آلة الحرب ورهانات الدبلوماسية في ليبيا

انقسامات حادة تغذيها أطراف خارجية

آلة الحرب ورهانات الدبلوماسية في ليبيا
TT

آلة الحرب ورهانات الدبلوماسية في ليبيا

آلة الحرب ورهانات الدبلوماسية في ليبيا

غيّرت الحرب على طرابلس كثيرا من واقع الحياة السياسية والاجتماعية في ليبيا بالشكل الذي باتت تستحيل معه فرص العودة إلى «المربع الأول». فالمعركة التي اتجهت إلى تدمير القواعد الخلفية في الجفرة ومصراتة، لكسر الجمود العسكري، ما زالت منذ اندلاعها، في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، تُراكم القتلى وتزيد أعداد اليتامى، بموازاة مساعٍ دولية خجولة تبحث عن مسار لوقف إراقة الدماء، أو على الأقل هدنة تتزامن مع قدوم عيد الأضحى.
هذه التطورات تأتي في وقت يتعرض فيه الدكتور غسان سلامة، المبعوث الأممي السادس لدى ليبيا، لحملة انتقادات واسعة من سلطات طرابلس، على خلفية إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، منتصف الأسبوع الماضي. هذا المفصل زاد الأمور تعقيداً، سواء باتجاه محاولات لخلخلة الأزمة، أو العودة بها إلى طاولة التفاوض مجدداً، وفقاً لمتحدثين لـ«الشرق الأوسط»، لكن منهم من يرى أن «أي تحركات دولية لوقف الحرب دون حل إخراج الميليشيات من طرابلس، ستبقي على الحرب مؤجلة حتى حين».

معركة طرابلس التي دخلت شهرها الرابع في ليبيا بين «الجيش الوطني الليبي» وقوات «حكومة الوفاق» طرحت كثيرا من الأسئلة، وكثيرا من الأمنيات، بين طرفين متناقضين: الأول يرى ضرورة حسمها سريعاً دون تلكؤ. والآخر يسأل: أليس هناك من عاقل يستطيع وقفها، ولجم شراستها؟
لكن من دون انتظار أي إجابات، يظل المؤكد أن هذه الحرب تسببت منذ اندلاعها في سقوط نحو 1100 قتيل، وإصابة 5762 بجروح بينهم مدنيون، كما تخطى عدد النازحين مائة ألف مواطن.

- مصراتة مقابل الجفرة
في وقت قريب من زمن العملية العسكرية، التي يقول المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، إنها تستهدف «تحرير» العاصمة من «الإرهاب» والميليشيات المسلحة، راوحت المعركة مكانها بين كر وفر، مع تحقيق بعض المكاسب، وتبادل المواقع التي يتيسر الاستيلاء عليها. إلا أنها اتخذت مؤخراً مساراً مغايراً بالاتجاه إلى تدمير القواعد الخلفية لكلا الفريقين المتقاتلين، في مسعى لقطع خطوط الإمداد، وشل حركة «الخصم».
متابعون لمجريات القتال، يرجعون انتقال المواجهات العسكرية إلى الجفرة ومصراتة، لما سموه «عجز القوتين المتحاربتين في تحقيق نتيجة عسكرية حاسمة بمعركة طرابلس»، إلا أن اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» يرى أنه «يحقق تقدماً ملموساً على الأرض»، وأن سلاح الجو «بات يفرض سيطرته على كامل التراب الليبي».
من جهتها، لم تتوقف قوات «حكومة الوفاق» بقيادة فائز السراج، المدعوم دولياً، والتي منعت العاصمة من السقوط إلى الآن، عند صد قوات الجيش فقط، بل وجهت المقاتلات الحربية والطائرات المسيرة، إلى قصف قاعدة الجفرة في قلب الصحراء الليبية. وهذه القاعدة (650 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس) تعد بوابة تربط بين مدن شرق وجنوب وغرب ليبيا، وتتخذها قوات «الجيش الوطني» نقطة انطلاق لعمليات وإمداد رئيسية.
ولقد عبّرت قوات السراج، عما سمته «فخرها بما قام به سلاح الجو من عمل قتالي مدروس ومحكم كبّد (العدو) خسائر كبيرة جداً». وقالت إنها دمرت (حظيرة طائرات) تابعة لـ«الجيش الوطني» كانت تنتظر في قاعدة الجفرة. وعلى الرغم من نفي الجيش، نقلت وسائل إعلام محلية تابعة لـ«الوفاق» عن صحيفة «كوميرسانت» الروسية، مقالاً للكاتب الصحافي كيريل كريفوشييف، حول ما حدث لطائرتي نقل أوكرانيتين في قاعدة الجفرة الجوية، تحت عنوان: طائرتا «إيل» الأوكرانية احترقتا في الصحراء الليبية، وتساءل: من أين حملتا السلاح؟
وفيما يخص مصراتة، سارع سلاح الطيران التابع لـ«الجيش الوطني» في اليوم التالي بنقل المعركة إلى قلب المدينة (200 كيلومتر شرق طرابلس) التي تعد معقل القوة الرئيسية لـ«حكومة الوفاق»، وقصف الكلية الجوية بمصراتة. وتحدث في حينه العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي، آمر المركز الإعلامي لغرفة «عمليات الكرامة»، عن «إصابة عدد من العسكريين الأتراك، الذين يدربون عناصر الميليشيات في الكلية»، وهذه التحركات العسكرية غير المعتادة دفعت المبعوث الأممي للتحذير من «اتساع النطاق الجغرافي للعنف» بين القوتين المتقاتلتين.

