كتب ألهمتني الكتابة

ميس العثمان  -  إبراهيم الخالدي  -  منى الشافعي  -  حمد الحمد
ميس العثمان - إبراهيم الخالدي - منى الشافعي - حمد الحمد
TT

كتب ألهمتني الكتابة

ميس العثمان  -  إبراهيم الخالدي  -  منى الشافعي  -  حمد الحمد
ميس العثمان - إبراهيم الخالدي - منى الشافعي - حمد الحمد

ثمة كتب تشكل في حيوات الأدباء من روائيين وقصاصين وشعراء انعطافات كبيرة، سواء في بداياتهم، حيث تلهمهم وتوقد فيهم «شرارة الكتابة»، أم في محطات لاحقة فتساعد على تطوير عوالمهم الإبداعية، أو تحقق انقطاعاً بين ما كانوا عليه، وما صاروا إليه بعد قراءة تلك الكتب.
هنا شهادات عدد من الكتاب الخليجيين:

> د. عبد الله الحيدري: بدايتي مع أساطير الجهيمان
بعد هذا المشوار الذي يقترب من الأربعين عاماً ويتصل بعالم القراءة والكتاب، أستطيع القول بأن وقود الكتابة هي القراءة، وكنت قد بدأت القراءات الأولى في المتوسطة والثانوية محاكياً ابن العم حمد الحيدري الذي كان يكبرني بأربع سنوات، ولديه مكتبة صغيرة فيها كتب دينية وتاريخية وأدبية، مع عناية خاصة بالكتب التي تحوي قصصاً واقعية وأحياناً تكون ممزوجة ببعض الأساطير، ومن هنا فقد تعلقت بقراءة بعض القصص، وكانت البداية مع أساطير شعبية لعبد الكريم الجهيمان، ثم مع كتاب «من أحاديث السمر» لعبد الله بن خميس، وكتب أخرى تراثية مثل العقد الفريد ونحوها.
وحين صدرتْ مجلة باسم معهد إمام الدعوة العلمي بالرياض شجعني مسؤول التحرير الأستاذ محمد الشيبان على الكتابة، فكتبت مقالاً وأنا في الثانوية ونشر بالفعل، وتشجعت على الكتابة أكثر، فبدأت أستعير بعض الكتب من مكتبة المعهد، ومما استعرت منها في هذه المرحلة المبكرة من العمر كتاب «معجزة فوق الرمال» لأحمد عسة.
وعندما تخرجت في كلية الآداب، تطلعت لكتابة البحوث، وكان أن أعلن نادي الطائف الأدبي عن مسابقة في مجال البحث العلمي؛ فتقدمت ببحث، وحصلت على المركز الثاني بعد حجب الأول.
وأثناء عملي في إذاعة الرياض، تعرفت إلى خالد بن محمد الخليفة، وكان يشرف على صفحة في جريدة «اليوم»، فدعاني للكتابة فاستجبت، وتكونت من هذه المقالات مادة صالحة للجمع، وصدرت في كتاب 1992.
- نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأدب العربي (رئيس نادي الرياض الأدبي سابقاً)

> ميس العثمان: كتاب «الشخصية المحمدية» غيّر التركيبة الكيميائية لروحي
إننا كقرّاء أولاً؛ نظلّ كل الوقت في بحث شبه جنوني عن «ذلك الكتاب» الأمنية!
الكتاب الذي لا ندري في أي المكتبات حول العالم ينتظر تصفحنا له... كتاب يعيد تنسيق أرواحنا مثلاً، ينقذنا من ضياع نظنه أخيراً، يرمم أوجاعنا الخفية، يسعد بنا لأعلى، كتاب نقرأ مدخله الأول فيأسرنا فيما يحمل من إجابات على أسئلتنا الكثيرة المدعوكة بعلامات الاستفهام غير المرحّب بها في «عوالمنا» المرتاحة في اليقين!
نحن كقرّاء أولاً، نظل في مبحثنا الدائم المتواصل عن كتب تحرّك زوايا النظر، تفتح شرفات على معانٍ جديدة - جديرة بالوقوف فيها لساعات وأيام طويلة لاقتناص الحكمة من عقل «غريب عنا» لكنه يشبه جنوننا الحميد قرر مشاركتنا تجربته البعيدة أو القريبة فلا فرق، نحن من نصنع أيامنا وقصصنا بلا شك عبر تشاركها مع غيرنا، ونحن هذه تعود على «البشر»...
أما الكتاب الذي حوّلني روحياً، وغيّر مسارات حياتي كـطلقة بدء أولية فقط في سباق التحولات العظيمة التي شهدتها على مدى سنوات وما زلت أكنس بدائيتي... كان «الشخصية المحمدية» للشاعر معروف الرصافي، الذي فتح شرفة النور في روحي، وأقعدني في «حمى» حقيقية لأيام. وبعدها تجولت في مناطق قرائية أبعد ما تكون عن المعتاد والدارج والمكرّس، إنني حرّة منذها وما زلت مثل عصفورة وأخبر حكاياتي للناس بسلام وصدق وحقيقة وبلا خشية.
- روائية كويتية

