويترز)

وقال البيان الصادر عن الحملة الديمقراطية إن ترمب «يريد 6 يناير (كانون الثاني) ثانياً، لكنّ الشعب الأميركي سيلحق به هزيمة انتخابيّة أخرى في نوفمبر المقبل، لأنّ (الناخبين) يواصلون رفض تطرّفه وحبّه للعنف وتعطّشه للانتقام»؛ في إشارة منها إلى اقتحام أنصار الرئيس السابق لمبنى الكونغرس (الكابيتول) في 2021.

وفي وقت لاحق، تحدّث بايدن في مأدبة عشاء بواشنطن حذّر خلالها أيضاً من «لحظة غير مسبوقة في التاريخ». وقال بايدن إن «الحرّية تتعرّض لاعتداء (...) الأكاذيب حول انتخابات 2020، والمؤامرة لقلب نتائجها، واحتضان تمرّد 6 يناير، ما يشكّل أكبر تهديد لديمقراطيّتنا منذ الحرب الأهليّة الأميركيّة». وأضاف: «في عام 2020 فشلوا، لكنّ (...) التهديد لا يزال قائماً».

إلى جانب انتقاد ترمب، حاول بايدن (81 عاماً) تهدئة المخاوف من سنه المتقدمة. وقال مخففاً من حدّة خطابه بشيء من الدعابة: «ثمّة مرشّح كبير في السنّ وغير مؤهّل عقلياً ليكون رئيساً. الرجل الآخَر هو أنا».

قضية الحدود

فاز كل من الجمهوري ترمب والديمقراطي بايدن خلال الشهر الجاري بعدد كاف من المندوبين يضمن ترشيحه باسم حزبه للسباق الرئاسي لعام 2024، مما سيؤدي إلى واحدة من أطول الحملات الانتخابية في تاريخ الولايات المتحدة قد تكون شبيهة بتلك التي جرت في انتخابات 2020.

ومن بين القضايا التي يركز عليها ترمب في حملته الانتخابية، الإصلاح الشامل لما يسميه سياسات الهجرة «المرعبة» التي ينتهجها بايدن، رغم نجاح الرئيس السابق في الضغط على الجمهوريين لمنع تبني مشروع قانون في الكونغرس يتضمن أصعب إجراءات أمنية للحدود منذ عقود.

وتحدّث ترمب، السبت، عن مسألة الحدود لاستمالة أقليات تصوت تقليدياً للديمقراطيين. وقال إن بايدن «طعن الناخبين الأميركيين من أصل أفريقي في الظهر مراراً»، من خلال منح تصاريح عمل «لملايين» المهاجرين، محذراً من أنهم هم والأميركيون من أصل إسباني «من سيُعانون أكثر من سواهم».

وكانت أوهايو تعد لعقود ولاية رائدة في المعركة، رغم أنها أصبحت أكثر ميلاً إلى الحزب الجمهوري منذ فوز ترمب بالبيت الأبيض في 2016.


كيف يؤثر تعزيز «لينكد إن» لخدمات الأخبار على الإعلام؟

شعار "لينكد إن" (رويترز)
شعار "لينكد إن" (رويترز)
TT

كيف يؤثر تعزيز «لينكد إن» لخدمات الأخبار على الإعلام؟

شعار "لينكد إن" (رويترز)
شعار "لينكد إن" (رويترز)

أثار إعلان منصة «لينكد إن» عزمها زيادة الاستثمار في الأخبار، تساؤلات بشأن تأثير ذلك على وسائل الإعلام، لا سيما مع تراجع اهتمام عدد من منصات التواصل الاجتماعي الأخرى بالأخبار. وأكّد خبراء تعليقاً على التطور أن «لينكد إن» يُمكن أن تسهم في جذب الجمهور للمواقع الإخبارية، لا سيما أنها «منصة نخبوية تدعم محتوى جاداً».

وفق دان روث، رئيس تحرير منصة «لينكد إن»، فإن «المنصة تعتزم الاستثمار في الصحافة والأخبار». وأضاف، في حوار مع موقع «أكسيوس» الإخباري، مطلع الشهر الجاري، أن «(لينكد إن) تعمل حالياً مع أكثر من 400 ناشر أخبار على مستوى العالم، بعد التوسع في 12 سوقاً جديدة في الأشهر الستة الماضية».

ويعمل هؤلاء الناشرون مع فريق التطوير والتحرير داخل منصة «لينكد إن»، من أجل تحسين المحتوى الخاص بهم على المنصة سواءً كان نصوصاً أو نشرات إخبارية أو فيديو أو بودكاست، وفقًا لموقع «أكسيوس».

روث أفاد أيضاً بأن «المحتوى الاحترافي الذي يقدمه الصحافيون والناشرون غالباً ما يُستخدم نقطة انطلاق لمستخدمي (لينكد إن) للتفاعل بشكل أكبر». ولكن، في الوقت نفسه ونظراً لطبيعة المنصة المهنية، قال روث إن «مستخدم (لينكد إن) يجب أن يحصل على رؤى وأفكار تساعده ليكون أفضل في وظيفته»، لذلك فإن المنصة «حذرة للغاية» بشأن نوع المحتوى الذي يمكن للمستخدمين رؤيته، على حد تعبيره. وأردف أن «(لينكد إن) بذلت جهوداً كبيرة لجذب جميع أنواع المواقع الإخبارية، مع التركيز بشكل خاص على تلك التي تهتم بمجال الأعمال أو المواضيع المهنية».

وبحسب موقع «أكسيوس»، تبرز أهمية هذه الخطوة من «لينكد إن» في أنها «تبحث عن طرق لزيادة الزيارات للمحتوى الإخباري، على عكس منافسيها من منصات التواصل الأخرى». وأشار الموقع، من جهة ثانية، إلى «وجود ما يزيد على 240 متابعاً لناشري الأخبار على (لينكد إن)، يتفاعل 44 مليوناً منهم أي ما نسبته 4.4 في المائة، مع المحتوى أسبوعياً».

أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، علّق في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بقوله إنه «رغم كون منصة (لينكد إن) نخبوية بامتياز؛ يظل بإمكانها أن تكون مناسبة لناشري الأخبار... ولقد سبق أن تحدث تقرير سابق صادر عن معهد (رويترز) لدراسات الصحافة عن انتشار هذه المنصة في 200 دولة وبعدد مستخدمين يصل إلى 950 مليوناً، متوسط معدل دخلهم الشهري 75 ألف دولار، الأمر الذي يجعل منها مناسبة للمحتوى الإخباري الجاد». وبالفعل، أشار تقرير «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، صدر في يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى أن «41 في المائة من الناشرين يعتقدون بإمكانية استخدام (لينكد إن) لجلب الزيارات للمواقع الإخبارية».

بنضريف يعتقد أنه «يمكن لناشري الأخبار الاعتماد على (لينكد إن) بامتياز لكونها بعيدة عما يحدث في المنصات الأخرى». بيد أنه في الوقت عينه لفت إلى أنها «حتى الآن ليست بحجم وقوة منصات التواصل الأخرى». ومن ثم نبه إلى «ضرورة التفكير في كيفية التعامل مع (لينكد إن) بشأن العائدات المالية لنشر المحتوى الإخباري عليها».

أيضاً، قال الصحافي المغربي المتخصص إن الصحافيين والناشرين «هم الذين أقبلوا على الاهتمام بمنصة (لينكد إن) في ظل التضييق عليهم من منصات التواصل الأخرى». وأوضح أن «ثمة تراجعاً في اهتمام منصات مثل (فيسبوك) و(إكس) بالأخبار بشكل عام، لا سيما إثر دعاوى قضائية طالبت فيها مجموعة (ميتا) بدفع مقابل المحتوى الإخباري للناشرين في دول مثل كندا وأستراليا».

