أضواء على جذور التطرف البوذي

بعد موجة إبادة جماعية بحق مسلمي الروهينغا

رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)
رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)
TT

أضواء على جذور التطرف البوذي

رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)
رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)

غالباً ما يجري تصوير البوذية لمختلف أرجاء العالم باعتبارها معتقدا مسالما، ومع ذلك شهدت السنوات القليلة الماضية ظهور وانتشار نزعات قومية بوذية مسلحة عبر آسيا. على خلاف الحال داخل الهند التي شهدت مولدها، تدين غالبية السكان بالبوذية في سريلانكا وتايلاند وميانمار.
ويشكل بوذيون في سريلانكا وتايلاند وميانمار الغالبية العظمى من السكان على النحو التالي: 70 في المائة في سريلانكا و88 في المائة في ميانمار و93 في المائة في تايلاند. من بين الدول الأخرى التي يشكل البوذيون نسبة معتبرة بين سكانها، اليابان وكمبوديا وبهوتان ولاوس وفيتنام.
تأتي سريلانكا وميانمار في مقدمة الدول التي تشهد صعوداً خطيراً لحركة قومية بوذية راديكالية. وتكشف حوادث وقعت في الفترة الأخيرة هاجم خلالها رهبان بوذيون مجموعات من المسلمين بوحشية في أعقاب تفجيرات عيد الفصح في سريلانكا واستمرار الإبادة الجماعية بحق مسلمي الروهينغا في ميانمار بوضوح، جانبا مثيراً للقلق لهذه الديانة «التي تنبذ العنف» في كلا البلدين، تعتبر البوذية التيرافادية المذهب الأكثر هيمنة، ويركز بشدة على أول التعاليم المسجلة لبوذا. وتعتبر التيرافادية أقدم مدرسة على وجه الأرض للتعاليم البوذية.
واللافت أنه داخل تايلاند، يتمتع الرهبان البوذيون بنفوذ كبير وتتسم توجهاتهم العرقية المتحاملة بثقل كبير لدى الرأي العام والسلطات الرسمية على نحو يفوق الحال مع نظرائهم في ميانمار وسريلانكا.
وظهرت بعض المؤشرات على اشتعال توترات، مثلما حدث في جنوب البلاد الذي تسكنه غالبية من الملايا يدينون بالإسلام، حيث أسفرت حركة تمرد وحشية عن مقتل أكثر من 7.000 مدني خلال العقد الماضي.

