رواية القرن الحادي والعشرين

الثورة الرقمية والذكاء الصناعي انعكسا على أعمال عدد من أفضل روائيي العالم

رواية القرن الحادي والعشرين
TT

رواية القرن الحادي والعشرين

رواية القرن الحادي والعشرين

تمثّل الرواية المعاصرة (وهي رواية القرن الحادي والعشرين بالضرورة) انعطافة في فنون السرد يمكن وصفها بأنها ثورية؛ فقد جاءت هذه الرواية في أعقاب حقبة ملتبسة سادت فيها رواية ما بعد الحداثة، ولم يتورّع الروائيون في تجريب كلّ أسلحتهم السردية في المضمار «ما بعد الحداثي»، وتوظيف كلّ المبتدعات الفكرية التي جاءت بها المدارس الأدبية التي استحالت فيما بعدُ أصوليات راسخة على شاكلة «البنيوية الفرنسية، الشكلانية، التفكيكية وما بعد التفكيك، السيميوطيقا، مستغلقات الهرمنيوطيقا وملاعباتها اللغوية». والغريب في أمر هذه المستحدثات أنّ نجمها راح يتطاول ويطغى في ساحتنا العربية في الوقت الذي طالها خفوت كبح من جذوتها وتغوّلها في ديارها الأصلية التي تمثل منابعها التي انبثقت منها.
وترتّب الأمر لاحقاً بأنّ صارت «مواريث ما بعد الحداثة الروائية» تتشكّل في خلاصة مفادها أن الرواية المعاصرة تشهد نوعاً من انزياح نحو التقاليد الكلاسيكية لرواية القرن التاسع عشر وبعض أنماط الرواية الحديثة التي سادت في النصف الأول من القرن العشرين، مع تطعيم محسوب للجسم الروائي الكلاسيكي بكتلة معرفية مغلّفة بنوع من أنواع السرد. الخلاصة هنا، هي أنّ الروائي المعاصر في القرن الحادي والعشرين بخاصة لم يَعُد أقرب إلى حاوٍ لا يجيد سوى ملاعبة اللغة والشكلانيات السردية التي تتقنّع بقناع المستحدثات السردية الزائفة بقدر ما صار هذا الروائي قارئاً منقّباً في المستحدثات العلمية والتقنية والفتوحات العظيمة التي جاءت بها الثورة الرقمية.
إنّ دراسة الرواية المعاصرة نشاط مدهش بمثل ما هو فاعلية تبعث على التحدي، وبخاصة أنّ الرواية المعاصرة في القرن الحادي والعشرين قد صارت لها ظلالها المنعكسة على مجمل الثقافة الشعبية ووسائل الإعلام والهياكل المؤسساتية والهياكل التعليمية «حيث أصبحت الروايات المعاصرة توضع بصورة مستديمة في المناهج الدراسية للمدارس والجامعات»، ولم تعُد الرواية المعاصرة محض اشتغال نخبوي على نمط الكلاسيكيات الشكسبيرية. ثمة سؤال جوهري يقع في قلب أي مبحث يتناول رواية القرن الحادي والعشرين: ما الذي نعنيه بمفردة «المعاصرة»، وكيف يمكننا تتبّع مسار الانزياحات الثقافية التي ترافقت مع هذه الرواية؟
يمثل الكتاب الموسوم «دليل راوتليدج المرجعي إلى رواية القرن الحادي والعشرين» (دار نشر راوتليدج، تحرير: دانييل أوغورمان وروبرت إيغلستون، 2018)، إصداراً مميزاً كونه يتخفّف كثيراً من الرطانة المعهودة في المباحث الأدبية الأكاديمية ؛ إذ يتناول الكتاب المباحث الكثيرة فيه بطريقة ممتعة تجعله قريباً من الباحث الأكاديمي والطالب الجامعي والقارئ الشغوف بالرواية. يتشكّل هيكل الكتاب من مقدّمة شاملة رصينة كتبها المحرران، تليها أربعة أقسام مميزة: يتناول القسم الأول المعنون «الأشكال الروائية» كلاً من المباحث التالية: الرواية الرقمية «المتداولة على الشبكة الإلكترونية»، العولمة، رواية السيرة الذاتية، التجريب الروائي، الملهاة (الكوميديا)، الميتافكشن، الرواية الرعوية، الواقعيات الروائية، الرواية الغرافيكية. أما القسم الثاني الذي جاء بعنوان «الهويات الروائية» فقد ضمّ المباحث التالية: رواية البريطانيين السود، العائلة، الدين، الشتات (الدياسبورا)، الرواية الهندية المكتوبة بالإنجليزية، الرواية الآيرلندية الشمالية، الحيوانات. جاء القسم الثالث من الكتاب بعنوان «تشظيات روائية» وتناول المباحث التالية: العالم الرقمي، الفضاء الإنساني، الانزياح، المصحّة، التمويل، رواية 9 سبتمبر، الحرب على الإرهاب، الماضي، الأمل؛ أما الفصل الأخير فقد ضمّ «دراسة حالات» محدّدة لروائيين معاصرين ذاع صيتهم في القرن الحادي والعشرين، وهم: أفضل الروائيين البريطانيين الشباب، إضافة إلى فصول تتناول كلاً من: هاري كونزرو، جينيفر إيغان، ديفيد ميتشيل، جوناثان ليثيم، آلي سمث، أي إل كينيدي، هيلاري مانتل، مارلين روبنسون، كولسون وايتهد.