والعام الماضي، برزت «لينكد إن» على أنها منصة استخدمتها مؤسسات إعلامية في الترويج للنشرات الإخبارية «نيوزليتر»، عبر أكثر من 143 ألف نشرة إخبارية، يستفيد منها أكثر من 500 مليون مشترك.


تعاون بين «اتحاد إذاعات التعاون الإسلامي» ومصر في الإنتاج السينمائي والتدريب

جانب من توقيع البروتوكول (الشرق الأوسط)
جانب من توقيع البروتوكول (الشرق الأوسط)
TT

تعاون بين «اتحاد إذاعات التعاون الإسلامي» ومصر في الإنتاج السينمائي والتدريب

جانب من توقيع البروتوكول (الشرق الأوسط)
جانب من توقيع البروتوكول (الشرق الأوسط)

في إطار تعاون «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، مع الدول الأعضاء بالمنظمة في مجالات السينما والإنتاج والثقافة، وقّع الدكتور عمرو الليثي رئيس الاتحاد بروتوكول تعاون مع وزيرة الثقافة المصرية، الدكتورة نيفين الكيلاني بمقر وزارة الثقافة بالقاهرة، الأحد.

ووفق الليثي، فإن مصر تتمتع بإمكانات كبيرة وخبرات لافتة في فنون الثقافة كافة. وأوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن اتفاق التعاون بين الاتحاد ومصر ليس الأول من نوعه، فقد سبقه عدة اتفاقيات، من بينها التعاون مع وزارة الأوقاف المصرية، حيث تم عقد دورة بشأن أخلاقيات العمل الإعلامي أخيراً.

ولفت إلى «تعاون الاتحاد مع شركة عرب سات في شهر فبراير (شباط) الماضي، حيث تم الاتفاق على دعم ورعاية الشركة لمهرجان التلفزيون، الذي سوف يقيمه (اتحاد إذاعات وتلفزيونات التعاون الإسلامي)».

ويتضمن بروتوكول التعاون مع وزارة الثقافة المصرية مجالات «السينما، والتدريب، وإنتاج الأفلام التسجيلية»، كما يهدف البروتوكول إلى تنمية وتطوير وتدريب كافة المهتمين بالمجال الثقافي والإعلامي والمجالات الإدارية.

الليثي والكيلاني خلال توقيع البروتوكول بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وأكد الليثي أنه سوف يتم إنتاج أفلام كارتون خاصة بذوي الهمم، بجانب تدريب كوادر أعضاء الاتحاد الذي يضم 57 دولة.

وأضاف الليثي أن بروتوكول التعاون يعد من أهم وأكبر الاتفاقيات التي وقعها الاتحاد مع مؤسسة كبيرة وعريقة مثل وزارة الثقافة المصرية، ونتطلع إلى إقامة وتنظيم كثير من الفعاليات والمهرجانات والاستفادة من الخبرات الكبيرة لدى وزارة الثقافة وأكاديمية الفنون في هذا المجال.

«اتحاد إذاعات التعاون الإسلامي» يتطلع للاستفادة من إمكانات أكاديمية الفنون المصرية (الشرق الأوسط)

بدورها، أعربت الكيلاني عن ترحيبها بتوقيع هذا البروتوكول المهم، وذلك انطلاقاً من دور وزارة الثقافة المصرية في التوسع في مدّ جسور التعاون مع المنظمات والهيئات الدولية الكبرى كاتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي ، مؤكدةً أن الوزارة على استعداد تام لتقديم كل التسهيلات والإمكانات التي تسهم في تحقيق أقصى استفادة من البروتوكول.


هل تنجح المصافحة الحارة بين الإعلام السعودي والمستقبل؟

للمرة الأولى تاريخيّاً يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (واس)
للمرة الأولى تاريخيّاً يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (واس)
TT

هل تنجح المصافحة الحارة بين الإعلام السعودي والمستقبل؟

للمرة الأولى تاريخيّاً يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (واس)
للمرة الأولى تاريخيّاً يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (واس)

كغيره من القطاعات الحيوية، يحظى قطاع الإعلام السعودي بسيل دائم من التناول حول مخرجاته وإمكاناته، لكن المختلف فيه، أنه يتمتّع بمساحة مفتوحة من النقاش يشارك فيها كل ذي علاقة، ومَن هو غير ذلك، وأحياناً تأتي الآمال والطموحات أكبر من الواقع بكثير، بينما في أحيان أخرى تكون مختلفة عن حقيقة المهمة الوطنية للقطاع، الذي مر بتأرجحات تاريخيّة، أسهمت في استيعاب التحديات، لكنها لم تعالجها بشكل تام.

منذ الثلث الأخير من عام 2023، ومطلع العام الجاري، شهد قطاع الإعلام في السعودية حراكاً نشِطاً لم يختلف عليه اثنان، ما بين مبادرات واستراتيجيات، أُعلن عنها ويُنتظر أن ترى النور قريباً، وانتخابات تاريخية لعضوية «مجلس إدارة هيئة الصحافيين»، ومعرض متخصص شارك فيه عدد من الشركات الإعلامية وعرضت من خلاله آخر ما توصّلت إليه التقنيات الإعلامية، ومنتدى إعلامي شهد حضور 2000 مشارك، وغيرها.

سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، أعلن خلال افتتاحه «المنتدى السعودي للإعلام» بنسخته الثالثة، في 20 من فبراير (شباط) الجاري، أن عام 2024 هو عام «التحول الإعلامي في المملكة»، وستكون معاييره هي الأرقام، والمؤشرات، ومرتكزاته الشغف، والعمل، وفقاً للدوسري الذي حدّد أيضاً مستهدفَين بارزين لهذا العام (المساهمة بـ16 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، بزيادة 1.5 مليار ريال عن عام 2023، واستحداث أكثر من 67 ألف وظيفة في قطاع الإعلام، بزيادة 11 وظيفة)، مستنداً إلى 3 استراتيجيات وعدد من المشاريع والمبادرات والشراكات.

وكان لافتاً أنه وللمرة الأولى تاريخيّاً، يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ورقم الوظائف المستحدثة، مما يضع القطاع في قلب العجلة التنموية للبلاد، فهل يملك القطاع المقوّمات والأدوات اللازمة لتحقيق مستهدفات «عام التحول الإعلامي»؟

تكلّم مختصّون ومهتمون بالقطاع من مواقعهم المختلفة لـ«الشرق الأوسط» حول توقّعاتهم لـ«عام التحول الإعلامي 2024»، وأجابوا عن تساؤلات دارت حول «فرص نجاح المصافحة الحارة بين الإعلام السعودي والمستقبل» من ثلاثة جوانب محددة هي: المشاريع، والشراكات، والتدريب. واتفق المتكلمون على عدد من النقاط، أهمها أن الحراك الذي يتمتع به القطاع خلال هذه المرحلة، ليس حراكاً تنظيميّاً أو يندرج تحت تسجيل الحضور فقط، إنما هو حراك حقيقي على جانبي القطاع الحكومي والخاص. وأنه مثل كل قطاع حيوي مهم، دائماً هناك فرص للنمو، ولكن التحدي الأكبر في الاستدامة... هناك تحديات أخرى تجب معالجتها مثل التدريب والتأهيل وتنمية القدرات البشرية، لكن الاستثنائية في هذه المرحلة بالنسبة لقطاع الإعلام السعودي، هو أنّه يتزامن مع ورشة عمل تنموية كبرى (رؤية 2030) تدور رحاها كل يوم في البلاد، كما أن هذا الحراك هو وسيلة، من أجل تحقيق غاية «التحول الإعلامي».

