مشاهد لم تعبر الذاكرة في عيد الأضحى... وهدايا الحجاج الأهم

حلوله يعيد ذكريات موسيقى الحج وعربات الجلود وعلب الهندسة

عيد الأضحى بخصوصية دينية أكثر
عيد الأضحى بخصوصية دينية أكثر
TT

مشاهد لم تعبر الذاكرة في عيد الأضحى... وهدايا الحجاج الأهم

عيد الأضحى بخصوصية دينية أكثر
عيد الأضحى بخصوصية دينية أكثر

يستحضر العيد في السعودية شريطاً سريعاً من الماضي. وتحمل ذاكرة كبار السن ذكريات عن الأعياد حيث ظلّت على مر العقود تمثل فرائحية خاصة لها طقوسها، لا تزال حاضرة إلى اليوم مع اختلاف الظروف والإمكانات المتوفرة للاحتفاء.
فذكرياتهم عن عيد الأضحى الذي حلّ أمس (الأحد)، كثيرة، وقد اختفى بعضها اليوم. ولهذا العيد طقوسه واحتفاليته الخاصة، فعيد الأضحى يحلّ أيام الحج، ويستمر لمدة أربعة أيام. وكانت الأضحية هاجس السّكان يشترونها قبل أيام من حلول العيد الذي يصادف سنوياً العاشر من ذي الحجة، ويرعونها رعاية خاصة، ويجري اختيار الأضحية بعناية فائقة، حيث تحرص الأسر على أن تكون خالية من العيوب، بل إنّ بعض الأسر تجمّل أضحيتها بوضع «الحنّة» على رؤوس المواشي وآذانها وقرونها، وإطعامها أجود أنواع الأعلاف، وإبعادها عن مكامن الخطر التي قد تعرّضها للنفوق أو الإصابة قبل نحرها.
ولا يزال كبار السن يتذكرون جيداً مشاهد وصور الأضاحي داخل المنازل قبل حلول العيد، كما لا تزال ذاكرة كبار السن تحمل مشهداً لرجال يجوبون الأحياء حاملين على أكتافهم «مسنّات» على شكل دولاب (إطار) حديدي يُدار بالقدم وينادون بصوت عالٍ (مسن مسن)، وذلك لسن أدوات الذّبح والسّلخ التي أصابها «الثلول»، وجَعْلها حادة وتعمل بشكل سلس مقابل قروش، كما أنّ البعض يستغلّ المناسبة لجلب كميات كبيرة من الملح بشاحنات تجوب الأحياء مناديا: «ملح ملح دواء الغيرة (التخمة)، وبيع ذلك بزنابيل بقيمة ريال واحد لكل عشرين زنبيلاً، لاستخدام الملح للرّاغبين في تحويل جزء من لحوم الأضاحي وتوزيع أجزاء منها كصدقات وهدايا وفق النّسب الشرعية المتعلقة بكيفية توزيع الأضحية.
كما ينتشر أيام العيد الأربعة مجموعة من المارة يستخدمون عربات الكارو الخشبية للحصول على جلود الأضاحي، إمّا بالمجان لعدم جواز بيع أي من أجزاء الأضحية، أو شرائها بسعر رمزي من الحاصلين على الجلود كصدقة، وبيعها بسعر رمزي على طالبيها من صانعي الجلود، حيث تُستخدم جلود المواشي التي تكثر في عيد الأضحى بعد دباغتها في صناعة أنواع من المشالح الجلدية والمفارش وأغطية النوافذ.
وتشترك جميع الأسر في تناول طبق العيد من لحوم أضاحيها أو تلك اللحوم المهداة من الآخرين بعد نحرها بقليل، وهو طبق يحتوي على قطع من الكبدة والكلى والرئة ونتف من اللحوم، يُسمّى «المقلقل»، وتقديمها مع أقراص القرصان المصنوعة من القمح، وفي مساء العيد تُقدم وجبة دسمة من اللحوم والأرز والأكلات الشّعبية يشترك في تناولها جميع الأقارب أو سكان الحي، وتطعّم المائدة بطبق الحساء، وهو ماء من اللحم الذي طُبِخت فيه الأضاحي (مرقة اللحم)، وفي أغلب الأحيان يُقدَّم هذا الحساء قبل تناول الوجبة قطعاً لساعات الجوع الطوال.
ويحرص آخرون على نحر أضاحيهم في اليوم الأول الذي يُعرَف بالعيد الأكبر والبعض يفضل نحرها في أحد الأيام الثلاثة التي تلي العيد، وتُعرف بأيام التشريق.
ولن تنتهي مظاهر وفرائحية عيد الأضحى بهذه الأيام، بل إن الأسر تنتظر فرائحية أخرى بعودة حجّاجهم سالمين، محملين بالهدايا التي يجلبونها من الأماكن المقدسة وتشمل عادة: أقمشة للرجال والنساء وحناء وأعواد خشبية، توضع على الشفاه كصبغة تسمى (ديرم) تشبه أحمر الشفاه في الزمن الحاضر، وأجهزة الراديو المختلفة التي تعمل بالبطاريات الجافة، وبعض المناظير (الدرابيل).
أمّا الأطفال فهداياهم جاذبة ومحببة ومثيرة بين ألوان متعدّدة، والحلوى والعسل، إضافة إلى ألعاب مختلفة تحمل داخلها صوراً ثابتةً لمشاهد من الأماكن المقدّسة، إضافة إلى ألعاب موسيقية تحاكي الآلات الموسيقية الحالية، كالأعواد والأبواق (البوص)، والكمنجة والغيتار والبيانو، تصدر أصوات الأدوات الموسيقية الحقيقية، كما أنّ البعض من الحجاج يعود لأطفاله بأدوات مدرسية لاستخدامها لسنوات من خلال جلب الكراسات (الدفاتر)، ذات الصّفحات الكبيرة وأدوات الهندسة كالفرجار والمنقلة والمساطر الخشبية، والمثلثات وأقلام الرّسم الخشبية والزّيتية والحقائب المدرسية المصنوعة في الصّين، وبعض المؤلفات المدرسية كقواعد الإملاء وكتب التعبير ذات الموضوعات الجاهزة والرياضيات، المؤلفة في دول عربية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».