الانشقاقات تفكك «إخوان مصر»

بعد 6 سنوات على «اعتصام رابعة»

جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
TT

الانشقاقات تفكك «إخوان مصر»

جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)

«انشقاقات، وتفكك، وصراعات بين الشباب والقيادات»، هذا هو المشهد السائد الآن بعد 6 سنوات على اعتصام «إخوان مصر» في ميدان «رابعة» شرق القاهرة. وحسب خبراء في الحركات الأصولية والشؤون الأمنية فإن «(رابعة) كان هو الحدث المحوري لبداية الانشقاقات بين الشباب والقيادات بعدما فقد شباب التنظيم الثقة بهم لتخليهم عنهم».

يقول خبراء الشأن الأصولي لـ«الشرق الأوسط» إن «95% من قطاعات الشباب كانت مؤيدة لفكرة العنف في التنظيم عقب أحداث (رابعة) عام 2013، وهذا ما ظهر جلياً في الاعتصامات التي حدثت في عامي 2014 و2015»، مؤكدين أن «شباب (الإخوان) ما زالوا يرون أن القيادات في الخارج لم تثأر لما حدث في (رابعة)؛ بل هم يعيشون في تركيا وقطر، وتخلوا عن الشباب؛ بل وأصبح لديهم فساد إداري يتعلق بالأموال التي تصل إلى التنظيم». وأشار الخبراء إلى أن «قيادات الخارج تعاملت مع الشباب حسب (هو تابع لمن، أو محسوب على من) منهم، فأوضاع الشباب في الخارج الآن مأساوية، وهناك تخلٍّ عنهم بشكل كبير وواضح». يأتي هذا المشهد العام للتنظيم في الخارج، وسط خفوت تام للدعوات الإخوانية للتظاهر في الميادين المصرية في ذكرى الاعتصام، والتحريض على العنف.

صراع عزت وكمال

في صبيحة يوم 14 أغسطس (آب) عام 2013 فضّت السلطات المصرية اعتصام مؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسي بميداني «رابعة» بالقاهرة، و«النهضة» بالجيزة. وأصدر مجلس الوزراء المصري بياناً حينها أكد فيه أن «الإجراءات كانت حتمية لمواجهة التخريب»... وشدد على «الالتزام بضمان حق التعبير السلمي ما دام كان ذلك في إطار الحفاظ على سلامة وأمن المجتمع».
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «شباب (الإخوان) ما زالوا غاضبين من قيادات التنظيم، لأنهم كانوا يريدون رد فعل مناسباً على فض (رابعة والنهضة)؛ لكنهم وجدوا تراخياً من القيادات، التي كانت ممثلة للتنظيم في ذلك الوقت، وفي مقدمتهم محمود عزت، القائم بأعمال مرشد (الإخوان)، والذي كان يوافق على العمل النوعي؛ لكن من دون إراقة دماء، بمعنى إجهاد النظام الحاكم بمصر في عمليات تخريب دون الوصول إلى مواجهات مسلحة، تلا ذلك انسحاب محمود عزت من المشهد، واستمرار محمد كمال (مؤسس الجناح المسلح لـ«الإخوان» ولجانها النوعية) في المواجهة المسلحة»، مضيفاً أن «95% من قطاعات الشباب كانت مؤيدة لفكرة العنف في التنظيم عقب أحداث (رابعة) عام 2013، وهذا ما ظهر جلياً في الاعتصامات التي حدثت في عامي 2014 و2015».
المشهد الذي لا يزال يتذكره المصريون عندما تحل ذكرى «رابعة»، هو ما قام به أنصار مرسي، عقب فض «اعتصام رابعة»، من إحراق الكنائس، واقتحام وإحراق أقسام الشرطة، وتهريب المتهمين المحتجزين على ذمة قضايا، وقتل للأبرياء في الشوارع.
وأكد زغلول، أن «شباب (الإخوان) ما زالوا يرون أن القيادات في الخارج لم تثأر لما حدث في (رابعة)؛ بل هم يعيشون في تركيا وقطر وتخلوا عن الشباب؛ بل أصبح لديهم فساد إداري يتعلق بالأموال التي تصل إلى التنظيم»، لافتاً إلى أن «الشباب يرون أنه لا حل للأزمة مع قيادات الخارج، دون الإجابة عن التساؤل الذي لم تجب عنه القيادات منذ عام 2013 وهو (ماذا فعلت القيادات لمن كانوا في رابعة؟)، وعندما لم يجدوا الإجابة، لجأ الشباب عقب رحيل مرسي عن السلطة في 3 يوليو (تموز) عام 2013 إلى الانضمام للتنظيمات التكفيرية، لأن قطاعات عديدة من الشباب كانت تُعلق آمالها على العمل النوعي للتنظيم؛ لكن خفوت التنظيم، جعل الشباب (يكفر) –على حد قوله– بمشروع (الإخوان)، وقدرة التنظيم على التغيير، وانضم بعضهم إلى تنظيم (القاعدة)، أو (ولاية سيناء الموالي لداعش)، وبعضهم سافر إلى سوريا وانضم لـ(داعش)».

