تفاقم المخاوف من «الدواعش» العائدين

اتهامات تلاحقهم بتزويد «الإرهابيين» معلومات وأموال

«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)
«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)
TT

تفاقم المخاوف من «الدواعش» العائدين

«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)
«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)

«العائدون من «داعش»» إشكالية كبيرة ما زالت تتفاقم وتُثير الرعب والفزع في أوروبا، وبعض دول أفريقيا، خاصة مع فرار معظم عناصر التنظيم من أراضي سوريا والعراق. وكشفت دراسة مصرية حديثة عن «وجود اتهامات للعائدين بأنهم يمدون (الإرهابيين) بالمعلومات والأموال». اتسق ذلك مع آراء خبراء وباحثين أكدوا أن «هناك مخاوف من تنفيذ هؤلاء أنفسهم عمليات إرهابية، ذات نهج فردي على طريقة (الذئاب المنفردة)، لذا ترفض بعض الحكومات عودة مواطنيها الذين انضموا إلى (داعش)، وتتخذ إجراءات مشددة في ذلك مثل: إلغاء الجنسية، وسحب جوازات السفر».
ويقول الخبراء والباحثون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك احتمالات تتعلق بإمكانية التحاق العائدين من (داعش) بفصائل متطرفة أخرى عند عودتهم للدول، ليستمر مسلسل ميلاد جماعات إرهابية جديدة». مطالبين «بوجوب وضع هذا الأمر على أجندة الأولويات الأمنية لجميع الدول». «العائدون» قسمتهم الدراسة المصرية على قسمين، الأول هم الذين اقتنعوا بدعاية التنظيم الضالة والمضللة، وسافروا إلى أماكن تمركزه السابقة في سوريا والعراق منذ عام 2014، ثم انجلت لهم حقيقة التنظيم، فاكتشفوا فساد فكره، وانشقوا عنه عقب هزائمه، وعادوا إلى بلادهم مرة أخرى، وهؤلاء يمكن أن نطلق عليهم «المنشقين»... والثاني هم من عادوا إلى بلادهم «متسللين» أو مقبوضا عليهم أثناء محاولة عبور الحدود وصولاً لدولهم، أو عبور الحدود لدولة أخرى.

إجراءات مشددة
الدراسة المصرية، التي أعدها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالقاهرة، تلفت إلى أن هؤلاء (أي العائدين) يمثلون قلقاً بالغاً للحكومات التي تخشى من منهج العنف والتطرف الذي يتبناه هؤلاء مخافة نشره، ومخافة تكوين «خلايا» تقوم بعمليات إرهابية من وقت لآخر، أو تقدم دعماً معلوماتياً ومادياً لـ«متطرفين» يريدون تنفيذ عمليات إرهابية، فضلاً عن مخافة تنفيذ هؤلاء أنفسهم عمليات إرهابية ذات نهج فردي على طريقة «الذئاب المنفردة»، ومن ثم ترفض بعض الحكومات عودة مواطنيها الذين انضموا إلى «داعش»، وتتخذ إجراءات مشددة في ذلك مثل، إلغاء الجنسية، وسحب جوازات السفر.
وأكد العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي في مصر، أن «عودة الدواعش للدول تمثل خطراً كبيراً، لكونهم كانوا مقتنعين تماماً بأهداف التنظيم المتطرفة، وتلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة، وعاشوا في أجواء العنف، واكتسبوا خبرات قتالية، جعلت منهم خطراً دائماً في أي مكان يوجدون فيه»، مضيفاً أن «الدول خاصة الأوروبية تتعامل مع هذا الملف باهتمام شديد، وتتخذ إجراءات مختلفة حيال ذلك».
وقال باحثون في مرصد الأزهر، إنه «لا تزال المخاوف قائمة من عودة هؤلاء لبلدانهم أو التحاقهم بفصائل إرهابية أخرى؛ ليستمر مسلسل ميلاد جماعات جديدة، كما كان الحال مع (داعش) التي نشأت من رحم (القاعدة)». وأكد الباحثون أن سؤال مصير العائدين من (داعش) هو السؤال الأهم للحكومات، وكيف يمكن التعامل معهم، ولا شك أن الإجابة ستختلف من دولة لأخرى، حسب سياسة كل دولة وقدراتها الأمنية؛ لكن الشيء الذي لا خلاف عليه، هو وجوب وضع هذا الأمر على أجندة الأولويات الأمنية لجميع الدول.
ويرى مراقبون أن «الخطر الذي تُشكله عودة هؤلاء (المقاتلين) إلى بلدانهم الأصلية، يُضعف فرصة نجاة هؤلاء بحياتهم، لا سيما أن كثيرا من تلك الدول ترفض استعادة رعاياها... وشهادات كثير من (المقاتلين الأجانب) تُظهر تمسكهم بالآيديولوجية الداعشية، وأملهم في عودة دولتهم يوماً ما».