- صالح: مؤامرة دولية!
وصول المقاتلات الحربية لكلا الفريقين إلى الجفرة ومصراتة، يراه متابعون عملية نوعية على المسار العسكري لن تكون الأخيرة. ويتوقع المتابعون تمدداً لنيران الحرب إلى مناطق خارج العاصمة، خاصة بعد دعوة حفتر قواته «بألا تأخذهم رأفة بمن يمنعهم عن (تحرير) طرابلس»، فضلاً عن تأكيده أن القوات المسلحة هدفها تحرير البلاد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.
تصريحات حفتر، التي بشّر خلالها بأن «الجيش الوطني» سيرفع راية النصر في طرابلس قريباً، قرئت على نحو أن الرجل الأقوى في البلاد، ماضٍ باتجاه الاستمرار في المعركة العسكرية حتى نهايتها، بغض النظر عن أي جهود تبذل للحيلولة دون ذلك.
واستكمالاً للمسار المناهض لجانب من السياسات الخارجية حيال ليبيا، اشتكى عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، من أن بلاده تتعرض منذ سنوات «لمؤامرة دولية»، وأن «تركيا وقطر وتنظيم (الإخوان) من المتآمرين عليها». وقال إن «بريطانيا وإيطاليا لعبتا دوراً في التآمر». ومضى صالح يقول إن «الجيش يحارب ضد الميليشيات الإرهابية في ليبيا، بأسلحة قديمة، وإنه (الجيش) يتعاون مع بلاد (صديقة) للحصول على الدعم والسلاح».
ولكن، حديث رئيس مجلس النواب عن «المؤامرة الدولية» على بلاده، لم يمنع إيطاليا وبريطانيا من التحرك صوب إيجاد حل «لوقف الحرب على طرابلس»، فالأولى تعهدت على لسان وزير داخليتها نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني، بالضغط على الاتحاد الأوروبي، لوقف الحرب. ونقلت وزارة الداخلية بحكومة «الوفاق» عن سالفيني قوله إن «الهجوم على العاصمة يجب أن يتوقف، وأنه على الدول التي تتدخل في الشأن الليبي التوقف عن هذا التدخل من أجل استقرار ليبيا». وذهب الوزير الإيطالي إلى أن حكومة بلاده «ستكون أكثر صرامة خلال الاجتماع القادم الذي سيعقد مع دول الاتحاد الأوروبي، من أجل وضع حد لما وصفه بـ(العدوان على العاصمة)».
كذلك نقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر دبلوماسية، تقدم بريطانيا للدول الأعضاء بالمجلس حول ليبيا، بمسودة بيان يدين الحرب على طرابلس، وذلك عقب يومين من الإحاطة الأخيرة لسلامة.

