«مانيه والجمال الحديث»... الربيع وأناقة النساء

السنوات الأخيرة للفنان الفرنسي في معرض بشيكاغو

لوحة «الربيع» لإدوارد مانيه (نيويورك تايمز)  -  لوحة «في بيت النباتات الزجاجي» (نيويورك تايمز)
لوحة «الربيع» لإدوارد مانيه (نيويورك تايمز) - لوحة «في بيت النباتات الزجاجي» (نيويورك تايمز)
TT

«مانيه والجمال الحديث»... الربيع وأناقة النساء

لوحة «الربيع» لإدوارد مانيه (نيويورك تايمز)  -  لوحة «في بيت النباتات الزجاجي» (نيويورك تايمز)
لوحة «الربيع» لإدوارد مانيه (نيويورك تايمز) - لوحة «في بيت النباتات الزجاجي» (نيويورك تايمز)

لعلي أتساءل كم من المرات نظر في الأمر: الغضب، والتأنيب، والعار، والحمق. بعد عامين اثنين فقط من رفض لوحة «طعام الغداء في الحقل»، قبل أمناء صالون باريس للوحات الفنية لوحتان أخريان من أعمال إدوارد مانيه لتعرضا ضمن أكثر المعارض الفنية الأوروبية شهرة. إحداهما تعكس مشهداً دينياً متأثراً بالنزعة الفنية الإسبانية للسيد المسيح حال سخرية الفيلق الروماني منه. لكن كانت اللوحة الأخرى هي الأكثر أهمية وتفوقت على أكثر من 3500 عمل فني من المعروضين في الصالون، وأثارت فضيحة مدوية.
فلقد التاع الزوار وتراجعوا أمام مشهد لوحة «أوليمبيا» الصارخة، وهي تعبر عن تصوير سطحي لإحدى السيدات رفقة خادمتها السوداء وقطتها الوديعة في صراحة فجة. وتعارك طلاب الفنون إثر جدالهم المحتدم حول اللوحة مما استلزم استدعاء أفراد الأمن إلى الصالون. ونشرت الصحف وقتذاك انتقادات كاريكاتيرية لاذعة ضد إدوارد مانيه ولوحاته، واستشاط نقاد الفنون غضباً ضد هذه «الفجاجة، والقبح، والغباء، والوقاحة»، ووصفوا العمل بأنه يستدعي الفحص والمراجعة من قبل مفتشي الصحة العامة في البلاد.
لو كان فناناً بوهيمياً لاستمتع أيما استمتاع بالكراهية، ولكن ليس إدوارد مانيه، الباريسي البرجوازي الأنيق، والمتعطش للاستحسان العام ومراتب الشرف في المجتمع المدني، حتى مع ما يرسمه من أعمال بالغة الصراحة من التي دفعت به خارج المؤسسة الفنية المعتبرة وقتذاك. كان مانيه قد أطلق أولى رصاصات الفن الحديث، ولكن ذلك كان على حساب العقاب المجتمعي الأليم. وعندما تقدم به العمر، تنحى بعيداً عن صراحة الشباب الفاضحة متحولاً إلى رسم الزهور، وصحون الفاكهة، والنساء الأنيقات، وكل ذلك من أساليب الأعمال الخفيفة الهادئة التي وجدت طريقها المفضل حتى في الأركان المخفية من الصالون الفني الراقي.
وتلك هي المفارقة الكبيرة لأشهر رسامي القرن التاسع عشر، وهي أيضاً جوهر معرض «مانيه والجمال الحديث» في معهد الفن بشيكاغو، والذي يركز على أعمال مانيه الفنية خلال السنوات السبع السابقة على وفاته في عام 1883 عن عمر يناهز 51 عاماً. وتوصف أعماله في معرض «مانيه والجمال الحديث» بأنها خلاقة، وساحرة، وأنيقة للغاية مع قليل من المراوغة الفنية اللازمة، إذ تلتزم تلك النوعية من اللوحات ذات الجماليات الحية - من التي أعجب بها مؤرخو الفن في القرن الماضي، مثالاً بلوحة «أوليمبيا» وأمثالها، وكانوا دوماً ما يصفونها بالكلمات الثلاث: عادية، ومألوفة، وأنثوية.
وكان لمعرض «مانيه والجمال الحديث» مهمة أخرى: تعزيز سمعة واحدة من آخر ما رسم إدوارد مانيه من لوحات بعنوان «الربيع»، والتي حاز عليها متحف جيه. بول غيتي في لوس أنجليس عام 2014 بعد أكثر من قرن كامل من تواريها في الظل. ورسمت اللوحة في عام 1881 - وخرجت للعرض الأول في عام 1882 رفقة لوحة أخرى أكثر شهرة تحت عنوان «حانة فوليه بيرجير» ولوحة «الربيع» التي تصور امرأة باريسية غارقة في التفكير أثناء سيرها في إحدى الحدائق.
وتنبع بهجة تلك اللوحة من قلب التحدي الذي تمثله لأولئك الذين لا تزال ذكرى لوحات مانيه الفجة عالقة في أذهانهم رغم مرور عقدين من الزمان على رسمهما: لوحة «طعام الغداء في الحقل»، ولوحة «أوليمبيا».
كان مانيه على الدوام رائعاً في تصوير أناقة النساء، وينظر معرض «مانيه والجمال الحديث» بكل حذر إلى الكيفية التي تساهم بها الملابس وأدوات الزينة في الإشارة إلى الحداثة في أعمال الفنان الأخيرة.
وبصفة عامة، نرى مشهداً غامضاً في لوحة «في بيت النباتات الزجاجي» نحو عام 1877 - 1879. حيث تصور امرأة جالسة على مقعد تنظر بفتور نحو الفراغ ويميل بجانبها رجل يحدق إليها في صمت متساءل. وتتدلى أيديهما اليسرى بشريط الزفاف ولكنهما لا يلمسان بعضهما البعض. وما يزيد من قوة غموض هذه اللوحة، ليست المغازلة، ولا التفريق، ولا المصالحة - وإنما ملابس المرأة الحديثة: الفستان الرمادي الأنيق مع الذيل المعرج، والحزام الحريري، والقوس البادي من القبعة، والقفاز، والمظلة ذات اللون الياسميني الزاهي. وتحمل هذه اللوحة من الصراحة قدر ما كانت لوحة «أوليمبيا» تحمله من فجاجة، والتقط مانيه كل ذلك دفعة واحدة عبر ضربات رشيقات متدفقات من الفرشاة التي تضفي عليها حساً متجدداً.
يدين معرض «مانيه والجمال الحديث» بالكثير للمنح النسوية لدراسة أعمال الفنان خلال ثلاثة عقود كاملة، كما أن اختيارات الأمناء للجدران المزينة بالورود الصامتة والزهور الداكنة يشير إلى اعتناقهم للخطاب النسوي الذي عارضه كثيراً نقاد أعمال الفنان الفرنسي المبكرة. لكن، كان هناك العديد ممن تلمسوا طريق إدوارد مانيه. وحتى في وقت لاحق، تتعايش أعمال مانيه مع الفنانين من ذوي التوجهات السياسية العميقة والتداخل التاريخي الراسخ. وكان من المعروضات الغائبة عن هذا المعرض - حتى بأكثر من لوحة «الحانة» - هي لوحة السياسي الفرنسي المنفي فيكتور هنري روشفور، فضلاً عن لوحتين من لوحات التصوير البحري الكبيرة، وكلاهما يحمل عنوان «هروب روشفور» من عامي 1880 و1881. وكما قال آلان في الكتالوج المرفق: تزامنت سنوات مانيه الأخيرة مع تحولات سياسية كبيرة صوب اليسار في فرنسا، وهذه اللوحات ذات اللمحة البحرية التي تصور السجين السياسي في أعماله الأخيرة تعبر عن مزيج طويل الأمد من الأساليب التاريخية والألوان الحية لدى مانيه.
وأعتقد أن هاتين اللوحتين ليسا هنا مما يحول دفة الزخم صوب لوحة «الربيع»، أبرز لوحات متحف غيتي قاطبة، والتي تظهر أيضاً على غلاف الكتالوج المرفق وفي الملصقات المنتشرة في جميع أنحاء شيكاغو. ليغفر لي أساطين الفن الفرنسي مقولتي، ولكني أرى أن لوحة «الربيع» هي عمل فني عادي للغاية ومفرطة في التحسين، وعرضها للأزياء والزهور يسلك مسلك الابتذال العميق على العكس مما هو واضح في لوحة «في بيت النباتات الزجاجي». ربما يستمد أمناء المعرض المبرر من واقع أن الزوار والنقاد لصالون باريس في عام 1882 كانوا يفضلون لوحة «الربيع» الزاهية المشرقة على لوحة «الحانة» الداكنة الغريبة. ولكنني لست متأكداً لماذا بخس النقاد لوحة «أوليمبيا» حقها، يبخلون بالكلمات السخية على أعمال مانيه الأكثر أهمية من غيرها.