> استبرق أحمد: شغلني «مقتل السيد أكرويد»
كان «مقتل السيد أكرويد» أول كتاب قرأته لأجاثا كريستي، سحق فكرة التوقعات، وشغلني أكثر بالألغاز والألاعيب، وربما اندس ذلك لاحقاً في كتابتي في وجود حكاية تتعرض للمد والجزر، للتعميّة والوضوح. أما النص الذي أعتبره مفارقاً، ذكياً، ممتعاً، ومغارة زاخرة بالتفاصيل يذكرني أحياناً بجبروت «الست، ثومة، الهائلة أم كلثوم» وهو يقف صادحاً بين النصوص، بطبقات صوتية للحكاية، لا يدانيه ولا ينساه أحد، نص حكاية الحكايات «ألف ليلة وليلة» في اجتياح الصور والأخيلة المنتبهة لك. تعرفت في «مدن لا مرئية» أو «البارون المعلق» - لا أذكر أيهما قرأته قبل - على «ايتالو كالفينو» وجدت المغايرة والعمق والتشابكات وتأويلات المقاصد، وجدت الكاتب في سيرته «الثعلبية» كما يصف كالفينو في اعتناقه التجريب وتنوع نظرته للعالم.
- قاصة كويتية

> إبراهيم حامد الخالدي: ديوان السياب بوابتي للشعر الحديث
من الصعب تذكر الكتب التي قرأتها منذ أن عشقت القراءة كهواية، وتصاعدت حتى أصبحت صنعة لا أهملها في يوم من الأيام، لكن هناك كتباً من الصعب نسيانها أو نكران تأثيرها، وكإنسان مارس الكتابة في الصحافة والأدب والتاريخ والفلكلور على مدى ثلاثة عقود، يمكنني تعديد بعض الكتب التي أتذكرها الآن...
كان ديوان بدر شاكر السياب «الأعمال الكاملة. جزآن» أحد أوائل دواوين الشعر الفصيح التي فتحت عيني عليها، وفتحت لي أبواباً واسعة للولوج إلى عالم الشعر الحقيقي والمبدع.
من السياب تعلمت:
- أن كتابة الشعر تحتاج إلى المثابرة والمواصلة، كان ذلك وأنا أراه يكتب الشعر يومياً من تواريخ القصائد في كتابه.
- أن للمكان تأثيراً على استفزاز الشاعر للكتابة، كما تبين لي من تعدد الأماكن التي كتب فيها أشعاره خلال أسفاره.
- أن جمال الشعر لا يتعلق بالشكل الفني للقصيدة، فالشعر أمر أكبر من القوالب والقيم الموروثة.
- أن الشاعر يمتلك لغته، ومن حقه أن يعبث داخل النص؛ ما دام ينتج في النهاية إبداعاً حقيقياً، وليس عبثاً لغوياً.
- أن الشاعر مهما بلغ حجم إبداعه من الممكن أن تجد له نصوصاً دون المستوى، ورغم ذلك ينشرها لقرائه.
- أن الشعر يحمل رسالة حياتية، ومقولة جاء ليقولها، وليس مجرد تعابير عن أحاسيس مرهفة.
بالطبع، لم يكن السياب وحده هو المحرّض لي على كتابة الشعر، لكنه أكثر من عرّفني بأن الشعر الحديث يمكن أن يكون جميلاً وعميقاً في الوقت ذاته. نزار وأمل دنقل والمتنبي لهم أيضاً أثر لا يمحى.
هناك كتب أخرى قرأتها في البدايات كان لها تأثير في محبتي للتاريخ والتراث. أذكر هنا «تاريخ الخلفاء» للسيوطي، و«الأعلام» للزركلي، و«الأدب الشعبي في جزيرة العرب» لعبد الله بن خميس، و«الموسوعة النبطية» لطلال السعيد.
لا أنسى روايات أجاثا كريستي، وإحسان عبد القدوس، وكتب محمود السعدني، وأنيس منصور، وغيرها الكثير، في تشكيل قناعتي بأن الكتابة سواء كانت في الصحافة أو التأليف، هي عمل مشرف لصاحبه يستحق أن يهب له الإنسان حياته، وهي التعريف المهني الأعلى قيمة وسؤدداً من أي شهادة علمية أخرى.
نحن في الختام، خلاصة ما قرأنا، وما سمعنا، وما واجهنا من مواقف، وما اكتسبنا من خبرات، وعند مزج ذلك مع ما فطرنا عليه من أخلاق ومبادئ، تتشكل ذواتنا، وتتبلور آراؤنا، ونصبح ما نحن عليه، حسناً فحسناً، وسيئاً فسيئاً.
- شاعر وباحث كويتي

