من المؤكد أنه كلما زادت قراءة المرء اتسعت آفاق عقله وتفكيره من كثرة ما يتعلمه. وككل من كان لهم الكتاب خير جليس، لم تكن بدايات عهدي بالقراءة من دون منعرجات ومطبات وعراقيل، فلطالما كنت أشرع في تقليب صفحات كتاب بعينه، وأنا عازم على إنهائه، من البداية حتى النهاية؛ لكن لم يكن التوفيق يحالفني. ربما لأن تلك الكتب التي كنت أقبل عليها كانت خالية من دسم عناصر التشويق والإمتاع والإثارة، بقدر ما كانت مثقلة بما هو ممل وغير محفز أو غيره. من هنا كان أسلوب التنقل بين الكتب، وكل يوم تنقطع عن كتاب، وتنتقل لآخر، حتى وقع اختياري يومها، وأنا في مستهل التعليم الثانوي، على كتاب استثنائي بالنسبة إليَّ، وهو كتاب «حياتي» لأحمد أمين؛ لأنه كان بالنسبة إليَّ أول كتاب أواظب على قراءته من الصفحة الأولى حتى الأخيرة.
ويعتبر كتاب «حياتي» لأحمد أمين، من أشهر كتبه، وكتب الأدب الشخصي التي صدرت في العربية في القرن العشرين. ويقدم هذا الكتاب صورة واقعية لتلك الحياة التي أنتجت ذلك الكاتب. ولعل خير ما يمكن قوله عن «حياتي» هنا، هو ما قاله مؤلفه نفسه في تقديمه طبعته الأولى: «هذا الكتاب كنت فيه العارض والمعروض، والواصف والموصوف، والعين لا ترى نفسها إلا بمرآة، والشيء إذا زاد قربه صعبت رؤيته، والنفس لا ترى شخصها إلا من قول عدو أو صديق، أو بمحاولة للتجرد تم توزيعها على شخصيتين: ناظرة ومنظورة، وحاكمة ومحكومة، وما أشق ذلك وأضناه».
علمني هذا الكتاب الكثير والكثير يومها:
علمني ما معنى التعبير عن الذات، حين ضرب لي مثلاً رائعاً عن شخصية الكاتب المثابر والمنتج، الذي لا يعرف كللاً ولا مللاً، ولا ضعفاً ولا فتوراً، من أجل تحقيق طموحه في الحياة.
حفزني على محاكاته، وذلك بالشروع في كتابة شذرات من حياتي في دفتر ذكرياتي، آثرت تسميته «حياتي»، تيمناً وتأثراً بعنوان كتاب أحمد أمين، «حياتي».
ساعدني على تكوين شخصيتي في الكتابة، حين انبريت أكتب خواطري وتأملاتي وأشعاري وقصصي.
خفف هذا الكتاب من حدة ما كنت أعانيه من صعوبات ذاتية وموضوعية، وأنا في بدايات مشواري الدراسي في التعليم الثانوي؛ فكانت الكتابة عن حياتي فرصة للتعبير عن رغبات محبطة أو متاعب لا شعورية، كما كانت فرصة للتعبير عن لحظات الفرح الممتعة في سيرة حياتي المليئة بالمنعرجات والمطبات. إنه بالفعل نموذج الكتاب الذي يعرف في عالم التربية بـ«كتاب التعلم» (Livre d'apprentissage).
د. عبد المالك أشهبون: الأثر السحري لكتاب «حياتي» لأحمد أمين
د. عبد المالك أشهبون: الأثر السحري لكتاب «حياتي» لأحمد أمين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة