«الجزر الخمس»... مهرجان غنائي موسيقي في ضيافة لبنان

60 فناناً أجنبياً ومحلياً يحيونه

«مهرجان الجزر الخمس» الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي
«مهرجان الجزر الخمس» الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي
TT

«الجزر الخمس»... مهرجان غنائي موسيقي في ضيافة لبنان

«مهرجان الجزر الخمس» الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي
«مهرجان الجزر الخمس» الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي

هو ليس مجرد حدث فني يشهده لبنان كغيره من الحفلات والمهرجانات التي تجري على أرضه، فالهدف من إقامة «مهرجان الجزر الخمس»، هو إدراج لبنان على خارطة المهرجانات الموسيقية العالمية أسوة بأخرى تحصل في أوروبا وأميركا.
ففي 10 و11 أغسطس (آب) الجاري، تشهد بلدة كفردبيان اللبنانية أحد أكبر المهرجانات لموسيقى التكنو، ويستقطب شريحة لا يستهان بها من الشباب العربي عامة واللبناني خاصة. وذلك في حلبة المزار للتزلج وهي الأشهر في المنطقة لممارسة هذه الرياضة في فصل الشتاء.
ويعدّ مهرجان «الجزر الخمس» في نسخته الأولى، احتفالية تحمل دلالة مباشرة على لبنان المضيء بجميع أطيافه، كونه تظاهرة فنية وثقافية جديدة من نوعها تأتي في مناسبة عيدي الأضحى عند المسلمين والسيدة العذراء عند المسيحيين. وهو الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي.
وتحمل «الجزر الخمس» التي استحدثت على مساحات واسعة من حلبة التزلج «وردة» المعروفة بين حلبات منطقة المزار، لتكون شبيهة إلى حد كبير بقاعات مفتوحة في الهواء الطلق تتلألأ سماؤها بضوء القمر، وذات أسماء لها دلالتها وترتبط ارتباطاً مباشراً بالأجواء الفنية والثقافية التي تدور فيها. فكما «جزيرة الشمس» و«جزيرة الروح» و«جزيرة الأم» هناك أيضاً جزيرتا «اللقاء» و«الجنة». ويقام في كل منها حفلات موسيقية مختلفة تتنوع ما بين الديسكو والـ«هاوس» والـ«آفرو» وغيرها.
«هذا المهرجان يحمل مهمتين أساسيتين أردناهما أن تصبا في خانة التعريف بالوجه المضيء للبنان». يقول وسيم بو ملهم المسؤول الإعلامي في المهرجان. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: يُنظم هذا النوع من المهرجانات في مختلف بلدان العالم كما يتضمن أكثر من مسرح ويجري على أكثر من يوم. ومن هذا المنطلق الذي يؤلف المعنى الحقيقي للمهرجان الموسيقي نُنظم «الجزر الخمس» ليصبح تقليداً سنوياً يجري في موعده وعلى أرض استأجرناها لخمسة أعوام متتالية. ونأمل بأن يشكل مع الوقت محطة فنية ووجهة سياحية سنوية تستقطب الشباب من مختلف دول العالم تماماً كمهرجانات «كوتشيللا» و«تومورو لاند» و«غلاستونبوري» و«بريمافيرا ساوند» وغيرها. ويتابع بو ملهم الذي يؤكد في معرض حديثه أن المهرجان يسجل إقبالاً كبيراً من قبل شباب مصري وأردني وخليجي إضافة إلى اللبناني فيقول: «أمّا الهدف الثاني الذي ينطوي عليه هذا الحدث فهو التوعية للحفاظ على البيئة بالدرجة الأولى. وفيه سيجري الابتعاد كلياً عن استعمال المواد البلاستيكية والاكتفاء بالورقية والكرتونية منها. حتى إن قوارير المياه المعبأة في أقنية من البلاستيك سيعاد تدويرها مباشرة على أرض المهرجان بالتعاون مع مؤسسة (آرك أون سييل) الرائدة في لبنان في هذا المجال».
ويخصّص المهرجان مساحة لهواة التخييم للاستمتاع ليلاً بمشهدية النجوم المضاءة في سماء كفردبيان التي يخيّل لناظرها أنها على مرمى حجر منه للمسافة القريبة التي تفصله عنها. والمطلوب أن يحمل هواة الترحال بهذه الطريقة، خيمهم الخاصة، أو أن يستأجروا واحدة من مركز بيع في المهرجان، تحت عنوان «أغوسطو كامبينغ زون».
ويتيح المهرجان المنظم من قبل «غراند فاكتوري» وشركة المزار لمن يرغب في المساعدة والمشاركة في تنظيمه فرصة التطوع لمد يد العون لمنظميه. فيعيشون هذه التجربة الفنية الفريدة من نوعها عن قرب ويكونون من أركانها الأساسيين.
ومن النشاطات الأخرى التي تتخلّله، فهناك منطقة خاصة بالطعام والأطباق العالمية، حيث يصطف في هذه المساحة الواسعة عشرات الأكشاك الخشبية التي تقدم لرواد المهرجان ما لذّ وطاب من مأكولات لبنانية وغربية.
كما ينظم المهرجان لهواة رياضة السير على الأقدام (هايكينغ)، رحلات طويلة وقصيرة ليتعرفوا إلى هذه المنطقة الخلابة وما تتضمن من مغاور وجسور ومحميات رسمتها أنامل طبيعة خلّابة مشهورة بها، بمنطقتي فقرا وكفردبيان على السواء. وكذلك يقيم جلسات خاصة برياضة اليوغا مع المدرب اللبناني المعروف جاد عاصي.
«هي احتفالية فنية بكل ما للكلمة من معنى، تشكل ببرنامجها الموسيقي الغني بالعزف والغناء تظاهرة فنية تنشر ثقافات بلدان مختلفة». يوضح وسيم بو ملهم في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» ويقول: «سيستمتع اللبنانيون بتمضية سهرات فريدة من نوعها تتضمن إضافة إلى برنامجها الموسيقي عرض أفلام قصيرة عن لبنان الثقافة والجمال، من شأنها أن تزود مشاهدها بفكرة عن النشاطات التي تجري فيه طيلة أيام السنة، والتي تؤكد أن بلدنا هو بالفعل بلد الحضارات والثقافات المتنوعة وليس كما يحاول كثيرون تشويه سمعته».
ومن الفرق الأجنبية المشاركة في "الجزر الخمس" أفريقوا" و"جيمي جولز" و"ديستانت ايكوز" وماركو ريسمان" وغيرها، التي ستحيي السهرة الأولى من المهرجان في العاشر من الشهر الجاري. فيما يتولى عدد من لاعبي الموسيقى (دي جي) كحسن عواضة وكارل عفيف وبهجت هندي واتيان بستاني وفانيسا وغيرهم إحياء هذا المهرجان من خلال وضع موسيقى حماسية تشعل الأجواء طيلة السهرة الأولى وحسب الجزيرة التي تحتضنهم.
أما في اليوم الثاني من المهرجان فتزدحم أسماء موسيقيين أجانب لتحيي ختام هذه التظاهرة الفنية.
ويجتمع في الجزر الخمس "بلاك موشين" و"ديبورا دي لوتشا" و"هنريك شوارز" و"بريتا أرنولدز" وغيرها من الفرق الغنائية والعازفة لتقديم استعراضات موسيقية حية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».