- طرد الميليشيات
في مطلق الأحوال، «عسكرة المواقف» بين الجانبين، لم تمنع التحركات الدبلوماسية قدماً. وهو ما بدا قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن الأخيرة منتصف الأسبوع الماضي، إذ أجرى المبعوث الأممي الدكتور سلامة مجموعة من اللقاءات في طرابلس وبنغازي، التقى خلالها السراج وحفتر، سعياً لوقف التصعيد العسكري وإعادة إحياء العملية السياسية.
والسراج، بدوره، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش مشاركتهما في تشييع جنازة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، وهو اللقاء الذي وصفته السفارة الفرنسية في ليبيا بأنه «يستهدف الدعوة لاتفاق سياسي تحت إشراف الأمم المتحدة».
بيد أن الحديث عن دعوات وقف الحرب والعودة إلى طاولة التفاوض، دفع عضو مجلس النواب صالح أفحيمة، إلى القول إن «الحرب هي نتيجة لفشل الحلول السياسية»؛ لكنه لم يمانع في هدنة تزامناً مع قدوم عيد الأضحى. وذهب أفحيمة، النائب عن مدينة طبرق بـ(شرق البلاد) في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الحرب التي يخوضها «الجيش الوطني» في طرابلس، هي «حرب مؤجلة منذ عام 2014»، مكملاً «كل الجهود الدبلوماسية ما لم تتمكن من حل الإشكال القائم بإخراج الميليشيات المسلحة من طرابلس، وتمكين (الجيش الوطني) من دخول ثكناته بالمدينة، فإن أي حديث عن وقف العملية العسكرية بمثابة حرب مؤجلة».
غير أن بشير زعبية، رئيس تحرير صحيفة «الوسط» الليبية، طرح مجموعة من التساؤلات تتعلق بمن سيجلسون إلى طاولة التفاوض، والملفات التي ستناقشها بعد شهور من الحرب الدامية. وزاد زعبية في إدراج على حسابه عبر «فيسبوك» من تساؤلاته: «ماذا تبقى من (غدامس) صالحا ليكون حاضراً؟... وهل يمكن أن تتجاهل تموضعات الأطراف الرئيسية التي أنتجتها الحرب؟ وإلا، فستبقى هذه الدعوات مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي، واللعب على حبل الوقت»!
وهنا نشير إلى أن العملية العسكرية التي أمر المشير حفتر، بشنها على طرابلس، تسببت في إرجاء «الملتقى الوطني» الذي كانت دعت إليه البعثة الأممية بمدنية غدامس في 14 أبريل (نيسان) الماضي، بالجنوب الغربي الليبي، وقال سلامة حينها: «لا يمكن لنا أن نطلب الحضور للملتقى والمدافع تُضرَب والغارات تُشَنّ»، مؤكداً تصميمه على عقد الملتقى «وبأسرع وقت ممكن». وهو ما لم يحدث إلى الآن.