- سريلانكا
جذر البوذية داخل هذا البلد ربما تكون أقوى منها في دول أخرى، وتعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد عندما دخلت البوذية سريلانكا على يد ماهينديرا، نجل الإمبراطور أشوكا، الذي حاكم منطقة جنوب آسيا كلها، بما في ذلك أفغانستان.
داخل سريلانكا، تهيمن البوذية على الخطاب السياسي والثقافي، حيث يسمح للرهبان بالترشح لمناصب سياسية وتكوين أحزاب سياسية.
وتنص مادة في دستور سريلانكا بوضوح على منح «المكانة الكبرى» للبوذية، وتحمل الدولة مسؤولية «حماية وتعزيز حكم بوذا». كما يوجد في سريلانكا وزارة مختصة بشؤون الرهبان البوذيين.
يبلغ عدد سكان سريلانكا 22 مليون نسمة، وينتمي ثلاثة أرباعهم تقريباً إلى عرق السنهاليين، والذين تدين غالبيتهم بالبوذية. وينتمي نحو سدس أبناء سريلانكا إلى عرق التاميل - سواء من أصول سريلانكية أو هندية - ويدينون في معظمهم بالهندوسية، بينما يعتنق نحو 10 في المائة من السكان الإسلام، و7 في المائة يعتنقون المسيحية، وهي مجموعة تضم تاميل وسنهاليين.
وتبعاً لما ذكره الصحافي فيشال أروروا، فإنه: «داخل سريلانكا، بدأت صحوة القومية البوذية بعد نهاية المرحلة الأخيرة من الحرب التي شنتها القوات المسلحة ضد جماعة (نمور التاميل التي كانت تسعى لبناء وطن منفصل للتاميل عام 2009)، وأدى هذا الانتصار إلى إمعان النظر في هوية البلاد، وسمح للنظام بالترويج لقومية عرقية - دينية لاكتساب شرعية لأفعال تتناقض مع الديمقراطية والقانون الدولي. وجرى تصوير الحرب باعتبارها نصراً للبوذية».
وعلى مر السنوات، ترسخت جذور التطرف البوذي مع تكوين الجماعة البوذية المتطرفة الأنشط على مستوى سريلانكا «بودو بالا سينا» (قوة القوة البوذية - بي بي إس). ودخلت «بي بي إس» المعترك السياسي عام 2012 حاملة معها آيديولوجية وأجندة بوذية قومية، وادعى قيادات الجماعة أن أبناء سريلانكا فقدوا بوصلتهم الأخلاقية وتحولوا بعيداً عن البوذية. ومن يلقون عليه باللوم على ذلك؟ مسلمو سريلانكا.
واضطلع الأمين العام لـ«بي بي إس»، غالاغودا أثثي غناناسارا ثيرو، بدور خطير في تأجيج وإطالة أمد الكراهية ضد المسلمين في سريلانكا، وشن حملات ضد ارتداء النساء البرقع وحصول متاجر على شهادات الطعام الحلال.
واتخذ الرئيس مايتريبالا سيريسينا خطوة غير مسبوقة بالعفو عن وإطلاق سراح الراهب البوذي المتعصب المعادي للمسلمين، ثيرو، بعد أن كان يقضي عقوبة السجن ست سنوات لإدانته بإهانة هيئة محكمة. وجاء العفو عنه بعد أسبوع من مهاجمة حشود منازل ومتاجر تخص مسلمين ومساجد في هجمات انتقامية واضحة عن تفجيرات عيد الفصح. وقضى الراهب تسعة أشهر فقط في السجن.
وبعد إطلاق سراحه، طالب ثيرو بإسقاط النظام الحالي وتشكيل «برلمان سنهالي» بدلاً منه.
وقال نشطاء حقوقيون إن إطلاق سراح الراهب المتطرف بعث برسالة مفادها أن الغالبية البوذية بمقدورها التحريض على الكراهية ضد الأقليات. ورأى بعض المحللين في قرار العفو محاولة من جانب الرئيس لاستمالة البوذيين السنهاليين الذين يشكلون 70 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 22 مليون نسمة، قبل عام الانتخابات.
وفي مؤشر حديث آخر على الهيمنة البوذية على المشهد السياسي السريلانكي، دخل راهب بوذي نافذ يدعى أثوراليي راثانا، يعمل عضواً بالبرلمان ومستشاراً للرئيس، في إضراب عن الطعام أسفر عن استقالة جميع الوزراء المسلمين التسعة في الحكومة السريلانكية.
وعلى امتداد سنوات، دخل سياسيون سريلانكيون فيما بينهم في تنافس فج لاستغلال المشاعر الشعبوية والطائفية في خدمة أهدافهم الحزبية بالاعتماد على رهبان بوذيين.
في هذا الصدد، علق الصحافي لاكشمي سوبرامانيا الذي يكتب في مجلة «مغازاين إنديا»، بالإشارة إلى أنه: «بالنظر إلى أنه من المقرر عقد انتخابات رئاسية في ديسمبر (كانون الأول)، وتتبعها انتخابات برلمانية وإقليمية، تعمد الحركة الأصولية البوذية على التأكيد على نفوذها باعتبارها صاحبة الكلمة الأولى في سريلانكا».

