أظهرت الطبيعة قدرتها على معالجة الضرر الذي يصيبها نتيجة سلوك الإنسان، وتمكنت في بعض الأحيان من تحويل «مصدر الضرر» إلى لوحة طبيعية جذابة، كما هي الحال بالنسبة لشاطئ في خليج أوسوري في فلاديفوستوك، أقصى شرق روسيا، الذي بات يعرف باسم «الشاطئ الزجاجي»، حيث تغطيه أحجار زجاجية ملساء وردية وصفراء وخضراء شفافة وزرقاء سماوية، وألوان أخرى أيضاً. ومنذ ظهور تلك الأحجار الزجاجية تحوّل الشاطئ إلى موقع هام في المنطقة، يجذب يومياً آلاف السكان المحليين وليس للسباحة فقط، بل لقضاء وقت جميل على شاطئ يبدو مثل لوحة فسيفسائية صنعتها الطبيعة من «نفايات» خلفها النشاط البشري.
ويُعد الشاطئ الزجاجي في فلاديفوستوك الثاني من نوعه في العالم، إذ يوجد في ولاية كاليفورنيا شاطئ زجاجي أيضاً. ويتشارك الشاطئان «ظروف الولادة». إذ يعود مصدر تلك الحجارة الزجاجية إلى مكبات نفايات كانت بالقرب من الشاطئ، وأغلقت السلطات منذ عشر سنوات المكب في بريموريا، ولم تتمكن من إزالة بقايا وشظايا قوارير زجاجية بين تلك النفايات. ومع الوقت ساهمت الأمواج التي كانت تتقاذف قطع الزجاج تلك في صقلها وتحويلها إلى حجارة ملساء، أخذت تتجمع شيئا فشيئا على شاطئ رملي مقفر، وحولته إلى واحد من أجمل شواطئ العالم، وأكثرها إثارة للدهشة والإعجاب، يخرج منه في الأيام المشمسة وميض بمختلف الألوان، يبدو معها وكأنّه شاطئ تنيره شموع من مختلف الألوان.
ويحاول السكان المحليون الحفاظ على شاطئهم الجميل، لذلك يتجنبون أخذ الحجارة الزجاجية منه، سيما أنّه لم يعد مجرد مكان يقضون فيه أوقاتا ممتعة، بل تحول إلى «معلم سياحي» يزوره يوميا مئات السياح، بصورة خاصة من الصين. وعلى ما يبدو فإنّ «الضيوف» الوافدين من بلد آخر، لا يدركون أهمية الشاطئ بالنسبة للسكان المحليين، وربما يعتقدون أنّ الحجارة الزجاجية البراقة تلك أحجار طبيعية وليست بقايا نفايات زجاجية صقلها البحر بأجمل شكل، لذلك يحمل السياح معهم بعض تلك الحجارة للذكرى. هذا الوضع أثار استياء السكان المحليين، الذين يخشون أن يختفي الشاطئ الزجاجي مع الوقت إذا استمر تدفق السياح إلى المنطقة، علما بأن أكثر من 5 حافلات سياحية تزورها يوميا.
في إطار تدابير الحفاظ على هذا المعلم الجميل، مع ما يحمله من معنى حول العلاقة بين الطبيعة والإنسان، وأهمية الحفاظ عليها، نشرت السلطات لوحات هناك كتبت عليها «ممنوع أخذ الحجارة الزجاجية»؛ إلا أن هذا لم يساعد على حل المشكلة، واستمر السياح بأخذ الحجارة من الشاطئ. لذلك بدأ بعض السكان المحليين العمل لحماية الشاطئ. وقال مواطن محلي: «نتحدث مع المجموعات السياحية بالإنجليزية، لكنهم لا يتقنونها، لذلك نخاطبهم بالإشارة بالأيدي، ونطالبهم برمي الحجارة مكانها». وقالت مواطنة إنّ الحل يكون عبر نشر نقاط تفتيش عند الخروج من الشاطئ لاستعادة الحجارة من السّياح. في تعليقه على هذا الوضع، قال القنصل الصيني العام في «فلاديفوستوك» إنّ بعض الشركات السياحية تقول للسياح القادمين من الصين: «يمكنكم أخذ الحجارة من الشاطئ الزجاجي، رغم وجود لوحات هناك تحظر ذلك».
ودعا الشركات السياحية، والسياح الصينيين إلى «احترام خصوصية البلد الغريب، وعدم ممارسة ما يشبه التخريب».
شاطئ الأحجار الزجاجية في فلاديفوستوك يشكو من تدفق السياح
أبدعت أمواج البحر في صنعه من نفايات صلبة
شاطئ الأحجار الزجاجية في فلاديفوستوك يشكو من تدفق السياح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة