مخاطر «الأخبار الزائفة» تهدد المسار الانتخابي في تونس

مخاوف من تحوّل حماسة المرشحين إلى استنزاف لهامش حرية الإعلام

مخاطر «الأخبار الزائفة» تهدد المسار الانتخابي في تونس
TT

مخاطر «الأخبار الزائفة» تهدد المسار الانتخابي في تونس

مخاطر «الأخبار الزائفة» تهدد المسار الانتخابي في تونس

تخيم أسئلة عدة على المشهد الإعلامي التونسي خلال هذه الفترة، من بينها كيف سيتعاطى الإعلاميون مع مختلف الأحداث السياسية في تونس خاصة ما تعلق منها بتغطية الفعاليات كافة المرتبطة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في الثلث الأخير من السنة الحالية؟ وهل سينجح الإعلاميون في تفادي حالات الشد والجذب التي تعرفها الساحة الانتخابية في ظل صراعات سياسية حادة ترافق الانتقال الديمقراطي المنشود؟
تساؤلات عدة تشمل استفساراً ملحاً، وهو: ما مقدار تأثر الإعلام التونسي بالتعديلات التي صادق عليها البرلمان التونسي نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي، والتي منع من خلالها أصحاب المؤسسات الإعلامية من الترشح إلى الانتخابات بشقيها الرئاسي والبرلماني نتيجة الخشية من استغلال تلك المؤسسات في الدعاية السياسية لفائدتهم؟ وما هي الحدود القانونية والأخلاقية التي تتحكم في قطاع الإعلام التونسي حتى يبقي على حياده، ويبتعد عن إغراءات السياسيين وأصحاب المصالح المالية؟
أسئلة على الطاولة في الشهور الأخيرة، إلا أن وفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي يوم 25 يوليو (تموز) الماضي كان وقعها كبيراً على وسائل الإعلام التونسية التي استغلت الحدث لتؤكد مدى ولائها لمبادئ الجمهورية والتزامها بقيم الديمقراطية والحرية. حيث أدت وفاة الرئيس السبسي قبل بضعة أشهر من انتهاء ولايته إلى تسريع الجدول الزمني الانتخابي مع انتخابات رئاسية في أقل من 40 يوماً، قد تكون نتيجتها «مليئة بالمفاجآت». وغداة الهدنة السياسية التي فرضتها جنازة أول رئيس منتخب ديمقراطياً بالاقتراع العام، استؤنفت الهجمات السياسية مجدداً. وقال الخبير في الشأن التونسي يوسف الشريف «ما زالت الأمور غامضة للغاية».
من جهته، يقول المحلل سليم الخراط «إذا استطاعت الطبقة التي تصف نفسها بأنها (تحديثية) ومناهضة للإسلاميين، التجمع من جديد، فسيكون بإمكانها إعادة تشكيل كتلة انتخابية مهمة - لكن كل المؤشرات تدل على أننا نسير نحو معارك شخصية»، وفق «رويترز».
وإذا كانت السلطات الرئيسية بيد البرلمان اليوم، إلا أن الرهانات كبيرة لأنه مع عكس الجدول الزمني الانتخابي، فإن زخم الانتخابات الرئاسية سيلقي بظلاله على الانتخابات التشريعية في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، التي ستكون جولة ثالثة تقريباً كما يقول بعض النواب، وسيكون للإعلام دور كبير في تلك المحطات.
وفي هذا السياق، احتكرت التلفزة التونسية (الوطنية الأولى) حق البث إلى بقية وسائل الإعلام التونسية والدولية، ولم تطمس معالم الجنازة كما فعلت سنة 2000 مع الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، وقدمت تغطية نموذجية للحدث على مدى أربع ساعات متواصلة «كفَّرت» بها عن ذنبها السابق، ومؤكدة على حياد الإعلام تجاه مختلف الأطراف السياسية، وهو ما قد يكون له انعكاسات إيجابية على تغطية الحملات الانتخابية والاهتمام بالأحزاب السياسية الصغيرة باعتبار أن الإعلام العمومي قد يلعب في هذا المجال دور القاطرة لبقية وسائل الإعلام.