فيصل العقيل (الشرق الأوسط)

العقيل: سوق إعلامية تجاوزت قيمتها 20 مليار ريال

د.فيصل العقيل، رئيس قسم الاعلام بجامعة الملك سعود، حدّد عدة عوامل ينبغي الوعي بها والعمل وفقاً لأهميتهاً لإنجاح التحول الإعلامي لهذا العام، أولها «العمل الجمعي والتعاوني بين المنظومات المعنية بالشأن الإعلامي كافة سواء كانت في الجهات المشرِّعة كوزارة الإعلام وقطاعاتها المختلفة أو القطاعات الأكاديمية كالجامعات المسؤولة عن تغذية هذا المجال بالكوادر البشرية».

وأضاف العقيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «السوق الإعلامية التي تجاوزت قيمتها 20 مليار ريال وتسيطر على نصيب لا بأس به من الناتج المحلي الإجمالي، وجود خطط منظِّمة لهذا التعاون بالإضافة إلى تنظيم السوق والاستفادة من الخبرات وتفعيل الاستراتيجيات التي تحدث عنها وزير الإعلام، ستلعب دوراً جوهريّاً في التحول الإعلامي في السعودية».

 

الدحيّه: «أهم منجز شهده حقل الإعلام هو إعلان استراتيجية قطاع الإعلام»

من جهته، اتفق سعيد الدحيّه، رئيس قسم الصحافة والإعلام الجديد في جامعة الإمام محمد بن سعود، مع جزء من حديث زميله فيصل العقيل، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «أهم منجز شهده حقل الإعلام في السعودية أخيراً هو إعلان استراتيجية قطاع الإعلام». وأوضح الدحيّه: «الحق أن قطاع الإعلام وصل متأخراً في سياق التحول الوطني الشامل، ولعل ما نشهده أخيراً يستمر في التنامي مستحضراً سياق الإعلام التقليدي وسياق الإعلام والاتصال الرقمي، مع تأكيد أهمية ألا ننصرف نحو قراءة الأرقام الإحصائية حيال المشاهدات والتفاعل والوصول ونحوها بصورة كاملة، على حساب الأثر النوعي الذي يحتل مرتبة الصدارة في مجال تصميم الاستراتيجيات الإعلامية والاتصالية على وجه التحديد. إذ إن الرقم عنصر سائل ضمن بيئة السيولة الاتصالية الرقمية القائمة على فكرة المحو والتحول، في حين تتركز الأهمية حول الأثر النوعي الصلب عبر المؤسسات الصلبة التي تستحق العناية».

 

تدريب وتأهيل الكوادر البشرية

العقيل والدحيّه اتفقا في عنصر تغذية القطاع بالكوادر البشرية من جانب الجامعات. وأكد العقيل أن العمل جارٍ في جامعة الملك سعود «مع قطاعات حكومية وخاصة في ما بعد المقررات الدراسية لربط الخريجين بسوق العمل عبر برامج التدريب والتوظيف. ونحن نسعى لتوثيق العلاقة بشكل أكبر مع هذه الجهات وغيرها لرفع جودة المخرجات بما يتناسب مع حاجة السوق. أما السبب فهو استشعارنا أهمية المواطنة وبناء ذاتنا إعلامياً عبر بناء الشباب السعودي ليكون مؤهلاً لقيادة إعلام بلده بكل كفاءة». وهنا أشار الدحيّه إلى «جدارة الشباب السعودي وقدرته على الإنجاز في القطاع الإعلامي»، وبرهن على ذلك بـ«مخرجات كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية بالتعاون مع جهات التدريب والتوظيف، وأشيد عالياً بخطوات التعاون الإيجابي، وأرجو أن يوازيها توجه واضح نحو التمكين الكامل».

من شأن تعليقات العقيل والدحيّه، وهما رئيسا قسمين للصحافة والإعلام في اثنتين من أهم الجامعات السعودية، أن تسلّط مزيداً من الضوء على إعلان وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري، يوم 20 فبراير (شباط) الجاري، إطلاق «الأكاديمية السعودية للإعلام»، التي تهدف إلى التمكين والتطوير والتدريب في تخصصات المستقبل، لتصبح الأكاديمية الإعلامية الخامسة في البلاد.

 

3 استراتيجيات دفعة واحدة

تميّزت تنمية القطاعات الرئيسية في البلاد خلال السنوات الأخيرة بالانطلاق من خلال استراتيجيات وطنيّة. وهذا ما لم يحظَ به قطاع الإعلام السعودي –آنذاك- الذي يُشارف عمره الحقيقي على إتمام المائة سنة الأولى.

منذ البدايات الأولى، عندما انطلقت صحيفة «أم القرى» يوم 12 سبتمبر (أيلول) 1924، وتلاها تأسيس وزارة الإعلام بمرسوم ملكي من الملك فيصل في مطلع مارس (آذار) عام 1963، لم يشهد قطاع الإعلام الرسمي السعودي، إطلاق استراتيجيّات كبرى من النوع الذي أعلن عنه وزير الإعلام السعودي أخيراً دفعة واحدة. إذ أُعلن عن 3 استراتيجيات تسير عليها منظومة الإعلام وتمثل خريطة طريق نحو إعلام المستقبل، وتسهم في تعزيز القطاع الإعلامي ورفع الجاذبية الاستثمارية، وأيضاً تعزيز كفاءة الكوادر الوطنية، لتتكامل بذلك مع استراتيجية «الهيئة العامة لتنظيم الإعلام»، التي أُعلن عنها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

على صعيد الأرقام، من شأن الاستراتيجية المزمعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون، على سبيل المثال، أن تكون تحت المجهر خلال المرحلة القادمة، خصوصاً من ناحية المحتوى المرئي المنتظَر، وسط تركيز المراقبين والمتابعين على جودته ورصانته وارتباطه بما ينتظرونه من الهيئة. وذلك بعدما أظهرت أرقام رصدتها شركة «التصنيف الإعلامية MRC»، نسب مشاهدات مرتفعة للتلفزيون في السعودية خلال العام المنصرم 2023، خصوصاً أن الشركة ذاتها استخرجت التصريح الوحيد من «الهيئة العامة لتنظيم الإعلام» الخاصة بقياس نسب المشاهدين في السعودية. وأظهرت البيانات أن مشاهدة التلفزيون في المنازل لا تزال قوية، مع نحو 19 مليون مشاهدة غير متكررة، أي ما يعادل نحو 93 في المائة من المشاهدين كل شهر، ويبلغ متوسط وقت المشاهدة اليومي نحو 4 ساعات و50 دقيقة.

الاستراتيجية المزمعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون ستكون تحت المجهر خلال المرحلة القادمة مع ارتفاع المشاهدات للتلفزيون في شهر رمضان الماضي إلى 50 % (موقع الهيئة)

وأضافت البيانات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من «MRC»، أن مشاهدة التلفزيون في السعودية «نشاط عائلي»، إذ إن ما يقرب من 80 في المائة من إجمالي المشاهدات على أجهزة التلفزيون في المنزل هي مشاهدات مشتركة، وقفزت نسبة المشاهدين الذين يشاهدون التلفزيون لمدة 16 يوماً أو أكثر في الشهر من 40 في المائة إلى 50 في المائة في شهر رمضان من العام الماضي.

المتخصّص في إدارة المؤسسات الإعلامية حبيب الشمري، رأى أن «هناك حراكاً كبيراً وواضحاً يتزامن معه إطلاق الاستراتيجيات الثلاث، بالإضافة إلى استراتيجية الهيئة العامة لتنظيم الإعلام من أجل أن تكون قادرة على احتواء هذا الحراك والتحديث، فالمشاريع الإعلامية التي أُطلقت خلال العام الماضي والحالي تهدف إلى رفع كفاءة وجودة المحتوى المحلي إضافةً إلى زيادة نصيب الإعلام المحلي من الوظائف والموظفين».

