إطلاق معالجات استباقية لتباطؤ الاقتصادين الأميركي والأوروبي

البنوك المركزية تبدأ في تغيير السياسات النقدية

أسهم الإنفاق الاستهلاكي القوي خصوصاً على السلع المعمرة في الحفاظ على قوة الاقتصاد الأميركي (رويترز)
أسهم الإنفاق الاستهلاكي القوي خصوصاً على السلع المعمرة في الحفاظ على قوة الاقتصاد الأميركي (رويترز)
TT

إطلاق معالجات استباقية لتباطؤ الاقتصادين الأميركي والأوروبي

أسهم الإنفاق الاستهلاكي القوي خصوصاً على السلع المعمرة في الحفاظ على قوة الاقتصاد الأميركي (رويترز)
أسهم الإنفاق الاستهلاكي القوي خصوصاً على السلع المعمرة في الحفاظ على قوة الاقتصاد الأميركي (رويترز)

خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي، مجدداً، في ظل تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، واستمرار المصاعب التي تواجه انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، واستمرار انخفاض معدلات التضخم، حيث توقع الصندوق نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2 في المائة في عام 2019، بتراجع 0.1 في المائة عن توقعاته السابقة في أبريل (نيسان) الماضي، وبتراجع 0.3 في المائة مقابل توقعاته في بداية العام الحالي.
كما أشار الصندوق إلى انخفاض حجم التجارة العالمية بنسبة 0.5 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2019 بما يعكس إلى حد ما التوترات التجارية الحالية. وكانت الصين والولايات المتحدة قد رفعتا الرسوم الجمركية على بعض السلع المتداولة بين الدولتين بمليارات الدولارات في مايو (أيار) الماضي، الأمر الذي تسبب، وفقاً لتقرير صادر عن وحدة الأبحاث العالمية في بنك الكويت الوطني، في تراجع توقعات نمو الاقتصاد العالمي وأرباح الشركات، حيث نقلت بعض الشركات سلاسل الإمداد خارج الصين لتجنب الرسوم الجمركية.
بالإضافة إلى ذلك، يأتي التأثير الكبير لانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، المقرر في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، على المعنويات، نظراً للاضطرابات المتوقعة في حال تنفيذ الانفصال دون التوصل إلى اتفاق. وبالنظر إلى التضخم، تظل المعدلات الحالية أقل من المستويات المستهدفة للاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، وهو ما دفع البنوك المركزية الكبرى إلى الحفاظ على أسعار الفائدة المنخفضة عند أدنى مستوياتها تاريخياً.
- الولايات المتحدة
عن الولايات المتحدة الأميركية، قال التقرير إن النمو الاقتصادي تباطأ في الربع الثاني من عام 2019، إلا أنه لا يزال يتخطى التوقعات فيما يعزى بصفة رئيسية إلى قوة الإنفاق الاستهلاكي والحكومي، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1 في المائة على أساس سنوي في الربع الثاني المنتهي في يونيو (حزيران). وتلقى المستثمرون بيانات إيجابية في الأسابيع القليلة الماضية؛ بما في ذلك انتعاش سوق التوظيف ومبيعات التجزئة والطلب على السلع المعمرة، إلا أن الأسواق ما زالت تراهن بشدة على قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتيسير السياسة النقدية في اجتماعه المقرر انعقاده هذا الأسبوع، حيث رفع المستثمرون مستوى توقعات إقدام «الفيدرالي» على خفض معدل الفائدة بواقع 25 نقطة أساس في اجتماع 31 يوليو (تموز) إلى 83.5 في المائة.
إلى ذلك، ارتفعت طلبيات السلع المعمرة (التي تدوم 3 سنوات أو أكثر) بنسبة 2 في المائة في يونيو الماضي إلى 246 مليار دولار، ما يعد أقوى ارتفاع تسجله منذ أغسطس (آب) 2018. ويمثل ذلك النمو انتعاشاً قوياً مقابل التراجع الذي شهدته في مايو بنسبة 2.3 في المائة، وفي أبريل بنسبة 1.3 في المائة، ما كان يمثل أول تراجعين متتالين خلال عام واحد.
ومن غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تغيير التوقعات المؤيدة لانكماش حجم الاستثمارات بوتيرة أعلى في الربع الثاني بما ساهم في كبح جماح النمو الاقتصادي. وقام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتسليط الضوء على الاستثمار والإسكان كنقاط ضعف للاقتصاد الأميركي، حيث وصف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الاستثمار التجاري، بأنه «تباطأ بشكل ملحوظ»، وقال إن هذا قد «يعكس المخاوف بشأن التوترات التجارية وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي».