وتخشى أطراف سياسية عدة من تزايد مقدار الأخبار الزائفة في الإعلام التونسي بمختلف أصنافه، وبخاصة في ظل احتدام الجدل السياسي بين الأطراف السياسية المرشحة للعب أدوار سياسية مهمة، ومحاولات تشويه المنافسين، ويتساءل مراقبون حول مدى خشية تلك الأحزاب من دخول المال الفاسد إلى المشهد الإعلامي التونسي، وكيف يمكن غربلة الساحة الإعلامية التونسية لصالح إعلام قادر على الإفادة وتجاوز حالة الشك التي غالباً ما يتحدث عنها الإعلاميون التونسيون نتيجة اختلاف طرق العمل وقبول شق من الإعلاميين مبدأ السبق الصحافي على حساب شرف المهنة الصحافية؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من التساؤلات، من الضروري التأكيد على النقلة النوعية والكمية التي عرفها الإعلام التونسي والتي ترجمت خاصة من خلال ضعف الرقابة على محتوى الإعلام الذي تقدمه مختلف وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، والابتعاد عن عدد من ممارسات النظام السابق عبر «الصنصرة» وتنفيذ الرقابة المسبقة على محتوى تلك البرامج بمختلف أصنافها، غير أن مراقبين يرون أن هامش الحرية الكبير الذي أتيح للتونسيين قد استغل في جانب منه لأغراض شخصية ضيقة بعيدة عن أهداف الإعلام النزيه والمحايد الذي يطالب به الرأي العام التونسي.
في هذا السياق، نظمت الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري المعروفة في تونس باسم «الهايكا» ملتقى دولياً تحت عنوان «الإنترنت والشبكات الاجتماعية ومسار الانتخابات»، وأكدت من خلاله على ضرورة التصدّي للأخبار الزائفة وخطاب العنف الذي يتمّ الترويج له عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وبخاصة خلال الفترات الانتخابية وهو ما من شأنه أن يهدد المسار الديمقراطي ويخلف مخاطر على مستوى الانتخابات، وذلك عبر إيجاد آليات كفيلة بذلك على غرار إنشاء منصّة لمقاومة الأخبار الزائفة.
وفي الشأن ذاته، قال نوري اللجمي، رئيس «الهايكا» إن سيلاً جارفاً من الأخبار الزائفة والانتهاك للمعطيات الشخصية يملأ شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت مؤثرة على الوضع الاجتماعي وتسبق وسائل الإعلام التقليدية في نشر المعلومات والأخبار، ومن الضروري أن تساهم هذه الشبكات في حماية الديمقراطية، وتأكيد نجاحها عوضاً عن تهديدها، على حد تعبيره.
ومن ناحيته، دعا رياض بوحوشي، الخبير التونسي في مجال تكنولوجيا المعلومات، إلى ضرورة تكوين الإعلاميين لمواجهة الأخبار المغرضة التي قد تقف وراءها أطراف سياسية واجتماعية مستفيدة من الفوضى ونشر البلبلة. كما أشار إلى أن نحو 7 ملايين تونسي من مختلف الأعمار يستعملون شبكة التواصل الاجتماعي بشكل يومي، ومن الممكن الاستفادة من هذا الدخول الجماعي إلى العالم الافتراضي، بما ذلك الصحافة الإلكترونية التي باتت تحتل مكانة مهمة في المشهد الإعلامي، لتفنيد الأخبار الزائفة والمحافظة على مناخ انتخابي سليم.
يذكر أن برنامجاً أوروبياً مخصصاً لدعم المؤسسات المستقلة في تونس، أطلق خلال الشهر الماضي ويمتد على ثلاث سنوات من 2019 إلى 2021 بتمويل من كل من الاتحاد الأوروبي بنسبة 90 في المائة ومن قبل مجلس أوروبا بنسبة 10 في المائة، وهو يهدف إلى دعم قدرات الهيئات التونسية المستقلّة ومساعدتها على أداء المهام الموكلة إليها في مجالي التعديل والرقابة على المحتويات الإعلامية.