> منى الشافعي: «نساء صغيرات» كبرن معي منذ الطفولة
الكتاب الذي قرأته بشغف في طفولتي هو رواية «نساء صغيرات» الكلاسيكية، للكاتبة الأميركية لويزا ماي الكوت، وهي عبارة عن أربعة أجزاء، والرواية تحتفي بالطفولة، طفولة البطلة وشقيقاتها الثلاث، وتشي بدفء الأسرة المترابطة المتحابة، التي شعرت به البطلة في بيتهن. تدور أحداث الرواية في زمن الحرب الأهلية الأميركية التي اندلعت بين الشمال والجنوب، بحيث أشعرتني الكاتبة بأنها غرفت بشبع من تجارب طفولتها لتزين بها صفحات هذه الرواية الجميلة، التي عشقتها طفولتي، فصرت أعيد قراءتها، بين فترة وأخرى، وما زالت بأجزائها الأربعة، متربعة بخيلاء على أحد أرفف مكتبتي.
لا أعتقد أنها حفزتني على الكتابة؛ لأن الحافز كان ينمو معي من الطفولة، أحياناً يخبو، وأخرى يتقافز أمامي... لكنني بصراحة تأثرت بها في بعض كتاباتي؛ لأنني عاشقة للطفولة كما الكاتبة ولا أزال، فقد زينت كتابي «نبضات أنثى» بأكثر من نص يحكي تجارب، ويصف مواقف من طفولتي.
كما ازداد تأثري بهذه الرواية، حين دفعتني لتركيز كتاباتي الإبداعية على، وعن المرأة - الأنثى بكل أحوالها، وتقلباتها وحالاتها، وصفاتها، ورغباتها وقناعاتها، وعلاقاتها الأسرية وغيرها، في الحياة، ولن أغفل هنا الاعتزاز بالمرأة بكل صورها؛ كون الرواية أيضاً تعزز شجاعة تلك الفتيات الأربع في زمن الحرب، وتتحدث عن طيبتهن، وكرمهن. فتجد أغلب مجموعاتي القصصية، ورواياتي تتمحور حول المرأة، بكل صورها، وحالاتها.
أما لاحقاً، فقد تأثرت برواية «العين الأشد زرقة»، للكاتبة الأميركية السمراء توني موريسون الحاصلة على جائزة نوبل. فقد عشت مع الرواية، بمشاعر وأحاسيس مختلفة، وأنا أقرأ بشهية، لكنها شهية حزينة موجعة... تلك هي قصة طفلة سوداء، بريئة، عاشت في زمن أوجاع التفرقة العنصرية، والطبقية، واحتقار الأنثى السوداء، فتعرضت للأذى والذل والإهانة، للونها الأسود، وملامحها غير الجميلة. وكانت العيون الزرقاء، في ذلك الزمن - الستينات من القرن العشرين - تعتبر علامة للجمال، الذي تتخيله تلك الطفلة السوداء؛ لذا كانت تتمنى من الرب، أن يمنحها هذه العيون المشتهاة.
وهكذا تمنيت أن أكتب رواية تحاكي تلك الرائعة التي شغفتني، وظل في داخلي شيء ما يذكرني بتلك الأمنية، وذاك التأثر، حتى جاءت قصة «زمن الوجع» التي كتبتها بلسان طفلة في الثامنة من عمرها... ولا أزال أطمح برواية تحاكي «العيون الأشد زرقة»!
لن أغفل هنا، أنني تأثرت بروايات، وقصص الفانتازي، والأساطير القديمة، وبخاصة أسطورة جلجامش، ورواية ماركيز «مائة عام من العزلة»، فصرت أميل، على السرد الواقعي التخيلي، أو إلى غير المألوف، حتى أستطيع التعبير عن الواقع، وعن أفكاري، بحرية أكبر... كما في روايتي «ليلة الجنون»... وقصة «أشياء غريبة تحدث».
- روائية وقاصة كويتية

