واشنطن تجمد أصول الحكومة الفنزويلية

المرة الأولى منذ 30 عاماً التي تبادر فيها بإجراءات ضد دولة غربية

الرئيس مادورو يصافح أحد الجنود في خلال احتفالات الحرس الوطني الفنزويلي (رويترز)
الرئيس مادورو يصافح أحد الجنود في خلال احتفالات الحرس الوطني الفنزويلي (رويترز)
TT

واشنطن تجمد أصول الحكومة الفنزويلية

الرئيس مادورو يصافح أحد الجنود في خلال احتفالات الحرس الوطني الفنزويلي (رويترز)
الرئيس مادورو يصافح أحد الجنود في خلال احتفالات الحرس الوطني الفنزويلي (رويترز)

بعد أشهر من المراوحة في مواقفها من الأزمة الفنزويلية، قرّرت الإدارة الأميركية الذهاب إلى أبعد الحدود الممكنة في العقوبات الاقتصادية لتضييق الخناق على نظام مادورو، في الوقت الذي لم تظهر فيه بعد أي نتائج ملموسة عن المفاوضات الجارية برعاية نرويجية في باربادوس، بين النظام والمعارضة. وقد وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً بتجميد «جميع الأصول العائدة للنظام الفنزويلي والموجودة في الولايات المتحدة، ومنع تحويلها أو نقلها أو تسييلها أو سحبها أو التفاوض عليها»، بحيث تضاف فنزويلا إلى قائمة البلدان الخاضعة لمثل هذه القيود الأميركية القصوى؛ وهي كوريا الشمالية وإيران وسوريا وكوبا.
وتمثل العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ يوم الاثنين، تصعيداً كبيراً في المحاولات الأميركية الرامية لإقصاء مادورو، الذي فاز بولاية ثانية في انتخابات متنازع عليها العام الماضي، عن منصبه.
وجاء في حيثيّات الأمر التنفيذي أن القرار هو نتيجة «لاستمرار نظام نيكولاس مادورو في اغتصاب السلطة وانتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات الاعتباطية وغير القانونية، واحتجاز المواطنين وقمع حريّة التعبير والمحاولات المستمرة لمنع الرئيس المؤقت خوان غوايدو والجمعية الوطنية الفنزويلية من ممارسة صلاحياتهم الشرعية».
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت الدولة الأولى التي اعترفت برئيس البرلمان خوان غوايدو رئيساً للجمهورية بالوكالة في مطلع العام الحالي، ودعت إلى عملية انتقال ديمقراطي للسلطة وإجراء انتخابات رئاسية شفّافة، وحذت حذوها بعد ذلك ما يزيد على 50 دولة.
وهذه هي المرة الأولى منذ 30 عاماً التي تبادر فيها الولايات المتحدة إلى تجميد أصول دولة غربية، بعد أن كانت قد فرضت عقوبات على عشرات الأفراد والهيئات الفنزويلية، وفي طليعتها شركة النفط الرسمية والمصرف المركزي والمصرف الفنزويلي للتنمية. وكان الرئيس الأميركي قد لمح في الأسبوع الماضي إلى أن إدارته تدرس فرض مثل هذه العقوبات الجديدة في ضوء الدعم الذي بدأت تقدمه الصين وإيران إلى نظام مادورو.
وكتب ترمب في رسالة بعثها إلى الرّئيسة الديمقراطيّة لمجلس النوّاب نانسي بيلوسي: «من الضروري تجميد كلّ أصول حكومة فنزويلا، بسبب استمرار اغتصاب السُلطة من جانب نظام نيكولاس مادورو غير الشرعي».
