الحكومة العراقية تواجه انتقادات مرجعية النجف والكتل السياسية

تحالف «سائرون» لا يستبعد استجواب رئيسها تمهيداً لسحب الثقة منها

TT

الحكومة العراقية تواجه انتقادات مرجعية النجف والكتل السياسية

واجهت حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في اليومين الأخيرين، موجة انتقادات غير مسبوقة من قبل مرجعية النجف الدينية والكتل السياسية الحليفة لها في البرلمان العراقي، على خلفية إخفاقها في الإيفاء ببرنامجها الانتخابي وإقدامها على تعيين 7 مفتشين عمومين جدد.
وكان عبد المهدي الذي لم يترشح في الانتخابات العامة الماضية حاز على ثقة البرلمان رئيساً للوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018 بعد التوافق عليه بين الكتل والأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان.
وفيما يرى مراقبون أن الخطبة التي ألقاها ممثل المرجعية الدينية في النجف أحمد الصافي، أول من أمس، تمثل نقطة تحول جديدة بينها وبين حكومة عبد المهدي، يعتقد آخرون أن «نقمة القوى السياسية على عبد المهدي تأتي في سياق الابتزاز والضغط للحصول على المناصب». لكن مصادر برلمانية ترجّح انتهاء «شهر العسل» بين عبد المهدي والقوى السياسية ولا تستبعد إمكانية سحب الثقة عن حكومته في حال أصرّ على التقاطع مع التوجهات النيابية.
وأحدثت خطبة ممثل المرجعية الدينية، أول من أمس، جدلاً عراقياً واسعاً، سواء على مستوى المواطنين العاديين أو الكتل السياسية، واعتبر بمثابة «فرصة أخيرة» أو تحذير شديد لحكومة عبد المهدي. وتساءل ممثل المرجعية بمرارة قائلاً: «أين ذهبت أموال البلاد بأرقامها المرعبة، ولماذا ما زالت معاناة الشعب العراقي مستمرة، في كل يوم نسمع عن الفساد، وعن أرقامه الكبيرة والمهولة، لماذا ما زال الفساد موجوداً في مؤسسات الدولة؟ أين المسؤولون؟ أين المتصدون؟ أين أموال البلد؟ أين تذهب؟». وأضاف الصافي أن «شباباً عراقيين يمتلكون طاقات كبيرة، ولا يمتلكون أكثر من 5 آلاف دينار في جيوبهم، وأن هنالك من يتخرج ولا يجد فرصة عمل بعد أن قضى من عمره في الدراسة أكثر من 16 عاماً».
بدوره، يرى عضو مجلس النواب عن تحالف «سائرون» أمجد هاشم العقابي أن «رئيس الوزراء كشر عن أنيابه مؤخراً وقام بخرق القانون مرتين، الأولى من خلال التعديل على مشروع الموازنة لإضافة درجات خاصة، والثانية مداورته للمفتشين العمومين وتعيين جدد لأول مرة على هيئات ومؤسسات حكومية رغم إرادة البرلمان». ويرى العقابي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «تصرفات عادل عبد المهدي تدل على استخفافه بمجلس النواب، وذلك ناجم عن غيرته الشديدة من البرلمان، لأنه غالباً ما يسبقه بعدة خطوات».
وحول إمكانية قيام المجلس باستجواب عبد المهدي تمهيداً لطرح الثقة في حكومته، ذكر العقابي أن «الفصل التشريعي الجديد سيشهد عمليات استجواب لخمسة وزراء، وهناك نية برلمانية لاستجوابه شخصياً، تمهيداً لسحب الثقة عن حكومته، في حال ظل متمسكاً بخياراته الحالية».
من جانبه، يستبعد القيادي في تيار «الحكمة الوطني» المعارض محمد حسام الحسيني إمكانية الإطاحة بحكومة عبد المهدي في المرحلة الحالية، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الإطاحة بالحكومة سيعقد الأمور ومن الصعب الاتفاق على رئيس وزراء جديد كما حدث في المرات السابقة، ثم إن بعض الأطراف في جبهة الموالاة لا تريد ذلك، لأنها تعتقد أن الامتيازات التي حصلت وتحصل عليها في ظل هذه الحكومة، لن تحصل عليها في أي حكومة بديلة». وعن موقف مرجعية النجف الأخير، يرى الحسيني أن «موقفها واضح جداً، هي غير راضية عن الأداء الحكومي منذ سنوات، لكنها لا تتدخل عادة في التفاصيل السياسية، إنما فقط في الأمور العامة التي تتعلق بأمن البلاد والانتكاسات الكبيرة التي قد تتعرض لها الدولة». ويعتقد الحسيني أن «الفشل في أداء حكومة عبد المهدي، يرتبط أساساً بالمعادلة السياسية التي أنتجت حكومته ولا يتحمله رئيس الوزراء بشكل شخصي».
من ناحيته، يعتقد رئيس «مركز التفكير السياسي» إحسان الشمري أن «حديث ممثل مرجعية النجف يمثل نقطة تحول جوهرية في المشهد السياسي، وحديثه عن العجز في إيجاد الحلول ربما ينقل الخيار إلى الشعب». ويضيف الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الأسئلة التي طرحتها المرجعية، إنما هي دعوة ضمنية للمساءلة الشعبية في ظل عجز الدولة ومؤسساتها وبرنامج الحكومة في إيجاد الحلول للمشكلات القائمة». ويؤكد أن «خطاب المرجعية كان ذا وقع كبير على الجماعة السياسية، لذلك نرى أن الجميع يسعى إلى التملص من المسؤولية ويضعها في عنق رئيس الوزراء». وأشار الشمري إلى أن «طبيعة الانتقادات الواسعة على ملف المفتشين العموميين، تمثل بما لا يقبل الشك بداية الخريف السياسي بين البرلمان والحكومة، وربما يكشف عن سيناريوهات مقبلة تبدأ باستجواب الوزراء، وتنتهي بسحب الثقة عن الحكومة وإسقاطها».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».