تفاقم المخاوف من «الدواعش» العائدين

اتهامات تلاحقهم بتزويد «الإرهابيين» معلومات وأموال

«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)
«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)
TT

تفاقم المخاوف من «الدواعش» العائدين

«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)
«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)

«العائدون من «داعش»» إشكالية كبيرة ما زالت تتفاقم وتُثير الرعب والفزع في أوروبا، وبعض دول أفريقيا، خاصة مع فرار معظم عناصر التنظيم من أراضي سوريا والعراق. وكشفت دراسة مصرية حديثة عن «وجود اتهامات للعائدين بأنهم يمدون (الإرهابيين) بالمعلومات والأموال». اتسق ذلك مع آراء خبراء وباحثين أكدوا أن «هناك مخاوف من تنفيذ هؤلاء أنفسهم عمليات إرهابية، ذات نهج فردي على طريقة (الذئاب المنفردة)، لذا ترفض بعض الحكومات عودة مواطنيها الذين انضموا إلى (داعش)، وتتخذ إجراءات مشددة في ذلك مثل: إلغاء الجنسية، وسحب جوازات السفر».
ويقول الخبراء والباحثون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك احتمالات تتعلق بإمكانية التحاق العائدين من (داعش) بفصائل متطرفة أخرى عند عودتهم للدول، ليستمر مسلسل ميلاد جماعات إرهابية جديدة». مطالبين «بوجوب وضع هذا الأمر على أجندة الأولويات الأمنية لجميع الدول». «العائدون» قسمتهم الدراسة المصرية على قسمين، الأول هم الذين اقتنعوا بدعاية التنظيم الضالة والمضللة، وسافروا إلى أماكن تمركزه السابقة في سوريا والعراق منذ عام 2014، ثم انجلت لهم حقيقة التنظيم، فاكتشفوا فساد فكره، وانشقوا عنه عقب هزائمه، وعادوا إلى بلادهم مرة أخرى، وهؤلاء يمكن أن نطلق عليهم «المنشقين»... والثاني هم من عادوا إلى بلادهم «متسللين» أو مقبوضا عليهم أثناء محاولة عبور الحدود وصولاً لدولهم، أو عبور الحدود لدولة أخرى.

إجراءات مشددة
الدراسة المصرية، التي أعدها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالقاهرة، تلفت إلى أن هؤلاء (أي العائدين) يمثلون قلقاً بالغاً للحكومات التي تخشى من منهج العنف والتطرف الذي يتبناه هؤلاء مخافة نشره، ومخافة تكوين «خلايا» تقوم بعمليات إرهابية من وقت لآخر، أو تقدم دعماً معلوماتياً ومادياً لـ«متطرفين» يريدون تنفيذ عمليات إرهابية، فضلاً عن مخافة تنفيذ هؤلاء أنفسهم عمليات إرهابية ذات نهج فردي على طريقة «الذئاب المنفردة»، ومن ثم ترفض بعض الحكومات عودة مواطنيها الذين انضموا إلى «داعش»، وتتخذ إجراءات مشددة في ذلك مثل، إلغاء الجنسية، وسحب جوازات السفر.
وأكد العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي في مصر، أن «عودة الدواعش للدول تمثل خطراً كبيراً، لكونهم كانوا مقتنعين تماماً بأهداف التنظيم المتطرفة، وتلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة، وعاشوا في أجواء العنف، واكتسبوا خبرات قتالية، جعلت منهم خطراً دائماً في أي مكان يوجدون فيه»، مضيفاً أن «الدول خاصة الأوروبية تتعامل مع هذا الملف باهتمام شديد، وتتخذ إجراءات مختلفة حيال ذلك».
وقال باحثون في مرصد الأزهر، إنه «لا تزال المخاوف قائمة من عودة هؤلاء لبلدانهم أو التحاقهم بفصائل إرهابية أخرى؛ ليستمر مسلسل ميلاد جماعات جديدة، كما كان الحال مع (داعش) التي نشأت من رحم (القاعدة)». وأكد الباحثون أن سؤال مصير العائدين من (داعش) هو السؤال الأهم للحكومات، وكيف يمكن التعامل معهم، ولا شك أن الإجابة ستختلف من دولة لأخرى، حسب سياسة كل دولة وقدراتها الأمنية؛ لكن الشيء الذي لا خلاف عليه، هو وجوب وضع هذا الأمر على أجندة الأولويات الأمنية لجميع الدول.
ويرى مراقبون أن «الخطر الذي تُشكله عودة هؤلاء (المقاتلين) إلى بلدانهم الأصلية، يُضعف فرصة نجاة هؤلاء بحياتهم، لا سيما أن كثيرا من تلك الدول ترفض استعادة رعاياها... وشهادات كثير من (المقاتلين الأجانب) تُظهر تمسكهم بالآيديولوجية الداعشية، وأملهم في عودة دولتهم يوماً ما».