- خدمة «نيويورك تايمز»



احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
TT

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)

احتفت مصر بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ، عبر فعاليات متنوعة في متحفه وسط القاهرة التاريخية، تضمّنت ندوات وقراءات في أعماله وسيرتيه الأدبية والذاتية، واستعادة لأعماله الروائية وأصدائها في السينما والدراما.

وأعلن «متحف نجيب محفوظ» التابع لصندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة، أن الاحتفال بـ«أديب نوبل» يتضمّن ندوة عن إبداعاته ومسيرته، يُشارك فيها النّقاد، إبراهيم عبد العزيز، ومحمد الشاذلي، والدكتور محمود الشنواني، والدكتور تامر فايز، ويديرها الدكتور مصطفى القزاز. بالإضافة إلى افتتاح معرض كاريكاتير عن نجيب محفوظ، وشاعر الهند الشهير رابندراناث طاغور، ومعرض لبيع كتب نجيب محفوظ.

وأوضح الكاتب الصحافي والناقد محمد الشاذلي أن «الاحتفالية التي أقامها (متحف نجيب محفوظ) في ذكرى ميلاده الـ113 كانت ممتازة، وحضرها عددٌ كبير من المهتمين بأدبه، وضمّت كثيراً من المحاور المهمة، وكان التركيز فيها على السيرة الذاتية لنجيب محفوظ».

