ظهر في الأسبوع الماضي فيديو للممثل الأميركي بيل هادر، في البرنامج المسائي الشهير «ليت نايت شو» الذي كان يقدمه الأميركي ديفيد ليترمان. المقطع الذي يعود إلى عام 2008 يظهر فيه هادر محاولاً تقليد كل من الممثلين توم كروز وسيث روغن، وفي تلك اللحظات، يبدو هادر وكأنه كروز وروغن فعلاً.
الفيديو الذي نال ما يقارب ثلاثة ملايين مشاهدة في أسبوع واحد، يعد دليلاً عملياً على سهولة تزوير مقاطع الفيديو هذه الأيام، والتي تعرف باسم تقنية «ديب فيك» (Deepfake)، أو «الزيف الكبير»، والتي يستخدم مبتكروها مقاطع الفيديو التي تظهر وجه أحدهم على جسد شخص آخر.
التقنية الحديثة المعتمدة بالأساس على تكنولوجيا الذكاء الصناعي تثير المخاوف لدى متابعين؛ بسبب صعوبة اكتشافها، أو كما قال أحد المعلقين على الفيديو المزيف لبيل هادر: «تخيلوا إذا تم استخدام هذه التقنية من قبل نظم تكنولوجية متطرفة على الإنترنت. سيتوقف الناس حينها عن تصديق أعينهم وآذانهم».
شاهد الفيديو
وتحدثت صحيفة «الغارديان» مع منفذ الفيديو المزيف، وهو مواطن سلوفاكي مقيم في جمهورية التشيك، والذي تحدث للصحيفة تحت اسم «توم»، ويقول إن تنفيذه لمقاطع الفيديو «ديب فيك» هي محاولة لزيادة الوعي في عصر الأخبار واللقطات المزيفة.
وقام توم بتزييف ما يقارب 20 فيديو على الطريقة نفسها، على حسابه عبر موقع الفيديوهات «يوتيوب»، ومن بينها لقطات من فيلم «ذا شينينغ» للممثل جاك نيكلسون، والذي تم تزييفه ليظهر فيه الممثل الكوميدي جيم كاري والممثل الراحل هيث ليدجر في دور الجوكر، من فيلم «إيه نايتس تايل».
ويقول توم إن تلك الفيديوهات المزيفة هي «نوافذ إلى عوالم موازية»، معتبراً أن هدفه الرئيسي هو الترفيه، وأنه «لا يريد أن يشتبك كثيراً في السياسة».
وعلم توم نفسه بنفسه كيف يتقن تقنية «ديب فيك»، مضيفاً أنه عمل من قبل في مجال السينما والترفيه، وبدأ توم من صناعة الفيديوهات ثلاثية الأبعاد حتى وصل إلى هذا المستوى.
وللكشف عن مزيد من طريقة عمله، يقول توم إن الفيديو الواحد يحتاج منه من 3 إلى 5 أيام، مستخدماً برمجيات مفتوحة المصدر، متابعاً: «بدأت بدمج صورتي في العروض والأفلام للترفيه عني، ولمشاركة أصدقائي وعائلتي، والتجريب. تعلمت بكثير من التجربة والخطأ».
وعدَّ المصمم التقني أن إنشاء فيديو مزيف هو رهان يتطلب فيديو عالي الجودة بما يكفي لإنشاء مجموعة بيانات دقيقة، تغذي تقنية الذكاء الصناعي، معتبراً أنه لهذا السبب من الصعب تنفيذ تلك التقنية على شخصيات تاريخية، مثل رئيس وزراء بريطانيا السابق ونستون تشرشل؛ لأنه لا توجد بيانات كافية لتلك الشخصيات.
ورداً على الانتقادات الموجهة لتوم، يقول إنه دوماً ما يذكر في العنوان والوصف الخاص بالفيديو أنه فيديو مزيف، متابعاً: «لا أريد أن أضلل أي شخص».
ويعتبر توم نفسه هاوياً، ويأمل بتلك الفيديوهات تعميق الوعي حول إمكانات التكنولوجيا، معتبراً أن الناس عليها أن تكون أكثر نقداً للمحتوى عبر الإنترنت، وأن اعتبار الصور فقط هي التي يتم تزييفها وليس الفيديوهات أمر غير صحيح هذه الأيام، أو ما يعبر عنه توم على حسابه الشخصي على «يوتيوب» بجملة: «لا تصدق كل ما تراه على الإنترنت، حسناً؟».
وكانت الفيديوهات المزيفة قد انتشرت في الآونة الأخيرة، ففي أواخر عام 2017 أخذت المخاوف من فكرة تزوير الفيديوهات تتصدر عناوين الصحف، عندما بدأ استخدام برامج الكومبيوتر لدس صور المشاهير في المواد الإباحية.
ومن أهمّ الأمثلة على هذا التلاعب كان تسجيلاً ابتكرته شركة الإنتاج التي يملكها المخرج جوردن بيلي في 2018، وفيه يظهر الرئيس السابق باراك أوباما، وهو يحذّر الناس من تصديق كلّ ما يشاهدونه على الإنترنت. ولكنّ الحقيقة هي أنّ المتكلّم لم يكن أوباما؛ بل بيلي نفسه، مستخدماً صوت أوباما.
وبدأت وزارة الدفاع الأميركية في تطوير وسائل لرصد مقاطع الفيديو التي تدخل في فئة «ديب فيك» عبر وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة (داربا).
في مارس (آذار) الماضي، قال متحدّث باسم الوكالة، إنّ كثيراً من هذه الفيديوهات تتمّ صناعتها بهدف المرح، ولكنّ مقاطع أخرى تشكّل خطراً كبيراً، بسبب احتمال استخدامها لنشر البروباغندا والتضليل.