وطرح الشمري نماذج على ذلك: «نقل بعض القنوات الإقليمية ليكون مقرها في مدينة الرياض، أو إطلاق قنوات وخدمات إعلامية جديدة، ناهيك بالاتفاقيات الإعلامية التي تعقدها الشركات الإعلامية المحلية والهيئات الحكومية مع المؤسسات الإعلامية والتقنية العالمية ومعاهد صناعة الإعلام حول العالم بهدف توسيع الشراكات والاستثمارات وبناء العلاقات، في مجالات كثيرة على غرار إنتاج المحتوى الرقمي وتطوير المنصات الرقمية وخدمات الأبحاث الإعلامية، وتنظيم الفعاليات المتخصصة في مجال الإعلام، تصل في النهاية إلى الهدف الأهم وهو تطوير رأس المال البشري من خلال دعم الابتكار وزيادة فرص التدريب».

 

الشراكة مع شركات التقنية العالمية

وفي جانب الشراكة مع شركات من طراز «غوغل» و«هواوي» و«علي بابا» وغيرها، أجاب حبيب الشمري على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بأن «تلك المؤسسات العالمية تستطيع أن تغير من واقع واستراتيجيات الهيئات والمؤسسات الإعلامية المحلية لمساعدتها على مواكبة التغيرات العالمية السريعة في مجال الإعلام، ولتكون أكثر حيوية ومنافسة من خلال احتكاكها بالشركات العالمية والاستفادة من تجاربها في نقل هذه المعرفة التقنية والإعلامية».

من زاوية أخرى، رأى الشمري أن «رؤية السعودية 2030 ركّزت في جزء من مبادراتها وبرامجها على مفهوم التوطين خصوصاً في التقنية والصناعات المختلفة، وبما لا يقل أهمية عن الصناعة هناك أيضاً تركيز على توطين ونقل المعرفة في مجالات مثل الإعلام ورفع كفاءة وتنافسية المحتوى المحلي في كل مجالات الإعلام... وهي شراكات ذات أهمية بالغة، إذ إن مثل هذه الشركات تقود المشهد العالمي إنْ صحَّ التعبير في مجال الابتكار وسوق المنتجات والتطبيقات الإعلامية وحتى في صناعة وتوجيه الرأي العام».

معرض «فومكس»

توطين أمن المحتوى والبيانات

ونتيجة لذلك، يضع حبيب الشمري إصبعاً على جانب ذي أبعاد مختلفة لجهة «أمن المحتوى والبيانات». ذلك أن شركات التقنية العملاقة مثل هذه الشركات، وفقاً لوصفه، «خلقت تحوّلات وتغيرات كبيرة بابتكاراتها التي تضم الذكاء الاصطناعي والحوسبة والتخزين السحابي، الأمر الذي يقودنا إلى قضية حساسة هي أمن المحتوى والبيانات ومسألة مَن لديه القدرة على امتلاك أو حتى الوصول إلى هذه البيانات، فالتوطين في مجال حساس كهذا أصبح أمراً بالغ الأهمية عند صانع القرار».

المهندس بندر المشهدي، الرئيس التنفيذي لشركة التصنيف الإعلامية «MRC»، اتفق هنا مع حبيب عبد الله، لكنه اشترط للتعاون أن يكون «بشكل شفاف ومستدام كي تعود الفوائد على الجميع وتحافظ على سيادة وحماية المعلومات الحساسة». وتابع أن الشراكات مع هذه الشركات المرموقة تُعزِّز بشكل عام قدرات وزارة الإعلام في مجال التكنولوجيا والاتصالات، وتسهم في تحسين الخدمات المقدمة ونطاق وصول المعلومات.

إنَّ جزءاً من المطالبات التي اعتاد قطاع الإعلام السعودي على تلقّيها كان أن يرتقي إلى مستوى الطموحات والإنجازات الجارية ضمن ورشة العمل الكبرى في البلاد، وفي هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الإعلام السعودي، تتجه صوب متابعة تفاصيل التحوّل، ومعالجة مسائل الاستثمار واللوائح والتدريب والمحتوى، وغيرها، وعطفاً على تلك الاحتياجات التي يسردها الخبراء والمختصون وأبناء القطاع دائماً، فإن الأرقام والمؤشّرات، ستكون الشاهد الرئيسي، والمعيار الأساسي لقياس مستوى التحول.

وعطفاً على ذلك؛ هل تنجح المصافحة الحارّة بين الإعلام السعودي والمستقبل؟


سباق الرئاسة الأميركية ينطلق وسط تراجع الاهتمام بالسياسة

أميركيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية بكارولاينا الجنوبية في 24 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
أميركيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية بكارولاينا الجنوبية في 24 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

سباق الرئاسة الأميركية ينطلق وسط تراجع الاهتمام بالسياسة

أميركيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية بكارولاينا الجنوبية في 24 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
أميركيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية بكارولاينا الجنوبية في 24 فبراير الماضي (أ.ف.ب)

تدخل الانتخابات التمهيدية الأميركية غداً مرحلة جديدة، مع قيام ناخبي الحزبين الديمقراطي والجمهوري فيما يسمى «الثلاثاء الكبير»، باختيار عدد كبير من مندوبي الولايات الـ15، لمؤتمراتهم الحزبية التي ستعقد في الصيف المقبل. وبعدما بات من شبه المؤكد أن السباق الرئاسي، الذي يعد هذا العام أحد أكثر السباقات توتراً في تاريخ الولايات المتحدة، سيكون نسخة معادة لانتخابات 2020، بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب، تصاعدت التحذيرات من دور منصات التواصل الاجتماعي في التعامل مع المعلومات المضللة، ومن الذكاء الاصطناعي الذي تصاعد دوره في ابتكار وتوليد قصص ومقاطع فيديو، وحتى مكالمات هاتفية مزيفة.

وتأتي تلك التحذيرات، وسط استطلاعات رأي تشير إلى تراجع اهتمام الأميركيين بأخبار السياسة، في ظل تصاعد التشكيك بالانتخابات، وإقرار السلطات، سواء كانت حكومية أو خاصة، بعجزها عن مجاراة الابتكارات التكنولوجية التي تفوق قدرتها على التعامل معها. وبدا أن الأكاذيب التي تنشر على تلك المنصات، منذ الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، في طريقها للتحول إلى سلاح، ليس فقط بأميركا، بل وفي دول عدة، مع ازدحام مواعيد الانتخابات التي ستجري في عدد كبير منها هذا العام.

عجز شركات التكنولوجيا

هناك من يرى أن شركات التكنولوجيا نفسها، ليست مستعدة لهجوم الشائعات والأكاذيب التي يمكن أن تؤثر، لا بل تعطل العملية الانتخابية، في عصر المعلومات المضللة، خصوصاً على المستقلين الذين يحسمون عادة نتيجة السباق.

ومما زاد من القلق، أنه على الرغم من قيام كثير من شركات التكنولوجيا بخفض عدد موظفيها المسؤولين عن مراقبة المحتوى، ما أفسح المجال أمام زيادة كمية نشر المعلومات الضارة، تتعرض تلك الشركات أيضاً لضغوط سياسية مغلفة بغطاء قانوني، إما لتقييد قدرتها على حذف المنشورات والحسابات التي تتعارض مع قوانين حقوق التعبير الخاصة بها، أو لحضها على إزالتها، إذا كانت تتعارض سياسياً مع السلطات المعنية. ويوم الاثنين الماضي، استمعت المحكمة العليا الأميركية إلى مرافعات شفوية لتحديد مدى دستورية قانونين أصدرتهما ولايتا تكساس وفلوريدا، التي يسيطر الجمهوريون على مجلسيهما التشريعيين، يقيدان بشكل عام قدرة منصات التواصل الاجتماعي على حذف المنشورات والحسابات. كما ستستمع المحكمة العليا الشهر المقبل، إلى استئناف من ولايتي لويزيانا وميزوري، التي يسيطر عليهما الجمهوريون أيضاً، يتهم مسؤولي الإدارة الأميركية الفيدرالية بالضغط على شركات التواصل الاجتماعي «لإسكات وجهات النظر المحافظة».