يبدو واضحاً من سياق المباحث التي تناولها الكتاب أنه ابتعد عن الدراسات الأدبية الكلاسيكية التي ترى في الرواية منطقة قائمة بذاتها ومكتفية بذاتها؛ إذ نلمح في هذه العناوين أنها صارت أقرب إلى المباحث التي تتناولها الدراسات الثقافية إلى جانب تأريخ الأفكار، ويمكن الكشف عن هذا الملمح المميز في الكتاب عبر الإشارة إلى المباحث التالية:
- الهوية، وبضمنها الدراسات الخاصة بالعِرق، والجنسانية، والطبقة، والدين في القرن الحادي والعشرين.
- تأثير كلّ من التقنية، والإرهاب، والحراك الإنساني، والاقتصاد المعولم على العالم المعاصر، وبالتبعية على الأدب المعاصر «والرواية المعاصرة بخاصة».
- تناولُ شكل وصيغة الأنماط المستحدثة «أو المعدّلة» في الرواية الأدبية السائدة في القرن الحادي والعشرين، تحليل الأنواع الروائية الراسخة مثل الرواية الرعوية، الرواية الغرافيكية، ورواية الكتابة الفكاهية (الكوميدية)، فضلاً عن بيان الكيفية التي تمّ بها تعديل شكل هذه الروايات في السنوات الأخيرة.
ما عادت الرواية المعاصرة هيكلاً أدبياً يتأثر بالمستجدات التي تحصل في العالم على كلّ الصعد بعد فترة طويلة ؛ بل صار تأثير هذه المستجدات على الرواية المعاصرة أقرب إلى التأثير المتزامن الذي نشهده منعكساً في الرواية، وليست الأمثلة على هذه الحقيقة بقليلة؛ فالانعطافات الكبرى الحاصلة في ميدان الثورة الرقمية والذكاء الصناعي - على سبيل المثال - باتت تلقى صداها السريع في الأعمال الروائية التي يكتبها عدد من أفضل روائيي العالم (ماك إيوان مثالاً)، وقد أشار محررا الكتاب إلى هذه الحقيقة فكتبا في تقديمهم له:
إنّ تحرير كتاب على هذه الشاكلة لهو تجربة يتعلّم منها المرء الكثير؛ فقد اكتشفنا أفكاراً جديدة مثلما اكتشفنا نصوصاً ونظريات وتوجهاتٍ أدبية جديدة ونحن نعمل على تحرير هذه الفصول المدهشة. استغرق العمل على مشروع هذا الكتاب وقتاً ليس بالقصير، وفي الفسحة الزمنية الفاصلة بين تحرير الكتاب ونشره شهدت الخريطة الأدبية تحولات جذرية وبطرق جديدة تبعث على الدهشة، وقد بذل المشاركون في هذا الكتاب أعظم الجهود الممكنة للتنبه إلى هذه التغيرات وتعديل مخطوطاتهم بما يكفل استجابتها لهذه التغيرات الحاصلة في الميدان الروائي.........
يوفّر هذا الكتاب خريطة من الموضوعات النقدية ذات الأهمية الجوهرية لفهم رواية القرن الحادي والعشرين، كما يكشف النقاب عن جوانب واتجاهات حديثة في تطوّر هذا الحقل الأدبي الذي بات أقرب للحقل الثقافي العام؛ إذ تشتبك فيه الاهتمامات العلمية والأدبية والتقنية والفكرية بكلّ ألوانها ومناشطها حتى ليصحّ القول بأن الرواية باتت تصلح لقول «أي شيء وكلّ شيء» على حدّ تعبير روبرت إيغلستون، وهو أحد محرّري الكتاب.
من المفيد هنا الإشارة إلى أن البروفسور روبرت إيغلستون هو مؤلف كتب كثيرة، منها الكتاب المهم «الرواية المعاصرة: مقدّمة وجيزة» الذي صدر عن جامعة أكسفورد المرموقة ضمن سلسلتها الشهيرة المعروفة بـ«مقدّمات وجيزة».

- كاتبة وروائية ومترجمة عراقية تقيم في الأردن


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.