هجمات وغارات جوية وبرية حكومية على مواقع «طالبان»

الغالبية من السكان يفضلون عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية

تفتيش وإجراءات أمنية قبل حلول عيد الأضحى في هلمند أمس (إ.ب.أ)
تفتيش وإجراءات أمنية قبل حلول عيد الأضحى في هلمند أمس (إ.ب.أ)
TT

هجمات وغارات جوية وبرية حكومية على مواقع «طالبان»

تفتيش وإجراءات أمنية قبل حلول عيد الأضحى في هلمند أمس (إ.ب.أ)
تفتيش وإجراءات أمنية قبل حلول عيد الأضحى في هلمند أمس (إ.ب.أ)

شنت القوات الحكومية الأفغانية سلسلة غارات جوية على مواقع لـ«طالبان» في ولايات غزني وميدان وردك ولوغر، وقال مسؤولون عسكريون حكوميون إن الغارات أدت إلى مقتل أحد عناصر «طالبان» في غزني وجرح آخر، واعتقال ستة مقاتلين آخرين في مديرية جيلان في ولاية غزني، وأضافت المصادر حسب وكالة «خاما برس» المقربة من الجيش الأفغاني، بأن ثلاثة من مسلحي «طالبان» لقوا مصرعهم في مديرية تشارك في ولاية ميدان وردك غرب العاصمة كابل، بينما لقي ثلاثة عناصر من قوات «طالبان» مصرعهم في مديرية بركي باراك في ولاية لوغر جنوب العاصمة كابل. وشنت الطائرات الحربية الأفغانية غارات في منطقة بولي علم مركز ولاية لوغر، ما أدى إلى مقتل ثلاثة من قوات «طالبان» حسب البيان الحكومي.
وشهدت ولاية ساريبول شمال أفغانستان عدة هجمات حكومية، أسفرت حسب البيان الحكومي عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 14 من قوات «طالبان». وقال «فيلق شاهين» التابع للجيش الأفغاني، إن قواته شنت هجمات في منطقة مسجد سفيد في الولاية، أدت إلى مقتل خمسة وجرح تسعة من قوات «طالبان»، كما تمكنت القوات الحكومية حسب البيان من استعادة عربة «همفي» مدرعة كانت بحوزة قوات «طالبان»، وأبطلت مفعول عدد من الألغام التي زرعتها قوات الحركة.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تقريرها الأسبوعي عن ضحايا الصراع في أفغانستان، استناداً إلى مصادر حكومية أفغانية، وجاء في التقرير أن القوات الحكومية خسرت خلال الأسبوع المنصرم 96 من أفرادها في عدد من الولايات، بينما قتل 35 من المدنيين في المواجهات بين القوات الحكومية وقوات «طالبان».
وأشار تقرير الصحيفة الأميركية إلى سيطرة قوات «طالبان» على قاعدة عسكرية للجيش الأفغاني في مديرية خناقة في ولاية جوزجان شمال أفغانستان؛ حيث قتل عشرة من قوات الحكومة، كما استولت «طالبان» على كميات من الأسلحة الثقيلة في القاعدة، وانسحبوا منها بعد ذلك.
من جانبها، أعلنت «طالبان» عبر موقعها على الإنترنت عن عدد من العمليات قامت بها قواتها في عدة ولايات أفغانية، فقد ذكر موقع «طالبان» أن قوات الحركة شنت هجوماً على القوات الحكومية في ولاية غور غرب أفغانستان، ما أسفر عن إصابة عدد من عناصر القوات الحكومية في منطقة بمة قرب مدينة فيروزكوه مركز الولاية. وقالت بيانات «طالبان» إن قواتها تمكنت من صد هجوم للقوات الحكومية قرب مدينة فيروزكوه، واستمرت الاشتباكات بين الطرفين خمس ساعات متواصلة، أسفرت عن انسحاب قوات الحكومة، وتخليها عن مهاجمة مناطق «طالبان».
وشهدت ولاية فراه المحاذية للحدود مع إيران هجوماً من قوات «طالبان» على القوات الحكومية في منطية هيك، ما أدى إلى تدمير مدرعة وإصابة جنديين حكوميين، بينما هاجمت وحدات أخرى من قوات «طالبان» قافلة عسكرية حكومية في منطقة بشت رود استخدمت فيه قوات «طالبان» الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وحسب بيان «طالبان» فقد ألحق الهجوم خسائر بالقوات الحكومية، دون ذكر لتفاصيلها.