> علي الماجد: تاج السر حفّزني لكتابة الرواية البوليسية
في صغري ألهمني محمود سالم في قصصه الرائعة «المغامرون الخمسة»، وكيف تحول مجموعة من الصبية إلى مجموعة تسعى لتحقيق العدالة والقبض على الأشرار. حين كبرت وقرأت مقالاً للكاتب أمير تاج السر، يقول فيه إن العرب لن يكتبوا رواية بوليسية، انفجرت لدي براكين الإبداع وكتبت خمس روايات بوليسية. ستيفن كنج كاتب روايات الرعب الأكثر شهرة بالعالم، قال في إحدى مقابلاته إن كل شيء يخيفه بالعالم! كتبه تحولت إلى أفلام ومسلسلات عالمية وأرعب الملايين، فإذا به يخاف من كل شيء!
الغريب أنه يختار أشياء لا تخيف بالواقع مثل كلب أو مهرج وحتى هاتف محمول، ثم ينسج حولها رواية تثير الهلع والجزع بالعالم أجمع. هنا نقطة مهمة لكل من يبحث عن الإلهام في دواخله، نقاط ضعفك قد تخرج لك عشرات الأفكار لتكتب.
- روائي سعودي

> حمد الحمد: السباعي والطيب صالح
من أول الكتب التي أعجبتني رواية «أرض النفاق» للكاتب يوسف السباعي. الذي أعجبني فيها سهولة الأسلوب ومرور الأحداث بسلاسة ومن دون غموض، كما أن للرواية رسالة جديرة بالاهتمام، لهذا فُتنت بها وقرأتها أكثر من مرة.
الرواية الثانية التي شدتني في بداية حياتي هي رواية «موسم الهجرة للشمال» للكاتب الطيب صالح، فقد أعجبني الأسلوب واللقطات اللطيفة فيها والحبكة التي لا تمل منها، وتقدم لك المجتمع السوداني بأسلوب واضح ومتمكن وواقعي.
كذلك شُغفتُ برواية «مدن الملح» للكاتب عبد الرحمن منيف؛ كونها تغوص في تاريخ الجزيرة العربية بملامح الإنسان في الصحراء والريف ومعاناة قساوة الحياة قبل النفط، لهذا أعجبني طول النفس للكاتب والإسقاطات الفكرية. وفتنت بالأدب الروسي المترجم لكونه يقدم لك المجتمع هناك تحت النظام الشيوعي وتكتشف مجتمعاً لا تعرفه، وأعجبتني رواية بعنوان «القارئ» لكاتب الألماني برنارد شلينك، وهي مترجمة للإنجليزية وتحكي تحولات الإنسان الأوروبي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وكذلك، لا أنسى الكاتب المصري إبراهيم أصلان وقصصه القصيرة المعبرة التي كتبت بأسلوب سلس وواضح، وأعجبني الكاتب التركي عزيز ينسن من خلال قصصه القصيرة الساخرة التي تعتبر مدرسة لكل كاتب مبتدئ.
كانت تلك الأعمال هي مدرستي وغيرها مما لا أتذكر تفاصيلها اليوم، لكن تلك الأعمال العظيمة شكلت موهبتي وأثرت في مسار حياتي الكتابية.
- روائي كويتي


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية
TT

كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية

اشتهر كارل فون كلاوزفيتز، كبير فلاسفة الحرب في الغرب، بملاحظته أن الحرب امتداد للسياسة، كما أشار إلى نقطة ثانية، وهي أن الحرب تابعة للسياسة، ومن ثم فهي تتشكّل من خلالها، مما يجعل «تأثيرها ملموساً حتى في أصغر التفاصيل العملياتية».