عناصر مهزومة
وعن مخاطر العائدين من «داعش». قال الباحثون في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف «إذا نظرنا إلى المخاطر التي من الممكن أن تسببها عودة هؤلاء (المقاتلين) للدول، نجد أنه من ‏الناحية الفكرية والعقدية، سيكون تأثيرهم أقوى، وطريقة إقناعهم أسرع، فهم ‏من بويعوا من قبل، وينظر إليهم على أنهم الذين هاجروا لنصرة الدين وإقامة ‏(الدولة) - على حد زعمهم - إلا أن الحظ لم يكن حليفاً لهم، وسيكون ذلك باعثاً قوياً للذين بايعوهم من قبل ومثيراً ‏لحماستهم، لأن يسعوا لإكمال المشوار من بعدهم».
المراقبون قالوا إن بعض هؤلاء المقاتلين كانوا يتولون مهام رئيسية داخل «داعش» لقدراتهم القتالية والتنظيمية الكبيرة، خاصة في العمليات الانتحارية، أو الانغماسية، التي يكون الهدف منها هو الإيقاع بأكبر عدد من الخسائر البشرية.
اتفق مع الرأي السابق خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الأصولية بمصر، مؤكداً أنه «لا شك أن (العائدين) ليسوا مجرد عناصر مهزومة فقط، فمنهم من أصيب بخيبة أمل، وبعضهم يأمل في العودة من جديد مستقبلاً لسوريا والعراق؛ لكنهم لن يتخلوا عن أفكار التنظيم الإرهابية»، لافتاً إلى أن «هناك اتهامات تلاحقهم بقيامهم بدعم (المتطرفين) بالمعلومات والأموال».
في غضون ذلك، قالت الدراسة إنه «من خلال شهادات (العائدات الداعشيات) نستنبط أنهن حديثات عهد بالتدين، ويفتقرن إلى أي خلفية ثقافية دينية تؤهلهن إلى فهم تعاليم الدين فهماً صحيحاً، وفي الوقت ذاته هن متحمسات للبحث في الدين ومعرفة حقائقه، الأمر الذي جعلهن لقمة سائغة للوقوع في براثن التنظيم، فانخدعن بشعاراته الزائفة التي صورت لهن من قبل - كذباً وزوراً - العيش في المدينة الفاضلة».
وذكرت الدارسة أن «شهادات بعض العائدات من (داعش) أكدت أنه تم استقطابهن جميعاً من خلال مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، و(الذئاب المنفردة) خير دليل على مدى أهمية هذه المواقع للتنظيم ومؤيديه، الذين لم يستطيعوا الذهاب إلى أماكن تمركزه الرئيسية في السابق؛ لكنهم تشبعوا بأفكار التنظيم عبر مواقع الإنترنت، وقاموا بتنفيذ عمليات إرهابية في بلادهم، وهذا يدل على مدى أهمية الإعلام ومواقع التواصل، التي فطن لها التنظيم من قبل».

