رقابة المصنفات الفنية في مصر تحارب {الفن الهابط}

رقابة المصنفات الفنية في مصر تحارب {الفن الهابط}
TT

رقابة المصنفات الفنية في مصر تحارب {الفن الهابط}

رقابة المصنفات الفنية في مصر تحارب {الفن الهابط}

مع انطلاق احتفالات عيد الأضحى في مصر يكثف جهاز الرقابة على المصنفات الفنية حملات التفتيش بالأقاليم، لمنع تقديم أي أنشطة فنية دون الحصول على ترخيص مسبق، وذلك حفاظاً على الذوق العام، وعدم تقديم أي فقرات لا تلتزم بالتقاليد والآداب العامة للمجتمع، خاصة في الكازينوهات والمراكب النيلية وقاعات الأفراح.
حول هذه الحملات يقول الدكتور خالد عبد الجليل رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، لـ«الشرق الأوسط»: «عمل الرقابة لا يتوقف عند الترخيص للأفلام والمسرحيات والأغاني، وإنما هناك جزء متعلق بالتفتيش على ممارسة الأعمال الفنية داخل أي مكان عام، للتأكد من الحصول على ترخيص، ليس فقط فيما يتعلق بالغناء وإنما أيضاً بالفقرات الراقصة التي في بعض الأحيان لا تراعي الآداب العامة». لافتاً إلى أن هناك محافظات بعيدة عن أعين الرقباء، نظراً لاتساع مساحة الدولة، مما أتاح للبعض مزاولة النشاط دون الحصول على ترخيص، وهو ما دفع وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، لاتخاذ قرارا بفتح فروع تفتيش للرقابة بشكل مبدئي في 8 محافظات، هي: الأقصر، أسوان، جنوب سيناء، البحر الأحمر، أسيوط، الجيزة، المنيا، ويجري حالياً تأسيس مقرات جديدة في محافظات أخرى لتغطي الرقابة كافة أنحاء الجمهورية وتمنع إقامة أي نشاط مخالف للقانون، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه حتى يتم تغطية كل المحافظات سيكون كل فرع مسؤولاً عن التفتيش في المحافظات المجاورة له.
وعما إذا كانت هذه القرارات رد فعل لتداول مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات رقص مبتذلة، أكد عبد الجليل أن الرقابة لا تتحرك كرد فعل، وإنما كانت هناك رؤية لفتح مكاتب تفتيش في المحافظات لتمكين الرقابة من ممارسة عملها في أنحاء الجمهورية، ومنع المخالفات التي قد تسيء للمجتمع وتقاليده، وكذلك حتى يتم إلزام الجميع بالعمل في إطار قانوني، كاشفاً أن الرقابة كان لها مكتبان فقط تمارس من خلالهما عملها فيما يتعلق بمجال التفتيش، بالقاهرة والإسكندرية، ولم يكونا كافيين، وبالتالي جاء القرار بافتتاح 8 مقرات جديدة كمرحلة أولى، ومن المقرر أن يكون هناك مرحلة ثانية تضم 8 مقرات أخرى.
وعما إذا كانت هذه المكاتب تهدد حرية الإبداع، قال عبد الجليل: «إن المفتش ليس مهمته التضييق على الإبداع، وإنما مواجهة مزاولة النشاط دون ترخيص، في الكازينوهات، والمراكب النيلية العائمة، وقاعات الأفراح، فالطبيعي أن كل فقرة فنية تقدم في مكان عام تحصل أولاً على ترخيص مسبق».
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي تداولت الشهر الماضي، فيديو لشاب يرقص على إحدى المراكب في مدينة رأس البر بطريقة مبتذلة، مما دفع أهالي محافظة دمياط لإعلان الغضب وتحرير محضر يتهمون فيه أصحاب المراكب بنشر الفسق والفجور، وبناء عليه تحركت الأجهزة الأمنية وقامت بالقبض على الشباب الذي ظهر في الفيديو، وملاك أحد المراكب النيلية التي تقدم فقرات فنية مبتذلة، الأمر الذي تبعته وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم بقرار افتتاح مكاتب تفتيش للرقابة على المصنفات الفنية في 8 محافظات مصرية، مؤكدة في تصريحات صحافية، على أن الحملات تهدف إلى الحفاظ على ثوابت وسلوكيات المجتمع المصري وهويته الأصيلة وقيمه ومثله العليا، وذلك إسهاماً في بناء الإنسان، مشددة على أن الدولة المصرية تؤكد دائماً على مبادئ الآداب العامة، والتمسك بالتقاليد، باعتبارهما من أهم ركائز بناء الوطن والمواطن وحجر الزاوية في التنمية المستدامة.
عن هذا التطور في عمل الرقابة على المصنفات الفنية، يقول الناقد الفني طارق الشناوي، لـ«الشرق الأوسط»: «إن المخالفات المتعلقة بالآداب في الكازينوهات والمراكب النيلية والأفراح الشعبية، أفعال مجرمة، لكن الطبيعي أن يتعامل معها جهاز الشرطة وليس جهاز تابع لوزارة الثقافة، مشيراً إلى أن دور وزارة الثقافة وأجهزتها أن تخلق مناخاً صحياً لصناعة فن جيد يستطيع مواجهة أي انحراف أو فساد فني، لافتاً إلى أن فكرة المصادرة وتوسيع عمل الرقابة في المحافظات لمنع أنشطة فنية، ليس واجب وزارة مثل «الثقافة»، وللأسف نفس النغمة نجد لها صدى في قرارات نقيب المهن الموسيقية هاني شاكر، بمنعه أغاني المهرجانات، رغم أن الواقع يقول إن الفن الهابط أو المبتذل لا يحارب إلا بالفن الجيد، وأن المصادرة لن تمنع شيئاً، وفي ظل وجود وسائل الاتصال الحديثة، فدائماً هناك أبواب خلفية يمكن أن يتسلسل منها أي عمل رديء».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».