وكانت الولايتان قد أصدرتا عام 2021، بعد حظر «فيسبوك» و«تويتر» (قبل تغيير اسمها إلى «إكس») حسابات الرئيس السابق، دونالد ترمب، بسبب منشوراته المتعلقة بهجوم 6 يناير (كانون الثاني)، قانونين يمنعان منصات التواصل الاجتماعي من مراقبة الخطاب السياسي، وحظر الرقابة، أو حظر مرشح سياسي، أو مؤسسة صحافية، أو حظر وإغلاق حسابات المستخدمين بناء على وجهة نظر. ولم يدخل أي من القانونين حيز التنفيذ بسبب الطعون القضائية التي قدمتها جمعيات تجارية تمثل الشركات، حيث أسقطت واحدة منها قانون فلوريدا، بينما أيدت أخرى قانون تكساس. وهو ما أدى إلى رفع القضية أمام المحكمة العليا، التي بات عليها أن تقرر ما إذا كان التعديل الدستوري الأول الذي يحمي حرية التعبير، يحمي في الوقت نفسه، السلطة التقديرية التحريرية لمنصات التواصل الاجتماعي، ويمنع الحكومة الفيدرالية أو الولايات، من إجبار الشركات على نشر المحتوى الذي تعدّه ضاراً ضد إرادتها، أم لا.

تضاؤل الثقة بالانتخابات

وبينما تواجه شركات التكنولوجيا هذه عدداً من المشكلات الرئيسية في وقت تتضاءل فيه الثقة بالانتخابات، وفي المعلومات التي يجدها الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، بدا احتمال قيام السياسيين ومؤيديهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي سلاحاً لنشر المعلومات المضللة مرتفعاً أيضاً.

وعلى سبيل المثال، ورغم قيام بعض الشركات، بما في ذلك «ميتا» (الشركة المالكة لتطبيقات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب») و«يوتيوب»، بتغيير سياساتها للسماح بمعلومات مضللة عن انتخابات 2020، تتهم شركات أخرى جديدة، لا تزال حتى الآن تدرس سياساتها عن المحتوى السياسي، كمنصة «تروث سوشيال» المملوكة من الرئيس السابق دونالد ترمب، بتخفيف القيود على ما ينشر على منصاتها، مما يسمح للشائعات بالانتقال ليس فقط عبرها، بل وإلى المنصات الكبرى أيضاً.

وبعدما غيرت شركة «إكس» (تويتر سابقاً) سياساتها الرقابية بالكامل، بعد استحواذ إيلون ماسك عليها، الذي يتهم هو نفسه بنشر بعض الأكاذيب الانتخابية، وتسريح موظفي الرقابة والسلامة، تخلصت المنصة من الأدوات التي كانت تشير إلى المعلومات الخاطئة المحتملة، تاركة لـ«ملاحظات المجتمع» والقراء تحديدها والإشارة إليها بدلاً منها. وكان ماسك قد سمح بعودة كثير من الحسابات المحظورة سابقاً، التي تم استبعاد بعضها لنشر معلومات مضللة حول الانتخابات، على رأسها حساب الرئيس ترمب الذي استخدم المنصة؛ ليس فقط وسيلة اتصال رئيسية مع الجمهور، بل وحولها إلى المتحدث الرسمي باسمه. وغالباً ما أعلن عن مواقفه السياسية و«طرد» عدد من وزرائه ومسؤولي إدارته عبرها.

رقابة خاصة أم حكومية؟

ويحذر كثير من الخبراء من أن احتمال قيام وسائل التواصل الاجتماعي بتعطيل الانتخابات، يظهر الأدوار الكبيرة التي تلعبها المنصات في الحياة اليومية. ورغم كونها «شركات خاصة»، فإنه غالباً ما يتم التعامل معها على أنها مؤسسة عامة. وفيما يبدو الإشراف الذي تمارسه تلك الشركات على المحتوى، أشبه بالرقابة الحكومية من كونه من قبل شركة خاصة، بدا أنه من الصعب تحديد الأدوار التي يجب أن تلعبها عندما تكون البلاد مستقطبة إلى هذا الحد.

ويرى كثير من الباحثين أن انتقال المعلومات الخاطئة دون قيود هذا العام، ليس مرتفعاً فحسب، بل سيكون من الصعب على الباحثين تتبعها والإبلاغ عنها. وبينما لا تتحدث شركات التكنولوجيا كثيراً عن خططها لتخفيف المحتوى السياسي، بدا أن ضغوط المشرعين الجمهوريين، لإجبارها على عدم «إسكات وجهات نظر المحافظين»، تحقق نجاحاً في المحاكم والكونغرس، حتى من دون حكم المحكمة العليا النهائي، حيث يشهد الباحثون في مجال المعلومات المضللة «تأثيراً مخيفاً» وغيروا عملهم إلى حد ما بسبب ذلك.

الأميركيون يبتعدون عن أخبار السياسة

ورغم ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن التفاعل مع الأخبار والأخبار السياسية بشكل عام، قد انخفض بشكل كبير هذا العام، مقارنة بالدورات الانتخابية التمهيدية الرئاسية الأخيرة، لمصلحة الاهتمام بمواضيع أخف، مثل الرياضة والترفيه، رغم تحولها هي الأخرى جزئياً إلى ساحة منازلات سياسية، وسط اتهامات باستغلال السياسيين لشعبية نجوم الرياضة والغناء للترويج لحملاتهم السياسية.

وبعدما ساعد الاهتمام القياسي بالأخبار في انتخابات 2020، خلال جائحة وباء «كوفيد - 19»، بتحقيق أعلى نسبة مشاركة في التصويت، قال استطلاع لموقع «سيميلارويب»، إن عدداً أقل من الأشخاص يقرأون الأخبار والمقالات السياسية في هذه الدورة مقارنة بالدورة السابقة. وانخفضت أيضاً تصنيفات قنوات الكابل الإخبارية بشكل كبير بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 ويناير (كانون الثاني) 2024، مقارنة بنوفمبر 2019 ويناير 2020، على الرغم من أن أحد العوامل الإضافية هو أن عدداً أقل من الأسر يدفع مقابل اشتراكات الكابل الآن عما كانت عليه قبل 4 سنوات.

وتضاءلت تفاعلات وسائل التواصل الاجتماعي مع المناقشات واللقاءات السياسية المفتوحة (تاون هول) بشكل كبير، رغم أن بعض التفاعلات قد تحول من منصات أميركية مشهورة؛ كـ«إنستغرام» و«فيسبوك» و«إكس»، إلى منصات أخرى، أقل اهتماماً بالأخبار السياسية، مثل «تيك توك»، التي تخضع لتدقيق من الحكومة الأميركية، واختارت الابتعاد عن المحتوى السياسي.


هل تحد منصات التواصل من «تلاعب» الذكاء الاصطناعي خلال الانتخابات؟

شعار «ميتا» (أ.ب)
شعار «ميتا» (أ.ب)
TT

هل تحد منصات التواصل من «تلاعب» الذكاء الاصطناعي خلال الانتخابات؟

شعار «ميتا» (أ.ب)
شعار «ميتا» (أ.ب)

أثار إعلان منصات التكنولوجيا الكبرى عزمها اتخاذ «تدابير» للحد مما اعتبرته «تلاعب الذكاء الاصطناعي خلال الانتخابات»، تساؤلات حول جدية القرار وتأثيراته، ففي حين عدّ بعض الخبراء الاتجاه «جيداً»، رأى آخرون أنه «غير ملزم»، ولا سيما وسط استعداد أكثر من نصف سكان العالم للتصويت في الانتخابات التي ستشهدها عدة دول، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وقّعت 12 شركة تشارك في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، في 16 فبراير (شباط) الماضي، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، اتفاقاً للعمل معاً لاكتشاف ومكافحة محتوى الذكاء الاصطناعي الضار في الانتخابات، ولا سيما المحتوى المُصمم بتقنية التزييف العميق للمرشحين السياسيين، التي تخدع الناخبين بشكل متعمد.