تطلعات «الداعشيات»
ويشار إلى أن الهزائم الكبيرة التي مُني بها «داعش» خلال الفترة الماضية، طرحت دلالات كثيرة، تتمثل أبرزها في وجود عدد ليس قليلاً من الأوروبيات اللاتي انخرطن في صفوفه، بشكل أثار مخاوف كثيرة لدى الدول الأوروبية من التداعيات التي يمكن أن تفرضها عودتهن المُحتملة إلى أراضيها، خاصة في ظل تمسكهن بالأفكار التي تبناها التنظيم.
وفي عام 2014 أسس التنظيم كتيبة نسائية تُسمى «الخنساء»، كان من إحدى مهامها الرئيسية استقطاب النساء عبر الإنترنت، وإقناعهن في ذلك الحين بالسفر إلى سوريا أو العراق، للزواج من مقاتلي التنظيم، وإنجاب الأطفال، وبعد ذلك شاركن في العمليات القتالية.
ووفقاً لتقارير دولية، فإن بعض «الداعشيات» الأوروبيات رفضن التخلي عن النقاب، ورفضن الاتهامات التي توجه لأزواجهن من عناصر التنظيم بأنهم «إرهابيون»، فضلاً عن إصرارهن على اعتبار الحياة في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم «نموذجاً مصغراً لمشروع إسلامي... كما لم يخفين تطلعهن إلى العودة من جديد لتلك المناطق، في حالة ما إذا أتيحت لهن الفرصة».
وقالت الدراسة المصرية إن «داعش» خدع الفتيات بتفسيراته المغلوطة لقضايا ومصطلحات بعينها، مثل «الهجرة»، و«الخلافة»، و«تطبيق الشريعة»، وهي قضايا مهمة، ودائماً ما يستغلها «المتطرفون» في استقطاب الشباب، وتكفير المجتمعات، موضحة أنه من خلال شهادات «العائدات» نستنتج الانحلال الأخلاقي لقادة تنظيم «داعش»، ففي حين كانوا يأمرون الشباب بالخروج للقتال، يجلسون هم في منازلهم يتناولون أجود أنواع الطعام... وبعض «المنشقين» عن التنظيم أكدوا أن الفساد كان بداخله ممنهجاً، وله مظاهر كثيرة، ويرتبط بقادة التنظيم، الذين كانوا يعقدون صفقات بترولية وتجارية مع من يدعون أن قتالهم من الأهداف الرئيسية للتنظيم، لذلك وصف أحد المنشقين قيادات التنظيم بأنهم عصابة من «المرتزقة».

المقاتلون الأجانب
في السياق نفسه، تحدثت الدراسة أيضاً عن مصطلح «المقاتلين الأجانب» في «داعش» الإرهابي. وقالت إنه «لم يقتصر الانضمام إلى التنظيم على الشباب والفتيات في دول المشرق العربي والإسلامي فحسب؛ بل انضم إلى التنظيم عدد كبير من الشباب الغربي». وأضافت: «يُمكننا القول إن (المقاتلين الأجانب) ليست ظاهرة جديدة أو خاصة بـ(داعش)؛ بل هي ظاهرة قديمة، إذ تدفقت موجات من (المقاتلين الأجانب) في أوقات متباينة نحو مناطق النزاع في الخارج، مثل (أفغانستان، والبوسنة، والعراق)؛ لكن أمر (المقاتلين الأجانب) الذين تدفقوا إلى سوريا جعل منها أكثر دولة في العالم جذباً لـ(المقاتلين الأجانب) خلال السـنوات العشــر أو العشريــن الماضيــة؛ بل إن أعداد (المقاتلين) الأوروبيين الذين ذهبوا إلى سوريا في السنوات الأخيرة، فاق بكثير عـدد الذين انضموا للقتال في جميع أماكن الصراع الأخرى علــى مــدى الســنوات الماضية».
ويقدر باحثون ومراقبون تدفقات «المقاتلين الأجانب» إلى سوريا والعراق خلال السنوات الماضية بـ60 ألف مقاتل، حضروا من أكثر من 110 دول... من بين هؤلاء ما يقرب من 6 آلاف من أوروبا، بنسب مختلفة من بلد لآخر؛ حيث إن نحو 70 في المائة منهم أتوا من أربع دول هي «فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا»، في حين تُعد إسبانيا من أقل الدول الأوروبية التي انضم منها مقاتلون إلى «داعش» في سوريا والعراق، وكذلك إيطاليا.
وخلصت الدراسة المصرية إلى أن الجهل بالدين وعدم معرفته معرفة صحيحة، كان سبباً للانحراف واعتناق الفكر المتطرف، بالإضافة إلى سهولة الاستقطاب من قبل بعض الجماعات الإرهابية، خصوصاً تنظيم «داعش» الذي كان لا يهتم بمستوى العضو الديني ومدى خلفيته الثقافية؛ بل فتح أبوابه من قبل أمام جميع من يريد الانضمام إليه حتى وإن لم يكن متديناً.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.