مسرح: سندباد عراقي بلندن

عرض مسرحي للصغار محمل برسائل للكبار

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

مسرح: سندباد عراقي بلندن

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

استضاف المقهى الثقافي العراقي في لندن، الذي يديره الفنان فيصل لعيبي بتمويل وجهد ذاتي مع مجموعة من المثقفين العراقيين المغتربين، في فعاليته الشهرية لشهر أغسطس (آب)، المخرجة والكاتبة فيحاء السامرائي، ومجموعة من الأطفال العراقيين ذوي الموهبة الواعدة لتقديم 3 لوحات مسرحية أمتعت جمهور المقهى كبارا وصغارا.
العرض المسرحي تكون من 3 حكايات مختلفة: الحكاية الأولى بعنوان «سهام والأرنب الذكي» مستلهمة من حكاية معروفة عن الصراع بين الثنائيات (الخير والشر/ القوة والذكاء/ الأخلاق وعدمها/ الصدق والكذب/ الأمانة والخيانة)، التي تبدأ من وعي الإنسان بوجوده ولا تنتهي بموته.
تدخل إلى منصة المسرح طفلة عراقية تغني بحيوية أغنية فلكلورية «أنا سهامة مثل الحمامة»، تذكرها الكبار وشدت انتباه جمهور الأطفال الذين كانت كراسيهم الصغيرة تشغل مقدمة القاعة. الفتاة الجميلة فرحة مستبشرة وتحيي الكائنات من حولها، الأشجار والعصافير. تصادف في طريقها أسدا حزينا مأسورا في قفص صغير (جسدته الممثلة شميم وهي ترتدي السواد)، وبعد حوار بسيط يعاهدها الأسد أن يكف عن إيذاء الآخرين شرط إطلاق سراحه، وبعد أن يصبح الأسد حرا يفكر في أكل الفتاة التي أطلقت سراحه، لأنه جائع، وتبدأ أغنية جميلة من شطرين بين الأسد والفتاة: «الخير موجود والعدل موجود والشر له حدود.. والشر له حدود»، بينما يجيبها الأسد بـ«الخير مفقود والعدل مفقود.. والشر ماله حدود.. الشر ماله حدود»، ويتجاذبان حبلا أبيض غليظا؛ هو حبل الثنائيات المتناقضة بالتأكيد، ثم يتحاكمان إلى 3 كائنات لحل مشكلتهما، فيسألان أولا عصفورا يبكي، لأنه رجع بعد بحثه عن الطعام إلى عشه ولم ير أفراخه، وينتهي العصفور إلى القول «وين العدالة؟ الشر ماله حدود». ثم يسألان شجرة قديمة حزينة تبكي ذكريات ثمرها ومن لعبوا في فيئها، وستُقطع تمهيدا لتعبيد شارع بمكانها، وتنتهي الشجرة بـ«وين العدالة؟ الشر ماله حدود». وحين يمر بهما أرنب يتقافز (قامت بتجسيده الطفلة سمار ببراعة) يحتكمان إليه، فيتظاهر الأرنب بعدم تصديق أن الأسد الكبير كان مسجونا في القفص الصغير، ويطلب منه أن يريه كيف، يدخل الأسد إلى القفص من جديد ويحكم الأرنب القفل عليه. تنتهي الحكاية الأولى بانتصار العدالة والخير كما هو معروف سلفا، لكن اللغة المسرحية البسيطة مُلغَمة بأكثر من طبقة لتوصيل رسالتها وأثارت فينا كبارا وصغارا أسئلة مقلقة: هل نصدق النهاية السعيدة رغم أننا نعرف أن النهايات تعيسة غالبا وتفتقد إلى العدالة؟ المتفرجون الصغار ربما صدقوا النهاية بينما الكبار وأنا منهم عدوا أن النهاية السعيدة هي مجرد سخرية من التعاسة واللاعدالة.
غياب الديكور في العرض المسرحي، والإضاءة، وقفص الأسد، وزيّه، والشجرة، والعصفور، جعلنا نعود إلى خيالنا لتكملة وترميم المشهد المسرحي، وهذا الترميم جعل العرض المسرحي تجريبيا وتجريديا أكثر منه عرضا للأطفال عن حكاية تقليدية. في المقابل كانت حركات الأطفال متقنة مهذبة بلا زوائد وإجادتهم للهجة العراقية جيدة أيضا رغم أنهم ولدوا خارج العراق.
