العقوبات الأميركية على ظريف تنزع شرعيته وتضغط على خامنئي للتفاوض

ظريف
ظريف
TT

العقوبات الأميركية على ظريف تنزع شرعيته وتضغط على خامنئي للتفاوض

ظريف
ظريف

أثار قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض عقوبات على وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، ردود فعل مختلفة ومتفاوتة، عكست حالة الاستقطاب السياسي في واشنطن.
وكان وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، قد أعلن في بيان أن «جواد ظريف يطبق أجندة المرشد الأعلى الإيراني الهوجاء، وهو الناطق الرئيسي باسم النظام في أنحاء العالم، والولايات المتحدة تبعث برسالة واضحة للنظام الإيراني بأن السلوك الذي انتهجه في الآونة الأخيرة غير مقبول بالمرة».
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية رفض الكشف عن اسمه إن «ظريف هو وجه النظام الذي ينشر في الخارج الدعاية وحملات التضليل المؤيدة للبرنامج النووي التابع لإيران وصواريخها الباليستية وشبكاتها الإرهابية».
قرار فرض العقوبات على ظريف كان قد تأجل تطبيقه حين فرضت وزارة الخزانة عقوبات مماثلة على المرشد الإيراني علي خامنئي في 24 يونيو (حزيران) الماضي. وقال منوتشين آنذاك إن اسم ظريف سيكون مدرجا في القائمة السوداء خلال أسبوع؛ الأمر الذي تأجل، واعتبر رسالة لإبقاء باب التفاوض متاحا مع الرجل.
لكن التطورات الأخيرة عكست على ما يبدو استمرار صعوبة التوصل إلى أرضية مشتركة بين الطرفين لتجديد المفاوضات، في ظل مراوحة واسعة من المواقف الدولية، ورهانات أطراف عدة على إمكانية انتظار حصول تعديلات جوهرية في الموقف الأميركي، بعد الانتخابات عام 2020.
وزير الخارجية مايك بومبيو قال الأربعاء إن إدارة ترمب ما زالت تسعى إلى حل دبلوماسي، لكن وزارة الخارجية الإيرانية تروج لسياسات المرشد الأعلى «المزعزعة للاستقرار». وأضاف أن «السبيل الوحيد للتحرك للأمام هو اتفاق شامل يتعامل مع كل التهديدات التي تشكلها إيران. وإلى حين حدوث هذا الأمر فستستمر حملتنا لفرض عزلة دبلوماسية وممارسة أقصى الضغوط الاقتصادية».
واعتبر قرار فرض العقوبات على ظريف، ترجمة للموقف الذي أعلنه الوزير بومبيو والرئيس ترمب قبل أسابيع، عندما أعلنا أن التفاوض مع إيران لن يتم إلا مع صاحب القرار السياسي الفعلي في البلاد، في إشارة إلى المرشد علي خامنئي، مما أدى إلى التكهن بأن واشنطن نزعت الشرعية عن ظريف و«حرقت ورقته».
وعلى الرغم من أن ظريف يعد شخصية محورية في الاتفاق النووي، فإن قرار فرض العقوبات عليه يشير إلى أن إدارة ترمب ترغب جديا في إزالة كل ما يمت بصلة ولو رمزية للاتفاق الذي فاوضت عليه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
وكان ظريف قد أقام في الولايات المتحدة منذ كان في الـ17 من عمره، حيث درس العلاقات الدولية في مدينتي سان فرنسيسكو ودنفر، ثم أصبح دبلوماسيا لدى الأمم المتحدة في نيويورك حيث عمل سفيرا لإيران من 2002 حتى 2007.
وأعلنت الإدارة الأميركية أن القرارات المتعلقة بمنح تأشيرات السفر لظريف، بما في ذلك تأشيرات زيارة الأمم المتحدة في نيويورك، سيتم اتخاذها وفقا لكل حدث على حدة، مما يترك الباب مفتوحا أمام احتمال حضوره الاجتماع السنوي للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وإذا حصل ظريف على هذه التأشيرة فسيتيح ذلك إمكانية حصول اتصال مباشر أو غير مباشر مع مسؤولين أميركيين، خلال ذلك الاجتماع، الذي يشارك فيه عدد كبير من زعماء العالم، وشهد في السابق لقاءات جانبية أميركية إيرانية.
غير أن مسؤولا أميركيا قال إن العقوبات على ظريف تحمل رسالة رمزية مفادها أن «إدارة ترمب غاضبة للغاية من استخدام ظريف زياراته إلى الولايات المتحدة كمنصة لانتقاد سياساتها في وسائل الإعلام الأميركية». وأضاف: «هي رسالة أيضا بأن ظريف ليس منفصلاً عن النظام، وأنه ليس شخصا يمكننا التفاوض معه».
في هذا الصدد، قال كبير الباحثين في معهد واشنطن ماثيو ليفيت لـ«الشرق الأوسط» إن فرض إدارة ترمب العقوبات على ظريف هو النتيجة المنطقية لنظرتها إلى مشاركة وزارة الخارجية الإيرانية في مجموعة واسعة من الأنشطة غير المشروعة. وهي قررت أن تنزع غطاء الشرعية التي تتمتع بها وزارة الخارجية على الرغم من دعمها للإرهاب والتدخل في الانتخابات وانتهاكات حقوق الإنسان وما إلى ذلك، لافتا إلى أن الإجراء يهدف إلى التأكيد على أنه لا تمييز بين المتشددين والمعتدلين داخل هذا النظام. لكن المشكلة التي قد تسببها العقوبات على ظريف أنها قد تقوض إمكانية جلب إيران إلى طاولة التفاوض للاتفاق على صفقة أفضل.
من جهة أخرى، حذر البعض من أن العقوبات على ظريف يمكن أن تؤثر على الجهود الأوروبية لتخفيف التوترات في المنطقة. وفيما تعمل فرنسا وألمانيا وبريطانيا على إبقاء الاتفاق النووي حيا، والحفاظ على علاقتها بظريف لضمان امتثال النظام بالاتفاق، فإن فرض العقوبات عليه قد يؤدي إلى توقف الأشخاص والشركات الذين يتعاملون معه ووقف الاتصال به، خوفا من العقوبات الأميركية، الأمر الذي سيعقّد على ظريف السفر وتمويل رحلاته وعمله.
