«العسكري» و«التغيير» يحققان اختراقاً بتجاوز معضلة هيكلة الجيش

عزل 9 أفراد تابعين لـ «الدعم السريع» لضلوعهم في مقتل التلاميذ في الأبيض

الوسيط الأفريقي إلى السودان محمد حسن ولد لبات (أ.ف.ب)
الوسيط الأفريقي إلى السودان محمد حسن ولد لبات (أ.ف.ب)
TT

«العسكري» و«التغيير» يحققان اختراقاً بتجاوز معضلة هيكلة الجيش

الوسيط الأفريقي إلى السودان محمد حسن ولد لبات (أ.ف.ب)
الوسيط الأفريقي إلى السودان محمد حسن ولد لبات (أ.ف.ب)

فيما يمكن أن يطلق عليه «اختراق مهم»، توافقت قوى إعلان الحرية والتغيير، والمجلس العسكري الانتقالي، أمس (الجمعة)، على معظم القضايا الخلافية، وتبقت في جدول التفاوض ملفات محدودة وغير معقدة و«سهلة»، ينتظر أن يتم التوافق عليها في اجتماعات عقدت مساء أمس. وأعلن المجلس العسكري الانتقالي تقديم 9 أفراد بينهم ضباط تابعون لقوات الدعم السريع ضالعون في جريمة مقتل التلاميذ في مدينة الأبيض للمحاكمة، واتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون مقتل المتظاهرين السلميين.
وشهدت «قاعة الصداقة» بالخرطوم جلسات تفاوض مطولة استمرت منذ مساء الخميس وحتى وقت مبكر من صباح أمس (الجمعة)، توصلت إلى اتفاقات في معظم بنود الوثيقة الدستورية موضوع التفاوض، وينتظر أن تتواصل الاجتماعات مساء أمس لحسم بقية الملفات.
وقال الوسيط الأفريقي محمد حسن ولد لبات عقب جولة التفاوض أمس، إن الاجتماع كان ناجحاً بكل المقاييس، واتفق خلاله الطرفان على تقييم أحداث القتل التي شهدتها مدينة الأبيض، والتي كان يتوقع أن تلقي بظلالها على التفاوض، وعلى بذل الجهود اللازمة لعدم تكرار حوادث القتل.
وأوضح لبات أن «الطرفين سيدخلان جولة تفاوض جديدة مساء اليوم (أمس)»، «ليبث التفاؤل بين الحاضرين، أن اجتماع الجمعة سيجعل الفرح بنهاية إيجابية للاتفاق حول الوثيقة الدستورية، مكان الحزن والألم».
وأوضح القيادي في قوى الحرية والتغيير إبراهيم الأمين، أن الطرفين توصلا إلى توافق تام في معظم القضايا، و«ستسمعون اليوم ما يسر، ويمكن أن يتحقق تكوين الحكومة الانتقالية»، وأضاف أن المجلس العسكري الانتقالي اتخذ خطوات صحيحة لوقف الأحداث التي أدت لفقدان أرواح غالية، فيما قال القيادي بقوى الحرية والتغيير، التوم هجو، إن الاتفاق سيتضمن ترتيبات قضايا السلام.
وقال مصدر تحدث لـ«الشرق الأوسط» إن الأطراف تجاوزوا النقاط الخلافية المعقدة، بما في ذلك إعادة هيكلة القوات النظامية، وعلاقة أشكال الحكم ببعضها، وصلاحيات كل من المجلس السيادي والمجلس التشريعي ومجلس الوزراء.
ووصف المصدر المتبقي من ملفات بأنه «الأسهل»، ويمكن تجاوزه في «مفاوضات اليوم (أمس)»، وأضاف: «الطرفان يعرفان أن أي تأخير في الوصول إلى اتفاق، ستكون عواقبه وخيمة على الثورة»، وتوقع أن يتم توقيع الوثيقة الدستورية قريباً.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن هناك 3 ملفات متبقية، ينتظر أن يعكف عليها المتفاوضون «مساء اليوم (أمس)، وتشمل ملف السلام، وملف الحريات، وتبعية 4 مفوضيات».
وقال إن الطرفين اتفقا على تناول «ملف السلام» بعد التشاور مع بقية الحركات المسلحة، وإضافته للوثيقة الدستورية بعد التوافق عليه، وتوقع أن يكون ملف الحريات ملفاً سهلاً، فيما توقع أن تحسم تبعية مفوضيات «السلام، والانتخابات، والأراضي، والحدود» التي يطالب المجلس العسكري بتبعيتها للمجلس السيادي، فيما تتمسك «الحرية والتغيير» بتبعيتها للجهاز التنفيذي ورئاسة الوزارة.
وبحسب المصدر، فإن الطرفين تجاوزا قضية هيكلة القوات النظامية، بأن تتبع القوات المسلحة والشرطة للجهازين التنفيذي والسيادي، بحسب الملفات، وتكوين جهازين للأمن الداخلي ويتبع لرئيس الوزراء، والأمن الخارجي ويتبع للمجلس السيادي.
من جهة أخرى، قرر المجلس العسكري الانتقالي محاسبة أعضاء لجنة الأمن بولاية شمال كردفان، بما في ذلك والي الولاية، لتقصيرهم في القيام بدورهم تجاه الأحداث المأساوية التي شهدتها مدينة الأبيض حاضرة الولاية الأسبوع الماضي، وأدت إلى مقتل 6 أشخاص بينهم 4 تلاميذ.
وأبدى المتحدث باسم المجلس العسكري شمس الدين كباشي أسفه لسقوط ضحايا في الحادث، وقال إن مجلسه اتخذ قراراً بمحاسبة أعضاء لجنة أمن الولاية بمن فيهم والي الولاية لاتهامهم بالتقصير فيما يتصل بأحداث الأبيض.
وكشف الكباشي عن اتخاذ المجلس العسكري والقوات النظامية الأخرى تدابير تحول دون تكرار مثل هذا الحادث، وإلقاء القبض على 9 أفراد وضباط تابعين لقوات الدعم السريع متهمين بالتورط في الأحداث، وقال إن السلطات جردتهم من الخدمة تمهيداً لتقديمهم للمحاكمة، وإن لجنة تحقيق تم تشكيلها للتحقيق مع قائد قوات الدعم السريع في المنطقة.
وتعهد الكباشي باتخاذ إجراءات رادعة في الأحدث التي شهدتها منطقة أم بدة بأم درمان الخميس، وراح ضحيتها 4 محتجين سلميين واتخاذ التدابير التي ستحد من تكرار أحداث القتل في المظاهرات السلمية، وقال إن الجهات المختصة ستتعرف على هوية المتهمين بارتكاب الجريمة وستلعن نتائج التحقيق معهم للرأي العام قريباً.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.