- ميانمار
أسفرت الحركة الوطنية البوذية المتطرفة هنا إلى إبادة جماعية واسعة بحق مسلمي الروهينغا، الذين هاجر أسلافهم إلى البلاد قادمين من بنغلاديش. وأسفرت حملات الإبادة عن مقتل المئات على أيدي بوذيين من عرق الراخين. وما يزال أكثر من 300.000 من مسلمي الروهينغا مشردين في الداخل، بينما فر كثيرون إلى خارج البلاد.
يذكر أنه منذ حصولها على استقلالها السياسي عام 2011، شهدت الأوضاع داخل ميانمار اضطراباً بسبب صعود حركة قومية بوذية متطرفة وانتشار الخطابات المعادية للمسلمين ووقوع أعمال عنف طائفية، ليس داخل ولاية الراخين فحسب، وإنما بمختلف أرجاء البلاد.
وعمدت العصبة العسكرية التي هيمنت على الحكم بالبلاد طوال قرابة خمسة عقود، إلى تعزيز فكرة أن البوذيين البرماويين «أعلى» ممن سواهم. ومن المعروف أن المؤسسة العسكرية تتكون بصورة أساسية من بوذيين برماويين.
ومع أن المسلمين يشكلون 4 في المائة فقط من إجمالي سكان ميانمار، يشعر متطرفون بوذيون بقلق من أن يهيمن المسلمون على البلاد.
عام 2001، أطلق الراهبان المتطرفان أشين ويراثو وأشين ويمالا حركة «969» المعادية للمسلمين. وما تزال هذه الحركة، بجانب «ما با تا» (الاتحاد الوطني لميانمار)، تتمتع بنفوذ كبير في أوساط البوذيين في ميانمار. ويوزع أفراد الحركة كتيبات وخطبا مسجلة على شرائط كاسيت تحذر من خطر الإسلام. ويعمل أعضاء الحركة على تأجيج الخوف من المسلمين، الأمر الذي يدفع بدوره بوذيين بورميين نحو العنف. عام 2015، مارس الكيانان البوذيان ضغوطاً كبيرة لتمرير تشريع موال للبوذيين.
جدير بالذكر أن ويراثو صدر ضده حكم بالسجن 25 عاماً لإدانته بالتحريض على أعمال عنف دموية داخل مسقط رأسه في مدينة كيوكسي.
إلا أنه أطلق سراحه في يناير (كانون الثاني) 2012 من السجن في إطار عفو عام من جانب الرئيس آنذاك، ثين سين، بعد قضائه سبع سنوات بالسجن. جدير بالذكر أن ويراثو يطلق على نفسه «بن لادن بورما». وجدير بالذكر أن ميانمار في ظل الحكم البريطاني كانت تعرف باسم بورما.
من ناحية أخرى، يحمل بعض المراقبين الماضي الاستعماري في هذه الدول مسؤولية القلاقل الدينية الحالية.
والسؤال الآن: هل ثمة تهديد يواجه البوذية حقاً؟
الحقيقة أن البوذيين يشكلون الفئة المهيمنة على السكان في هذه الدول، ما يثير علامات استفهام حول شعورهم بالتهديد من جانب أقليات، خاصة المسلمين. ورغم وجود تفسيرات عرقية واجتماعية واقتصادية لظهور مثل هذه الحركات البوذية المسلحة، فإنه من وجهة نظر الرهبان المسلحين أنفسهم يدور الأمر برمته حول الدين.
في كتاب مثير وقيم بعنوان «إذا التقيت بوذا على الطريق: البوذية والسياسات والعنف»، خلص المؤلف مايكل جيريسون إلى أن النصوص والأساطير والتقاليد البوذية تبرر وتروج لصور معينة من العنف، والتي عادة ما يجري تبريرها باعتبارها دفاعا عن الإيمان. وبذلك يتضح أن البوذية لا تختلف عن أي تقاليد دينية أخرى.
علاوة على ذلك، ثمة اعتقاد سائد في البوذية التيرافادية منذ ألف عام بأن الدين سيتراجع حتماً ويندثر.

- تايلاند
داخل تايلاند ذات الأغلبية البوذية، ثمة توترات قائمة بين المسلمين المنتمين للملايا والبوذيين في جنوب البلاد منذ عام 2004. وأسفرت أعمال العنف بين الجانبين عن مصرع 6.000 شخص على الأقل.
ومن المعتقد أن البوذية التايلاندية أصبحت مسيسة واكتسبت صبغة قومية خاصة في أعقاب وفاة بوداداسا، الفيلسوف البوذي البارز عام 1993، وقد اشتهر خليفته، برايود بايوتو بميوله اليمينية.
من جهتها، شددت المعلمة البوذية أشاراوادي ونغساكون، والتي أنشأت «مؤسسة معرفة بوذا» عام 2012، إلى أن البوذية تحتاج إلى حمايات قانونية ويجب أن يلتزم المجتمع بعدد من الأوامر والنواهي تبعاً لها.
ورغم أن المؤسسة الخاصة بها ليست متطرفة، فإنها تتبع على الأقل أجندة أصولية. ومع هذا، تبدو متوافقة تماماً مع باقي عناصر المشهد العام في تايلاند. يذكر أنه في يونيو (حزيران) 2012، تقدمت «مؤسسة معرفة بوذا» بطلب إلى المكتب الوطني للبوذية بإقرار قانون تجريم الإساءة للمقدسات البوذية، حيث تجري بمقتضاه معاقبة كل من يسيء إلى البوذية. كما تسعى المؤسسة لإعلان البوذية الدين الرسمي للدولة.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.