في المقابل، شكك السيناتور الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية كريس مورفي في جدوى فرض العقوبات على ظريف. وكتب على «تويتر» «إذا كان موقفنا حقا هو أننا نريد التفاوض مع إيران، فما كان علينا فرض عقوبات على مفاوضها الرئيسي».
كما عبّرت ويندي شيرمان التي كانت كبيرة المفاوضين الأميركيين في الاتفاق النووي مع إيران في عهد الرئيس أوباما عن الموقف نفسه. وقالت إن فرض العقوبات على ظريف يحمل «مجازفة بحدوث تصعيد خطير». وربطت القرار بحديث مستشار الأمن القومي جون بولتون مساء الأربعاء عن تجديد الإعفاءات من العقوبات المتعلقة بالبرامج النووية الإيرانية المدنية، وهو ما يسمح لروسيا والصين ودول أوروبية بمواصلة تعاونها في هذا المجال مع طهران.
وأضافت شيرمان: «هناك افتراض أن تكون معاقبة ظريف مقابل تلك الإعفاءات، يبدو أن معركة المفاضلة بين الحرب والدبلوماسية مستعرة داخل الإدارة».
وأعرب محللون أميركيون عن اعتقادهم بأن «صقور» الإدارة الأميركية قد دفعوا على الأرجح إلى فرض عقوبات على ظريف لجعل من الصعب على ترمب بدء المفاوضات.
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» ذكرت في تقرير لها قبل يومين أن ترمب انحاز خلال اجتماع في البيت الأبيض الأسبوع الماضي مع أفراد من حكومته، إلى وجهة نظر وزير الخزانة ستيفن منوتشين، الذي دافع عن تجديد الإعفاءات المتعلقة بالبرنامج النووي السلمي، أمام اعتراضات بومبيو وبولتون.
وبحسب الصحيفة، فقد قال منوتشين لترمب: «إذا لم تصدر الإعفاءات بحلول الأول من أغسطس (آب) كما يفرض القانون، فسنضطر إلى فرض عقوبات على شركات روسية وصينية وأوروبية مشاركة في مشروعات داخل إيران كانت أقيمت في إطار الاتفاق النووي المبرم عام 2015». وأضافت الصحيفة أن وزارة الخزانة طلبت مزيدا من الوقت للنظر في آثار تلك العقوبات.
ومساء الأربعاء أعلن بولتون أن الولايات المتحدة ستجدد الإعفاءات من العقوبات المرتبطة بالبرامج النووية الإيرانية التي تسمح لتلك الدول بمواصلة تعاونها النووي المدني مع إيران. وأضاف بولتون في مقابلة مع محطة «فوكس بيزنس»: «إننا نراقب هذه الأنشطة النووية من كثب شديد، لذلك هذا تمديد قصير لمدة 90 يوما».
وفي وقت لاحق أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا قالت فيه إن الوزير مايك بومبيو أصدر قرارا يجدد فيه القيود المفروضة على البرنامج النووي الخاص بالنظام الإيراني. وقال البيان إن الإجراء سيساهم في الحفاظ على الرقابة المفروضة على برنامج إيران النووي المدني والتخفيف من مخاطر الانتشار النووي وكبح قدرة طهران على تقليص الوقت اللازم لتحصل على سلاح نووي، ويمنع النظام من إعادة تشكيل المواقع المستخدمة لأغراض خاصة بالانتشار النووي. وأضاف البيان أن أكثر دولة راعية للإرهاب في العالم تواصل استخدام برنامجها النووي لابتزاز المجتمع الدولي وتهديد الأمن الإقليمي. وأضاف أن الولايات المتحدة مصممة على التزامها بمنع إيران من أي سبيل يمكنها من الحصول على سلاح نووي، وباستخدام كل وسائلنا الدبلوماسية والاقتصادية لكبح أنشطتها النووية، وتشديد الضغط الاقتصادي والعزلة الدبلوماسية، ما دام النظام الإيراني يواصل رفضه للدبلوماسية ويوسع برنامجه النووي.
وكان بومبيو قد مدد في شهر مايو (أيار) الماضي خمسة من سبعة إعفاءات من العقوبات لمدة 90 يوما. وتسمح الإعفاءات بالعمل في محطة بوشهر النووية ومنشأة فوردو ومجمع آراك النووي ومفاعل طهران للأبحاث.
وانسحب ترمب العام الماضي من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وشدد العقوبات على إيران للضغط على اقتصادها. وذهبت خطوته بجزء من إنجازات أوباما وأثارت استياء حلفاء الولايات المتحدة المشاركين في الاتفاق. وقال ترمب إنه يريد اتفاقا أكبر لا يقتصر على النشاط النووي الإيراني، بل يشمل أيضا كبح دعمها لوكلاء لها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وتقييد برنامجها للصواريخ الباليستية. وشدد ترمب في مايو الماضي العقوبات الاقتصادية على إيران بهدف تصفير صادراتها النفطية.
وأعلن وزير الخارجية مايك بومبيو الخميس في تغريدة نشرها موقع الخارجية على «تويتر» أن «العقوبات الأميركية على النظام الإيراني قد أدت إلى إزالة معظم النفط الإيراني من الأسواق العالمية، دون أن يودي ذلك إلى ارتفاع الأسعار. هكذا استطعنا أن نحمي النمو الاقتصادي العالمي بينما نبذل كل ما في وسعنا لحرمان نظام إيران من الموارد».
وزاد التوتر في الشهور الأخيرة بعد هجمات على ناقلات نفط في الخليج تخللها إسقاط طائرات مسيرة واستعدادات لضربة عسكرية أميركية تراجع عنها ترمب في اللحظة الأخيرة، ثم قيام إيران باختطاف ناقلة بريطانية، ما دفع بلندن لإرسال قطع بحرية عدة إلى مياه الخليج.