- «البديل الأميركي» لسلامة
الإحاطة الأخيرة للمبعوث الأممي، بحديثه عن «وجود مرتزقة أجانب وجماعات متطرفة يشاركون بالقتال ضمن صفوف قوات (الوفاق) عرضته لحملة انتقادات واسعة، وصلت إلى مطالبة قطاع كبيرة من سلطات طرابلس، بـ«طرده وإخراجه من البلاد فوراً». ووصفه مسؤولون لـ«الشرق الأوسط» بأنه «لم يعد الطرف النزيه، وأنه يدعم الانقلاب العسكري». في إشارة إلى قوات «الجيش الوطني». ولكن، لا بد من القول، إن أي مبعوث أممي لم يحظَ قط برضا طرفي النزاع في (شرق وغرب) ليبيا. إذ سبق أن تعرض سلامة لحملة مشابهة من الموالين لـ«الجيش الوطني» بزعم أنه أغفل ذكر «دور الجيش في محاربة الإرهاب»، وأثنى على «الجانب الآخر» المتمثل في سلطات طرابلس، خلال حديث سابق أمام مجلس الأمن.
في هذه الأثناء، حمّل سياسيون ونواب ينتمون إلى العاصمة، من بينهم العضو حمودة أحمد سيالة، المبعوث الأممي، المسؤولية في القصف الأخير على مطار معيتيقة الدولي بطرابلس، من قبل قوات «الجيش الوطني». وقال سيالة إن «هذا الهجوم العنيف جاء بسبب الإحاطة الأخيرة لسلامة». وتساءل: «هل تعلم يا سيد سلامة أن عدم إدانة المعتدي وعدم تسميتك الأشياء بأسمائها تسببا في قصف وقتل 50 مهاجراً وعدد من الأطباء والمسعفين؟». واستطرد متهكماً: «هل اقتصرت معرفتك باللغة العربية والنحو على المبني للمجهول وعجزت عن تبيان الفاعل والمفعول به وتمييز المعتدي من المعتدى عليه؟».
الحقيقة، أن حملة الانتقادات غير المسبوقة التي تعرض لها المبعوث الأممي، ساهم فيها كل من له صلة بـ«حكومة الوفاق»؛ بل إن المفتي المعزول الصادق الغرياني، الذي يقيم في تركيا دخل على خط الأزمة، وأفتى بضرورة طرد سلامة من ليبيا. إذ عبر قناة «التناصح» التي يمتلكها نجله سهيل وتبثّ من تركيا، طالب الشعب الليبي بجمع التواقيع للمطالبة بإنهاء خدمته وطرده من ليبيا؛ «لأنه لا يستحق أن يبقى بيننا بعد كل هذه الافتراءات».
لكن على الجانب الآخر بالبلاد مَن امتدح إحاطة الدكتور سلامة أمام مجلس الأمن، ورأى أنها كشفت عن تفاصيل تتعلق بتركيبة القوات التي تحارب في صفوف «الوفاق»، وذهب الصحافي والإعلامي عيسى عبد القيوم، إلى أن إحاطة سلامة كانت «الأكثر توازناً من حيث المعلومات والالتزام بالتشريعات الليبية». وتطرق عبد القيوم إلى تأثير كلمة سلامة على الإعلام الموالي لسلطات طرابلس. وقال: «يحاول إعلام الدوحة عبثاً التخفيف من وقع إحاطة سلامة على سلامة وضعهم السياسي بعد (تلبُك) وضعهم العسكري».
وأمام هذه الحملة التي يتعرض لها المبعوث الأممي حذر المحلل السياسي الليبي محمد عمر محمد بعيو، من مغبة العراك، متحدثاً باللهجة المحلية: «طريقة الليبيين لمّا يتعاركوا بدل ما يوقفوا العركة يضربوا الحزّاز». والحزّاز هو الشخص الذي يفضّ النزاع أو الخلاف، في إشارة إلى غسان سلامة.
ورأى بعيو أن المبعوث الأممي «سيذهب وبديلته جاهزة وهي الست ستيفاني امرأة وأميركية، وجرّبوا اضربوها يا أشاوس». وستيفاني تي. ويليامز، هي نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للشؤون السياسية، وكانت القائمة بالأعمال الأميركية السابقة في البلاد.

- الحل في الخارج
كثيرون ممن تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» يرون أن معضلة الأزمة الليبية المستحكمة، منذ إسقاط الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، تتمثل في التدخل الخارجي في البلاد بشكل واسع وملحوظ، واحتكام أطراف النزاع الداخلي إلى أطراف خارجية تملي عليها ما تريد، ويرون أن بلادهم أضحت «ساحة مفتوحة لتجريب السلاح». وعلى مسار مشابه، شهدت أميركا وروسيا تحركات ليبية هي الأولى من نوعها، عندما اتجه أعضاء مجلس النواب الليبي (المنقسمون إلى جبهتين) إلى الكونغرس الأميركي، ووزارة الخارجية الروسية في زيارتين متعاقبتين.
وبعد يومين فقط، من زيارة وفد البرلمان الليبي في طبرق (شرق) للولايات المتحدة الأميركية، ولقاء المسؤولين في الكونغرس «لإيضاح صورة ما يحدث في ليبيا»، سارع أعضاء مجلس النواب عن طرابلس (غرب)، إلى روسيا، في زيارة استهدفت هي الأخرى إطلاع الجانب الروسي على «حقيقة ما يجري في معركة طرابلس».
وعليه يرى كثير من الليبيين أن أزمة بلادهم لن تحل «إلاّ إذا تحرر ساستها من عقدة الارتباط الخارجي، وتنفيذ ما يملى عليهم من القوى الخارجية»!


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.