ويأتي هذا التصعيد تمهيداً للعقوبات التي ستعلنها واشنطن ضد كاراكاس في المؤتمر الدولي حول الديمقراطية في فنزويلا، الذي تنظّمه «مجموعة ليما» في بيرو لمعالجة الأزمة الفنزويلية. وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون قد أعلن أن الولايات المتحدة ستكشف عن «إجراءات واسعة ستكون لها تداعيات كثيرة على نظام مادورو»، وحذّر بكين وموسكو من «أن مواصلة الدعم للنظام الفنزويلي من شأنها أن تؤثر لاحقاً على الديون بعد سقوط مادورو». وتشارك في المؤتمر الدولي 59 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي والبنك الأميركي للتنمية. وقد أفادت مصادر دبلوماسية أوروبية بأن واشنطن أجرت اتصالات مكثّفة في الأيام الأخيرة مع عدد من العواصم الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، وحثّتها على الاقتداء بها وفرض مزيد من العقوبات على النظام الفنزويلي.
يُذكر أن الولايات المتحدة بدأت منذ عام 2017 بفرض عقوبات على كاراكاس، لكن العقوبات التي أعلنتها الإدارة الأميركية هذا العام هي الأقسى حتى الآن، ومن شأنها أن تدفع فنزويلا نحو مزيد من الصعوبات في ظل انهيار الاقتصاد والانقسام السياسي والاجتماعي العميق الذي تعاني منه البلاد منذ بداية الأزمة. فالقيود التي فرضتها واشنطن على صادرات النفط الفنزويلي، والتي بدأت مفاعيلها في مايو (أيار) الماضي، أدّت إلى انخفاض ملحوظ في السيولة النقدية للنظام وشحّ في الإمدادات المحليّة بالوقود، ما دفع بالنظام إلى بيع قسم من الاحتياطي الوطني من الذهب وطبع مزيد من العملة، ما أدّى إلى ارتفاع كبير في نسبة التضخم التي كانت أصلاً الأعلى في العالم.
ومن المؤشرات الواضحة الدّالة على الأزمة النقدية والتموينية التي يمرّ بها النظام، كان القرار الذي اتخذته الحكومة منذ أسبوعين بتجميد برنامج المساعدة للمواطنين عن طريق توزيع سلع أساسية بأسعار مدعومة، يعتمد عليه ما يزيد على 17 مليون فنزويلي ويستخدمه النظام لرصّ صفوف قاعدته الشعبية. وكانت دراسة وضعها البنك الأميركي للتنمية قد أظهرت في العام الماضي أن أكثر من 90 في المائة من الفنزويليين لا تكفي مداخيلهم لتغطية احتياجاتهم الغذائية، وأن أكثر من نصف العائلات يعيش في حالة من الفقر.
ويتوقّع الخبراء في اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة في أميركا اللاتينية أن فنزويلا قد تكون على أبواب أزمة إنسانية بالغة الخطورة إذا تعرّضت لحصار اقتصادي شامل، حيث إن التضخّم الجامح أوشك أن يدخل عامه الثالث على التوالي، فيما يعاني القطاع الإنتاجي من الشلل، خصوصاً في الزراعة، إضافة إلى أن الإجراءات النقدية التي اتخذتها الحكومة منذ أقل من عام قد انتفى مفعولها أمام ارتفاع سعر الدولار الذي أصبح منذ سنوات العملة الفعلية في البلاد. وكان صندوق النقد الدولي قد رسم صورة قاتمة جداً للوضع الفنزويلي في تقرير كشف عنه الأسبوع الماضي، وتوقّع فيه أن تصل نسبة التضخّم في نهاية العام الحالي إلى مليون في المائة، وأن يتراجع الاقتصاد بنسبة 35 في المائة بسبب انخفاض الإنتاج النفطي الذي أصبح دون المليون برميل يوميّاً.
وفي أوّل رد فعل على العقوبات الأميركية الأخيرة، قال الرئيس الفنزويلي المكلّف خوان غوايدو، إنها تهدف إلى حماية الأصول الفنزويلية في الخارج، خصوصاً مصفاة النفط الرئيسية «سيتغو» المتنازع عليها قانونيّاً منذ عهد شافيز. وأضاف: «هذه العقوبات ستثبط عزيمة الذين يفكّرون في الاستفادة من الأزمة عن طريق التعاون التجاري مع النظام، لأنهم سيتعرّضون للملاحقة القانونية بسبب التعامل مع نظام ديكتاتوري وتقديم الدعم له، كما سيخضعون لعقوبات بسبب مشاركتهم في ارتكاب جرائم لا ينطبق عليها مبدأ التقادم».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».