وفاة عبد الرحمن الشبيلي... ذاكرة إعلام السعودية ومؤرخ أعلامها

رحل ولم يكمل حكايات «عمر لم يعرف الفراغ»

لقطة تجمعه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
لقطة تجمعه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
TT

وفاة عبد الرحمن الشبيلي... ذاكرة إعلام السعودية ومؤرخ أعلامها

لقطة تجمعه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
لقطة تجمعه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز

فقدت السعودية أمس واحداً من أبرز إعلامييها ومؤرخيها وكاتب سير رجالاتها، الدكتور عبد الرحمن بن صالح الشبيلي، بعد حادث مؤسف وقع في منزله في العاصمة الفرنسية باريس، نقل على أثره إلى المستشفى في حالة حرجة ليتم نقله إلى الرياض. وتوفي فيها بعد ساعات من وصوله إليها، وستتم الصلاة على الفقيد عصر اليوم، في جامع الجوهرة البابطين ويوارى الثرى في مقبرة الشمال بالرياض.
وبرحيل الدكتور الشبيلي، تفقد السعودية ذاكرة إعلامها ومؤرخ أعلامها وكاتب سير رجالها ونسائها ومستشاري مؤسسها الملك عبد العزيز، بعد أن عاش الشبيلي 75 عاماً حيث ولد الراحل في عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1944.
وحصل على ليسانس اللغة العربية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في 1963، كما حصل على بكالوريوس الآداب من جامعة الملك سعود في 1965، وبعد ثلاثة أعوام نال درجة الماجستير في الإعلام من جامعة كانساس في أميركا، وفي عام 1971 نال درجة الدكتوراه في مجال الإعلام من جامعة ولاية أوهايو.
ساهم الشبيلي في تأسيس إذاعة وتلفزيون الرياض عام 1965، وأصبح مديرا عاما للتلفزيون، واشتهر بإعداد وتقديم برامج تلفزيونية أبرزها خلال سبعينات القرن الماضي، برنامج «مؤتمر صحافي»، واستضاف فيه الملك فهد عندما كان ولياً للعهد، والأمير نايف بن عبد العزيز والملك سلمان (أمير الرياض حينها)، وبرنامج «شريط الذكريات» واستضاف فيه مجموعة من رواد التاريخ الشفوي ومنهم علي فهد السكران، وحمد الجاسر، وتركي العطيشان، وعبد العزيز بن ماضي، وعبد الله بن خميس، وطاهر زمخشري.
وبين صدور كتابه الأخير «مشيناها... حكايا ذات» وبين رحيله أمس، أشهر قليلة، لكنها عبرت عن حكاية عمر لم يعرف الفراغ، وحياة قلق شكلتها الصدف من الطفولة حاول فيها الراحل أن تصور مرابع النشأة. وبنيت الدراسة وظروف الزمن وأن تبوح بالممكن، من مكنون الصدر فأبقت بعد ذلك طي الكتمان ما هو أكثر»، وجاء استهلال الراحل كتابه ببيتين شعريين منسوب لعبد العزيز الدريني، وقيل لأبي علاء المعري ليؤكد مصداقيتهما بأن المنية عندما تكتب بأرض فليس يموت في أرض سواها، فقد وقع عليه الحادث في باريس ليصاب بحادث في باريس ثم يعود في حالة حرجة لأرض الوطن ليسلم الروح فيها، وهما:
مشيناها خُطى كُتبت علينا
ومن كُتبت عليه خُطى مشاها
ومن كانت منيّته بأرض
فليس يموت في أرض سواها
ومع أن الراحل الشبيلي شدد على أن هذه الذكريات لم تكن كل ما يمكن سرده فيما يقدم من صفحات، فهناك مواقف سياسية أو إعلامية لم يشملها الكتاب، لأن «الإفصاح عن تفاصيلها كان مما سيؤدي لا محالة إلى التصريح بأسماء وأسرار تتعلق بالغير، لا يحمد كشفها».
لم يغب عن الشبيلي ما كان يتوقعه القارئ أن يبوح به من أحداث وتفاصيل مهمة، حيث يوضح أن «من حق القارئ أن يتوقع من راوي هذه الذكريات، التي عاش طرفاً منها، تجاذبات الإعلام مع مصر إثر مشكلة اليمن عام 1962، وتداعيات الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1967، واستشهاد الملك فيصل عام 1975، وتأثير دخول الإذاعة والتلفزيون في مجتمع متنوع الأطياف بين المحافظة والانفتاح، وتشخيص ظاهرة ضعف الاحتراف الإعلامي، ونمو مؤسسات الإعلام الأهلية، وبروز الإعلام الجديد، واقتران الثقافة مع الإعلام في وزارة واحدة، ثم انفصالهما»، مؤملاً أن تكون هذه الموضوعات التحليلية وغيرها في مجالي التعليم العالي والشورى موضوع إصدار آخر.
وعمل الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، أكاديميا في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود، ومديرا عاما للتلفزيون السعودي سابقاً، كذلك تم تعيينه عضوا في مجلس الشورى، وأيضا عضوا في المجلس الأعلى للإعلام، ووكيلا لوزارة التعليم العالي، وأمينا عاما للمجلس الأعلى للجامعات. كما رأس مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة الصحافية، ومجلس أمناء الشركة السعودية للأبحاث والنشر. وحاز على جائزتي الملك سلمان لخدمة التاريخ الشفوي وتوثيقه وبحوث الجزيرة العربية، ووسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى في مهرجان الجنادرية 31.
ويعد الراحل عبد الرحمن الشبيلي، أحد رواد الإعلام المسموع والمرئي والمقروء في السعودية، أثمرت تلك الريادة عن 55 كتاباً ومحاضرة مطبوعة في تاريخ الإعلام وسير الأعلام في بلاده، منها: الإعلام الخارجي في عهد الملك عبد العزيز، والتجربة الشورية بين الإطار والتطوير، اليمن وحضرموت في تراث حمد الجاسر، التنمية السياسية في فكر الملك عبد العزيز، التأثير الثقافي المتبادل بين حضرموت وبلاد الحرمين الشريفين، مجلس الشورى على مشارف العشرين، سلمان بن عبد العزيز شخصية العام، عباس فائق غزاوي، مجلس الوكلاء في مكة المكرمة، السعودية ونظرية القوة الناعمة، سياسيون حول الملك عبد العزيز، مسيرة العلاقات السعودية الروسية، تأسيس السعودية بأقلام 60 مؤرخا.
ومن أبرز مؤلفاته: نحو إعلام أفضل، إعلام وإعلام (جزآن)، الملك عبد العزيز والإعلام، مساعد بن عبد الرحمن، فيصل بن عبد العزيز أميراً وملكاً، المفكر محمد أسد: هدية الإسلام إلى أوروبا، مذكرات محمد الأمين الشنقيطي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».