تراجع بالغ للاستثمارات الصينية في أوروبا

تراجع بالغ للاستثمارات الصينية في أوروبا
TT

تراجع بالغ للاستثمارات الصينية في أوروبا

تراجع بالغ للاستثمارات الصينية في أوروبا

تراجعت الاستثمارات المباشرة الصينية في أوروبا إلى أدنى حدّ لها منذ عام 2015، وفي موازاة ذلك تواصل الصين – وإن كان بوتيرة أقل - ضخّ رؤوس أموالها في أميركا الشمالية على نحو يعكس معه التباين الحاصل بين علاقات الولايات المتحدة وحكومة بكين في ملف الضرائب الجمركية، من جهة، وأهمية الاستثمارات الصينية في تغذية مشاريع تجارية وبنية تحتية في كل من كندا والولايات المتحدة، حيث تعتبر الجاليات الصينية الأنشط والأكثر تنافسية تجارياً، من جهة أخرى.
وحسب التقرير الأخير الصادر عن شركة «بيكر آند مكنزي» القانونية العالمية، رسا إجمالي الاستثمارات الصينية في دول الاتحاد الأوروبي الـ28 إضافة إلى أيسلندا والنرويج وسويسرا وإمارة ليختنشتاين عند 9 مليارات دولار في الشهور الستة الأولى من عام 2019. ما يعكس تراجعاً معدله 26 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018. في حين رسا مجموع هذه الاستثمارات في الأشهُر الستة الأولى من عام 2017 عند 54 مليار دولار. هكذا، انهارت الاستثمارات المباشرة الصينية في القارة الأوروبية نحو 70 في المائة خلال العامين الأخيرين.
وعلى صعيد الولايات المتحدة وكندا قفزت الاستثمارات الصينية المباشرة في الأشهُر الستة الأولى من عام 2019 نحو 19 في المائة لترسو عند 3.3 مليار دولار. وتركّز معظمها في الأراضي الأميركية. مع ذلك، يبقى مجموع الاستثمارات الصينية في أميركا الشمالية بعيداً كل البعد عن الرقم القياسي الذي سجلته في النصف الثاني من عام 2016 حين رست عند 28.4 مليار دولار.
يقول الخبير ميكائيل كنيتل، من شركة «لاغونيتاس أسيت مانيجمنت» لإدارة الأصول والثروات، إن عمليات الدمج والشراء التي تقودها الشركات الصينية على المستوى العالمي تراجعت 60 في المائة ليرسو إجماليها عند 20 مليار دولار في العام الحالي. وعلاوة على الولايات المتحدة تشهد القارة الأوروبية تراجعاً لافتاً في هذه العمليات.
ويعزي هذا الخبير تراجع عمليات الدمج والشراء، التي لطالما كانت مقرونة بإعادة تموضع تكتيكي في الأسواق العالمية، إلى سببين رئيسيين. فالاقتصاد الصيني يعيش اليوم مرحلة من التباطؤ، وأبرز دليل على ذلك نمو الناتج القومي الصيني 6.2 في المائة فقط في الربع الثاني من عام 2019، وهذا أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاثين عاماً. كما أقرّت حكومة بكين بقيود صارمة على الاستثمارات الخارجية؛ وذلك لمكافحة هرب رؤوس الأموال إلى الخارج، من جهة، والحدّ من درجة انكشاف المجموعات التجارية الصينية الكبرى على المخاطر المالية الخارجية، من جهة ثانية.
ويختم بالقول: «لا بد من احتساب الخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة في وجه الاستثمارات الصينية المباشرة، التي تعوّل على إنشاء مشاريع جديدة أو تملّك حصص أسهم في الشركات الأميركية القائمة. ولا شك أن الحروب الجمركية التي لم تنته بعد بين الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن التنافس التجاري الشرس بينهما للهيمنة على التفوّق التكنولوجي العالمي، لعبا ثقلاً بارزاً في ذلك. كما أن سياسة لجنة الاستثمارات الأجنبية، منذ أن تولى دونالد ترمب منصب الرئاسة، باتت تتعامل بقساوة واضحة مع التحركات الاستثمارية الصينية».
في سياق متصل، تقول ايستيل فولغر، الخبيرة الألمانية لدى المفوضية الأوروبية في بروكسل، إن الجو الاستثماري في أوروبا قد تغيّر كلياً إثر الصدمة التي أصابت ألمانيا عام 2016 عندما اشترت شركة «ميديا» للإلكترونيات المنزلية الصينية عملاقة الصناعة الروبوتية الألمانية «كوكا». وتضيف بأن «المفوضية الأوروبية اعتمدت، منذ شهر مارس (آذار) 2019، قوانين جديدة لتعزيز الرقابة والتعاون بين دول الاتحاد الأوروبي في ملف الاستثمارات الأجنبية المباشرة على الأراضي الأوروبية. صحيح أن هذه القوانين دخلت حيّز التنفيذ منذ شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، إلا أن مفعولها الحقيقي سيصبح ملموساً للمستثمرين الأجانب اعتباراً من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2020».
وتختم: «أصبحت الاستثمارات المباشرة التي تقودها الشركات الحكومية الصينية شبه غائبة؛ لأن 94 في المائة من رؤوس الأموال الصينية التي تصل اليوم إلى الولايات المتحدة وأوروبا مصدرها مجموعات تجارية صينية خاصة. وفيما يتعلق بأوروبا كان 50 في المائة من هذه الاستثمارات مصدرها الشركات الحكومية الصينية، لكنها ما لبثت أن تراجعت العام الحالي كي تستأثر بنحو 6 في المائة منها فقط».