وشهدت ولاية هلمند جنوب أفغانستان عدداً من الهجمات والاشتباكات بين القوات الحكومية وقوات «طالبان»، فقد فجرت قوات الحركة لغماً في سيارة عسكرية حكومية في منطقة شورشورك، ما أدى إلى تفجير السيارة ومقتل وإصابة أربعة من الجنود، بينما أدت عمليات القنص في مديرية ناد علي في الولاية نفسها إلى مقتل وإصابة جنديين حكوميين، كما هاجمت قوات «طالبان» نقطة أمنية حكومية في مديرية مرجة، ما أسفر عن قنص جنديين.
من جانبه، أعلن حنيف أتمار مستشار الأمن الوطني الأفغاني الأسبق، وأحد المرشحين للرئاسة الأفغانية، وقف حملته للترشح ضد الرئيس أشرف غني، ووقف حملته الانتخابية دون الانسحاب نهائياً من الانتخابات. وجاء إعلان وقف حملته الانتخابية بعد أيام قلائل من تحذير «طالبان» للمرشحين والناخبين، وأنها ستعمل على تعطيل الانتخابات المزمع إجراؤها أواخر الشهر القادم. وقال حنيف أتمار إن حملته «سوف تتّخذ القرارات اللازمة في ضوء الوضع المقبل». واعتبر أتمار أنّ «العملية الانتخابية شابتها الأفعال غير القانونية للفريق الذي يديرها، وفقدت المصداقية بالكامل»، مؤكداً أن «لا شيء يضمن شفافية وحرية ونزاهة هذه الانتخابات». وأضاف أن «التهديدات التي تثقل على العملية الانتخابية تتضاعف يوماً تلو الآخر، ولا تهدّد الفرق الانتخابية فحسب، وإنّما تعرّض حياة ملايين الأفغان إلى الخطر». وتسري شائعات بأنّ الحملة الانتخابية لأتمار تواجه انقسامات داخلية نتيجة خلافات مع الشركاء المرشّحين إلى مناصب نواب الرئيس. من جانب آخر، يرى عدد من المراقبين أنّ الاستحقاق الرئاسي الذي تأجّل سابقاً مرتين قد يجري تأجيله مجدداً، إفساحاً في المجال أمام توقيع اتفاق سلام مع حركة «طالبان» التي تواصل منذ السبت مباحثاتها مع ممثّلي الولايات المتّحدة في العاصمة القطرية الدوحة. ومن شأن اتفاق بين الطرفين أن يفتح الباب أمام بدء مفاوضات سلام رسمية بين «طالبان» وفريق تفاوضي عن الحكومة الأفغانية. وكانت الحركة قد دعت الثلاثاء الشعب الأفغاني إلى «مقاطعة» الانتخابات، وإلى تجنّب التجمّعات «التي قد تصبح أهدافاً محتملة».
وكشف استطلاع للرأي في أفغانستان شمل مواطنين من كافة الولايات الأفغانية، تفضيل الغالبية منهم عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقالت منظمة شفافية الانتخابات في أفغانستان، وهي مؤسسة مستقلة خاصة، إن 57.1 في المائة من السكان الذين تم استطلاع رأيهم أعربوا عن عدم رغبتهم في المشاركة في التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وشمل استطلاع الرأي 5 آلاف مواطن أفغاني، من 34 ولاية، وهو ما أبدت لجنة الانتخابات العامة الأفغانية صدمتها تجاهه، حول مشروعية الانتخابات المقبلة، حسب قول نعيم أيوبزاده رئيس منظمة شفافية الانتخابات، لما تحمله النتائج من شكوك بين الناخبين والمرشحين، وانعدام الأمن وانتشار المحسوبية.
من جانبه، حذر مايكل موريل نائب مدير المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) من إمكانية شن هجمات مثل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) خلال عامين في حال انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وتمكن «طالبان» من السيطرة على البلاد، وعودة إيواء «طالبان» لعناصر «القاعدة» في الأراضي الأفغانية. وقال موريل في مقابلة، إن الأجهزة الاستخبارية الأميركية حذرت الرئيس السابق باراك أوباما من مخاطر الانسحاب من العراق، وكيف يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه، وامتدح موريل خطوات الرئيس ترمب تجاه إيران؛ لكنه أضاف أن على ترمب أن يفتح حواراً مع القيادة الإيرانية شبيهاً بالحوار مع رئيس كوريا الشمالية».



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.