مذيعات نشرات الأخبار... حضور نسوي يحدث التوازن على الشاشة

يتقنّ فن إلقائها بجرعات قاسية ولطيفة معاً

ديانا فاخوري
ديانا فاخوري
TT

مذيعات نشرات الأخبار... حضور نسوي يحدث التوازن على الشاشة

ديانا فاخوري
ديانا فاخوري

تعدّ نشرات الأخبار على شاشات التلفاز كغيرها من المعادلات الإنسانية في المجتمع، فهي لا تكتمل قلباً وقالباً من دون إطلالة نسائية تحدث توازناً في هذا الإطار. فمذيعة الأخبار تشكل عنصراً أساسياً في هذا النوع من النشرات، يساهم في إرساء جو من اللطافة قد نفتقده في غيابها، فيتحول إلى جاف من دونها. واللافت في الفترة الأخيرة اعتماد أصحاب محطات المرئي الوجوه الجميلة في عملية اختيار مذيعات نشرات الأخبار، فصرن هنّ أيضاً حديث الناس بأزيائهن وإطلالتهن، وذاع صيتهن ليصل محطات عربية وغربية لم تتوانَ عن الاستعانة ببعضهن في نشراتها الإخبارية. أما المشاهد فصار بدوره ينتظر نشرة الأخبار، كغيرها من البرامج المحببة إلى قلبه، بفضل هذه المذيعة أو تلك.
«لا مشكلة بأن تكون مذيعة الأخبار بهية الطلعة أنيقة، ولكن لديّ شعور بالخوف من استغلال هذه الناحية من قبل أصحاب المحطات لجذب المشاهد، بهدف تحقيق نسب مشاهدة عالية، تماماً كما يجري في برامج ترفيهية ودرامية أخرى».. تقول أوكتافيا نصر، صاحبة شركة استشارية في هذا المجال بأميركا، وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «المضمون يبقى الأهم في أداء هذه المهنة لدى الجنسين. وعندما نسترجع شريط ذكرياتنا مع مذيعات نشرات الأخبار في الماضي، أيام الأبيض والأسود، لا نجد فرقاً كبيراً بين الجيلين في إطار الشكل الخارجي، إذ كنّ هنّ أيضاً جميلات أنيقات، وكذلك مثقفات. فسعاد قاروط العشي وشارلوت وازن الخوري مثلاً إضافة إلى تمتعهما بحضور لائق، كانتا تتمتعان بخلفية ثقافية وسياسية غنية».
وترى أوكتافيا التي أشرفت على إعادة هيكلة نشرة الأخبار في المحطة اللبنانية للإرسال (إل بي سي آي) أن تعيين مديرة أخبار من «الجنس اللطيف» يبقى أهم بكثير من الاستعانة بها كمذيعة، موضحة: «إن هذه المسيرة التي تتدرج فيها الإعلامية من مراسلة إلى محررة وقارئة أخبار، يجب برأيي أن تتكلل بإدارة نشرة من موقع رئاسة تحريرها».
وتعتبر نصر أن الشكل الخارجي للمذيعة يلعب دوره أيضاً في بلاد الغرب، ولكن ليس بالنسبة نفسها الموجودة في منطقتنا. وعن الفرق في أسلوب تقديم النشرات بين الغرب والشرق، وتوضح: «بشكل عام، هناك مدرستان معروفتان في هذا المجال: الفرنسية التي ترتكز على إبداء الرأي، والأميركية التي تفضل الموضوعية»، وتضيف: «لا يجب أن تتجاوز مدة نشرة الأخبار الـ30 دقيقة، بما في ذلك الإعلانات التجارية التي تتخللها. والمدرسة الأميركية تعتمد الأخبار القصيرة، بحيث لا تستغرق تلاوة الخبر فيها أكثر من 15 ثانية، فيما الفرنسية تتعمق في الخبر، فتطول مدته».
وعن الدور الذي يجب أن تلعبه مذيعة نشرات الأخبار، تقول: «لا يقتصر دورها على تلطيف الخبر، بل على تغطيته بشكل كامل في إطار معرفتها بما يجري على أرض الواقع عن كثب».
وبعض مذيعات الأخبار في لبنان تجاوزن مهمتهن على التلفاز، لينخرطن في مجالات أخرى. فالمذيعة ديانا فاخوري دخلت عالم التمثيل، وشاركت في بطولة عمل درامي يحكي عن الرئيس الراحل رفيق الحريري، بعد أن جسدت فيه دور زوجته نازك الحريري، وهو من كتابة شكري أنيس فاخوري، ولكنه لم يرَ النور بعد. أما جيسيكا عازار، وهي زميلة لفاخوري في تلاوة نشرات الأخبار على قناة «إم تي في» اللبنانية، فقد ترشحت إلى الانتخابات النيابية، ولكنها فشلت فتحولت إلى الدراسة من جديد في جامعة هارفرد الأميركية، كما تقول.
ومن المذيعات اللاتي تركن بصماتهن على نشرات الأخبار الحديثة يولا سليمان، فهي بدأت مسيرتها في إذاعة صوت لبنان، ومن ثم في تلفزيون «إل بي سي آي»، وعرفت بحرفيتها في طريقة الإلقاء والنطق، وفي عملية استخدام صوتها بإتقان، وهو أمر استطاعت إجادته من خلال خبرتها الإذاعية الطويلة.
«برأيي، التغيير الذي يحصل اليوم في موضوع كيفية اختيار مذيعات نشرات الأخبار يعود إلى تغيير طريقة التفكير عند إدارة المحطات نفسها».. تقول يولا سليمان في حديث لـ«الشرق الأوسط»، وتضيف: «في الماضي، كان يمنع علينا الخروج عن الكلاسيكية في شكلنا الخارجي، ولا سيما فيما يخص طريقة تسريح شعرنا والملابس التي نرتديها، تحت شعار عدم جرّ المشاهد إلى الالتهاء عن سماع الخبر».
