تونس... من النظام الرئاسي إلى «البرلماني المعدّل»

تونس... من النظام الرئاسي إلى «البرلماني المعدّل»
TT

تونس... من النظام الرئاسي إلى «البرلماني المعدّل»

تونس... من النظام الرئاسي إلى «البرلماني المعدّل»

منح الدستور التونسي الصادر في الأول من يونيو (حزيران) 1959 صلاحيات كبيرة جداً لرئيس الجمهورية، على حساب البرلمان والحكومة. ولذلك وصفه خبراء القانون الدستوري في تونس بأنه يشرع للاستبداد و«النظام الرئاسي». لكنه تقرر بعد الإطاحة بحكم زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011 صياغة دستور جديد. وللعلم، دفعت النخب التونسية طوال سنوات بعد ثورة 2011 نحو اعتماد «النظام البرلماني» الذي يتيح تعيين رئيسي الجمهورية والحكومة وعزلهما من قبل البرلمان، ويجعل من رئيس الحكومة صاحب الصلاحيات الأوسع في السلطة التنفيذية. بيد أن الصيغة النهائية للدستور الجديد، الذي صودق عليه في يناير 2014 بغالبية تجاوزت 90 في المائة، اعتمدت «النظام البرلماني المعدّل». وأعطى صلاحيات كبيرة جداً للبرلمان ولرئيس الحكومة، الذي يعيّن من قبل الغالبية البرلمانية، ويمكنها أن تعزله، إلا أن الدستور نفسه قرّر انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب في انتخابات عامة، وأعطاه صلاحيات واسعة في الإشراف على قطاعات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية وتعيين وزرائها وكبار مسؤوليها.
رؤساء تونس منذ الاستقلال
جدير بالذكر أنه تداول على تونس منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956 ستة رؤساء هم:
- الحبيب بورقيبة. تولّى الحكم من 25 يوليو (تموز) 1957 - تاريخ إلغاء نظام البايات - حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، عندما أطاح به رئيس الحكومة ووزير الداخلية زين العابدين بن علي، في أعقاب الحصول على شهادة طبية وقّعها أطباء بورقيبة أعلنوا فيها استفحال مرضه وعجزه عن مباشرة مهامه.
- زين العابدين بن علي. تولّى الرئاسة من 7 نوفمبر 1987 إلى 14 يناير 2011، وهو تاريخ مغادرته تونس في أعقاب انتفاضة شبابية اجتماعية، فجّرت لاحقاً ما سمّي بـ«الربيع العربي».
- فؤاد المبزّع. تولى الرئاسة من 15 يناير 2011 إلى ديسمبر (كانون الأول) 2011، وقد تولى الحكم مؤقتاً بصفته رئيساً سابقاً للبرلمان في عهد بن علي. وغادر المبزّع القصر الرئاسي بعد الانتخابات العامة، التي أفرزت البرلمان المؤقت (المجلس الوطني التأسيسي)، الذي انتخب بدوره الدكتور المنصف المرزوقي رئيساً جديداً للجمهورية.
- المنصف المرزوقي. حكم من ديسمبر (كانون الأول) 2011 إلى 30 ديسمبر 2014. وخسر في نهاية فترته الرئاسية الانتخابات أمام الباجي قائد السبسي، إذ حصل الأخير على 55 في المائة من الأصوات، مقابل 45 في المائة للمرزوقي.
- الباجي قائد السبسي. حكم من نهاية ديسمبر 2014 حتى وفاته يوم 25 يوليو 2019.
- محمد الناصر (رئيس البرلمان منذ 2014). نُصّب رئيساً جديداً للدولة في يوم الشغور الرئاسي. وسيغادر منصبه بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية التي تنظم دورتها الأولى يوم 15 سبتمبر المقبل. وقد تنظم دورة ثانية قبل نهاية العام الحالي في حال أخفق أي من المرشحين في الدورة الأولى بالحصول على أكثر من 50 في المائة من أصوات الناخبين.



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.