التفاهم الأميركي مع تركيا يعزز نية الانسحاب من سوريا

TT

التفاهم الأميركي مع تركيا يعزز نية الانسحاب من سوريا

يضع وصول الوفد العسكري الأميركي إلى إقليم شانلي أورفة جنوب تركيا، لبدء العمل على إنشاء مركز العمليات المشترك لتنسيق إقامة منطقة آمنة في سوريا، حداً للتكهنات عن موقف وزارة الدفاع الأميركية من الاتفاق الذي توصل إليه البلدان في السابع من الشهر الجاري.
نقاشات أميركية عديدة وتساؤلات وصل بعضها إلى حد التشكيك في حصول الاتفاق من أساسه، على خلفية موقف وزارة الدفاع الأميركية الملتبس منه. وفي ظل امتناع الطرفين عن نشر تفاصيل الاتفاق، اعتبر محللون أن البنتاغون ليس راضياً عنه، في ظل ما يُنقل عن رفضه تسمية المنطقة بالآمنة أو بالشريط العازل أو حتى تحديد طبيعة ما تم الاتفاق عليه، وما إذا كان يشكل حقيقة نزعاً لفتيل التوتر بين أكبر جيشين في حلف الناتو. لكن اعتراض البنتاغون قد لا يكون هو الدليل على ما إذا كانت تركيا قد حصلت على «تنازلات» أميركية واعتراف لها بدور في سوريا.
فبيان الخارجية الأميركية الذي كرر عملياً بيان السفارة الأميركية في أنقرة، يُظهر أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا تزال متمسكة بقرار سحب القوات الأميركية من سوريا، ومحاولة إشراك أطراف دولية وإقليمية في تولي مسؤولية الإشراف على مستقبل المناطق التي تم تحريرها من قبضة «داعش».
كان لافتاً أيضاً بيان المفتش العام في البنتاغون الذي حمّل الرئيس ترمب، من دون أن يسميه، المسؤولية عن إعادة تمكين تنظيم «داعش» من تنظيم قدراته وإمكاناته في كلٍّ من سوريا والعراق، جراء قرار سحب القوات الأميركية من سوريا.
اعتراضات البنتاغون الميدانية قد تكون مفهومة عسكرياً، وقد تكون استمراراً للموقف الذي أدى إلى استقالة وزير الدفاع الأميركي السابق جيم ماتيس. فحماية الإنجاز ضد «داعش» يتطلب الحفاظ على الطرف الذي تولى تنفيذ تلك المهمة ودفع غالبية التضحيات، وهم الأكراد. لكن مما لا شك فيه أن الضغط التركي الأخير والجدي والتهديد بعمل عسكري ضد مناطق شرق سوريا، استفاد من عوامل سياسية وإقليمية عدة. على رأس تلك العوامل، موقف ترمب نفسه الذي تقول أوساط أميركية، إنه لا يزال يحافظ على وعوده للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بالنسبة إلى إقامة المنطقة الآمنة، وحمايته لتركيا من العقوبات التي يهدد الكونغرس الأميركي بفرضها جراء صفقة الصواريخ «إس 400» الروسية، التي تمكنت أنقرة من تمريرها عملياً «بشكل سلس»، وحاجة واشنطن إلى دعم تركيا في مواجهة معركتها مع إيران. في المقابل حققت صفقة الصواريخ الروسية لأنقرة مكسباً سياسياً، جعل موسكو غير قادرة على رفض «حصتها» في سوريا، في ظل معرفتها بأن تجاوز مصالح تركيا التي تشترك في أطول حدود مع سوريا، أمر متعذر فضلاً عن مشكلاتها المتنامية مع إيران التي بات دورها في هذا البلد موضع تشكيك حقيقي في ظل القرار الأميركي الاستراتيجي بإنهائه، سواء في سوريا أو في المنطقة، ما لم تتحول إلى «بلد طبيعي».
وحسب بيان إعلان النوايا الذي صدر في السابع من الشهر، فإن الطرفين الأميركي والتركي سيسعيان إلى نقل السيطرة على المجتمعات داخل المنطقة الآمنة إلى عناصر من خارج «وحدات حماية الشعب» الكردية، باعتبار أن ذلك من شؤون السياسة الأميركية.
وحسب سونار غاغابتاي الباحث في معهد واشنطن والمتخصص في الشأن التركي، من المطلوب تهيئة ظروف مناسبة لتسوية مؤقتة بين تركيا و«وحدات حماية الشعب» الكردية، لأنه لا يمكن لأنقرة أن تتعايش مع جيوبه في سوريا، ما لم يكن حزب العمال الكردستاني مستعداً لفتح محادثات سلام حقيقية مع الحكومة التركية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.