نحن نرى هذا اليوم في الشرق الأوسط، حيث قد تسترشد محاولات إنقاذ الرهائن الفتاكة، والاغتيالات الكبرى، كتلك التي أودت بحياة حسن نصر الله زعيم «حزب الله»، بنقاط سياسية بقدر ما تسترشد بالرغبة في إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن. وعلى الجانب الآخر من المعادلة، يبدو أن أحدث سرب من الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي انفجر معظمها من دون ضرر فوق إسرائيل، كان عملاً من أعمال المسرح السياسي الذي يهدف في المقام الأول إلى رفع المعنويات على الجبهة الداخلية.

من المفيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وآية الله علي خامنئي من إيران، ناهيكم عن الرئيس الأميركي المقبل، أن يقرأوا كتاب جفري فافرو «حرب فيتنام: تاريخ عسكري» (652 صفحة، دار «بيسك بوكس» للنشر).

إنه يُلقي أفضل نظرة عامة على المغامرة الأميركية في جنوب شرقي آسيا، ومن المؤكد أنه سوف يصبح كتاباً معيارياً عن تلك الحرب، وبينما نتابع المعاناة الجارية في الشرق الأوسط، فإن هذا الكتاب يقدّم لنا أيضاً دروساً قوية بشأن المخاطر المترتبة على شن حرب مفتوحة من دون إستراتيجية حقيقية.

تركّز أغلب كتب التاريخ عن حرب فيتنام على الدبلوماسية والسياسة في الصراع، بالعودة إلى العمليات العسكرية للأحداث الرئيسية فقط، مثل هجوم «تيت» ومعركة مدينة «هوي»؛ إذ يتبع واورو، المؤرخ في جامعة نورث تكساس، نهجاً أكثر تنويراً.

ووفقاً لرأي فافرو، كان التدخل الأميركي في فيتنام بمثابة درس كبير في كيفية تجنّب شنّ الحرب، وقد أدى الاعتقاد الطائش في فاعلية القوة النارية المحضة، إلى حملات القصف الأميركية المدمِّرة التي كما يقول واورو: «أدّت إلى إحراق سُبع أراضي جنوب فيتنام» و«خلقت خمسة ملايين لاجئ داخلي»، على أمل دفع قوات «فيت كونغ» الفيتنامية إلى العراء، ورفض الخصم الشيوعي القتال بهذه الطريقة، بل كانوا يشتبكون سريعاً، ثم ينسحبون عندما يردّ الأميركيون بوابل عنيف من نيران المدفعية والغارات الجوية. في الأثناء ذاتها، كلما حاول الرئيس ليندون جونسون - الذي لم يدرس مبادئ كلاوزفيتز - فصل الحرب عن السياسة، بالكذب بشأن تكاليفها ورفض تعبئة الاحتياطي العسكري؛ صارت الحرب أكثر سياسية، وهيمنت على الخطاب الأميركي، ثم عصفت به خارج الرئاسة.

لم يكن أداء أميركا أفضل مع الهجمات المستهدفة، وكما هو الحال مع أجهزة البيجر المتفجرة التي استخدمتها إسرائيل، فإن برنامج «فينكس» من إعداد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاغتيال أعضاء «فيت كونغ» قد «ركّز على (القبض أو القتل)»، كما كتب واورو، وأدى إلى سقوط ضحايا أبرياء، كما أنه لم يؤدِّ إلى الاقتراب من نهاية الحرب؛ لأن البرنامج بأكمله كان مبنياً على «أرقام ملفقة»، كما يوضح المؤلف، «وليس على الواقع الحقيقي»، وكان البرنامج عبارة عن طريقة أخرى لقتل الناس من دون فهم الحرب.