التنظيمات السرية

وقال مراقبون إن «تنظيم (الإخوان) اعتمد منذ نشأته على التنظيمات السرية للتخلص من خصومه»، مؤكدين أن «حركات مثل (حسم) و(لواء الثورة) أحد إفرازات (الإخوان)، وأنه عقب رحيل (الإخوان) عن السلطة في مصر، كانت هناك أجنحة لم تقبل بهذا الرحيل، وبدأ ظهور مجموعة (العمليات النوعية) بقيادة محمد كمال (الذي قُتل في مواجهات مع الأمن المصري)».
وعن تزايد الانشقاقات بين الشباب وقيادات الخارج الآن، قال زغلول: «في البداية كانت قيادات الخارج حريصة على الشباب الذين يصلون إلى تركيا مثلاً، ثم بدأ هذا الاهتمام يقل شيئاً فشيئاً، ونتج عنه أزمات، خصوصاً مع ترحيل بعض الشباب، ووجود أزمات في جوازات السفر، لا سيما لمن ينتهي جوازه، فقيادات الخارج تعاملت مع الشباب حسب (هو تابع لمن، أو محسوب على من) منهم، فأوضاع الشباب في الخارج الآن مأساوية، وهناك تخلٍّ عنهم بشكل كبير وواضح».
وأكد المراقبون: «سبق أن أعلنت ماليزيا تسليم 5 من شباب (الإخوان) لمصر، بعدما تبين للحكومة الماليزية أنهم صادر بحقهم أحكام بالمؤبد غيابياً في قضايا إرهابية، وأسماؤهم مُدرجة على قوائم الإنتربول... كما رحّلت تركيا الشاب الإخواني محمد عبد الحفيظ الصادر بحقه حكم غيابي بالإعدام في قضية استهداف النائب العام المصري السابق المستشار هشام بركات، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها سلطات تركيا بترحيل أحد عناصر التنظيم الهاربين... وهو ما دفع الشباب إلى اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي، للتحريض ضد القيادات والدول التي تحاول طردهم».

أحكام «رابعة»

يأتي هذا في وقت، ما زالت القضية المعروفة إعلامياً بـ«فض اعتصام رابعة» متداولة في المحاكم المصرية، إذ يترقب أن تحدد محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية في البلاد) خلال الفترة المقبلة موعداً، لنظر طعون المتهمين على الأحكام الصادرة ضدهم من محكمة الجنايات.
وفى سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، قضت محكمة جنايات القاهرة وبإجماع الآراء بإعدام 75 من قيادات «الإخوان» لإدانتهم في قضية اعتصام «رابعة» المسلح، وذلك عقب استطلاع رأي مفتي الديار المصرية.
وشمل الحكم 44 متهماً حضورياً محبوسين، ومنهم قيادات التنظيم: عصام العريان، ومحمد البلتاجي، وصفوت حجازي، وعبد الرحمن البر (المُلقب بمفتي الإخوان)، وغيابياً 31 متهماً هاربين، ومنهم طارق الزمر (المدرج 3 مرات على قوائم الإرهاب، آخرها في يناير «كانون الثاني» الماضي، وقبلها أُدرج مع 164 متهماً، ومدرج أيضاً ضمن قائمة ضمت 59 إرهابياً أعلنت عنها 4 دول هي «المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين» على خلفية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر لتمويل الجماعات الإرهابية)، فضلاً عن وجدي غنيم (المدرج على قوائم الإرهاب، والمحكوم عليه بالسجن 3 سنوات في «إهانة القضاء»، والسجن المؤبد في قضية «خلية وجدي غنيم» بمصر).
كانت تحقيقات النيابة العامة في القضية قد انتهت إلى اتهام 739 من عناصر «الإخوان» بأنهم خلال الفترة من 21 يونيو (حزيران) حتى 14 أغسطس 2013، ارتكبوا جرائم تدبير تجمهر مسلح، والاشتراك فيه بميدان «رابعة» وقطع الطرق، وتقييد حرية الناس في التنقل، والقتل العمد مع سبق الإصرار للمواطنين وقوات الشرطة المكلفة بفض تجمهرهم، والشروع في القتل العمد، وتعمد تعطيل سير وسائل النقل، فضلاً عن تقييد حركة المواطنين وحرمانهم من حرية التنقل، والتأثير على السلطات العامة في أعمالها بهدف مناهضة ثورة «30 يونيو» التي أطاحت بحكم «الإخوان»، وتغيير خريطة الطريق التي أجمع الشعب المصري عليها.