إيران «لن تعرقل» مفتشي «الطاقة الذرية»

غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
TT

إيران «لن تعرقل» مفتشي «الطاقة الذرية»

غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

تعهدت إيران بعدم «عرقلة» مهمة ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة لتفتيش مواقعها النووية. وقال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، السبت، إن إيران لن تعرقل دخول ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إلى مواقعها وتفتيشها. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن إسلامي قوله: «لم ولن نضع أي عقبات أمام عمليات التفتيش والمراقبة التي تنفذها الوكالة (الدولية للطاقة الذرية)».

وأضاف: «نعمل في إطار الضمانات كما تعمل الوكالة وفقاً لضوابط، لا أكثر ولا أقل».

ووفقاً لتقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الخميس الماضي، قبلت إيران تشديد الرقابة على منشأة فوردو النووية بعدما سرّعت طهران بشكل كبير من تخصيب اليورانيوم ليقترب من مستوى صنع الأسلحة. وقبل أيام ذكرت الوكالة أن إيران ضاعفت وتيرة تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو إلى درجة نقاء تصل إلى 60 بالمائة، أي قريباً من نسبة 90 بالمائة اللازمة لإنتاج أسلحة.

وأعلنت الوكالة أنها ستناقش الحاجة إلى إجراءات وقائية أكثر صرامة، مثل زيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وهي واحدة من منشأتين تصلان إلى هذا المستوى العالي من التخصيب.

وجاء في التقرير السري الموجه إلى الدول الأعضاء: «وافقت إيران على طلب الوكالة زيادة وتيرة وشدة تنفيذ إجراءات الضمانات في منشأة فوردو، وتساهم في تنفيذ هذا النهج المعزز لضمانات السلامة».

ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن لـ«فوردو» الآن إنتاج أكثر من 34 كيلوغراماً شهرياً من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المائة، مقارنة بـ5 إلى 7 كيلوغرامات كانت تنتجها مجتمعة في فوردو ومنشأة أخرى في نطنز فوق الأرض.

ووفقاً لمعايير الوكالة، فإن نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة تكفي نظرياً، إذا تم تخصيبها أكثر، لصنع قنبلة نووية. إيران تمتلك بالفعل أكثر من أربعة أضعاف هذه الكمية، بالإضافة إلى ما يكفي لصنع المزيد من الأسلحة عند مستويات تخصيب أقل.

وتؤكد القوى الغربية أنه لا يوجد مبرر مدني لتخصيب إيران إلى هذا المستوى، حيث لم تقم أي دولة أخرى بذلك دون إنتاج أسلحة نووية. فيما تنفي إيران هذه الادعاءات، مؤكدة أن برنامجها النووي ذو أهداف سلمية بحتة.