جعلتني قراءة التاريخ الرائع الذي كتبه فافرو أفكّر في نتيجة لازمة جديدة لنظريات كلاوزفيتز: كلما كانت الاستراتيجية أقل تماسكاً في الحرب، أصبحت أكثر تسييساً، دخلت الولايات المتحدة الحرب لأسباب سياسية ودبلوماسية غامضة (الظهور بمظهر الصرامة أمام خصوم الحرب الباردة ليس نهاية المطاف). بعد عقدين من الزمان كان الغزو القصير والفوضوي لجنوب «لاوس» من قِبل القوات البرّية الفيتنامية الجنوبية والقوة الجوية الأميركية بمثابة «مسرحية سياسية، وليس حرباً»، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 1972، لم تكن هناك نهاية في الأفق، وكان الدافع وراء الهجوم هو رغبة الرئيس ريتشارد نيكسون في جعل الأمر يبدو وكأن فيتنام الجنوبية تتولّى زمام الأمور في القتال، وبدلاً من ذلك، زاد من زعزعة استقرار المنطقة، ولم يفعل شيئاً يُذكر لقطع خطوط إمداد العدو.

لحسن الحظ، خلال الحرب العالمية الثانية استخدمت الولايات المتحدة السياسة لخدمة المجهود الحربي بدلاً من العكس، وإن لم يكن الجميع يرَون الأمر على هذا النحو. في كتاب «أميركا أولاً: روزفلت ضد ليندبيرغ في ظل الحرب» (444 صفحة، دار «دوبلداي للنشر»)، يُصوّر إتش دبليو براندز، نجم الطيران الشهير تشارلز ليندبيرغ، الذي تحدث عن النزعة الانعزالية في البث الإذاعي الوطني، بوصفها أمراً ساذجاً، ولكن صادقاً، في حين يُصوّر الرئيس فرانكلين روزفلت بأنه مخادع بشكل ملحوظ في جهوده لدفع الولايات المتحدة إلى الحرب.

لكن في الواقع، كان فرانكلين روزفلت هدفاً كبيراً لهذه التهمة؛ إذ تعهد الرئيس أثناء حملته الانتخابية للفوز بولاية ثالثة غير مسبوقة، قائلاً: «لن يُرسَل أبناؤكم إلى أي حروب خارجية»، وكان جيمس، نجل روزفلت، يتساءل عن سبب اتخاذ والده هذا الموقف، فقال والده موضحاً: «جيمي، كنت أعلم أننا ذاهبون إلى الحرب، كنت متأكداً من أنه لا يوجد مخرج من ذلك، كان لزاماً أن أثقّف الناس بشأن الحتمية تدريجياً، خطوة بخطوة»، ربما يكون هذا مخادِعاً، لكن هذه السياسة ساعدت الأميركيين على المشاركة في المجهود الحربي، كان كلاوزفيتز ليفخر بذلك.

في الوقت نفسه، عندما يرفض ليندبيرغ الدعوة إلى هزيمة ألمانيا في أواخر يناير (كانون الثاني) 1941، يُعيد إلى الأذهان رفض دونالد ترمب دعم المعركة الأوكرانية ضد العدوان الروسي، ويلاحظ براندز، وهو مؤرخ في جامعة تكساس فرع أوستن، ليونةَ ليندبيرغ إزاء ألمانيا النازية، ولكن - في رسم صورة متعاطفة للرجل - يستبعد عديداً من التفاصيل التي تظهر في كتب أخرى، مثل السيرة الذاتية تأليف «إيه سكوت بيرغ»، الفائزة بجائزة بوليتزر لعام 1998.

لا يذكر براندز، على سبيل المثال، أن ليندبيرغ رفض في مايو (أيار) 1940 الحديث عن مخاطر انتصار النازية، بوصفه «ثرثرة هستيرية»، أو أنه، في العام نفسه، ألّفت زوجة الطيار آن مورو ليندبيرغ كتاب «موجة المستقبل»، وفيه جادلت بأن العهد الجديد ينتمي إلى أنظمة استبدادية، وكان ذلك الرجل يحمل مثل هذه الولاءات المُرِيبة حتى بعد بيرل هاربر، كما قال ليندبيرغ (في تصريحات أغفلها براندز أيضاً): «إن بريطانيا هي السبب الحقيقي وراء كل المتاعب في العالم اليوم».

