محتجو هونغ كونغ يستعدون لتجمع حاشد اليوم

بكين تواصل إدانة «عنف المتظاهرين» وسط مخاوف دولية من تدخل عسكري

جانب من مسيرة متظاهري هونغ كونغ أمس (إ.ب.أ)
جانب من مسيرة متظاهري هونغ كونغ أمس (إ.ب.أ)
TT

محتجو هونغ كونغ يستعدون لتجمع حاشد اليوم

جانب من مسيرة متظاهري هونغ كونغ أمس (إ.ب.أ)
جانب من مسيرة متظاهري هونغ كونغ أمس (إ.ب.أ)

تظاهر مجدداً المحتجون المطالبون بالديمقراطية في هونغ كونغ لبضع ساعات أمس، قبل أن يتفرقوا في بداية المساء تحضيراً لتجمّع مقرر اليوم، يأملون منه أن يكون حاشداً وسلمياً.
وفي مقابل مظاهرة المحتجين، تجمّع بعد ظهر أمس ناشطون مؤيدون للحكومة في متنزه، لانتقاد التحرّك الاحتجاجي ودعم الشرطة، في صورة تعكس الانقسامات التي باتت تشهدها المدينة.
وتسببت عشرة أسابيع من الاحتجاجات في إغراق هذا المركز التجاري الدولي في أزمة، فيما اتخذ البر الصيني الشيوعي مواقف حادّة ووصف المظاهرات الأكثر عنفاً بالأفعال «شبه الإرهابية»، ما أثار مخاوف دولية من احتمال تدخل عسكري صيني.
كما أطلقت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، أمس، دعوة إلى «حوار واسع وشامل» من أجل «تهدئة الأوضاع» في هونغ كونغ، واعتبرت أنّ الأساسي حالياً يكمن «في التحلي بضبط النفس ونبذ العنف». ويعتزم النشطاء تنظيم تجمع حاشد آخر اليوم الأحد وُصف بأنه مظاهرة «متعقلة وغير عنيفة»، تهدف للإثبات لبكين ولمسؤولي المدينة غير المنتخبين أنّ الحركة الاحتجاجية لا تزال تتمتع بدعم شعبي واسع برغم بروز سلوكيات عنفية من قبل عناصر راديكاليين، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وكان متظاهرون منعوا مسافرين يوم الثلاثاء من إتمام إجراءات السفر في مطار المدينة، ولاحقا اعتدوا على رجلين اتهما بأنهما جاسوسان للصين. وأساء انتشار الصور والمشاهد إلى الحركة التي لم تستهدف حتى ذلك الوقت سوى الشرطة أو مؤسسات حكومية، ولكنّها دفعت بالمتظاهرين للتفكير مليا بأهدافهم.
واستغلت آلة الدعاية الصينية أعمال العنف، وفاضت وسائل الإعلام الرسمية بالمقالات والصور والفيديوهات المنددة. ونشرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية أيضا صورا لعسكريين وناقلات جنود مدرعة في شينزين قرب حدود هونغ كونغ، فيما حذّرت الولايات المتحدة بكين من مغبة إرسال جنود، وهي الخطوة التي يقول العديد من المحللين إنها ستسيء إلى سمعة الصين وستنعكس كارثة اقتصادية عليها.
وبدأت تجمعات أمس بمشاركة آلاف المدرسين في مسيرة تحت الأمطار الغزيرة، دعما للاحتجاجات التي يقودها الشباب بشكل كبير. وبعد الظهر، بدأ النشطاء في التجمع في «هونغ هوم» و«تو كوا وان»، وهما حيّان يقصدهما السياح القادمون من الصين، علما بأن الشرطة حظرت تلك التجمعات.
ومنعت الشرطة في البداية مسيرة أمس، قبل أن تتراجع بعد أن تم تغيير مسارها لاحقا. وقال أحد المتظاهرين إنّ «الحكومة لم تستجب بعد ولو لمطلب واحد، وصعّدت من استخدام القوة عن طريق الشرطة لقمع أصوات الناس».
وأضاف الشاب البالغ 25 عاما: «إذا لم نخرج إلى الشوارع، مستقبلنا وجيلنا المقبل سيواجه مزيداً من القمع».
ومن المتوقع أن ينظّم التجمع الأكبر هذا الأسبوع اليوم، في اختبار جدي للناشطين وللسلطات المقربة من بكين أيضاً.
وكان متظاهرون مؤيدون للحكومة تجمّعوا السبت في متنزه، حيث ندّد العديد من الخطباء بعنف المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، بينما كانت شاشات عملاقة تبث تسجيلات لمواجهات وقعت حديثاً مع الشرطة.
وأسفت ايرن مان (60 عاماً)، وهي متقاعدة تدعم الحكومة، لأنّ «أفعالهم ليست إنسانية، وقد تحوّلوا جميعاً إلى وحوش».
وتفرّق التجمّع المؤيد للحكومة من دون وقوع اشتباكات قبل حلول الليل. وتواجه المتظاهرون المناهضون للحكومة مع الشرطة في حي مونغ كوك (شمال)، في تكرار لاشتباكات عدة وقعت هناك خلال الأسابيع الأخيرة.
وأغلق المتظاهرون طرقات وصوّبوا أشعّة الليزر باتجاه شرطة مكافحة الشغب التي تحركت لتفريقهم. وفي بداية مساء أمس، بدأ التحضير للتجمّع الكبير المرتقب اليوم والتفرّق. وتنظم «الجبهة المدنية لحقوق الإنسان» تجمّع اليوم، وهي مجموعة احتجاجية غير عنفية كانت في السابق القوة المحركة للمظاهرات الحاشدة، التي سجلت مشاركة قياسية في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) عندما نزل مئات آلاف الأشخاص إلى الشارع.
وسمحت الشرطة بالتجمّع في متنزه كبير في هونغ كونغ، ولكن من دون السماح لهم بالتظاهر في الشارع. وغالباً ما تجاهل المتظاهرون هذا الحظر في الأسابيع الأخيرة، ما أدى إلى اشتباكات مع الشرطة.
وتبرر السلطات هذا النوع من الحظر بحدوث أعمال عنف تطال مراكز الشرطة. غير أنّ التحرّك لا يلين أمام ذلك، برغم توقيف أكثر من 700 شخص في غضون أكثر من شهرين من المظاهرات. وبدأت المظاهرات في هونغ كونغ باحتجاجات على مشروع قانون يتيح تسليم المطلوبين إلى الصين القارية، لكنها توسعت للمطالبة بحقوق ديمقراطية في المدينة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. ونزل الملايين إلى الشوارع، فيما اندلعت اشتباكات بين الشرطة ومجموعات صغيرة من المتظاهرين المتشددين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