«متحف نجيب محفوظ» احتفل بذكرى ميلاده (صفحة المتحف على فيسبوك)

ولد نجيب محفوظ في حيّ الجمالية بالقاهرة التاريخية في 11 ديسمبر (كانون الأول) عام 1911، وقدم عشرات الأعمال الروائية والقصصية، بالإضافة إلى سيناريوهات للسينما، وحصل على جوائز عدة أهمها جائزة «نوبل في الأدب» عام 1988، ورحل عن عالمنا عام 2006.

حضر الاحتفالية بعض ممن كتبوا عن سيرة نجيب محفوظ، من بينهم إبراهيم عبد العزيز، الذي له أكثر من كتاب عن «أديب نوبل»، بالإضافة إلى الطبيب الدكتور محمود الشنواني الذي رافق الأديب لمدة 30 سنة تقريباً، وفق الشاذلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تَحدّث كلُّ شخص عن الكتاب الذي أصدره عن نجيب محفوظ. وإبراهيم عبد العزيز كان مرافقاً له في ندواته، وتحدّث عن كتاب (أنا نجيب محفوظ)، الذي تضمّن ما قاله محفوظ عن نفسه، بيد أني أرى أن كتابه الأهم هو (ليالي نجيب محفوظ في شيبرد) لأنه كان عبارة عن كناسة الدكان، فقد رصد السنوات الأخيرة لنجيب محفوظ».

وعن كتاب الشاذلي حول نجيب محفوظ يقول: «تعرّفت عليه بصفتي صحافياً منذ بداية الثمانينات، وقد تحدّثت عن موضوعين تناولتهما في كتابي عنه (أيام مع نجيب محفوظ ذكريات وحوارات)، وهو ما أُشيع عن هجومه على العهد الناصري، خصوصاً في روايته (الكرنك)، وهذا ليس صحيحاً، وفي الحقيقة كان محفوظ يُركّز على حقوق الإنسان والحريات أكثر من أي شيء آخر، وقد أنصف عبد الناصر في كثيرٍ من كتاباته، خصوصاً شهاداته عن هذا العصر، والنقطة الثانية ما أُشيع حول الاتهامات التي وجّهها بعضهم لنجيب محفوظ بحصوله على (نوبل) بدعم إسرائيل، وهذا ليس صحيحاً بالمرّة، وكانت تُهمة جاهزة لمن أراد إهانة الجائزة أو النّيل ممّن حصل عليها».

وأشار الشاذلي إلى أن محفوظ كان له رأيُّ مهم في السينما، وقد ترأس مؤسسة السينما في إحدى الفترات، وكان يرى أنه أصبح كاتباً شعبياً ليس بفضل القراءات ولكن بفضل السينما، فكان يحترم كلّ ما له علاقة بهذه المهنة، ويعدّها مجاورة للأدب.

محفوظ وطاغور في معرض كاريكاتير (منسق المعرض)

وتحوّلت روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية ودرامية، من بينها أفلام «بداية ونهاية»، و«الكرنك»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، وثلاثية «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية»، وأيضاً «زقاق المدق»، و«اللص والكلاب»، بالإضافة إلى مسلسلات «الحرافيش - السيرة العاشورية»، و«أفراح القبة»، و«حديث الصباح والمساء».

وضمّ المعرض الذي أقيم بالتعاون بين سفارة الهند في القاهرة، ومتحف الكاريكاتير بالفيوم، ومنصة «إيجيبت كارتون»، 38 لوحة لفنانين من 12 دولة من بينها مصر والهند والسعودية وصربيا والصين ورومانيا وروسيا وفنزويلا.

وأشار الفنان فوزي مرسي، أمين عام «الجمعية المصرية للكاريكاتير» ومنسِّق المعرض إلى أن هذا المعرض اقتُرح ليُعرض في الاحتفال بذكرى طاغور في مايو (أيار) الماضي، إذ عُرض في المركز الثقافي الهندي، وكذلك في يوم الاحتفال بعيد ميلاد «أديب نوبل» المصري نجيب محفوظ.

وقال مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ المعرض جزءاً من الاحتفالية التي نظّمتها وزارة الثقافة (لأديب نوبل) الكبير، واهتمّ معظم الفنانين برسم البورتريه بشكلٍ تخيُّلي، في محاولة لعقد الصلة بين طاغور ومحفوظ».

فنانون من 12 دولة رسموا الأديبين طاغور ومحفوظ (منسق المعرض)

وفي السياق، أعلنت «دار المعارف» عن إصدار كتابٍ جديدٍ عن نجيب محفوظ في الذكرى الـ113 لميلاده، وكتب إيهاب الملاح، المُشرف العام على النشر والمحتوى في «دار المعارف» على صفحته بـ«فيسبوك»: «في عيد ميلاد الأستاذ نُقدّم هدية للقراء ولكل محبي نجيب محفوظ وهي عبارة عن كتاب (سردية نجيب محفوظ) للناقد الدكتور محمد بدوي».