وشملت الشركات الموقعة؛ «أوبن إيه آي»، «غوغل»، «ميتا»، «مايكروسوفت»، «تيك توك»، «أدوبي» وغيرها، وفق ما أوردت وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية. وتعهدت كبريات شركات التكنولوجيا، التي تمتلك منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، وفقاً للاتفاقية، بـ«التصدي لنشر (المعلومات المضللة) المولدة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي فيما يخص أي انتخابات سياسية على مستوى العالم»، وتضمنت الاتفاقية اعترافاً من الشركات الموقعة بأن «الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسبب الارتباك والفوضى للناخبين».

شعار «غوغل» على مدخل بنايتها في مدينة نيويورك الأميركية (أ.ب)

وتضمنت الاتفاقية، التي تسمى «الاتفاق الفني لمكافحة الاستخدام الخادع للذكاء الاصطناعي في انتخابات 2024»، التزامات «طوعية» بالتعاون للكشف عن «المحتوى المضلل» الناتج عن الذكاء الاصطناعي وتمييزه للمستخدم، كما دعت الاتفاقية الشركات إلى التحلي بالشفافية مع الجمهور بشأن الجهود المبذولة لمعالجة محتوى الذكاء الاصطناعي الذي قد يكون ضاراً.

الصحافية اللبنانية، هيفاء البنا، مدربة في الإعلام ومواقع التواصل، مديرة تسويق رقمي، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الشركات لديها الإمكانات لدرء أضرار الذكاء الاصطناعي ووضع الأطر التنظيمية منذ البداية، وبالفعل اتجهت بعض المنصات الإخبارية العملاقة لتزويد نظامها بأدوات الكشف عن المحتوى المضلل». وعدّت هيفاء أن «الاتفاقية هي بمثابة اعتراف بانحرافات الذكاء الاصطناعي، فهي آلة لا تحتكم للأخلاقيات البشرية، ومن ثم نحن أمام فرصة لوضع الأطر التنظيمية التي تفادي العالم لاحقاً تبعات مثيرة للقلق بشأن تحكم الذكاء الاصطناعي في المستقبل والتلاعب السياسي».

وكان رجل الأعمال الأميركي، إيلون ماسك، مالك «إكس»، قد وجّه اتهامات بـ«العنصرية لشركة (غوغل)»، تعقيباً على نشر صور لجنود نازيين وكأنهم كانوا من ذوات البشرة الداكنة، الأسبوع الماضي، ما اعتبره ماسك «تلاعباً بالتاريخ» و«سقطة عنصرية». من جانبها، كشفت «غوغل» عن أن الصور تم توليدها بنظام الذكاء الاصطناعي الخاص بالشركة «جيميني»، وعليه خرجت الشركة وأعلنت أنها «ستتوقف مؤقتاً عن استخدام البرنامج الخاص بتوليد الصور حتى تتمكن من تصحيح التنوع».

وتشير هيفاء إلى أن «أدوات الذكاء الاصطناعي قائمة على التغذية بالمعلومات التي قد تكون عرضة للخطأ بشكل كبير، ومن ثم أمام الشركات العملاقة وقت وتجارب قبل أن تطلق مشروعاتها للذكاء الاصطناعي حتى تضمن تحقيق أسس أخلاقية مثل الدقة والمصداقية، وهذا الأمر شديد الحساسية في أوقات الانتخابات والقرارات السياسية»، لافتة إلى أن «(غوغل) تحديداً أطلقت مشروع (جيميني) مسرعة للحاق بالركب، فكانت تستهدف منافسة (تشات جي بي تي)، غير أنها لم تكن جاهزة بعد».

فيما ثمّنت هيفاء الاتفاقية المبرمة بين شركات التكنولوجيا، ولفتت أيضاً إلى أن الاتفاق غير ملزم للمنصات و«لا يفرض إزالة المنشور إذا ثبت أنه مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي ويشوبه التضليل»، قائلة: «لم نصل إلى إلزام المنصات بحذف المنشورات المزيفة وهو محبط، لكن مجرد الإشارة لأنه محتوى موّلد بالذكاء الاصطناعي من شأنه تنبيه المستخدم للتأكد من صحة المعلومات».

وتبنت هيفاء منظور «غير متفائل» لمستقبل أدوات الذكاء الاصطناعي، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، وقالت إن «استبدال البشر بالآلة له تبعات تثير القلق بشأن التحليل والأخلاقيات، صحيح أن أدوات الذكاء الاصطناعي توفر السرعة، لكن إذا أصبحت المعلومة تصدر وتنتشر دون تدخل بشري يحتكم إلى الأخلاقيات، فإن كثيراً من التلاعب والتضليل في انتظارنا».

ويأتي الإعلان عن الاتفاقية بعد أن كشفت «أوبن إيه آي» في فبراير الماضي، عن أداة جديدة تحاكي الواقع على نحو مذهل من خلال تحويل النص إلى فيديو، تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتسمى «Sora»، ليشدد الخبراء على «أهمية الإجراءات التنظيمية لمشروعات الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن، خصوصاً مع تسارع ظهور مجموعة متنامية من أدوات الذكاء الاصطناعي لها القدرة على توليد نصوص وصور واقعية مُقنعة بسرعة وسهولة»، وأشاروا إلى خطورة توليد مقاطع الصوت والفيديو التي يمكن استخدامها لنشر معلومات كاذبة لتضليل الناخبين.

وقالت كبيرة المستشارين ومديرة العدالة الرقمية والحقوق المدنية في منظمة «فري برس لمراقبة التكنولوجيا والإعلام»، نورا بينافيديز، في وقت سابق، إن «الوعود الطوعية التي نصت عليها الاتفاقية ليست مجدية بالشكل الكافي لمواجهة التحديات العالمية التي تهدد الديمقراطية». وأشارت بحسب ما أوردت «سي إن إن» الأميركية، إلى أنه «في كل دورة انتخابية، تتعهد شركات التكنولوجيا بمجموعة غامضة من المعايير الديمقراطية، ثم تفشل في الوفاء بهذه الوعود بشكل كامل». ورهنت معالجة الأضرار الحقيقية التي يشكلها الذكاء الاصطناعي في عام انتخابي مزدحم، بـ«ضرورة تحقيق إشراف قوي على المحتوى يتضمن المراجعة البشرية ووضع العلامات والتنفيذ».

من جانبه، يرى الصحافي والمدرب المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على (التزييف باحترافية)، ويصعب على المستخدم العادي اكتشافه، مثلاً تقنية (التزييف العميق) باتت أكثر يسراً من السابق، حتى غدا بإمكان أي شخص (فبركة) حدث بالكامل، ومن ثم ترك المجال لهذه الأدوات من شأنه إحداث فوضى سياسية».

وعدّ خالد توقيت الاتفاقية «هاماً للغاية»، غير أن وصفها بـ«الطوعية أمر يتطلب مزيداً من الصرامة»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ألزمت قمة ميونيخ للأمن منصات التواصل الاجتماعي بأن تتحمل مسؤوليتها وأن تخضع للمراقبة، لكن لن تأتي هذه الخطوة بثمارها إلا إذا شارك المجتمع الدولي بجدية في خروج الأطر التنظيمية المقننة لاستخدام التكنولوجيا، ولا سيما أن المنصات ربما تجيد التقنيات، غير أنها ليست بالضرورة مؤهلة لإدارتها».