مقالات ذات صلة

وزير الدفاع السعودي ونظيره الفرنسي يبحثان في الرياض أفق التعاون العسكري

الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله سيباستيان ليكورنو في الرياض (واس)

وزير الدفاع السعودي ونظيره الفرنسي يبحثان في الرياض أفق التعاون العسكري

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع سيباستيان ليكورنو وزير القوات المسلحة الفرنسية، مستجدات الأوضاع الإقليمية وجهود إحلال السلام في المنطقة والعالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي خلال لقاء جمعهما على غداء عمل في باريس (واس)

وزير الخارجية السعودي يبحث مع نظيره الفرنسي تطورات غزة ولبنان

بحث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي جان نويل، الجمعة، التطورات في قطاع غزة وعلى الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يستقبل نظيره الفرنسي جان نويل بارو في الرياض (واس)

فيصل بن فرحان يناقش التطورات اللبنانية مع نظيريه الفرنسي والأميركي

ناقش وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو، التطورات على الساحة اللبنانية والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال لقائه في مكتبه بالرياض السفير الفرنسي لودوفيك بوي (وزارة الدفاع السعودية)

وزير الدفاع السعودي والسفير الفرنسي يناقشان الموضوعات المشتركة

ناقش الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي مع لودوفيك بوي سفير فرنسا لدى المملكة، الاثنين، عدداً من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الصين: رسوم ترمب «التعسفية» لن تحل مشاكل الولايات المتحدة

حاويات في ميناء أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأميركية (إ.ب.أ)
حاويات في ميناء أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأميركية (إ.ب.أ)
TT

الصين: رسوم ترمب «التعسفية» لن تحل مشاكل الولايات المتحدة

حاويات في ميناء أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأميركية (إ.ب.أ)
حاويات في ميناء أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأميركية (إ.ب.أ)

هاجمت الصين تعهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية بسبب تدفقات الفنتانيل، قائلة إن إدارته القادمة تلقي باللوم في أزمة المواد الأفيونية الأميركية على الصين.

وقال ترمب، الذي يتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني)، يوم الاثنين إنه سيفرض تعريفات جمركية بنسبة 10 في المائة على السلع الصينية حتى تفعل بكين المزيد لوقف تهريب المواد الكيميائية المصنوعة في الصين والتي تستخدم في المخدرات المسببة للإدمان. كما هدد بفرض تعريفات تزيد على 60 في المائة على السلع الصينية أثناء حملته الانتخابية.

وقال هي يادونغ، المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، في إفادة صحافية دورية، الخميس: «موقف الصين ضد الزيادات الجمركية الأحادية الجانب ثابت... فرض تعريفات جمركية تعسفية على الشركاء التجاريين لن يحل مشاكل أميركا».

وأضاف أن الولايات المتحدة يجب أن تلتزم بقواعد منظمة التجارة العالمية وتعمل مع الصين لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية المستقرة.

وأطلقت تعليقات ترمب شرارة البداية لما يتوقع المحللون أن تكون حرباً تجارية مؤلمة لمدة أربع سنوات، وربما أسوأ بكثير من ولايته الأولى التي شهدت فرض تعريفات جمركية بنسبة 7.5 إلى 25 في المائة واقتلاع سلاسل التوريد العالمية.

وقال هوارد لوتنيك، الذي اختاره ترمب لإدارة وزارة التجارة والإشراف على مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، في مقابلة بودكاست في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «الصين تهاجم أميركا» بالفنتانيل، واقترح أن يفرض ترمب تعريفات جمركية تصل إلى 200 في المائة على الصين.

وحذَّرت الافتتاحيات في وسائل الإعلام الرسمية الصينية هذا الأسبوع من أن الرسوم الجمركية الجديدة قد تجر أكبر اقتصادين في العالم إلى حرب تعريفات مدمرة للطرفين.

وفي مقابل الهجوم على خطط ترمب، أشادت وسائل الإعلام الرسمية الصينية ببعض الشركات الأميركية لـ«التعاون القوي» - وهو تعليق يذكّر بكيفية تغطية الصحافة الصينية للتوترات مع الولايات المتحدة خلال الحرب التجارية السابقة.