إن مثل هذه الإغفالات تجعل كتاب براندز يبدو وكأنه مُوجَز متحيّز إلى ليندبيرغ أكثر من كونه كتاباً تاريخياً نزيهاً. كتب براندز يقول: «لقد أصاب ليندبيرغ كثيراً في حملته ضد الحداثة، لكنه أخطأ في أمر واحد كبير- فهو لم يرَ أن الأميركيين كانوا على استعداد للتدخل في الصراعات الخارجية». وأودّ أن أزعم أن ليندبيرغ كان مخطئاً أكثر من ذلك؛ فقد عبث بمعاداة السامية، وهو شيء ينتقص براندز من أهميته، وعلى نحو مفاجئ بالنسبة لطيار شهير، لم يكن يبدو أن لديه الكثير من البصيرة في دور القوة الجوية في الحرب، وحتى في القراءة الأكثر تعاطفاً، لا بد أن كلاوزفيتز كان ليحتدم غيظاً.

الجنرال البروسي العجوز هو موضوع تحليل جديد لاذع، وربما شديد التحريض من ناحية «أزار غات»، المؤرخ الفكري في جامعة تل أبيب. في كتابه «أسطورة كلاوزفيتز: أو ملابس الإمبراطور الجديدة» (228 صفحة، دار «كرونوس للنشر»)، يزعم غات أن كتاب كلاوزفيتز «عن الحرب» مؤثر بصورة رئيسية؛ لأنه مُحير للغاية. ويَخلُص إلى أن «الكثير من سمعة الكتاب تستند إلى سوء فهم دائم لما يعنيه في الواقع».

هناك في الأساس اثنان من كلاوزفيتز؛ الأول ألّف في وقت مبكر من حياته المهنية الكثير من كتب «عن الحرب»، بينما يسعى إلى فهم انتصارات نابليون السريعة والساحقة على بروسيا، والآخر كان يحاول بعد سنوات رسم مسارٍ لاستعادة بروسيا مكانتها في أوروبا، ولكن بدلاً من تأليف كتاب ثانٍ، كما يقول غات، عاد الضابط البروسي ونقّح كتاب «عن الحرب» بطرق تتناقض على نحو جَلِيّ مع بعض الأجزاء الأسبق من نفس الكتاب. بدأ كلاوزفيتز بكتابة أن النصر يعتمد على هزيمة سريعة للعدوّ في معركة كبيرة واحدة. وفي وقت لاحق أدرك أن العديد من الأطراف الفاعلة، سيما الأضعف منها، قد يكون لديها سبب لإطالة أمد القتال. وشرع في التنقيح، لكنه لم يكن لديه الوقت لعلاج هذا التضادّ قبل وفاته عام 1831.

وبينما كنت أقرأ كتاب غات، ظللتُ أفكّر في أنه لم يدرك النقطة الأكثر أهميةً؛ قد تشوب الأعمال الكلاسيكية حالة من النقص إلى حد بعيد؛ إذ تطرح أسئلة أكثر مما تقدّم من إجابات، وهو ما كان بمثابة طريق أكثر أماناً للاستمرار عبر الزمن. في الواقع، كانت واحدة من أشهر ملاحظات كلاوزفيتز تتعلّق بطرح الأسئلة، وهو يقول إنه قبل أن تتصاعد أعمال العنف يجب على القادة المفكرين أن يسألوا أنفسهم: ما نوع هذه الحرب؟ وما الذي تريد أمّتي تحقيقه؟ وهل يمكن أن تحقّق ذلك فعلاً؟

هذه اعتبارات جيدة. إن مواصلة حرب استنزاف لا نهاية لها، سواء في جنوب شرقي آسيا، أو في الشرق الأوسط، من غير المرجّح أن تؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والموت، وعلى نحو مماثل، لو تعامل قادة أميركا بجدّية مع نهاية المسألة قبل غزو فيتنام، ناهيكم عن العراق أو أفغانستان، ربما كانت حروبهم لتسير على نحو أفضل كثيراً، أو ربما لم تكن لتحدث على الإطلاق.

-------------------

خدمة: «نيويورك تايمز».