ولفت خالد إلى أن «شبكات التواصل الاجتماعي ليست ناضجة بما يكفي لتدخل لاعباً في المجتمع السياسي»، موضحاً: «بينما تحتضن منصات التواصل منظومة المعلومات في العالم، فإنها ليس على هذا القدر من المسؤولية، والاتفاقية التي أبرمت غير كافية، ولا سيما أن هذه الشركات تخضع للقانون الأميركي الذي يتعامل معها باعتبارها شركات اتصالات». وحسب المادة 230 من قانون الاتصالات الأميركي، «لا تُحاسب الشركات حال أي مخالفة وقعت على شبكاتهم، وهو المعمول به في منصات التواصل أيضاً». وطالب خالد بضرورة تغيير هذه المادة التي تعيق محاسبة منصات التواصل الاجتماعي، وقال إن «العالم يواجه خطر (المعلومات المضللة)، ومع تعقد المشهد السياسي العالمي بات الأمر أكثر خطورة، ومن ثم لا مجال للطوعية، بينما حان الوقت لقوانين مُلزمة».


«واس» تطلق أكاديميتها للتدريب الإخباري

ستسهم الأكاديمية في العمل على توطين المعرفة ونقل أفضل الممارسات بمجالها (واس)
ستسهم الأكاديمية في العمل على توطين المعرفة ونقل أفضل الممارسات بمجالها (واس)
TT

«واس» تطلق أكاديميتها للتدريب الإخباري

ستسهم الأكاديمية في العمل على توطين المعرفة ونقل أفضل الممارسات بمجالها (واس)
ستسهم الأكاديمية في العمل على توطين المعرفة ونقل أفضل الممارسات بمجالها (واس)

أطلقت «وكالة الأنباء السعودية»، أكاديمية «واس»، الأولى المتخصصة بالتدريب الإخباري في الشرق الأوسط، وذلك ضمن أعمال مؤتمر مبادرة تنمية القدرات البشرية، الذي أقيم بالرياض تحت رعاية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.

وقال سلمان الدوسري وزير الإعلام عبر حسابه على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «في عام التحول الإعلامي 2024؛ تعتزم (واس) تقديم حصيلة تجربتها الممتدة في العمل الإخباري إلى أبناء وبنات الوطن»، مبيناً أن الأكاديمية تستهدف توطين المعرفة، ونقل أفضل الممارسات، وخدمة العمل الإخباري العربي.

وتأتي هذه الخطوة من «واس» ضمن شراكة مع برنامج تنمية القدرات البشرية إسهاماً في تحقيق مستهدفات «رؤية المملكة 2030» عبر تقديم برامج تطبيقية مدعومة بشراكات دولية ومحلية مع شركاء مرحلتها الأولى التي تشمل شركاء مثل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وكلية الأمير محمد بن سلمان لريادة الأعمال، ومعهد الإدارة العامة، وصندوق تنمية الموارد البشرية «هدف»، وأكاديمية سكاي نيوز عربية، والمركز الدولي النمساوي للتأهيل والجودة.

وستسهم الأكاديمية بما تمتلكه «واس» من رصيد مهني تجاوز خمسين عاماً في العمل الإخباري الرسمي بالمملكة، في توظيف شراكاتها مع أكثر من 30 وكالة أنباء عالمية، والعمل على توطين المعرفة ونقل أفضل الممارسات في مجالها، فضلاً عن تعزيزها لموقع العاصمة الرياض بأن تكون مركزاً إقليمياً لإنتاج وتوزيع المحتوى الإخباري.

وتهدف الوكالة من خلال برامج الأكاديمية المنسجمة مع أهدافها وتوجهها الاستراتيجي إلى تطوير المهارات الإخبارية المتقدمة لتلبية متطلبات السوق، وتعزيز تبني نقل المعرفة والتكنولوجيا والأدوات الحديثة للعمل الصحافي والإخباري، إلى جانب تعزيز الفهم العميق للقضايا الإخبارية والتحديات العالمية.

وتقدم الأكاديمية برامجها التدريبية في خمسة محاور، هي: الصحافة والأخبار، التقنية والذكاء الاصطناعي، القيادة وأخلاقيات الصحافة، شركاء الإعلام، التوعية الإخبارية. موجهة برامجها التدريبية إلى الصحافيين والمصورين، والمهنيين والتقنيين في مجال الإعلام، إضافة إلى طلاب الإعلام، ومسؤولي الشؤون الإعلامية في مختلف الجهات.


واقع الإعلام الإسباني... ملكيات أجنبية ومنافسة وديون تؤثر أحياناً على استقلالية الخط التحريري

مقر صحيفة "إلباييس" (رويترز)
مقر صحيفة "إلباييس" (رويترز)
TT

واقع الإعلام الإسباني... ملكيات أجنبية ومنافسة وديون تؤثر أحياناً على استقلالية الخط التحريري

مقر صحيفة "إلباييس" (رويترز)
مقر صحيفة "إلباييس" (رويترز)

ثمّة فترة مفصلية في تاريخ الإعلام الإسباني ومؤسساته الكبرى تتزامن مع نهاية النظام الديكتاتوري الذي أسّسه الجنرال فرنشيسكو فرنكو في أعقاب الحرب الأهلية عام 1939، وامتدّ حتى وفاته في خريف عام 1975.

هذه الفترة، شهدت واحداً من أهم الإنجازات السياسية الإسبانية، الذي أصبح مادة تدرّس في المعاهد الكبرى للعلوم السياسية كتجربة فريدة وناجحة للانتقال السلمي من نظام الحزب الواحد الذي ألغى الحريات العامة طيلة عقود، إلى النظام التعددي السائد في الدول الغربية.

لقد عرفت تلك الفترة، إلى جانب إطلاق الحريات السياسية والنقابية، تحولاً جذرياً وسريعاً في نمط النشاط الإعلامي الذي كان يخضع لتوجيهات أجهزة النظام ورقابتها الصارمة على محتوياته. إذ ظهرت مجموعة من الصحف الحرة والمستقلة التي لعبت دوراً أساسياً في تشكيل معالم المرحلة الانتقالية وإرساء المعادلات السياسية الرئيسية، التي ما زالت قائمة إلى اليوم، قبل أن يصبح بعضها نواة للمؤسسات الكبرى في المشهد الإعلامي الإسباني بتشعباته الأوروبية والأميركية اللاتينية.

«إلباييس»

أبرز الصحف التي نشأت في تلك الفترة كانت «إلباييس»، التي سرعان ما تحولّت إلى رمز المرحلة الديمقراطية الجديدة واحتلّت المركز الأول، الذي ما زالت تحافظ عليه إلى اليوم، من حيث انتشارها وتأثيرها في الرأي العام، لتصبح مرجعاً في عالم الصحافة الناطقة بالإسبانية.

المجموعة المؤسِسة لـ«إلباييس» كانت قد تقدّمت بطلب ترخيصها في عام 1973، عندما بدأت تظهر التباشير الأولى لنهاية عهد الجنرال فرنكو، إذ كانت حالته الصحية قد بدأت تتدهور من دون أن يعيّن أي «وريث» له. إلا أن السلطات المتوجّسة خيفة من التوجهات السياسية للمجموعة، ماطلت في بت الطلب. وحقاً، لم توافق على الترخيص إلا بعد وفاة فرنكو، وصدر العدد الأول من الصحيفة يوم 4 مايو (أيار) 1976.

لقد ضمّت المجموعة المؤسسة للصحيفة المرموقة عدداً من رجال الأعمال والأساتذة الجامعيين وكبار الموظفين الرسميين الذين كانوا ينتمون إلى المعارضة المعتدلة والتيّار المنفتح على التغيير داخل النظام. واختير لرئاسة تحريرها الصحافي خوان لويس ثيبريان، الذي كان تولّى إدارة قسم الأخبار في التلفزيون الرسمي قبل ذلك بسنتين، واستمرّ في رئاسة تحريرها حتى عام 1988.