تخلي قيادات الخارج

من جهته، أكد اللواء كمال المغربي، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن «نغمة الاستقواء بالخارج التي يرددها (الإخوان) أصبحت بلا قيمة الآن»، مضيفاً أن «ما دفع شباب (الإخوان) الهاربين للتحريض ضد قيادات التنظيم عبر صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، هي حالة الذعر التي يعيشون فيها بعد تخلي القيادات عنهم».
وعن شباب الإخوان في مصر الآن، قال أحمد زغلول: إن «شباب (الإخوان) يواجهون أعباء نفسية واجتماعية، سواء مَن خرجوا من السجون، أو مَن هم بداخلها، لعدم قدرتهم على الانخراط في المجتمع المصري، والتخلي عن أفكار التنظيم، خصوصاً التي تدعو للعنف والتحريض... لذا ترى شريحة من شباب التنظيم أن العنف هو السبيل الآن عبر القيام بعمليات عشوائية، والتي تُعد هي الأخطر الآن من وجهة نظري».
ودلل زغلول على ذلك بأنه «عقب وفاة مرسي (الطبيعية) كان هناك عدد من شباب (الإخوان) يُفكر في القيام بأعمال عنف وشغب، خصوصاً بعدما تزايد التحريض من بعض الدول ضد مصر في واقعة وفاة محمد مرسي؛ لكنهم تراجعوا عن القيام بتلك الخطوة، لعدم وجود ظهير لهم في الشارع، وللفظ المصريين للتنظيم، الذي تعده السلطات المصرية إرهابياً».
واتهمت وزارة الداخلية في مصر، حركة «حسم» أخيراً بضلوعها في «انفجار معهد الأورام». وقالت وقتها، إنه «ناجم عن سيارة تم تجهيزها بالمتفجرات استعداداً لتنفيذ (عمل إرهابي)؛ لكنها انفجرت عندما كانت تسير في الاتجاه المعاكس على كورنيش النيل أمام المعهد». كما اعترف المتهم حسام عادل، واسمه الحركي «معاذ»، الذي أعلنت «الداخلية» توقيفه، أنه «عمل في مجال الدعم اللوجيستي والرصد، وكان يتلقى التكليفات من مسؤولي تنظيم (الإخوان) في تركيا والسودان».
وخلت ذكرى «رابعة» السادسة من أي دعوات للتظاهر في مصر. واكتفت الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة «المنحل»، ذراع «الإخوان» السياسية، على «فيسبوك»، بنشر صور لـ«اعتصام رابعة»، من دون أي دعوات للتظاهر.


مقالات ذات صلة

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

أوروبا العلم الألماني في العاصمة برلين (أ.ب)

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

صادرت الشرطة الألمانية أجهزة كومبيوتر محمولة وأموالاً، خلال عمليات مداهمة استهدفت جمعية إسلامية تم حظرها حديثاً، ويقع مقرّها خارج برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي في مطار أنقرة في إسطنبول (من البث المباشر لوصول الرئيس المصري) play-circle 00:39

السيسي وصل إلى أنقرة في أول زيارة لتركيا

وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، الأربعاء، في أول زيارة يقوم بها لتركيا منذ توليه الرئاسة في مصر عام 2014

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)

مصر: توقيف المتهم بـ«فيديو فيصل» وحملة مضادة تستعرض «جرائم الإخوان»

أعلنت «الداخلية المصرية»، الثلاثاء، القبض على المتهم ببث «فيديو فيصل» الذي شغل الرأي العام، مؤكدة «اعترافه» بارتكاب الواقعة، بـ«تحريض» من عناصر «الإخوان».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الإعلامي بقناة «الشرق» الإخوانية عماد البحيري تم توقيفه بسبب التهرب الضريبي (من حسابه على  «فيسبوك»)

تركيا توقف إعلامياً في قناة إخوانية لتهربه من الضرائب

أحالت السلطات التركية، (الخميس)، المذيع بقناة «الشرق» المحسوبة على «الإخوان المسلمين»، عماد البحيري، إلى أحد مراكز التوقيف بدائرة الهجرة في إسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون (د.ب.أ)

الجزائر: فصيل «الإخوان» يرشح الرئيس تبون لعهدة ثانية

أعلنت حركة البناء الوطني (فصيل الإخوان في الجزائر)، الجمعة، عن ترشيحها الرئيس عبد المجيد تبون للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 7 سبتمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.