عناصر مهزومة
وعن مخاطر العائدين من «داعش». قال الباحثون في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف «إذا نظرنا إلى المخاطر التي من الممكن أن تسببها عودة هؤلاء (المقاتلين) للدول، نجد أنه من ‏الناحية الفكرية والعقدية، سيكون تأثيرهم أقوى، وطريقة إقناعهم أسرع، فهم ‏من بويعوا من قبل، وينظر إليهم على أنهم الذين هاجروا لنصرة الدين وإقامة ‏(الدولة) - على حد زعمهم - إلا أن الحظ لم يكن حليفاً لهم، وسيكون ذلك باعثاً قوياً للذين بايعوهم من قبل ومثيراً ‏لحماستهم، لأن يسعوا لإكمال المشوار من بعدهم».
المراقبون قالوا إن بعض هؤلاء المقاتلين كانوا يتولون مهام رئيسية داخل «داعش» لقدراتهم القتالية والتنظيمية الكبيرة، خاصة في العمليات الانتحارية، أو الانغماسية، التي يكون الهدف منها هو الإيقاع بأكبر عدد من الخسائر البشرية.
اتفق مع الرأي السابق خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الأصولية بمصر، مؤكداً أنه «لا شك أن (العائدين) ليسوا مجرد عناصر مهزومة فقط، فمنهم من أصيب بخيبة أمل، وبعضهم يأمل في العودة من جديد مستقبلاً لسوريا والعراق؛ لكنهم لن يتخلوا عن أفكار التنظيم الإرهابية»، لافتاً إلى أن «هناك اتهامات تلاحقهم بقيامهم بدعم (المتطرفين) بالمعلومات والأموال».
في غضون ذلك، قالت الدراسة إنه «من خلال شهادات (العائدات الداعشيات) نستنبط أنهن حديثات عهد بالتدين، ويفتقرن إلى أي خلفية ثقافية دينية تؤهلهن إلى فهم تعاليم الدين فهماً صحيحاً، وفي الوقت ذاته هن متحمسات للبحث في الدين ومعرفة حقائقه، الأمر الذي جعلهن لقمة سائغة للوقوع في براثن التنظيم، فانخدعن بشعاراته الزائفة التي صورت لهن من قبل - كذباً وزوراً - العيش في المدينة الفاضلة».
وذكرت الدارسة أن «شهادات بعض العائدات من (داعش) أكدت أنه تم استقطابهن جميعاً من خلال مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، و(الذئاب المنفردة) خير دليل على مدى أهمية هذه المواقع للتنظيم ومؤيديه، الذين لم يستطيعوا الذهاب إلى أماكن تمركزه الرئيسية في السابق؛ لكنهم تشبعوا بأفكار التنظيم عبر مواقع الإنترنت، وقاموا بتنفيذ عمليات إرهابية في بلادهم، وهذا يدل على مدى أهمية الإعلام ومواقع التواصل، التي فطن لها التنظيم من قبل».