مقر ميدياسي في إحدى ضواحي ميلانو (رويترز)

يوم 23 فبراير (شباط) 1981، وعندما وقعت المحاولة الانقلابية التي كادت تطيح النظام الديمقراطي اليافع. وبينما كانت إسبانيا تحبس أنفاسها في انتظار معرفة موقف القيادات العسكرية والملك الشاب خوان كارلوس الأول من اقتحام أحد ضباط الحرس المدني مبنى البرلمان واحتجازه النواب وأعضاء الحكومة، كانت «إلباييس» الصحيفة الوحيدة التي صدرت فجر اليوم التالي. وكان عنوانها ذلك اليوم «إلباييس مع الدستور»، مكرّسة بذلك رمزيتها الديمقراطية، ومعزّزة موقعها في المشهد الإعلامي الإسباني بعد فشل المحاولة الانقلابية.

وفي عام 1981، شاركت «إلباييس» في إنشاء شبكة مشتركة للموارد الإعلامية مع صحيفتي «لوموند» الفرنسية، و«ريبوبليكا» الإيطالية، ثم أطلقت طبعة بالبرتغالية من مدينة ساو باولو في البرازيل، وطبعة خاصة بالمكسيك بعدما كانت أصدرت طبعة باللغة الكاتالونية وأخرى بالإنجليزية بالتعاون مع «إنترناشيونال هيرالد تريبيون». وفي عام 2016، بدأت إصدارها الرقمي لتغدو الصحيفة الرقمية الناطقة بالإسبانية الأوسع انتشاراً في العالم.

توسّع مطّرد... وديون متراكمة

بعدما رسخّت «إلباييس» موقعها، وبمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لتأسيسها، أعلنت عن شرائها «سير»، وهي إحدى الشبكات الإذاعية الرائدة في إسبانيا. ثم أبرمت عقداً مع شركة «كنال بلوس» (قناة) الفرنسية، وبدأت تبثّ أولى القنوات التلفزيونية الخاصة في إسبانيا.

وبعد حيازة مجموعتها القابضة «بريسا» كلاً من كبرى دور النشر المدرسية «سانتيانا»، ثم صحيفة «آس» الرياضية، وصحيفة «ثينكو ديّاس» الاقتصادية، صارت «بريسا» المؤسسة الأولى في الدول الناطقة بالإسبانية والبرتغالية في مجال توزيع المحتويات التربوية والإعلامية والترفيهية. بل، وبدأت توسّع دائرة حضورها في سوق الولايات المتحدة الموجهة للجاليات الناطقة بالإسبانية.

الصفحات الأولى من بعض كبريات صحف إسيانيا

ولكن، في المقابل، ترزح «بريسا» منذ سنوات، تحت وطأة ديون متراكمة بلغت 800 مليون يورو نهاية العام الماضي، وهذا على الرغم من أنه أسهم في تخفيفها دخول مجموعة «فيفندي» الفرنسية في رأسمالها بنسبة 10 في المائة. وفعلاً، أعلنت «بريسا» عن قرب بيعها دار النشر «سانتيانا»، المقدّرة قيمتها بمليار ونصف المليار يورو، بأمل التخلّص نهائياً من عبء الديون التي يرى فيها المحللون سبب انحراف الصحيفة عن خطها المستقل خلال السنوات الأخيرة تحت الضغوط التي تتعرّض لها من المصارف الدائنة.

مع هذا، لا بد من الإشارة إلى أن «بريسا»، كغيرها من المؤسسات الإعلامية الإسبانية الكبرى، هي في قبضة صناديق الاستثمار الدولية مثل «آمبير إنترناشيونال» الأميركي - البريطاني الذي يملك غالبية أسهمها. واللافت أن جوزيف أوغورليان، الرئيس التنفيذي لهذا الصندوق ولمجلس إدارة «إلباييس»، قال أخيراً: «لقد حاولت (إلباييس) انتهاج خط يميني، لكنها فشلت وستعود اليوم إلى الخط اليساري»، ما يعني أن أهم الصحف الإسبانية ليست فقط بيد رأس المال الأميركي، بل هي تعترف بأنها تغيّر وجهتها السياسية وفقاً لمقتضيات المرحلة أو الوضع المالي.

مجموعة «بلانيتا» وأذرعها

بالتوازي، اللافت أيضاً أن مجموعة «بلانيتا» الإعلامية، وهي أيضاً من كبريات المجموعات الإسبانية، تملك عبر «إتريس ميديا»، قناة «لا سكستا» أكثر قنوات التلفزيون يسارية، وصحيفة «لا راثون» المعروفة بخطها اليميني المتشدد، فضلاً عن قناة «آنتينا 3» المحافظة وشبكة إذاعية واسعة، ودار للنشر هي الأكبر في إسبانيا. ولكن أكثر من 40 في المائة من أسهم «إتريس ميديا» تملكها مجموعة «دي آغوستيني» الإيطالية التي أسست مطلع القرن الماضي، وتنشط حالياً في قطاعات النشر والإعلام وألعاب الميسر والخدمات المالية، وملكيتها هي حصراً بيد عائلتي بورولي ودراغو عبر مجموعة «بي آند دي» القابضة.

كثير من المؤسسات الإعلامية الإسبانية الكبرى في قبضة صناديق الاستثمار الدولية

"فيفندي" (رويترز)

«ميدياست»... و«غودو»

ثم هناك «ميدياست»، المجموعة الإيطالية العملاقة التي كانت منصة الانطلاقة السياسية لمؤسسها سيلفيو برلوسكوني، ويديرها اليوم بعد وفاته ابنه البكر بيير سيلفيو برلوسكوني. وهذه حاضرة أيضاً بقوة في المشهد الإعلامي الإسباني، حيث تملك قناة «تيلي 5» التلفزيونية و5 قنوات منوّعة أخرى، فضلاً عن منصة رقمية للخدمات الإعلامية والترفيهية، وشركة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني.

ومن المؤسسات الإعلامية الرائدة في إسبانيا كذلك مجموعة «غودو» الكاتالونية، التي تملك الحصة الكبرى فيها عائلة مؤسسها الملياردير الكونت كارلوس دي غودو، وهو سليل واحدة من أعرق العائلات الكاتالونية الناشطة في عالم السياسة والمال منذ أواخر القرن الثامن عشر. وتملك هذه المؤسسة اثنتين من أقدم الصحف الإسبانية هما «لا فانغوارديا» و«عالم الرياضة»، بالإضافة إلى عدد من المجلات الأسبوعية والشهرية، ودار للنشر، وشبكة إذاعية ومنصات إعلامية رقمية. ولا تزال هذه المؤسسة على خطها المحافظ منذ تأسيسها.

وتفيد دراسة صدرت في الآونة الأخيرة عن كلية علوم الإعلام في جامعة مدريد المستقلة، بأنه منذ أزمة عام 2008، المالية دخلت المصارف وصناديق الاستثمار الأجنبية بقوة على خط ملكية حصص وازنة في المؤسسات الإعلامية الإسبانية. وتابعت الدراسة أن «ذلك كان في معظم الحالات على حساب استقلالية هذه المؤسسات في تحديد محتوى المواد التي تنشرها». وتفيد الدراسة أيضاً بأن 80 في المائة من الصحافيين العاملين في هذه المؤسسات اعترفوا بأنهم تعرّضوا، مرة في الأقل، لضغوط من أجل تغيير بعض العناصر المهمة في المواد التي يعدّونها، وأن الغالبية الساحقة من القرّاء لا يكترثون أبداً لمعرفة الجهات المالكة لوسائل الإعلام التي يستهلكون موادها.