الرئيس المصري يوجّه بتوسيع دائرة التعاون مع الدول الأفريقية

السيسي خلال لقائه رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء (الرئاسة)
السيسي خلال لقائه رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء (الرئاسة)
TT

الرئيس المصري يوجّه بتوسيع دائرة التعاون مع الدول الأفريقية

السيسي خلال لقائه رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء (الرئاسة)
السيسي خلال لقائه رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء (الرئاسة)

في مسعى لاستعادة مصر لدورها الأفريقي، وتفعيله على شتى المستويات، اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيس وزرائه مصطفى مدبولي، وعدد من الوزراء، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، لبحث سبل توسيع دائرة التعاون مع الدول الأفريقية.
وقال السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، إن الاجتماع تناول متابعة مجمل أنشطة الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي خلال العام الحالي، لتعزيز العلاقات مع القارة الأفريقية، سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد الأطراف، وتجسيداً لاستعادة الدور المحوري المصري، كإحدى الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية الأم في ستينات القرن الماضي، وهو التحرك الذي لاقى مردوداً إيجابياً واسعاً لدى الأشقاء الأفارقة.
وأوضح المتحدث أن الرئيس السيسي وجه بالاستمرار في العمل على توسيع دائرة التعاون مع الدول الأفريقية الأشقاء، ومد جسور التواصل الحضاري مع شعوبها كافة، وكذلك تسخير الإمكانات المصرية لصالح القارة، والانخراط بفاعلية في صياغة وتطوير آليات العمل الأفريقي المشترك، تحقيقاً للمصلحة المشتركة لجميع الدول الأفريقية فيما يتعلق بالقضايا المحورية التي تمسها، خاصة الملفات التنموية والخدمية، وملفات صون السلم والأمن في أفريقيا.
كما وجه السيسي بتطبيق تصور متكامل ورؤية مستقبلية على المستويين الثنائي، أو في إطار الاتحاد الأفريقي وأجهزته وآلياته، بما يضمن الاستمرارية للمبادرات والأنشطة المصرية التي تم بلورتها خلال رئاسة مصر للاتحاد، أخذاً في الاعتبار محاور أجندة التنمية الأفريقية 2063، ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.
وتناول الاجتماع، الذي حضره وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة والخارجية، والتعليم العالي والبحث العلمي، والمالية، والصحة والسكان، والزراعة واستصلاح الأراضي، والتجارة والصناعة، وقطاع الأعمال العام، والنقل، الخطوات التي تمت لتطبيق خطة الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي، بما تحمله من أولويات وأهداف، لا سيما في مجال التكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي، خصوصاً من خلال دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية حيز النفاذ في مايو (أيار) الماضي، وإطلاق المنطقة التجارية الحرة رسمياً خلال القمة الاستثنائية الأفريقية الأخيرة بالنيجر، إلى جانب جهود دعم مشروعات البنية التحتية في أفريقيا، كطريق القاهرة كيب تاون، ومشروعات الربط الكهربائي للمساهمة في تعزيز الاندماج القاري. وفي سياق متصل، شدد عدد من النواب المصريين والأفارقة، خلال اجتماع استضافه أمس مجلس النواب المصري (البرلمان)، على أهمية التوصل لتشريعات موحدة، وتبادل الخبرات، قصد تعزيز التعاون المشترك في مجال المياه، وتفعيل فرص الاستثمار، خصوصاً في المجال الزراعي.
وترأس الاجتماع عبدو بكار كون صديقي، رئيس لجنة التعاون والعلاقات الدولية وفض المنازعات بالبرلمان الأفريقي، وأكد عدد من النواب المشاركين على أهمية التوصل إلى تشريعات موحدة، وتبادل الخبرات لتعزيز التعاون المشترك في مجال المياه، وتفعيل فرص الاستثمار، لا سيما في المجال الزراعي.
وطالب النائب نور الدين قربال، عضو البرلمان الأفريقي عن دولة المغرب، بضرورة التفكير في ندرة المياه وكيفية تدبيرها، والعمل على تحقيق ذلك من خلال رؤية واضحة، لافتاً إلى أن التكنولوجيا تلعب دوراً استراتيجياً أيضاً فيما يخص الحلول المتعلقة بالمياه المشتركة بين البلدان الأفريقية.
وعقب السفير ياسر سرور، نائب مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون المياه، بأن تعزيز العمل المشترك في مجال المياه يتطلب إجراء تعديلات على التشريعات المنظمة للمياه، بهدف الخروج برؤية تحقق الإدارة المستدامة على الصعيد المحلي، وزيادة الوعي بأهمية المياه.
كما نوه سرور بمقترح طرحه رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال بشأن إنشاء تجمع للبرلمانيين في دول حوض النيل، لافتاً إلى أن هذا المقترح يصب في مصلحة التعاون المشترك، ويهدف إلى تفعيل فرص الحوار على المستويات كافة، وتعزيز التعاون كذلك بين المجال الخاص.
من جهتها، أكدت النائبة الأوغندية موريس أورجينجا لاتيجو أهمية الاستثمار المصري في المجال الزراعي في أوغندا، قائلة: «بحيرة فيكتوريا ستدفعنا جميعاً للتقارب من خلال الاستخدام العملي للمياه»، وشددت على أهمية تبادل الخبرات التشريعية لتعزيز فرص التعاون المشترك في هذا المجال.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.