تطلعات «الداعشيات»
ويشار إلى أن الهزائم الكبيرة التي مُني بها «داعش» خلال الفترة الماضية، طرحت دلالات كثيرة، تتمثل أبرزها في وجود عدد ليس قليلاً من الأوروبيات اللاتي انخرطن في صفوفه، بشكل أثار مخاوف كثيرة لدى الدول الأوروبية من التداعيات التي يمكن أن تفرضها عودتهن المُحتملة إلى أراضيها، خاصة في ظل تمسكهن بالأفكار التي تبناها التنظيم.
وفي عام 2014 أسس التنظيم كتيبة نسائية تُسمى «الخنساء»، كان من إحدى مهامها الرئيسية استقطاب النساء عبر الإنترنت، وإقناعهن في ذلك الحين بالسفر إلى سوريا أو العراق، للزواج من مقاتلي التنظيم، وإنجاب الأطفال، وبعد ذلك شاركن في العمليات القتالية.
ووفقاً لتقارير دولية، فإن بعض «الداعشيات» الأوروبيات رفضن التخلي عن النقاب، ورفضن الاتهامات التي توجه لأزواجهن من عناصر التنظيم بأنهم «إرهابيون»، فضلاً عن إصرارهن على اعتبار الحياة في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم «نموذجاً مصغراً لمشروع إسلامي... كما لم يخفين تطلعهن إلى العودة من جديد لتلك المناطق، في حالة ما إذا أتيحت لهن الفرصة».
وقالت الدراسة المصرية إن «داعش» خدع الفتيات بتفسيراته المغلوطة لقضايا ومصطلحات بعينها، مثل «الهجرة»، و«الخلافة»، و«تطبيق الشريعة»، وهي قضايا مهمة، ودائماً ما يستغلها «المتطرفون» في استقطاب الشباب، وتكفير المجتمعات، موضحة أنه من خلال شهادات «العائدات» نستنتج الانحلال الأخلاقي لقادة تنظيم «داعش»، ففي حين كانوا يأمرون الشباب بالخروج للقتال، يجلسون هم في منازلهم يتناولون أجود أنواع الطعام... وبعض «المنشقين» عن التنظيم أكدوا أن الفساد كان بداخله ممنهجاً، وله مظاهر كثيرة، ويرتبط بقادة التنظيم، الذين كانوا يعقدون صفقات بترولية وتجارية مع من يدعون أن قتالهم من الأهداف الرئيسية للتنظيم، لذلك وصف أحد المنشقين قيادات التنظيم بأنهم عصابة من «المرتزقة».

المقاتلون الأجانب
في السياق نفسه، تحدثت الدراسة أيضاً عن مصطلح «المقاتلين الأجانب» في «داعش» الإرهابي. وقالت إنه «لم يقتصر الانضمام إلى التنظيم على الشباب والفتيات في دول المشرق العربي والإسلامي فحسب؛ بل انضم إلى التنظيم عدد كبير من الشباب الغربي». وأضافت: «يُمكننا القول إن (المقاتلين الأجانب) ليست ظاهرة جديدة أو خاصة بـ(داعش)؛ بل هي ظاهرة قديمة، إذ تدفقت موجات من (المقاتلين الأجانب) في أوقات متباينة نحو مناطق النزاع في الخارج، مثل (أفغانستان، والبوسنة، والعراق)؛ لكن أمر (المقاتلين الأجانب) الذين تدفقوا إلى سوريا جعل منها أكثر دولة في العالم جذباً لـ(المقاتلين الأجانب) خلال السـنوات العشــر أو العشريــن الماضيــة؛ بل إن أعداد (المقاتلين) الأوروبيين الذين ذهبوا إلى سوريا في السنوات الأخيرة، فاق بكثير عـدد الذين انضموا للقتال في جميع أماكن الصراع الأخرى علــى مــدى الســنوات الماضية».
ويقدر باحثون ومراقبون تدفقات «المقاتلين الأجانب» إلى سوريا والعراق خلال السنوات الماضية بـ60 ألف مقاتل، حضروا من أكثر من 110 دول... من بين هؤلاء ما يقرب من 6 آلاف من أوروبا، بنسب مختلفة من بلد لآخر؛ حيث إن نحو 70 في المائة منهم أتوا من أربع دول هي «فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا»، في حين تُعد إسبانيا من أقل الدول الأوروبية التي انضم منها مقاتلون إلى «داعش» في سوريا والعراق، وكذلك إيطاليا.
وخلصت الدراسة المصرية إلى أن الجهل بالدين وعدم معرفته معرفة صحيحة، كان سبباً للانحراف واعتناق الفكر المتطرف، بالإضافة إلى سهولة الاستقطاب من قبل بعض الجماعات الإرهابية، خصوصاً تنظيم «داعش» الذي كان لا يهتم بمستوى العضو الديني ومدى خلفيته الثقافية؛ بل فتح أبوابه من قبل أمام جميع من يريد الانضمام إليه حتى وإن لم يكن متديناً.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».