وكان رد فعل السوق على تلك البيانات خافتاً بصفة عامة. وارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات في البداية بما يشير إلى تراجع الأسعار، إلا أنه شهد انخفاضاً في وقت لاحق. وارتفع عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين، وهو الأكثر حساسية تجاه تحركات أسعار الفائدة، بواقع 3 نقاط أساس قبل أن ينخفض هو الآخر. من جهة أخرى، ارتفع مؤشر الدولار الأميركي مقابل سلة من العملات بعد صدور تلك البيانات، مواصلاً الارتفاعات التي سجلها مؤخراً بما مكنه من العودة إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ أكثر من عامين عند 97.68 في مايو الماضي. وتهاوى اليورو إلى أقل مستوى خلال السنة عند 1.1100 دولار، الأسبوع الماضي، وفي المقابل كسر الإسترليني حاجز 1.24 دولار، ووصل إلى أدنى مستوى في 2019 عند 1.2374 دولار.
وعلى الرغم من أن تأثير النتائج المالية للشركات قد انعكس إيجابياً على أداء الأسهم بصفة عامة، إلا أن المخاوف بشأن التجارة وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي ما زالت تلقي بظلالها، حيث تمكنت شركة «فيسبوك» من تحقيق المزيد من الإيرادات وإضافة مستخدمين جدد في الربع الأخير، كما سجلت مبيعات شركة «تسلا» من السيارات الكهربائية أرقاماً قياسية، فيما سجلت «أمازون» أرباحاً أقل من المتوقع. ومن جهة أخرى، تجاوزت إيرادات شركة «ألفا بت»، الشركة الأم لـ«غوغل»، التوقعات، حيث سجلت 31.7 مليار دولار متفوقة على توقعات المحللين البالغة 30.8 مليار دولار. وقد حققت مبيعات إعلانات «غوغل» نمواً بنسبة 16 في المائة، الذي يعد أبطأ من الفترات الأخيرة، رغم أنه جاء أفضل من المؤشرات الضعيفة التي تم تسجيلها في الربع الأول من عام 2019، وذلك عندما سجلت الشركة نتائج أقل من توقعات «وول ستريت»، وهو ما نتج عنه تراجع سعر سهم الشركة.
وتباين أداء الأسهم، يوم الجمعة الماضي، في أخذ المستثمرين في اعتبارهم أثر المجموعة الأخيرة من إعلانات الأرباح، وتحويل الانتباه نحو قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة هذا الأسبوع، حيث لم يطرأ تغير يذكر على مؤشر «يورو ستوكس 600» مع ارتفاع أسهم وسائل الإعلام والضغوط التي تعرضت لها شركات التجزئة. كما تراجع مؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق الناشئة بنسبة 0.4 في المائة، فيما يعد أدنى تراجعاته منذ أكثر من أسبوعين.
أما على صعيد «وول ستريت»، فقد انخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، ولكنه تعافى ولا يزال يتداول عند أعلى مستوياته القياسية على الإطلاق البالغ 3025.86 نقطة، علماً بأن المؤشر قد ارتفع بنسبة 22 في المائة منذ بداية عام 2019.
- الاتحاد الأوروبي
على الصعيد الأوروبي، أشار التقرير إلى إقدام البنك المركزي حالياً على تغيير سياساته بعد أشهر قليلة من وقف المسؤولين لبرنامج التيسير الكمي، والاستعداد لإنهاء استراتيجية الخطوات التحفيزية الاستثنائية، حيث أرسل البنك إشارات تدل على الاتجاه إلى خفض أسعار الفائدة وتجديد عمليات شراء الأصول لدعم اقتصاد منطقة اليورو ضمن بيان السياسات الصادر عنه يوم الخميس الماضي، بما ترك المجال مفتوحاً أمام إمكانية خفض معدل الفائدة على الودائع في سبتمبر (أيلول) عن مستواه القياسي الحالي البالغ (سالب) 0.4 في المائة. كما تتزايد التوقعات بشأن انتظار البنك المركزي حتى اجتماع سبتمبر قبل إعادة تقديم التدابير التحفيزية بما قد يتيح المزيد من الوقت للكشف عن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي قبل تحديث التوقعات الاقتصادية للبنك المركزي الأوروبي.
ويأتي دفع رئيس المركزي الأوروبي ماريو دراغي، لتلك السياسات، قبل ثلاثة أشهر فقط من انتهاء فترة ولايته البالغة ثماني سنوات، والتي سيسلِم بعدها المنصب إلى مدير عام صندوق النقد الدولي السابق، كريستين لاغارد. وتتجه البنوك المركزية الأخرى إلى تبني توجهات تيسيرية مماثلة في ظل تباطؤ النمو العالمي، وتوقع إقدام الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة هذا الأسبوع.
وقد دفع تباطؤ اقتصاد منطقة اليورو التضخم للتراجع إلى أدنى من مستوياته المستهدفة البالغة 2 في المائة، ببلوغه 1.3 في المائة. ومع استمرار الآثار الواضحة لانكماش قطاع الصناعات التحويلية وبعض المخاطر الأخرى المتعلقة بتوترات التجارة العالمية، لذا فمن الطبيعي اتخاذ البنك المركزي الأوروبي قراراً بتعديل توجيهاته، حيث تراجع الطلب والإنتاج الصناعي في ظل مواجهة الموردين لتحدي تباطؤ الطلب من الصين. كما يشهد قطاع الصناعات التحويلية الألماني أكبر تراجع له منذ سبعة أعوام، ويواجه الاقتصاد مخاطر الركود، حيث إن الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين المستمر منذ أكثر من عام - إلى جانب إمكانية انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق - تعد من العوامل الجيوسياسية التي تثقل أيضاً كاهل منطقة اليورو في الوقت الحاضر.