وتتابع سليمان في سياق حديثها: «أعتقد أن التغيير الذي طرأ على إدارة محطات التلفزة يعود لأسباب تجارية بحتة. ففي ظل انتشار الإعلام الإلكتروني الذي يقدم أخبار الساعة للناس على طبق من فضة، كيف يمكن لهذه المحطات أن تشدّ المشاهد إلى متابعة نشراتها الإخبارية؟ ومن هنا، حصل هذا التغيير، وصارت المحطات تفكر بطريقة عملية غير كلاسيكية لتجذب المشاهد، وتحثه على متابعة نشراتها الإخبارية».
وتعرّج يولا سليمان في حديثها على مسألة الصوت، فتقول: «لم يعد يعطى الاهتمام الكافي، كما في الماضي، عندما كان يلعب دوراً أساسياً لدى مذيعة النشرة، وتتكون منه المعادلة المشهورة (صوت وصورة)، وهي معادلة نجدها حالياً شبه غائبة عن شاشاتنا». وتختم بقولها: «برأيي، زمن نشرات الأخبار اقترب من نهايته، إذ أتوقع أن تذهب إلى منحى آخر، وهو عبارة عن (ماغازين) تلفزيونية سريعة».
أما وليد عبود، مدير قسم الأخبار في قناة «إم تي في» اللبنانية، فيؤكّد أن اختيار مذيعة نشرة الأخبار في المحطة المذكورة، وعلى عكس ما يعتقده البعض، يرتكز بصورة أولية على المضمون والخلفية الثقافية التي تتمتع بها. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «جميع مذيعات نشرة الأخبار في (إم تي في) خريجات إعلام، وبينهن من سبق أن عمل في هذه المهنة في وسائل مكتوبة، وحتى في الإنتاج الإعلامي. فلم يأتين من عالم بعيد عن المهنة التي يمارسنها. وبالنسبة لمعيار الجمال، فإنه يصبح إضافة لدى المذيعة. وعندما يجتمع المضمون مع الجمال، نصبح بالتأكيد أمام خلطة ناجحة، فالوجه الجميل أيضاً لديه إيجابياته، كونه يريح المشاهد».
ويرى عبود أن خبرة الإعلامي بشكل عام هي في حالة تطور دائم، ولذلك مذيعات نشرات الأخبار يلزمهن أولاً رأسمال جيد، يتألف من المضمون وخلفية ثقافية غنية في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع، خصوصاً أنهن يواكبن أحياناً كثيرة أحداثاً طارئة مباشرة على الهواء، تتطلب منهن سرعة البديهة، وطرح أسئلة ارتجالية قد تستمر لأوقات طويلة، وهو ما يساهم في تقدمهن بسرعة.
وعما يمكن أن تضفي المذيعة المرأة على نشرة الأخبار، يقول: «حضورها أساسي، كونها تكمل صورة الحياة وحركتها على أرض الواقع، وهي بالمطلق تضفي الهدوء واللطافة على النشرة. كما في استطاعتها أن تكون أحياناً أقسى من المذيع الرجل في طريقة إلقاء تتسم بالهجومية واللؤم، فهي كائن عاطفي، وبإمكانها أن توصل النص إلى المشاهد في جميع حالاته».
وعن إمكانية الاستعانة بالمذيعة كمديرة أخبار، يقول: «من الصعب أن تمارس المذيعة هاتين المهمتين معاً، إذ إن كل واحدة منهما تتطلب تفرغاً ووقتاً طويلاً. ولكن من ناحية أخرى، لدينا تجارب نسائية معروفة في هذا المضمار في لبنان، كما مريم البسام، مديرة الأخبار في قناة (نيو تي في)، ولارا زلعوم التي تعمل مديرة تنفيذية في قسم الأخبار في تلفزيون (إل بي سي آي)».
وتعد ديما صادق واحدة من مذيعات نشرات الأخبار المعروفة في لبنان، وهي إضافة إلى مهمتها هذه التي تمارسها عبر شاشة «إل بي سي آي»، فإنها تقدم أيضاً برنامجاً صباحياً من النوع الحواري السياسي، وقد استطاعت أكثر من مرة أن تحتل أخبارها وتغريداتها صدارة وسائل التواصل الاجتماعي، نظراً لأسلوبها الهجومي والأسئلة القاسية التي تنضوي تحت لواء الـ«هارد توك» في التحاور مع السياسيين من ناحية، وموضوعيتها وصراحتها في تعليقاتها على أحداث آنية كثيرة من ناحية ثانية.
وعن المدرسة التي تنتمي إليها في مجال نشرات الأخبار، تقول: «أنتمي إلى المدرسة التفاعلية بعيداً عن الكلاسيكية. وهذه المدرسة التي أمارسها مباشرة عبر الشاشة في أثناء تلاوة النشرة تتألف من عناصر كثيرة، بينها الصوت ولغة العيون».
وعما إذا كانت ترى أن الإطلالة البهية لمذيعة نشرة الأخبار ضرورية في زمننا الحالي، ترد في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «العصر الذي نعيش يعرف بزمن الصوت والصورة، فالوجه السموح الجميل في زمن الإعلام المرئي الحالي، وكذلك في نشرات الأخبار، مطلب من متطلبات العصر يرخي بظله إيجاباً على المشاهد».



تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».