سنوات السينما: Cabaret Balkan

من «كباريه بلقان»: حكايات في ليلة واحدة
من «كباريه بلقان»: حكايات في ليلة واحدة
TT

سنوات السينما: Cabaret Balkan

من «كباريه بلقان»: حكايات في ليلة واحدة
من «كباريه بلقان»: حكايات في ليلة واحدة

Cabaret Balkan
(1998)
حكايات صربية في ليلة واحدة
فيلم المخرج الصربي غوران باسكاليفيتش مستوحى من مسرحية بعنوان «كباريه بلقان» كتبها ديجان دوكوفسكي عبّر فيها عن التشرذم الذي شهدته العاصمة الصربية بلغراد في تلك الآونة التي كانت الحرب الأهلية في يوغوسلافيا تشرف على نهاياتها في عام 1995.
والفيلم يبدأ بالمسرح: رجل بوجه مطلي يقف على منصة «كباريه» يتحدث إلى الحاضرين في ذلك الملهى كما إلينا. هذا المسرحي سيعود للإطلال أكثر من مرّة خلال الفيلم ليذكر ويوجز ويوحي. إنه، كما حاله في أفلام أخرى، الراوي الذي يتدخل بين الحكايات الواردة للتعليق عليها. الفارق أنه لا يسرد الحادثة بالضرورة بل يستخلص منها الوضع الفوضوي العارم الذي يريد المخرج توفيره لمشاهدي فيلمه.
تقع الأحداث في ليلة واحدة لكنها لا تتعلق بشخصيات محدودة، بل تنتقل بينها في سلاسة مدروسة تماماً كما حال المعالجة التي يختارها المخرج للدراما البانورامية تبعاً لأسلوبه السينمائي الذي اشتهر به من قبل وفيما بعد.
الأحداث تنتقل من تقديم لص يسطو بما تيسر له إلى حادث سير ينقلب (كأحداث أخرى) إلى تراجيديا ومن صداقة تربط بين رجلين عمرها أكثر من عشرين سنة إلى مواجهة عنيفة تنهي حياة أحدهما. رجل يخطف حافلة عمومية ويهدد الركاب قبل أن يُقتل. رجل مخمور ينتحر بتفجير نفسه مع امرأة لا يعرفها في قطار.
هذه الحكايات المتداولة من دون ترتيب (أو بفوضى منظمة) تقع في غمار ليلة واحدة يذكر فيها المخرج، عبر إحدى شخصياته، أن بلغراد هي المدينة التي تحتوي على مائة مواطن مقابل شرطي واحد. النسبة عادية في مدن أخرى هادئة ومسالمة وليست عرضة للجرائم الفردية، لكنها مرتفعة في مدينة خرجت من الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات. وفيلم باسكاليفتيش («تانغو أرجنتينو»، «كيف أصبح هاري شجرة» وسواهما) يصيغ بعض أسوأ الاحتمالات، فكل حكاية من لدنه تنتهي بفاجعة. بموت عرضي أو مقصود وتحتوي على شخصيات إما ضعيفة هاربة أو قوية قاتلة.
كذلك فإن بعض الشخصيات يتكرر ورودها من حكاية إلى أخرى لتزيد من تعاضد وتماسك الفيلم. فالحكاية التي تسرد قيام شاب أرعن بصدم سيارة رجل يدعي بأنه لم يتعرض لحادثة منذ شرائه سيارته الحمراء قبل عشرين سنة تنتقل إلى منزل والد الشاب. السائق الهائج اصطحب معه صديقاً له والاثنان يبطشان بالأب. هذا الصديق سيظهر في الحكاية التي تقع على بعد نصف ساعة من ذلك الحادث فهو الملاكم الذي خان صديقاً آخر مع زوجته وكشف له في مباراة ملاكمة تبدأ ودية بذلك. الصديق يبتسم ويداعب لكنه بعد حين وجيز يقتل الملاكم.
لاحقاً ما نرى الشاب الذي قاد السيارة برعونة ما زال هاربا في قطار يتجه به إلى مكان مجهول. القاتل الذي يشرب لينسى جريمته في هذا القطار (لا يعرف أحدهما الآخر) وهو ينتحر مفجراً نفسه بقنبلة مع فتاة كنا رأيناها في حكاية منفصلة أخرى مختلفة تماماً.
طبعاً بقيام المخرج باسكاليفيتش بوضع الأحداث في سنة 1995 هناك السعي لربط الوضع الفردي بالوضع العام للمنطقة وحروبها. لكنه لا يعرض شيئاً من تلك الحرب لأن ذلك ليس ما يرغبه. على ذلك، وفي المقابل، يوفر الحديث عنها كما يقدم شخصيات بوسنية ومقدونية. هي وسواها تؤلف تلك المساحة الشاسعة من الأعراق التي تآلفت تحت نظام ثم تقاتلت ما إن دخلت نظاماً جديداً إلى أن انتهى عصر الاقتتال عنيفاً كما بدأ.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.