مقالات ذات صلة

تراجع قياسي لنشاط التصنيع الأميركي في ديسمبر

الاقتصاد عامل يفحص معدات بمصنع في «آيسستون» بمدينة نيويورك (رويترز)

تراجع قياسي لنشاط التصنيع الأميركي في ديسمبر

ازداد خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي انكماش نشاط التصنيع في الولايات المتحدة، فقد تراجع «مقياس إنتاج المصانع» إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من 4 سنوات ونصف.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه يوم الأربعاء المقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة في تقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ شعار شركة ديلويت المسؤولة عن البوابة الإلكترونية للولاية (وسائل إعلام محلية)

اختراق معلومات شخصية ومصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية أميركية

اخترقت مجموعة دولية من المجرمين المعلومات الشخصية والمصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية رود آيلاند الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مكاسب لسوق الأسهم السعودية بدعم من المصارف

مستثمران يتابعان أسعار الأسهم على شاشة «تداول» السعودية (رويترز)
مستثمران يتابعان أسعار الأسهم على شاشة «تداول» السعودية (رويترز)
TT

مكاسب لسوق الأسهم السعودية بدعم من المصارف

مستثمران يتابعان أسعار الأسهم على شاشة «تداول» السعودية (رويترز)
مستثمران يتابعان أسعار الأسهم على شاشة «تداول» السعودية (رويترز)

سجل مؤشر الأسهم السعودية الرئيسية (تاسي)، بنهاية جلسة الاثنين، ارتفاعاً بنسبة 0.33 في المائة، إلى مستويات 12096.73 نقطة، وبسيولة وصلت قيمتها إلى 4.8 مليار ريال (1.27 مليار دولار)، بدعم من القطاع المصرفي.

وارتفع سهم مصرف «الراجحي» بنسبة 0.75 في المائة، إلى 93.50 ريال.

كما سجل سهما «الرياض» و«الاستثمار» ارتفاعاً بمعدل 1.42 و1.93 في المائة، عند 28.50 و14.80 ريال على التوالي، وارتفع سهم «أرامكو السعودية» الأثقل وزناً في المؤشر، بنسبة 0.18 في المائة، إلى 28.50 ريال.

في المقابل، تصدَّر سهم «الكيميائية»، الشركات الأكثر خسارة، بنسبة 3.59 في المائة، عند 9.93 ريال، يليه سهم «أسترا الصناعية» بمعدل 3 في المائة، إلى 187 ريالاً.

وانخفض سهم «معادن» بنسبة 1.51 في المائة، إلى 52.10 ريال، كما تراجع سهم «مجموعة إم بي سي» بمقدار 1 في المائة، عند 56.20 ريال.

وأغلق مؤشر الأسهم السعودية الموازية (نمو) منخفضاً 28.63 نقطة ليصل إلى مستوى 31144.44 نقطة، وبتداولات قيمتها 81 مليون ريال، وبلغت كمية الأسهم المتداولة 7.5 مليون سهم تقاسمتها 8 آلاف صفقة.