وفي ذلك الوقت، كان المسؤولون التنفيذيون للشركات الأميركية والمستثمرون الأجانب يبحثون في وسائل الإعلام الرسمية الصينية عن إشارات حول الشركات الأميركية التي قد يكون التعاون معها في صالح بكين أو ضدها، والتي قد تُعاقب من أي من الطرفين مع تصاعد التوترات.

وسلطت صحيفة «غلوبال تايمز» المملوكة للدولة في وقت متأخر من الأربعاء الضوء على «أبل» و«تسلا» و«ستاربكس» و«إتش بي»، وقالت: «يتعين على الساسة الأميركيين الانتباه واحترام الرغبة الواضحة للشركات الأميركية في التعاون الاقتصادي والتجاري من خلال تصميم بيئات سياسية مناسبة للمؤسسات».

وأشارت صحيفة «تشاينا ديلي» أيضاً إلى أن «مورغان ستانلي» حصلت على موافقة تنظيمية في مارس (آذار) لتوسيع عملياتها في الصين، مشيرة إلى ذلك بوصفه دليلاً على حماس الشركات المالية الأجنبية للاستثمار في الصين.

وقال مسؤول تنفيذي أميركي مقيم في بكين عن الحرب التجارية الأولى: «لم يكن أي من الجانبين جيداً في توصيل السياسة بشكل مباشر؛ لذلك كانت الشركات مشغولة باللغط حولها في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية».

شهدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين خلال فترة ولاية ترمب الأولى تهديد الصين بحظر الشركات الأميركية من الاستيراد والتصدير والاستثمار في الصين من خلال إنشاء «قائمة الكيانات غير الموثوقة».

وفي ذلك الوقت، ذكرت «غلوبال تايمز» أن القائمة ستستهدف شركات أميركية مثل «أبل» و«سيسكو سيستمز» و«كوالكوم»... لكن الصين لم تنفذ تهديدها قط، وحتى الآن لم تشمل القائمة سوى الشركات الأميركية المتورطة في بيع الأسلحة إلى تايوان. وقال بو تشنغ يوان، الشريك في شركة الاستشارات «بلينوم» ومقرّها شنغهاي: «أتوقع ألا تتسرع بكين في استخدام أدوات مثل قائمة الكيانات غير الموثوقة في أعقاب أي إعلان رسمي عن التعريفات الجمركية بمجرد تولي ترمب السلطة؛ نظراً للحالة الضعيفة للاقتصاد الصيني، لكن بكين قد ترد في وقت لاحق إذا شعرت أن صناع السياسات الأميركيين يلحقون الضرر بالمصالح التجارية للصين». وأضاف: «كانت هناك أضرار جانبية في المرة الماضية، وستكون هناك أضرار جانبية هذه المرة أيضاً».

وفي الأسواق، انخفضت أسهم الصين وهونغ كونغ، الخميس، مع تخوف المستثمرين من تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وفرض حظر آخر على مبيعات الرقائق إلى الصين، في حين يبدو أن حرب الأسعار بين شركات صناعة السيارات في البلاد ستشتد.

وأغلقت معظم القطاعات منخفضة، حيث كان المستثمرون في وضع انتظار وترقب إلى حد كبير لمعرفة مدى وضوح سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب التجارية وعواقبها المحتملة. وتضررت المشاعر بشكل أكبر بعد أن ذكرت «بلومبرغ نيوز» أن إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن قد تعلن عن قيود إضافية على مبيعات معدات أشباه الموصلات ورقائق ذاكرة الذكاء الاصطناعي إلى الصين في أقرب وقت من الأسبوع المقبل.

وأغلق مؤشر «سي إس آي 300» للأسهم القيادية منخفضاً بنسبة 0.88 في المائة، في حين انخفض مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 0.43 في المائة. وكانت أسهم السيارات هي الأكثر تراجعاً، حيث انخفضت بأكثر من 2 في المائة، بعد أن ذكرت تقارير إعلامية أن شركة «بي واي دي» وشركات صناعة سيارات أخرى دفعت الموردين إلى خفض الأسعار؛ مما يشير إلى أن حرب أسعار وحشية في أكبر سوق للسيارات في العالم من المقرر أن تتصاعد.

وانخفضت أسهم «بي واي دي» في هونغ كونغ والبر الرئيس بنسبة 2.6 و2.3 في المائة على التوالي، بينما انخفضت أسهم شركة «سايك موتور كورب» بنسبة 2.8 في المائة.

وفي هونغ كونغ، انخفض مؤشر هانغ سنغ بنسبة 1.2 في المائة، ومؤشر «هانغ سنغ تشاينا إنتربرايزز» بنسبة 1.46 في المائة، بينما خسر مؤشر هانغ سنغ للتكنولوجيا 1.52 في المائة.