التصعيد في إدلب يسابق معركة أنقرة في الشمال

TT

التصعيد في إدلب يسابق معركة أنقرة في الشمال

أثار الانهيار السريع للهدنة في إدلب التي أعلنت في ختام أعمال الجولة الـ13 من محادثات «مسار آستانة»، تساؤلات حول جدية التوصل إلى توافقات خلال المحادثات، تمنح جهود تطبيق اتفاق سوتشي المبرم بين موسكو وأنقرة العام الماضي فرصة ملموسة للتطبيق.
وكانت أطراف في روسيا شككت منذ الساعات الأولى بعد الإعلان عن الهدنة ليلة 2 أغسطس (آب) الحالي في قدرتها على تقريب وجهات النظر، ودفع جهود الحل في إدلب، بديلاً لفكرة الحسم العسكري. ورأت أوساط تحدثت معها «الشرق الأوسط» أن الاتفاق على الهدنة كان أصلاً «جزءاً من عملية هدفت إلى إظهار تماسك أطراف (آستانة) بعدما اندلعت خلافات جدية حول هذا الموضوع» وأوضحت أن الجانب التركي طرح ضرورة وقف العمليات العسكرية من جانب النظام والطيران الروسي؛ شرطاً ضرورياً لدفع آليات تنفيذ اتفاق سوتشي، وأنه أكد أن عمليات إجلاء المسلحين وتسيير دوريات مشتركة في المنطقة العازلة التي نص عليها الاتفاق، لا يمكن أن تتم على وقع الهجمات وعمليات القصف المتواصلة.
بهذا المعنى؛ فإن الهدنة، من وجهة نظر موسكو والطرفين الإيراني والحكومي السوري، كان المغزى منها إظهار حصول أنقرة على فرصة إضافية لتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق سوتشي، لكن الهدف الأهم كان ممارسة ضغط على الجانب التركي بسبب إدراك موسكو وطهران أن المهمة التركية لن تكون سهلة، وأن «ما فشلت فيه أنقرة على مدى عام تقريباً لن يكون من السهل تنفيذه في غضون أيام».
ومنذ الساعات الأولى برز عدم التزام موسكو ودمشق بالهدنة؛ إذ وجه الطيران الروسي ضربات عدة في اليوم التالي للهدنة متذرعاً بشن هجمات على القرداحة وقاعدة «حميميم» من داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب، رغم أن الفصائل المتهمة بهذا التصعيد كانت أعلنت التزامها بالهدنة فوراً.
لكن هدف إرضاء تركيا بشكل مؤقت للمحافظة على تماسك «محور آستانة»، وممارسة ضغط إضافي عليها في الوقت ذاته، لحمل المعارضة القريبة من أنقرة على وقف هجماتها على مناطق محيطة بإدلب، لم يكن وحده يشغل بال المفاوضين الروس خلال محادثات «مسار آستانة»؛ إذ كانت جبهة مفاوضات أخرى تدور في أنقرة في توقيت متزامن، بين الأميركيين والأتراك حول الوضع في الشمال السوري. وهي مفاوضات راقبتها موسكو بدقة، وأعلنت أكثر من مرة عن قلق بشأنها، برز من خلال تركيز التعليقات الروسية على فشل المحادثات التركية - الأميركية حول إنشاء منطقة آمنة في الشمال، وتلويح أنقرة بعمل عسكري واسع جديد لفرض رؤيتها للمنطقة العازلة، وقال دبلوماسي روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» إن جهود موسكو السابقة لإقناع الرئيس رجب طيب إردوغان بالتراجع عن فكرته حول الوضع في المنطقة الحدودية والانخراط مع موسكو في ترتيبات أمنية في المنطقة تنطلق من اتفاق اضنة الموقّع مع دمشق في عام 1998، قد باءت بالفشل. ولم يبد إردوغان حماسة للاقتراحات الروسية والإيرانية لفتح قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة مع النظام السوري. وأكثر من ذلك فقد بدا أنه يميل لفرض أمر واقع جديد في مناطق الشمال، بهدف تكريسه ضمن أي اتفاقات نهائية أو تسوية سياسية في سوريا.
هذا الواقع، كما يقول خبراء، ساهم في تسريع إعادة تفجير الوضع في إدلب، وأعاد إلى الواجهة تلميحات سابقة إلى مقايضات قد ترغب فيها موسكو، تقوم على غض النظر عن عملية عسكرية تركية محدودة في الشمال تسفر عن السيطرة على تل رفعت في مقابل حسم الوضع في إدلب أو توسيع رقعة سيطرة القوات الحكومية وتقليص وجود التنظيمات المصنفة إرهابية؛ وعلى رأسها «جبهة النصرة»، إلى أضيق مساحة ممكنة.
وكان معلقون عسكريون روس أشاروا في وقت سابق، إلى أن موسكو لا تعارض من حيث المبدأ أن تقوم تركيا بخطوات تخفف مخاوفها الأمنية، عبر «تطهير» المنطقة الفاصلة بين منطقتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، لكن المشكلة الروسية مع أنقرة في هذه المنطقة تكمن في نقطتين؛ أولاهما أن موسكو تعارض سيطرة تركية مطلقة، بمعنى أنها قد توافق في مرحلة ما على وجود تركي أنشط، وتسيير دوريات مشتركة أخرى أو وضع آليات مشتركة لمراقبة المنطقة. والنقطة الثانية أن موسكو ترى ضرورة قيام تنسيق من نوع ما مع السلطات السورية بمعنى أن يكون بشكل مباشر أو عبر قنوات.
ويبدو من النقطتين أن موسكو تسعى إلى توسيع الهوة بين أنقرة وواشنطن في هذه المنطقة، وأنها مع ارتياحها لفشل الطرفين حتى الآن في التوصل إلى اتفاقات، فإنها تواصل مراقبة الاتصالات بينهما بحذر.
في المقابل؛ يرى خبراء روس في الشأن التركي، أن إردوغان ما زال لا يفضل سيناريو فتح الاتصالات مع دمشق، لأنه لا يريد المغامرة بوضع مسألة الوجود التركي في سوريا على أجندة البحث مع دمشق، كما أنه يرغب في تعزيز أوراقه التفاوضية قبل انطلاق قطار التسوية. لذلك ما زال إردوغان من وجهة نظر الخبراء يراهن على التوصل إلى تفاهمات مع واشنطن، رغم إعلاناته المتكررة عن نيته إطلاق عملية منفردة إذا فشلت مفاوضاته مع الأميركيين.
عموما تضع موسكو عيناً على التطورات في محادثات أنقرة وواشنطن، لكنها في الوقت ذاته، تسعى إلى التأثير على القرار التركي، و«استئناف العمليات العسكرية يسابق على هذه الخلفية العملية العسكرية التركية المرتقبة والتطورات المحتملة في الشمال» وفقاً لخبير روسي قال إن التطورات الجارية «لم تؤثر حتى الآن على التعاون في إطار (آستانة)، لكن تأثيراتها المحتملة قائمة».



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.