اللوحة المسرحية الساخرة الثانية تأليف وإخراج وبطولة الممثلة شميم، التي تقارب بها مجتمع لندن المكون من مختلف الأعراق والجنسيات، اتخذت من لهجة الهنود والأفارقة والعراقيين حين يتحدثون الإنجليزية مدخلا للكوميديا والسخرية اللاذعة بطريقة «ستاند - آب - شو»، ورغم الملل البسيط الذي انتاب الجمهور بسبب اعتماد هذا الاسكتش المسرحي على ممثلة واحدة من دون ديكور أو مستلزمات أخرى من موسيقى أو إضاءة، لكن المؤلفة/ الممثلة أوصلت الرسالة كاملة في أن تعايش هؤلاء الناس القادمين من مختلف بقاع العالم وتواصلهم بإنجليزية يختلف كثيرا عن لغة الإنجليز. كان واضحا تأثر الممثلة ومحاكاتها للكوميدي البريطاني الإيراني الأصل أوميد جليلي حين ينتقد لهجات وسلوكيات الأقليات التي تتعايش في لندن.
اللوحة المسرحية الثالثة كانت بعنوان «رحلة السندباد الأخيرة»، الحوار بالإنجليزية وقليل من العربية، وهي الأهم في هذه البانوراما. الحكاية عن أطفال ومعلمتهم يزورون متحف الحكايا الشعبية، وتقف طفلة منهم بجانب صورة السندباد وتغفو وتحلم أن يخرج سندباد من صورته ويتجسد أمامها ليأخذها معه في رحلته الثامنة الأخيرة، فهو يريد أن يتقاعد من أسفاره ويستقر في مدينته بغداد. تفرح الطفلة لأنها مشبعة بحكايات عن بغداد وحضارتها ونخلها ودجلتها، كون أبويها عراقيي الأصل. وبدل بساط الريح والجمل، يذهبان إلى بغداد بمساعدة الكلمات السحرية على الـ«سكوتر»، ويضايقهما رجال الحدود ويُتَهمْ السندباد بالإرهاب، ويتخلص منهم بكلمات سحرية، يساعدهما أيضا «جني» حداثوي، يستخدم «الآيباد» ويخبرهما بأنه ليس عبدهما بل إنه مساعدهما.
حينما يصلان إلى بغداد تصيبهما الصدمة بسبب غياب ملامح الحياة الطبيعية، وتبدأ الطفلة وسندباد بالتساؤل أين ذهب الناس؟ وهل هذه بغداد؟ أين أضواؤها وأمجادها؟ ويتفاهمان بطريقة ما مع طفلين مشردين، يخترقان الجمهور ويناديان: «حب علج جكاير» مع خلفية من أصوات القذائف وأزيز الرصاص. ويبدأ الطفلان بسرد معاناتهما مع الفقر وتردي الأوضاع الإنسانية على كل الأصعدة. ينتهيان (الطفلة وسندباد) إلى أنهما يجب أن يعودا إلى بغداد ويساهما في إعمارها من جديد رغم كل شيء.
تستعير المخرجة لحن أغنية «أحبابنا سيروا نغدو إلى النهر الجميل للفنان سامي قفطان السبعينية» بكلمات جديدة حين تخاطب المغتربين الجالسين بأن «أوطانهم حلوة حلوة بس الوطن ماله مثيل»؛ مما أثار شجون ودموع الجمهور، وتأتي رسالة المسرحية على لسان سندباد الذي يقرر البقاء في بلده وبناء مدرسة يعلم الأطفال فيها تجاربه، وتدعو الفتاة الناس إلى المحبة والاهتمام بالأطفال بوصفهم أمل المستقبل.
قبل ختام اللوحة المسرحية الأخيرة وزعت المخرجة قصاصات ورقية تحوي نشيد الختام على الجمهور الذي اشترك بالغناء مع الأطفال الممثلين، لتخرج الجالس من كونه متفرجا إلى فاعل في المسرحية، وصعد الأطفال المتفرجون إلى خشبة المسرح لكي يشاركوا بلوحة الختام المؤثرة. رغم الإمكانات البسيطة للمخرجة، فإنها أبدعت مع الأطفال عملا مسرحيا يستحق الاحتفاء والإشادة.
متى تلتفت وزارة الثقافة العراقية مُمَثلة بمراكزها الثقافية المفتوحة في أغلب عواصم أوروبا للتجارب والمواهب المسرحية والسينمائية والفنية وغيرها من المواهب الواعدة من الجيل الثاني للمغتربين العراقيين، وتدعمهم ماديا ومعنويا، وتوجه لهم الدعوات لعرض نتاجهم الإبداعي على أرض الوطن وتشعرهم أن وطنهم أولى بهم؟



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.