ويسعى الجانب الأوروبي إلى وضع قانون للتصدّي لمسألة التلاعب بالمعلومة بهدف دعم وتقوية الإطار القانوني، الذي اعتبر غير مؤهّل لمواجهة الأخبار الزائفة والمعلومات الخاطئة في المنظومة الرقميّة الحالية.
وفي السياق ذاته، قال محمود الذوادي، رئيس مركز تونس لحرية الصحافة (مركز مستقل لمتابعة أداء المشهد الإعلامي التونسي) لـ«الشرق الأوسط»، إن المركز ينظم من فترة إلى أخرى دورات تدريبية لفائدة الإعلاميين حول كيفية التحقق من صدق المعلومات من خلال مصادر موثوق بها، وهو كذلك يعتمد على ميثاق شرف المهنة كأداة مرجعية لاحترام أسس العمل الإعلامي.
وأشار الذوادي إلى ضرورة الاعتماد على تقاطع مصادر المعلومة المتوفرة، والتأكد من صحتها عبر أكثر من مصدر إعلامي وعدم الانسياق وراء ما يسمى «البوز»؛ حتى يتفادى الإعلامي الوقوع في الخطأ المهني، وما يترتب عنه من مشاكل مهنية لمن ينشر خبراً زائفاً، على حد تعبيره.
وأفاد الذوادي بأن الفترة المقبلة سيشتد فيها حماس المترشحين للانتخابات، سواء في شقها الرئاسي أو البرلماني، وقد يسعى هؤلاء لاستغلال هامش حرية الإعلام للتأثير على الإعلاميين في فترة أولى، ثم التأثير من خلالهم على الرأي العام، وهذا ما يتطلب حنكة إضافية من قبل العاملين في قطاع الإعلام سواء الحكومي أو الخاص؛ إذ إنهما يخضعان لنفس مقاييس العمل الصحافي، وفق قوله.
وفي تقييمه للواقع الإعلامي التونسي، قال الذوادي إن الإعلام الحكومي أكثر حذراً في تناول المعلومات وقد يمثل خلال الفترة المقبلة مرجعاً مهماً في التأكيد على ممارسة المهنة بحرفية وتفادي الانزلاق في الإبهار الإعلامي دون الاستناد إلى حقائق قاطعة.
واعتبر الذوادي أن التوظيف السياسي لوسائل الإعلام قد يكون منتشراً ليس في تونس فحسب بل في أعرق الديمقراطيات في العالم، وقد يأخذ أشكالاً مختلفة حتى لا يقع الكشف عنه بسهولة، لكن الإعلاميين لهم سلطة تقديرية خلال تغطيتهم الأحداث، وعليهم الابتعاد عن الدعاية المجانية أو الهجوم غير المبرر على سياسيين أو مرشحين للانتخابات. وأضاف الذوادي، أن الإعلامي مطالب بالحذر، وألا يكون بوق دعاية لفائدة أي طرف سياسي، أو أداة طيعة في يد أي وسيلة إعلامية.
ودعا من ناحية أخرى، إلى ضرورة مراجعة ظروف عمل الإعلاميين التونسيين واحترام القوانين المنظمة لقطاع الإعلام وضمان مرتبات وأجور محترمة للقانون المنظم لعمل المؤسسات الإعلامية، حتى لا يكون الإعلامي التونسي الطرف الضعيف في حلقة العلاقات الاجتماعية في تونس.
وفي دراسة أجراها مركز تونس لحرية الصحافة، اتضح من خلالها أن الإعلام التونسي كان منحازاً إلى الحكومة في تغطيته للاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها تونس بداية السنة الماضية، وهذا ما قد يكون مؤثراً على الانتخابات المقبلة. وتمخضت هذه الدراسة عن دعوة الإعلاميين إلى الالتزام بالضوابط والأخلاقيات المهنية والدقة في الوصول إلى المعلومات، وكشفت عن تخوفات من استغلال قاعات التحرير الصحافي لتوجيه الراي العام وعدم احترام إرادة الإعلامي عند تغطية الأحداث.


مقالات ذات صلة

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.